خطبة مؤثرة ( أرحنا بها يا بلال )
منصور احمد المقبول
الخطبة الأولى :
الحمدُ للهِ اللَّطيفِ الرؤوفِ المنانِ، الغنيِّ القويِّ السُّلطانِ، الحليمِ الكريمِ الرحمنِ، الأولِ فلا شيءَ قبلَه والآخرِ فلا شيءَ بعدَه، والظاهرِ فلا شيءَ فوقَه والباطنِ فلا شيءَ دونَه، المحيطِ عِلماً بما يكونُ وما كانَ، يُعِزُّ ويُذِلُّ، ويُفْقِرٌ ويُغْنِي، ويفعلُ ما يَشاءُ بحكمتِه، كلَّ يومٍ هو في شَأنٍ، أَرسى الأرضَ بالجبالِ في نواحيها، وأرسلَ السَّحابَ الثِّقالَ بماءٍ يُحييها، وقضى بالفناءِ على جميعِ ساكنيها، ليجزيَ الذين أساؤوا بما عملوا، ويجزيَ المحسنينَ بالإحسانِ، أحمدُه على الصِّفاتِ الكاملةِ الْحِسانِ، وأشكرُه على نِعَمِه السابغةِ , وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الملكُ الديَّانُ، وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُه ورسولُه ، صلى اللهُ عليه وسلَّم وعلى آلِه وأصحابِه والتَّابعينَ لهم بإحسانٍ ما تَوالتِ الأزمانُ .. أما بعد:
(إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ . ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ . أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ) وقال الله (ِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ)
أيها المسلمون إنَ للصلاةِ في الإسلامِ منزلةً لا تعدلُها منزلة فهي عمودُ الدينَ الذي لا يقومُ إلا به قال صلى الله عليه وسلم ( رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ) الصلاةُ أحبتي في الله ركنٌ عظيم ومِن عِظمهِ أن فرضَه الله عز وجل من فوقِ سبعِ سماوات!
هي الركنُ الثاني من أركانِ الدينِ الحنيف والعهدُ الذي بين المسلِم وبينَ ربهِ! هي أخرُ ما أوصى بها النبيُ صلى الله عليه وسلم أمتَه، وهو في سكراتِ الموت وهي أولُ ما يحاسبُ عليه العبدُ من عمله يومَ القيامة فإن قُبلتْ قُبلَ سائرُ عملهِ, وإن رُدتْ رُدَ سائرُ عملهِ.
لهذا توعدَ الله تارِكَها بقوله (فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا) وقالَ الله (مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ. قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ ) ألا إن من تركَها فقد كفرْ !! ذاكَ قولُ نبينَا صلى الله عليه وسلم (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ) وقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ ( "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلا اللَّهَ؛ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ) فيومُ يُتهاونُ بالصلاة أو يتركُ الصلاة أو يتنكرُ للصلاة يصبحُ هذا الإنسانُ لا قداسةَ له, ولا حرمةَ له , ولا مكانةَ له ولا وزنَ له. فأيُ إسلامٍ وأي دينٍ لهُ. وما معنى شهادةِ الا إله إلا الله لرجلٍ قد تركَ الصلاةَ بالكلية.!
وصنفٌ من الناس تؤخَرُه تجارتُه أو وظيفتُه أو اجتماعُه أو نومُه عنِ الصلاةِ. ثم يتبجحُ بعدَ ذلكَ مُدعياً أنه مسلمٌ حقاً!.
يصلون.. لكن صلاةُ العصرِ مع غروبِ الشمس وصلاةُ الفجر بعدَ طلوعِ الشمس فأينَ الاسلامْ؟ وأينَ الدينْ؟ وأينَ الصدقْ؟ وأينَ لاإله إلا الله؟
قال عليه الصلاةُ والسلام ( ليسَ صَلَاةٌ أثْقَلَ علَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ والعِشَاءِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لَأَتَوْهُما ولو حَبْوًا ) فكم يحلو النومُ لأُناسٍ وقتَ الصلاة وكم همُ الذينَ يسمعونَ صوتَ المنبهِ لصلاةِ الفجرِ. ولكن لا يستيقظون.! أو يوقظونَ فلا يستيقظون.. وكأنهم إلى الموتِ أقربُ للحياةِ، أمّا عندما تأتي الدنيا فسترى سرعةَ الانتباهِ واليقظةِ.
روى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيا الأنبياءِ حقٌ ووحيٌ يقولُ ( أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، فَقَالَا لِي: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ بِهَا رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الْحَجَرُ هَاهُنَا، فَيَأْخُذُهُ وَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى "، قَالَ: " قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ قَالَا: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ، أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ) وأعلموا أن مِنْ تَضييعِ الصلاة أن يتركَ الرجلُ الصلاةَ جماعةً ويصليَ في بيتهِ وربُنا يأمرُ بأدائِها في المساجد فيقول (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ) قال أبو هريرة رضي الله عنه ( لأن تُملى أذنُ ابنَ أدم رصاصاً مذاباً خيرٌ له من أن يسمعَ حيَ على الصلاةِ حي على الفلاحَ ثم لا يُجيبَ . وكانتْ علامةُ المنافقينْ أنهم إذا سمِعُوا حي على الصلاةِ تأخرُوا وأعرَضُوا لِذكَ قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ ( إنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ علَى المُنَافِقِينَ صَلَاةُ العِشَاءِ، وَصَلَاةُ الفَجْرِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لأَتَوْهُما ولو حَبْوًا، وَلقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فيُصَلِّيَ بالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي برِجَالٍ معهُمْ حُزَمٌ مِن حَطَبٍ إلى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ بالنَّارِ.)
أخي ربَ الأسرة كم هو مؤلمُ أن تخلوا مسَاجِدُنُا منَ المصلينَ الذينَ هم في ريعانِ الشبابَ وخصوصاً في صلاةِ الفجرْ.
وهذا ينذرُ بشرٍ مستطير وفسادٍ في التربيةِ وضعفٍ لأمةِ الإسلام. إن مسؤوليتَك أيها الأبُ عظيمةً والإثمُ كبيرٌ عندما تقفُ بينَ يديَ الله ويسألُكَ عن هذه الأمانةَ أضيعتَ أم حفظتْ ( قال الله (وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡـَٔلُكَ رِزۡقٗاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ) وقال عليه الصلاة ُ والسلام ( مُروا أَولادَكُم بِالصَّلاةِ وهُم أَبناءُ سبعِ سِنينَ، واضْرِبوهنَّ عَليها وهُم أَبناءُ عَشرٍ، وفَرِّقوا بَينَهُم في المَضاجِعِ.) فاصطحبْ أبناءَكَ للصلاةِ لتبرأَ ذمتُكَ أمامَ الله . وتخرجَ من الإثم . واحتسبْ أجرَ الصبرِ والمصابرةِ في الصلاة فاللهُ يقول (وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) واْعلم أن الإبنَ الصالحَ الذي تربى على حبِ الصلاة سيكونَ لك ذخراً بعدَ موتِك( إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: ومنها أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له.) . قال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه ( حافظوا على أبناءكم في الصلاة وعودوهم الخيرَ فإن الخيرَ عادة) فكنْ لهمْ أيها الأبُ قدوةً صالحةً في المحافظةِ على الصلاة . شجعهم بالحوافزِ والجوائز ِأدعوا لهمْ عندَ إيقاظِهم واسمعِهمْ بعضَ الآياتِ (يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ) اْستشعِرْ أن اْبنكَ الذي تُحبُ قد يكونَ حطباً لجهنمَ إذا لم يصلي.
أخوتي الكرام .إن صلاةَ الجماعة تجارةٌ رابحةٌ مع الله وصلاةُ الفجرِ تعدلُ قيامَ ليلةَ قال النبي صلى الله عليه وسلم ( مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ.) فما أعظمَهُ من أجرٍ رغمَ قلةِ المشقةِ والتعبْ
تأملْ قولَ النبيَ صلى الله عليه وسلم .( مَن صَلَّى الصُّبْحَ فَهو في ذِمَّةِ اللهِ، فلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بشيءٍ فيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ في نَارِ جَهَنَّمَ.) فهل يستطيعُ أحدٌ أن يخرقَ ذمةَ الله أو حتى يمسهاَ؟؟ فذمةُ الله تحميكَ وتحيطُكَ في نفسِكَ وولدِكَ ومالِكَ ودينِكَ بل في سائرِ أمركَ فابشر يامن تركتَ الفراش لتسيرَ لبيتٍ من بيوتِ الله قال نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث وفي اسناده ضعف ( بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) بل هي بشارٌ بدخول ِ الجنةَ قال عليه الصلاةُ والسلامْ (مَن صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ،).
وأعظمُ من هذا كلُه . شرفُ النظرِ إلى وجهِ الله الكريم جلَ جلالُه وتقدستْ اسماؤهُ قال عليه الصلاةُ والسلام (أَما إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، يَعْنِي العَصْرَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ {وَسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} أفتترُكَ الجماعةَ واللهِ لو لم يكنْ في الجماعةَ إلا أن يومَ أن تخرجَ من بيتك فما من خطوة تخطوها إلى المسجد إلا كانَ لك بهذه الخطوةِ حسنةً ومحي عنكَ سيئةً ورفعتَ لك بها درجةً ويُعِدُّ اللهُ لك في الجنةِ منزلاً كلما غدوتَ أو رحتْ لها لكفى بهذه منزلة .
قال عليه الصلاةُ والسلام ( مَن غَدَا إلى المَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ له في الجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّما غَدَا، أَوْ رَاحَ.) ويا لها من منقبةٍ عظيمةْ فاللهَ اللهَ في الصلاة من حافظَ عليها حفظه الله ومن ضيعها سيضيعَهُ الله كما قالَ عمرُ بنِ الخطَّابِ: ولا حظَ في الإسلام لمن تركَ الصلاة.
فالصلاة الصلاة عبادَ الله في بيوتِ الله بخشوعِها بخضوعِها بأركانِها وواجباتِها وسنِنها عل الله أن يحفظنا ويرعانا كما حافظنا عليها وعظمناها ..
الخطبةالثانية
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مِنَ المَوَاقِفِ اليَومِيَّةِ المُحزِنَةِ في هَذَا الزَّمَانِ، وَالَّتي تُكَدِّرُ الخَاطِرَ بَل وَتُنذِرُ بِالخَطَرِ، مَا نَرَاهُ في مَسَاجِدِنَا في صَلاةِ، مِن نَقصٍ شَدِيدٍ في المُصَلِّينَ، وَقِلَّةٍ وَاضِحَةٍ في أَعدَادِ الرَّاكِعِينَ، وَغِيَابِ أَصِحَّاءَ قَادِرِينَ آمِنِينَ، غَيرِ مَحبُوسِينَ وَلا مَعذُورِينَ.
يَحينُ مَوعدُ الإقامةِ، تُقامُ الصلاةُ، قدْ قامتِ الصلاةُ قدِ قامتِ الصلاةُ ثمَّ يَلتفتُ الإمامُ لمنْ خَلْفَهُ اْسْتَووا فَلا يَجدُ إلا الرَجلُ والرَجلَينِ في الصفِ، بلْ يَصلُ الحالُ أنْ يُصليَ الإمامُ مُنفَرِداً دونَ جماعةٍ.
وَكَم يُصِيبُ المُؤمِنَ المُحِبَّ لإِخوَانِهِ مِن حُزنٍ عَلَيهِم وَخَوفٍ مِمَّا يَنتَظِرُهُم وَيَنتَظِرُ المُجتَمَعَ لَو بَقِيَتِ الحَالُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيهِ. أَينَ صُفُوفٌ تُرَى في سَائِرِ المناسبات؟! وَأَينَ رِجَالٌ نَعهَدُهُم في بَقِيَّةِ الأَوقَاتِ؟! أَلَيسَ اللهُ -تعالى- هُوَ الحَيَّ القُيُّومَ الَّذِي لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَومٌ؟! فَكَيفَ لا تَستَحيِي مِنهُ جُمُوعٌ تَضِيقُ بِهَا الشَّوَارِعُ وَتَكتَظُّ بِهَا الطُّرُقُ، وَتَمتَلِئُ الدُّنيَا بها ضَجِيجًا وَهِيَ مُنطَلِقَةٌ في دُنيَاهَا مُتَسَابِقَةٌ إِلى أَعمَالِهَا، تَطلُبُ مِنَ اللهِ الرِّزقَ وَتَرجُوهُ أَن يُوَسِّعَ لَهَا العَطَاءَ والمساجدُ منهم خالية؟!
كَانَ التَّثَاقُلُ عَن الصَلاةِ وَالتَّسَاهُلُ في أَدَائِهَا مَعَ الجَمَاعَةِ، يُعرَفُ قَدِيمًا مِن قِلَّةٍ مِنَ الشَّبَابِ، فَصَارَ في زَمَانِنَا يُوجَدُ مِمَّن تَجَاوَزُوا الثَّلاثِينَ، بَل مِن كُهُولٍ تَجَاوَزُوا الأَربَعِينَ وَالخَمسِينَ، فَيَا لَهُ مِن تَرَاجُعٍ مَا أَشنَعَهُ! وَيَا لَهَا مِنِ انتِكَاسَةٍ مَا أَسوَأَهَا!
صَلاةٌ مَفرُوضَةٌ وَجَمَاعَةٌ وَاجِبَةٌ، وَقُرآنٌ مَشهُودٌ وَشَرَفٌ عَظِيمٌ، وَمَلائِكَةٌ تَهبِطُ وَأُخرَى تَصعَدُ، وَوَعدٌ لِلمُؤمِنِينَ صَادِقٌ، وَوَعِيدٌ لِلمُنَافِقِينَ جَازِمٌ، وَالنَّائِمُ نَائِمٌ وَالمَحرُومُ مَحرُومٌ، فَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، وَإِلى اللهِ المُشتَكَى. قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " خَمسُ صَلَوَاتٍ افتَرَضَهُنَّ اللهُ تعالى مَن أَحسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاَّهُنَّ لِوَقتِهِنَّ، وَأتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ، كَانَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ أَن يَغفِرَ لَهُ، وَمَن لم يَفعَلْ فَلَيسَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مَاذَا بَقِيَ بَعدَ هَذِهِ النُّصُوصِ العَظِيمَةِ، الَّتي صَحَّ بها النَّقلُ عَمَّن لا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى؟! لم يَبقَ وَاللهِ إِلاَّ مُؤمِنٌ قَد مَلأَ اليَقِينُ قَلبَهُ، فَهُوَ بَينَ خَوفٍ مِمَّا وُعِدَ بِهِ تَارِكُو الصَلاةِ مِنَ العَذَابِ الطَّوِيلِ في القَبرِ وَالشَّقَاءِ المُستَمِرِّ بَعدَ الحَشرِ، وَرَجَاءٍ لِمَا عِندَ اللهِ مِنَ النَّعِيمِ المُقِيمِ في الجِنَانِ، وَالفَوزِ بِرُؤيَتِهِ ، وَإِلاَّ فَمُنَافِقُ لا يَزدَادُ إِلاَّ ضِيقًا وَحَرَجًا، فَيَبقَى عَلَى حَالِهِ مَخذُولاً مُبعَدًا، تَمُرُّ بِهِ الأَيَّامُ وَعُمرُهُ في نَقصٍ وَذَنبُهُ في زِيَادَةٍ، وَتَتَوَالى عَلَيهِ اللَّيالي وَهُوَ لا يُبَالي، ثم لا يَشعُرُ إِلاَّ وَقَد قُصِفَ عُمُرُهُ وَانتَهَى أَمرُهُ، وَقَدِمَ عَلَى رَبِّهِ وَقَد أَحَاطَت بِهِ خَطَايَاهُ وَأُسِرَ بِذَنبِهِ.
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَمَن كَانَ مُحَافِظًا عَلَى الصَلاةِ مَعَ الجَمَاعَةِ، فَلْيَحمَدِ اللهَ عَلَى مَا خَصَّهُ بِهِ مِن هَذِهِ النِّعمَةِ الَّتي هِيَ أَكبَرُ النِّعَمِ، وَمَن كَانَ هَاجِرًا لِلمَسجِدِ، أَو يَحضُرُ يَومًا وَيَغِيبُ أَيَّامًا، فَلْيُسَارِعْ بِالتَّوبَةِ الصَّادِقَةِ وَالتَّرَاجُعِ عَن هَذَا الذَّنبِ العَظِيمِ، قَبلَ أَن يَفجَأَهُ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ وَهُوَ عَلَى ذَنبِهِ.
هذا وصلُّوا وسلِّمُوا على مَن أرسلَه الله رحمةً للعالَمين، وهَديًا للناسِ أجمعين.اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامِين، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطُّغاةَ والملاحِدَة والْمُفسِدين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك، وعبادَك المؤمنين.
اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعَزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن الْمُنكَر يا رب العالمين. اللهم من أرادَ الإسلامَ والْمُسلمين ودينَهم وديارَهم بسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نَحرِه، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألُك باسمِك الأعظَم أن تلطُفَ بإخوانِنا المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم الطُف بهم، وارفَع عنهم البلاء، وعجِّل لهم بالفرَج. اللهم وفِّق ولِيَّ أمرِنا لما تُحِبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوَى، اللهم وفِّقه ونائبَه وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العبادِ والبلادِ.
اللهم احفَظ وسدِّد جنودَنا المُرابِطين على ثُغورِنا وحُدودِنا، المُجاهِدين لحفظِ أمنِ بلادِنا وأهلِنا وديارِنا المقدَّسة، اللهم كُنْ لهم مُعينًا ونصيرًا وحافِظًا وظهيرا.
اللهم ارزقنا علما نافعا وعملا صالحا, اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خيرُ من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم اجعلنا ممن يستمعُ القولَ فيتبعُ أحسنَه.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ...