خطبة : لماذا لا ينصرنا الله ؟؟؟

جابر السيد الحناوي
1431/01/23 - 2010/01/09 20:56PM
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]

[motr]
[align=center]لماذا لاينصرنا الله ؟؟؟[/align]

[/motr]


أما بعد :

يقول الله عز وجل في كتابه العزيز : " لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ " ( [1] ) هذه الآيات من سورة الحشر، نزلت في حادث يهود بني النضير ، في أوائل السنة الرابعة من الهجرة ، بعد غزوة أحد وقبل غزوة الأحزاب ، تقرر حقيقة قائمة في نفوس المنافقين وإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب بوجه عام ، وفي نفوس اليهود بوجه خاص .
تلك الحقيقة أنهم يرهبون المؤمنين أشد مما يرهبون الله ، لأنهم لو خافوا الله ما خافوا أحداً من عباده ، فإنما هو خوف واحد ورهبة واحدة ، فلا يجتمع في قلبٍٍ خوف من الله وخوف من شيء سواه ؛ فالعزة لله جميعاً ، وكل قوى الكون خاضعة لأمره ، " ما مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا " ( [2] )فممن يخاف إذن ذلك الذي يخاف الله ؟ ولكن الذين لا يفقهون هذه الحقيقة يخافون عباد الله أشدَّ مما يخافون الله " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ " .
إن من أهم صفات اليهود التي ينبغي أن يلتفت لها العالم أجمع صفة الخوف والجبن والتخاذل ، وقد حاول الإعلام اليهودي المضلل أن يوهم الناس بشجاعة المقاتل الإسرائيلي ، فأطلقوا على جيشهم : «الجيش الذي لا يقهر» وأطلقوا على جنودهم اسم : "المقاتل الصبور" وغير ذلك من الأوصاف الكاذبة ، ولكن القرآن الكريم يكشف عن حقيقة الجبن والخوف والخور الذي هو جزء من الطبيعة اليهودية لا ينفك عنها قديما وحديثا .
فقد أوضح القران الكريم تأصل الجبن في بنائهم النفسي، وتمكن الخور من كيانهم الأخلاقي في أكثر من آيةمن آيات القران الكريم ،فها نحن نرى قرآننا يجسد لنا حالهم حين أمرهم موسى عليه السلام بدخول الأرض المقدسـة نراهم قد جبنوا ، وخافوا ، وقالوا : " ... يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ" ( [3] ) ثم يؤكد جبنهم وخوفهم حين ينقل لنا قولهم : " ... يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ" ( [4] )
وفي حروبهم مع المسلمين يكشف القرآن الكريم عنطبيعتهم الجبانة فيقول سبحانه وتعالي كما سمعنا : " لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ " .
وهكذا يعري القرآن الكريم الشخصية اليهودية مندعاوى الشجاعة والإقدام التي تدعيها لنفسها ، وهنا يبرز السـؤال الذي يحير عقول الكثير من المسلمين وهو : إذاكان الأمر كذلك فلماذا انتصر اليهود على المسلمين في العصر الحديث ؟؟
والجواب : إن اليهود لم ينتصروا على مسلمينمتمسكين بإسلامهم ، وإنما انتصروا على نماذج بشرية لاتحمل من الإسلام إلا اسمه ، ولا تعرف شيئا عن حقيقتهوجوهره ، فأراد الله أن يؤدب الأمة الإسلامية ، التي انحرفت عن منهج الله ، على يد أجبن خلقه وأشدهم خوفا ، حتى تفيق هذه الأمة من غفلتها ، وحتى تأخذ مكانتها كاملة إسلامية بحق ... وباختصار فإن المعادلة المستقيمة يعرفها الجميع : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ "( [5] )
فليس لنا أن نسأل عن السبب في عدم انتصارنا علىاليهود ، برغم أننا على الحق وهم على الباطل ، إلا بعد أن نحقق في أنفسنا الصفتين اللتين وردتا في الآية الكريمة وهما:
1- أن نكون مؤمنين بحق حتى نكون نحن المنادين بـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " في الآية الكريمة .
2- " إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ " بأن ننصر الله حقا ، بعدم الانحراف عن منهجه.
وحينئذ تتحقق وعود الله لنا كما تحققت لأسلافنا : " لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ " ( [6] )
أما نحن اليوم ــ فمما يندى له الجبين ــ قد قطعنا صلتنا بالله ، وقد اعتمدنا على غيره في النصر ، ففي زمان العزة والكرامة والهيبة كان المسلمون كلما نزلت بهم نازلة فزعوا إلي ربهم يطلبون منه العون والسداد والتوفيق ، وكان هديهصلي الله عليه وسلمأنه كان إذا حزبه شيء فزع إلى الصلاة ، وأمر بلالا رضي الله عنه أنينادي بـ " الصلاة جامعة " أما في زمان الانكسار والتبعية ، ومرارة الهزيمة النفسية التي تغص بها حلوق كثير من مسلمي الأمة في هذا الزمان ، إذا نزلت بساحتنا داهية من دواهي العصر، فزع الناس إلى ألد أعدائهم يطلبون منهم النصرة والنجدة والتدخل السريع لإنقاذ الأمة مما حاق بها ، وأصبحت السلبية متربعة على قلوب كثيرمن المسلمين ، فالجماهير الغفيرة تخرج في كل مكان تطالب حكوماتها العاجزة المتخاذلة بأن تتحرك وتضغط على أمريكا ، والحكومات المتخاذلة تطلب على استحياء من أمريكا أن تضغط علي إسـرائيل كي توقف عدوانها .
إن أمريكا قد أثبتت بالدليل القاطع ، وفي مواطن كثيرة ، أنها أشد عداوة وضراوة للمسلمين من الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين ، فقد فتحت أبواب ترسانتها الحربية علي مصراعيها ، كي تمد اسرائيل بآلة الحرب الصهيونية القتالة التي تصول وتجول بها على شعب غزة الأعزل .
أمريكا الراعية لكل طاغية وظالم على وجه الأرض ، وفي الوقت الذي تتقطع فيه قلوب المسلمين في شتى بقاع الأرض كمدا وحزنا علي إخوانهم في غزة ، يخرج علينا زعيمها الكافر المرتد ومن قبله المعتوه تلميذ الدجال ، ليعلن كل منهم بكل صلف أنه يتفهم موقف إسرائيل وحربها على غزة ، وأنها في حالة دفاع عن النفس ، وهكذا تدور الأمة في حلقة مفرغة .
إننا لو درسنا واقعنا بعمق لرأينا أنه لا يوجد فينا سبب من أسباب النصر من الله تعالى؟ إذ ينصر الله المؤمنين فحسب ، ولنقرأ حديث المصطفى صلي الله عليه وسلم وهو يبين لنا أسباب الفساد والفشل في المسلمين اليوم ، قال رسول اللهصلي الله عليه وسلم: " كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهن : ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ، وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ، وما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ، ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم ، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم " ( [7] )
وإذا كان هذا الذي ذكره رسولنا صلي الله عليه وسلم قد حل بنا اليوم ، فليس هناك إذن داع للاستغراب والذهول من أسباب فشلنا وضعفنا أمام الأعداء من صهيونيةواستعمار.
حقا ... هناك من المسلمين من بقي في قلبه نور الإيمان ، ولكنهم قليلون لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا سوى الدعاء من الله لنصر المسلمين على أعدائهم ورد كيدهم في نحورهم ، ولكن دون جدوى ، فيقولون مستغربين : إن الله عز وجل قال : " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " ( [8] ) وقال عز وجل أيضا : " أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ " ( [9] ) فلماذا نحن ندعوه فلا يستجاب لنا .
وهنا نذكر بقول حبيبنا صلي الله عليه وسلم حيث يبين لهم لماذا لا يستجيب الله عز وجل لهم :عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ "([10])
إن معسكر الكفر ــ من المنافقين والذين كفروا من أهل الكتاب ــ لا ينال من المسلمين إلا عندما تتفرق قلوب المسلمين ، فلا يعودون يمثلون حقيقة المؤمنين التي عرضتها آيات سورة الحشر في المقطع السابق في هذه السورة ؛ فكما هو معلوم أنه بعد انتصار المسلمين علي بني النضير قسم رسول اللهصلي الله عليه وسلمالفيء على المهاجرين خاصة دون الأنصار ( [11] ) وذلك أن المهاجرين لم يكن لهم مال بعد الذي تركوه في مكة وتجردوا منه كله لعقيدتهم . ورغم أن الأنصار كانوا قد أنزلوهم دورهم وشاركوهم ما لهم في أريحية عالية ، وأخوة صادقة ، وإيثار عجيب ، ومع ذلك فإنهم لم يجدوا في أنفسهم علي المهاجرين ، بل آثروهم بالغنيمة ولم تتشوف أنفسهم لمشاركتهم فيها نزولا علي حكم رسول الله صلي الله عليه وسلم.
فهذه هي صورة المؤمنين التي يتنزل عليها نصر الله، ففي هذه الحالة فقط تكون معسكرات الكفر كلها أضعف وأعجز ، تكون متفرقة الأهواء والمصالح والقلوب كما وصفهم لنا رب العزة " ... بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ... "فالقرآن يقر هذه الحقيقة في قلوب المؤمنين ، ليهون فيها من شأن أعدائهم ؛ ويرفع منها هيبة هؤلاء الأعداء ورهبتهم ، فهو إيحاء قائم على حقيقة ؛ وتعبئة روحية ترتكن إلى حق ثابت "... وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا " " ... وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا" ( [12] )

*** *** ***


المعركة بين المسلمين واليهود ليست معركة أرض إنما هي معركة عقيدة ودين ، فهي ليست قضية فلسطينية أو عربية أوقومية ، إنها قضية إسلامية ، فاليهود يعتقدون أنها أرض الميعاد و بأن أي يهودى في العالم يستطيع أن يهاجر إلي أرض الميعاد .. فلسطين ، ولا يفعل ، فهو كافر بالدين اليهودي ، وقال " بيجن " في كتاب " التحدي " يرفع شعاره الدموي : " أنا قاتل إذن أنا موجود ، وقال " كهانا " : إن إبادة العرب واجب مقدس ، وغدا لن يصيب أي عربي اليهود ؛ لأنه لن يكون في إسرائيل أي عربي " فهل يعي ذلك الذين يحلمون بما يسمونه : " سلام دائم ومستقر مع اليهود " ألم يروا شعار اليهود " من النيل إلي الفرات " المحفور علي باب الكنيست الاسرائيلي إلي اليوم ؟ أم لم يسمعوا عنه ؟
إن قضية فلسطين هي قضية كل المسلمين وليست قضية وطن بعينه ، والحرب التي دارت وتدور رحاها على رؤوس إخواننا في غزة ، وتصب عليهم نيران الحقد الصليبي الصهيوني ، لا لشيء إلا من أجل أنهم مسلمون ، في محاولات دءوبة ومستمرة لإبعادهم عن إسلامهم ... سلاحهم الحقيقى ... وهي حلقة في سلسلة الصراع لتحقيق وطن يهود من النيل إلي الفرات ، فالدور آت علينا لا محالة ، وما علينا إلا أن نساندهم بكل ما أوتينا من قوة ، بدلا من أن نحاصرهم ونسلمهم إلي اليهود جثة لا حراك فيها ، وليخش الحالمون المتخاذلون قول المصطفي صلي الله عليه وسلم: " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ( [13] )
فأين سلاح الاسلام فى المعركة ؟وأين حقوق الأخوة الإسلامية في التضامنوالمساندة والنصرة والموالاة ؟ الأخوة التي لم تفرقيوما بينأبي بكر العربي ، وصهيب الرومى ، وسلمانالفارسي ، وبلال الحبشي ، وصلاح الدين الكردي ،الأخوة التي حركت الجيوش بقيادة الخليفة المعتصم من أجل استغاثة امرأة نادت وهى أسيرةفي سجون الروم « وامعتصماه » كلمة سجل التاريخدويها ، وانطلق الجنود على إثرها تملؤهم الغيرةوالحمية لهذا الدين ، حتى أنقذوها من الأسر بعد أندكوا حصون الروم ، ووصلوا إليها ، ثم قال لهاالمعتصم : " اشهدي لي عند جدك المصطفى أني جئت لخلاصك ".
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي )




[1] الحشر:13-14

[2] هود من الآية56

[3] المائدة : 22

[4] المائدة:24

[5] محمد:7

[6] آل عمران :111

[7] صحيح الترغيب والترهيب ج 2 / ص 256 ، رواه البيهقي وهذا لفظه ، رواه الحاكم بنحوه من حديث بريدة وقال صحيح على شرط مسلم

[8] غافر: من الآية60

[9] البقرة: من الآية186

[10] مسند أحمد ج 47 / ص 281

[11] عدا رجلين من الأنصار فقيرين هما سهل بن حنيف ، وأبو دجانة سماك بن خرشة

[12] النساء من الآيتين 87 ، 122

[13] صحيح البخاري 21 / 282
المشاهدات 6078 | التعليقات 0