خطبة للمحرم ...اختيار الهجرة بداية للتأريخ الإسلامي
جابر السيد الحناوي
1431/01/16 - 2010/01/02 21:10PM
بســم الله الرحمـــن الرحــيم
[marq]اختيار الهجرة بداية للتأريخ الإسلامي[/marq]
ومازال شهر المحرم يظلنا ببركاته ، وهو الشهر الرابع كما تعلمون من الأشهر الحرم في الإسلام ، يذكرنا بحدث عظيم فى حياة الإسلام ، ألا هو حادث الهجرة ، التي غيرت مجرى التاريخ ، ورسمت للحياة وجها جديدا ، وفرق الله بها بين الحق والباطل .
وقبل أن نسترسل في بيان أهمية الهجرة كبداية للتأريخ الإسلامي ، نود أن نذكر بشيء من حكمة الله البالغة في تعاقب الشهور والأعوام ، وتوالي الليالي والأيام ، فإن الله سبحانه وتعالي جعل الليل والنهار خزائن للأعمال ومراحل للآجال ، يعمرها الناس بما يعملون من خير وشر حتى تنتهي بهم الآجال.
ومن رحمتهسبحانه وتعاليبعباده أن جعل لهم ليلا ونهارا " لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَلِيبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ " وجعل لكل منهما آية : آية النهار وهي الشمس وآية الليل وهي القمر ، جعل الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ، ليبتغوا فيه من فضل الله ، ويطلبوا فيه معايشهم ، وجعل كل نهار يتجدد بمنزلة الحياة الجديدة يستمد فيه العبد قوته ، ويستقبل عمله ، ولذلك سمى الله النومَ بالليل وفاةً واليقظة بالنهار بعثاً ، فقال عز وجل : " وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "( الأنعام 60 )
ومن رحمته سبحانه وتعالي بعباده أن جعل الشمس والقمر حسبانا ، ففي الشمس معرفة الأيام والفصول ، وفي القمر حسبان الشهور ، وجعل الله السنة اثني عشر شهرا ، قال سبحانه وتعالي : " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ... " (التوبة 40)
وإن من تيسير الله سبحانه وتعالي أن جعل الحساب الشرعي العربي مبنيا على الشهور الهلالية ؛ لأن لها علامةٌ حسية يفهمها الخاص والعام ، وهي رؤية الهلال في المغرب بعد غروب الشمس ، فمتى رئي الهلال فقد دخل الشهر المستقبل وانتهى الشهر الماضي ، وبذلك عرفنا أن ابتداء التوقيت اليومي من غروب الشمس لا من زوالها ، لأن أول اليوم يدخل بغروب الشمس ، وأول الشهر هو أول الوقت .
وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم قيمة الهجرة النبوية فجعلوها مبدأ للتأريخ ، فلم يؤرخوا بمولده ولا ببعثته صلي الله عليه وسلم ، ولا بغزوة بدر التي سجلت أول انتصار للإسلام على الشرك والمشركين ، ولا بفتح مكة الذى طهر الله به البيت الحرام من عبادة الأوثان ، ورفع به راية التوحيد على جزيرة العرب .
إن كل هذه الأحداث تصلح لأن تكون مبدأ للتأريخ الإسلامي ، لولا ما يقترن بكل منها من معني يتضاءل أمام ما أدت إليه الهجرة من نتائج إيجابية لانتشار الدعوة الإسلامية .
فالميلاد .. ميلاد المصطفي صلي الله عليه وسلم وإن كان هو مبدأ انبثاق النور المحمدي ، إلا أنه ربما صرف الناس إلي الاهتمام بذات الشخص ، وقد جاء الإسلامُ حربا علي هذا الاهتمام ، فقد قاد النصاري إلي تأليه عيسي المسيح عليه السلام ، وللأسف الشديد فإن المسلمين في العصر الحالي يقلدون النصاري كثيرا فى الاحتفال برأس السنة الهجرية ، ولسان حالهم يقول : إننا كسالي وعجزي عن تنفيذ المبادئ التي جاء بها المصطفي صلي الله عليه وسلم ، فأبدلناها باحتفالات باهتة توزع فيها الحلوي والشربات ، وتنشغل فيها النساء بإعداد الأطعمة ذات الأنواع ، ويتشدق فيها الخطباء بمحاسن سيد الخلق والأنام ، وآية من هنا وحديث من هناك ، ثم ينفض المولد كما قام ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
أما البعثة .. فهي في الحقيقة أولُ مظهر تجلت فيه عناية الرحمن بهداية الخلق من جديد ، بعد أن انحرفوا عن الصراط المستقيم ، وبعد أن تركوا ما أتتهم به الرسل السابقون من شرع ودين ، ومع ذلك فإن البعثة لم يتحقق المراد منها إلا بعد الهجرة ، كما أن المسلمين قد ذاقوا في أعقاب البعثة الأمرين، حتي هاجروا بدينهم أفرادا إلي الحبشة ، ثم الهجرة إلي المدينة المنورة .
كذلك وقعة بدر وفتح مكة ، فإنهما معركتان هامتان ، أذل الله بهما الكفر ودولته ، ومكّن المسلمين في أعقابهما من عدوهم تمكينا ، إلا أننا لو نظرنا بعين الواقع لوجدناهما من ثمرة الهجرة وخيرِها وبركتها .
فالهجرة إذن هي الموقف الحاسم في تاريخ الإسلام ، وكل ما تحقق بعدها من نجاحات فهو محسوب لها وراجع إليها ، ولذلك جعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول التأريخ من محرم سنة الهجرة.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رُفع إليه صك مكتوب لرجل علي آخر بدين يحل عليه فى شعبان ، فقال : أي شعبان ؟ أمن هذه السنة ، أم التى بعدها ، أم التي قبلها ؟
فجمع الناس ـ وكان ذلك عام ست عشرة أو سبع عشرة من الهجرة ـ فاستشارهم من أين يبدأ التأريخ ، فيقال أن بعضهم أراد أن يؤرخ كما تؤرخ الفرس بملوكهم ، كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ ولاية الذي بعده ، فكرهوا ذلك ، ومنهم من قال : نؤرخ من تاريخ الروم من زمان الاسكندر ، فكرهوا ذلك أيضا ، وقال آخرون نبدأ من مولد رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال بعضهم نؤرخ من بعثته صلي الله عليه وسلم وقال بعضهم يبدأ من وفاته صلي الله عليه وسلم وأشار علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وآخرون أن يبدأ التأريخ من هجرته صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة ؛ لظهور حادث الهجرة للكافة ، فإنه أظهر من المولد ومن المبعث ، فاستحسن عمر و الصحابة رضي الله عنهم وقال : نعم نؤرخ لهجرة رسول الله صلي الله عليه وسلم لأن الله فرق بها بين الحق والباطل ، فجعلوا مبتدأ تاريخ السنين في الإسلام سنة الهجرة ؛ لأنها هي السنة التي كان فيها قيام كيان مستقل للمسلمين ، وفيها تكوين أول بلد إسلامي يسيطر عليه المسلمون ، فاتفق فيه ابتداء الزمان والمكان.
ثم إن الصحابة الذين جمعهم عمر تشاوروا من أي شهر يبدؤون السنة ، فقال بعضهم من ربيع الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلي الله عليه وسلممهاجرا إلى المدينة ، وقال بعضهم من رمضان لأنه الشهر الذي نزل فيه القرآن ، واتفق رأي عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم على ترجيح البداءة بالمحرم ، لأنه شهر حرام ويلي ذي الحجة الذي فيه أداء الناس حجهم ، الذي به تمام أركان الإسلام ؛ لأن الحج آخر ما فرض من الأركان الخمسة ، ثم إنه يلي الشهر الذي بايع فيه النبي صلي الله عليه وسلم الأنصار على الهجرة وتلك المبايعة من مقدمات الهجرة فكان أولى الشهور بالأولوية شهرُ المحرم .
عباد الله : علينا أن نشكر الله على ما يسره لنا من هذا الحساب البسيط الميسر ، ولعل هذا ما يعنيه النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم حين قَالَ : " إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ " ( [1] ) فقَوْله صلي الله عليه وسلم (إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ) : أَيْ مَنْسُوبَة إِلَى الأُمّ بِاعْتِبَارِ الْبَقَاء عَلَى الْحَالَة الَّتِي خَرَجْنَا عَلَيْهَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا ، أي علي الفطرة البسيطة ؛ فَلِذَلِكَ مَا كَلَّفَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالي بِحِسَابِ أَهْلِ النُّجُومِ وَلا بِالشُّهُورِ الشَّمْسِيَّة الْخَفِيَّة ، لأَنَّهُ لَوْ اِرْتَبَطَ الأَمْر بِهَا لَضَاقَ إِذْ لا يَعْرِفُهَا إِلا الْقَلِيل ؛ لذلك كَلَّفَنَا بِالشُّهُورِ الْقَمَرِيَّة الْجَلِيَّة ، الظاهرة للجميع ، لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَاب التَّسْيِير ، والحديث وإن كان قد عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ وَغَيْره بِالرُّؤْيَةِ ، فقد َاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ ـ كما يقول ابن حجر ـ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ الحساب ، بَلْ ظَاهِر السِّيَاقِ يُشْعِرُ بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلا وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الآخر " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " وَلَمْ يَقُلْ فَسَلُوا أَهْل الْحِسَاب. ( [2] )
لعل هذه هي بعضُ المعاني التي يعنيها المصطفي صلي الله عليه وسلم من الحديث المذكور .. حساب بسيط ميسر، لا تكلف فيه ، يستطيع كل فرد في الأمة أن يحيط به ، ويسير أموره وفق معاييره الفطرية الجلية ، فالتاريخ اليومي يبدأ من غروب الشمس ، والشهري يبدأ من الهلال ، والسنوي يبدأ من الهجرة ، هذا ما جرى عليه المسلمون وعملوا به ، واعتبره الفقهاء في كتبهم في حلول آجال الديون وغيرها ، فعلى الأمة الإسلامية قاطبة ــ بعد شكر الله عز وجل علي هدا الفضل العظيم ــ أن تجعل لنفسها وجودا وكيانا مستقلين مستمدين من روح الدين الإسلامي ، وأن تكون متميزة عن غيرها في كل ما ينبغي أن تتميز به من الأخلاق والآداب والمعاملات ؛ لتبقى أمة بارزة مرموقة ، لا تابعة لغيرها ، ولا هاوية في تقليد من سواها تقليدا أعمى ، لا يجر إليها نفعا ولا يدفع عنها ضررا ، وإنما يظهرها بمظهر الضعف والتبعية ، وينسيها ما كان عليه أسلافها ، ولن يُصْلِحَ آخرَ هذه الأمة إلا ما أصلح أولَها .
وقبل أن نسترسل في بيان أهمية الهجرة كبداية للتأريخ الإسلامي ، نود أن نذكر بشيء من حكمة الله البالغة في تعاقب الشهور والأعوام ، وتوالي الليالي والأيام ، فإن الله سبحانه وتعالي جعل الليل والنهار خزائن للأعمال ومراحل للآجال ، يعمرها الناس بما يعملون من خير وشر حتى تنتهي بهم الآجال.
ومن رحمتهسبحانه وتعاليبعباده أن جعل لهم ليلا ونهارا " لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَلِيبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ " وجعل لكل منهما آية : آية النهار وهي الشمس وآية الليل وهي القمر ، جعل الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ، ليبتغوا فيه من فضل الله ، ويطلبوا فيه معايشهم ، وجعل كل نهار يتجدد بمنزلة الحياة الجديدة يستمد فيه العبد قوته ، ويستقبل عمله ، ولذلك سمى الله النومَ بالليل وفاةً واليقظة بالنهار بعثاً ، فقال عز وجل : " وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "( الأنعام 60 )
ومن رحمته سبحانه وتعالي بعباده أن جعل الشمس والقمر حسبانا ، ففي الشمس معرفة الأيام والفصول ، وفي القمر حسبان الشهور ، وجعل الله السنة اثني عشر شهرا ، قال سبحانه وتعالي : " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ... " (التوبة 40)
وإن من تيسير الله سبحانه وتعالي أن جعل الحساب الشرعي العربي مبنيا على الشهور الهلالية ؛ لأن لها علامةٌ حسية يفهمها الخاص والعام ، وهي رؤية الهلال في المغرب بعد غروب الشمس ، فمتى رئي الهلال فقد دخل الشهر المستقبل وانتهى الشهر الماضي ، وبذلك عرفنا أن ابتداء التوقيت اليومي من غروب الشمس لا من زوالها ، لأن أول اليوم يدخل بغروب الشمس ، وأول الشهر هو أول الوقت .
وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم قيمة الهجرة النبوية فجعلوها مبدأ للتأريخ ، فلم يؤرخوا بمولده ولا ببعثته صلي الله عليه وسلم ، ولا بغزوة بدر التي سجلت أول انتصار للإسلام على الشرك والمشركين ، ولا بفتح مكة الذى طهر الله به البيت الحرام من عبادة الأوثان ، ورفع به راية التوحيد على جزيرة العرب .
إن كل هذه الأحداث تصلح لأن تكون مبدأ للتأريخ الإسلامي ، لولا ما يقترن بكل منها من معني يتضاءل أمام ما أدت إليه الهجرة من نتائج إيجابية لانتشار الدعوة الإسلامية .
فالميلاد .. ميلاد المصطفي صلي الله عليه وسلم وإن كان هو مبدأ انبثاق النور المحمدي ، إلا أنه ربما صرف الناس إلي الاهتمام بذات الشخص ، وقد جاء الإسلامُ حربا علي هذا الاهتمام ، فقد قاد النصاري إلي تأليه عيسي المسيح عليه السلام ، وللأسف الشديد فإن المسلمين في العصر الحالي يقلدون النصاري كثيرا فى الاحتفال برأس السنة الهجرية ، ولسان حالهم يقول : إننا كسالي وعجزي عن تنفيذ المبادئ التي جاء بها المصطفي صلي الله عليه وسلم ، فأبدلناها باحتفالات باهتة توزع فيها الحلوي والشربات ، وتنشغل فيها النساء بإعداد الأطعمة ذات الأنواع ، ويتشدق فيها الخطباء بمحاسن سيد الخلق والأنام ، وآية من هنا وحديث من هناك ، ثم ينفض المولد كما قام ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
أما البعثة .. فهي في الحقيقة أولُ مظهر تجلت فيه عناية الرحمن بهداية الخلق من جديد ، بعد أن انحرفوا عن الصراط المستقيم ، وبعد أن تركوا ما أتتهم به الرسل السابقون من شرع ودين ، ومع ذلك فإن البعثة لم يتحقق المراد منها إلا بعد الهجرة ، كما أن المسلمين قد ذاقوا في أعقاب البعثة الأمرين، حتي هاجروا بدينهم أفرادا إلي الحبشة ، ثم الهجرة إلي المدينة المنورة .
كذلك وقعة بدر وفتح مكة ، فإنهما معركتان هامتان ، أذل الله بهما الكفر ودولته ، ومكّن المسلمين في أعقابهما من عدوهم تمكينا ، إلا أننا لو نظرنا بعين الواقع لوجدناهما من ثمرة الهجرة وخيرِها وبركتها .
فالهجرة إذن هي الموقف الحاسم في تاريخ الإسلام ، وكل ما تحقق بعدها من نجاحات فهو محسوب لها وراجع إليها ، ولذلك جعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول التأريخ من محرم سنة الهجرة.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رُفع إليه صك مكتوب لرجل علي آخر بدين يحل عليه فى شعبان ، فقال : أي شعبان ؟ أمن هذه السنة ، أم التى بعدها ، أم التي قبلها ؟
فجمع الناس ـ وكان ذلك عام ست عشرة أو سبع عشرة من الهجرة ـ فاستشارهم من أين يبدأ التأريخ ، فيقال أن بعضهم أراد أن يؤرخ كما تؤرخ الفرس بملوكهم ، كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ ولاية الذي بعده ، فكرهوا ذلك ، ومنهم من قال : نؤرخ من تاريخ الروم من زمان الاسكندر ، فكرهوا ذلك أيضا ، وقال آخرون نبدأ من مولد رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال بعضهم نؤرخ من بعثته صلي الله عليه وسلم وقال بعضهم يبدأ من وفاته صلي الله عليه وسلم وأشار علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وآخرون أن يبدأ التأريخ من هجرته صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة ؛ لظهور حادث الهجرة للكافة ، فإنه أظهر من المولد ومن المبعث ، فاستحسن عمر و الصحابة رضي الله عنهم وقال : نعم نؤرخ لهجرة رسول الله صلي الله عليه وسلم لأن الله فرق بها بين الحق والباطل ، فجعلوا مبتدأ تاريخ السنين في الإسلام سنة الهجرة ؛ لأنها هي السنة التي كان فيها قيام كيان مستقل للمسلمين ، وفيها تكوين أول بلد إسلامي يسيطر عليه المسلمون ، فاتفق فيه ابتداء الزمان والمكان.
ثم إن الصحابة الذين جمعهم عمر تشاوروا من أي شهر يبدؤون السنة ، فقال بعضهم من ربيع الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلي الله عليه وسلممهاجرا إلى المدينة ، وقال بعضهم من رمضان لأنه الشهر الذي نزل فيه القرآن ، واتفق رأي عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم على ترجيح البداءة بالمحرم ، لأنه شهر حرام ويلي ذي الحجة الذي فيه أداء الناس حجهم ، الذي به تمام أركان الإسلام ؛ لأن الحج آخر ما فرض من الأركان الخمسة ، ثم إنه يلي الشهر الذي بايع فيه النبي صلي الله عليه وسلم الأنصار على الهجرة وتلك المبايعة من مقدمات الهجرة فكان أولى الشهور بالأولوية شهرُ المحرم .
عباد الله : علينا أن نشكر الله على ما يسره لنا من هذا الحساب البسيط الميسر ، ولعل هذا ما يعنيه النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم حين قَالَ : " إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ " ( [1] ) فقَوْله صلي الله عليه وسلم (إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ) : أَيْ مَنْسُوبَة إِلَى الأُمّ بِاعْتِبَارِ الْبَقَاء عَلَى الْحَالَة الَّتِي خَرَجْنَا عَلَيْهَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا ، أي علي الفطرة البسيطة ؛ فَلِذَلِكَ مَا كَلَّفَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالي بِحِسَابِ أَهْلِ النُّجُومِ وَلا بِالشُّهُورِ الشَّمْسِيَّة الْخَفِيَّة ، لأَنَّهُ لَوْ اِرْتَبَطَ الأَمْر بِهَا لَضَاقَ إِذْ لا يَعْرِفُهَا إِلا الْقَلِيل ؛ لذلك كَلَّفَنَا بِالشُّهُورِ الْقَمَرِيَّة الْجَلِيَّة ، الظاهرة للجميع ، لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَاب التَّسْيِير ، والحديث وإن كان قد عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ وَغَيْره بِالرُّؤْيَةِ ، فقد َاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ ـ كما يقول ابن حجر ـ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ الحساب ، بَلْ ظَاهِر السِّيَاقِ يُشْعِرُ بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلا وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الآخر " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " وَلَمْ يَقُلْ فَسَلُوا أَهْل الْحِسَاب. ( [2] )
لعل هذه هي بعضُ المعاني التي يعنيها المصطفي صلي الله عليه وسلم من الحديث المذكور .. حساب بسيط ميسر، لا تكلف فيه ، يستطيع كل فرد في الأمة أن يحيط به ، ويسير أموره وفق معاييره الفطرية الجلية ، فالتاريخ اليومي يبدأ من غروب الشمس ، والشهري يبدأ من الهلال ، والسنوي يبدأ من الهجرة ، هذا ما جرى عليه المسلمون وعملوا به ، واعتبره الفقهاء في كتبهم في حلول آجال الديون وغيرها ، فعلى الأمة الإسلامية قاطبة ــ بعد شكر الله عز وجل علي هدا الفضل العظيم ــ أن تجعل لنفسها وجودا وكيانا مستقلين مستمدين من روح الدين الإسلامي ، وأن تكون متميزة عن غيرها في كل ما ينبغي أن تتميز به من الأخلاق والآداب والمعاملات ؛ لتبقى أمة بارزة مرموقة ، لا تابعة لغيرها ، ولا هاوية في تقليد من سواها تقليدا أعمى ، لا يجر إليها نفعا ولا يدفع عنها ضررا ، وإنما يظهرها بمظهر الضعف والتبعية ، وينسيها ما كان عليه أسلافها ، ولن يُصْلِحَ آخرَ هذه الأمة إلا ما أصلح أولَها .
*** *** ***
مما سبق نستطيع أن ندرك سبب اختيار الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حادث الهجرة بداية للتأريخ الإسلامي ، إذ هي الحدث الجلل في تاريخ هذا الدين ، المليء بالعبر لذوى القلوب والأبصار، خاصة في هذه الأيام التي تحتاج فيها الأمة الإسلامية إلي من يأخذ بيدها إلي طريق النصرعلي الأعداء ، وأخص بالذكر النصرعلي إسرائيل وإجبارها علي وقف العدوان علي قطاع غزة ، بعد أن تخاذل الجميع إلي درجة الهوان ، بل لا أغالي إذا قلت بعد أن باعوا القضية ، ولم نعد نسمع كالعادة إلا المبادرات والشجب والتحسر علي أعداد القتلي والجرحى ، بل ومطالبة الفلسطينيين بوقف الدفاع عن أنفسهم ، في مقابل استجداء القرارات من مجلس الأمن .
هؤلاء نطالبهم جميعا بالمساندة الفعالة لإخوانهم في غزة ، وليس العمل علي حصارهم لحساب الكيان الصهيوني ، حتي لو اضطررنا إلي الدخول في حرب معلنة مع اسرائيل ، بل ومع العالم أجمع ، ولا تخافوا علي مناصبكم وعروشكم ، فالله وحده هو الذي ولاكم إياها ، وليس العم سام " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ... " ( [3] ) فعليكم أن تثبتوا لله عز وجل " ... الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ... " ( [4] ) أنكم رجال جديرون بهذه العروش التي تعتلونها ، و ندعوكم جميعا ـ حكاما ومحكومين ـ إلي مطالعة الآية الكريمة التي ذُكر فيها حادثُ الهجرة ، نطالعها مرة ثانية وثالثة ... بل دائما وأبدا ، فسنجد أن المطلوب منا للنصر علي الأعداء يتلخص في ست كلمات فقط : " إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ " ( [5] ) لا يحتاج منا الجيوش الجياشة ، ولا الأسلحة المتطورة وما إلي ذلك ، لا يكلفنا إلا : " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ... " ( [6] ) وإن كان عندكم شك في ذلك ، فتعالوا نلقي نظرة على آية الهجرة التي معنا ، إذ يقول الله عز وجل : " إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " ( [7] )
فقد كرر اللهعز وجل كلمة " إِذْ " في الآية ثلاث مرات :
إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ ...
إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ...
إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ...
كررها عز وجل ثلاث مرات ، لينسخ في الأولى عامل الكثرة العددية إذا كانت مبطلة .
وليبطل في الثانية ، لعبده المؤمن المضطر ، ما يسمي باستراتيجية المكان .
ولينبه في الثالثة إلي أن حقيقة النصر أن يوفَّق المرء إلي اعتقاد الحق والعملِ به ، وأن كل ما عرف الناس من ألوان السلاح ، ووسائل القتال ، إنما هي في نظر المؤمن ، أدواتٌ معطلةٌ مغلولة ، أمام ما يملأ قلبه من ثقة بربه عز وجل ؛ ولهذا فإن الله سبحانه وتعالي بعد أن أوضح لنا هذا الدرس الإيماني كان أمره الواضح في الآية التالية مباشرة لها : " انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (التوبة 41)
بل وأكثر من ذلك ، نجد رب العزة جل جلاله يهوِّن من شأن العدو ، ويطمئن المؤمنين بقوله سبحانه وتعالي : " لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِن يقاتلوكم يُوَلُّوكُمُ الأدبار ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ "( [8] ) بهذا يضمن الله للمؤمنين النصر وسلامة العاقبة ، ضمانة صريحة حيثما التقوا بأعدائهم هؤلاء ، فلن يكون ضرر المؤمنين عميقاً ولا أصيلاً. . إنما هو الأذى العارض في الصدام ، والألم الذاهب مع الأيام ، وأما لو قاتلوا المؤمنين واشتبكوا معهم في قتال لولوا الأدبار فرارا " ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ " ، فالهزيمة مكتوبة عليهم - في النهاية - والنصر ليس لهم على المؤمنين ، بل ولا ناصر لهم ولا عاصم لهم من المؤمنين .
ولقد وقع ذلك كله بعد نزول هذه الآية ، وتحقق علي أرض الواقع ، فما كانت معركة بين المسلمين وأهل الكتاب إلا كتب الله فيها النصر للمسلمين - ما حافظوا على دينهم واستمسكوا بعقيدتهم ، وأقاموا منهج الله في حياتهم - وكتب لأعدائهم المذلة والهوان. ( [9] )
فإذا قال قائل لماذا نغلب ـ الآن ـ في شتي بقاع الأرض ونحن مسلمون؟ فلينظر قبل أن يقولها : ما هو الإسلام ، ومن هم المسلمون؟! ثم يقول ما شاء أن يقول ! فالحق سبحانه وتعالى لا يسلط على أوليائه إلا بمقدار ما يصدق إلى الله فرارُهم ، فإذا حق فرارُهم أكرم لديه قرارَهم . اللهم هل بلغت ؟ اللهم فاشهد .
هؤلاء نطالبهم جميعا بالمساندة الفعالة لإخوانهم في غزة ، وليس العمل علي حصارهم لحساب الكيان الصهيوني ، حتي لو اضطررنا إلي الدخول في حرب معلنة مع اسرائيل ، بل ومع العالم أجمع ، ولا تخافوا علي مناصبكم وعروشكم ، فالله وحده هو الذي ولاكم إياها ، وليس العم سام " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ... " ( [3] ) فعليكم أن تثبتوا لله عز وجل " ... الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ... " ( [4] ) أنكم رجال جديرون بهذه العروش التي تعتلونها ، و ندعوكم جميعا ـ حكاما ومحكومين ـ إلي مطالعة الآية الكريمة التي ذُكر فيها حادثُ الهجرة ، نطالعها مرة ثانية وثالثة ... بل دائما وأبدا ، فسنجد أن المطلوب منا للنصر علي الأعداء يتلخص في ست كلمات فقط : " إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ " ( [5] ) لا يحتاج منا الجيوش الجياشة ، ولا الأسلحة المتطورة وما إلي ذلك ، لا يكلفنا إلا : " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ... " ( [6] ) وإن كان عندكم شك في ذلك ، فتعالوا نلقي نظرة على آية الهجرة التي معنا ، إذ يقول الله عز وجل : " إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " ( [7] )
فقد كرر اللهعز وجل كلمة " إِذْ " في الآية ثلاث مرات :
إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ ...
إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ...
إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ...
كررها عز وجل ثلاث مرات ، لينسخ في الأولى عامل الكثرة العددية إذا كانت مبطلة .
وليبطل في الثانية ، لعبده المؤمن المضطر ، ما يسمي باستراتيجية المكان .
ولينبه في الثالثة إلي أن حقيقة النصر أن يوفَّق المرء إلي اعتقاد الحق والعملِ به ، وأن كل ما عرف الناس من ألوان السلاح ، ووسائل القتال ، إنما هي في نظر المؤمن ، أدواتٌ معطلةٌ مغلولة ، أمام ما يملأ قلبه من ثقة بربه عز وجل ؛ ولهذا فإن الله سبحانه وتعالي بعد أن أوضح لنا هذا الدرس الإيماني كان أمره الواضح في الآية التالية مباشرة لها : " انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (التوبة 41)
بل وأكثر من ذلك ، نجد رب العزة جل جلاله يهوِّن من شأن العدو ، ويطمئن المؤمنين بقوله سبحانه وتعالي : " لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِن يقاتلوكم يُوَلُّوكُمُ الأدبار ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ "( [8] ) بهذا يضمن الله للمؤمنين النصر وسلامة العاقبة ، ضمانة صريحة حيثما التقوا بأعدائهم هؤلاء ، فلن يكون ضرر المؤمنين عميقاً ولا أصيلاً. . إنما هو الأذى العارض في الصدام ، والألم الذاهب مع الأيام ، وأما لو قاتلوا المؤمنين واشتبكوا معهم في قتال لولوا الأدبار فرارا " ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ " ، فالهزيمة مكتوبة عليهم - في النهاية - والنصر ليس لهم على المؤمنين ، بل ولا ناصر لهم ولا عاصم لهم من المؤمنين .
ولقد وقع ذلك كله بعد نزول هذه الآية ، وتحقق علي أرض الواقع ، فما كانت معركة بين المسلمين وأهل الكتاب إلا كتب الله فيها النصر للمسلمين - ما حافظوا على دينهم واستمسكوا بعقيدتهم ، وأقاموا منهج الله في حياتهم - وكتب لأعدائهم المذلة والهوان. ( [9] )
فإذا قال قائل لماذا نغلب ـ الآن ـ في شتي بقاع الأرض ونحن مسلمون؟ فلينظر قبل أن يقولها : ما هو الإسلام ، ومن هم المسلمون؟! ثم يقول ما شاء أن يقول ! فالحق سبحانه وتعالى لا يسلط على أوليائه إلا بمقدار ما يصدق إلى الله فرارُهم ، فإذا حق فرارُهم أكرم لديه قرارَهم . اللهم هل بلغت ؟ اللهم فاشهد .
[1] صحيح البخاري ج 6 / ص 487
[2] فتح الباري لابن حجر ج 6 / ص 156
[3] آل عمران من الآية 26
[4] يس من الآية 83
[5] محمد من الآية 7
[6] الأنفال من الآية 60
[7] التوبة 40
[8]آل عمران 111
[9]في ظلال القرآن ج 1 / ص 419
المشاهدات 6304 | التعليقات 2
نعم .. فلنلحظ هذا ، ولكن علينا أن نعلم أن الله لا يعطل القوانين ، ولا يبطل السنن لأهل الكسل والتشدق بمعاني الإيمان ، وإنما يفعل ذلك فقط لمن تمسك بالحق ، وأقام معالمه في نفسه ، وغلَّب سلطان الحق علي هواه ، وسخر له وقته وماله وعلمه وعقله وجوارحه ووجوده كلَّه.
اللهم هل بلغت ؟ اللهم فاشهد .
اللهم هل بلغت ؟ اللهم فاشهد .
جابر السيد الحناوي
[/font]
وآخر فصول المسرحية : استجداء الوساطة والضمانات من الولايات المتحدة الأمريكية ، أية وساطة وأية ضمانات بعد أن أعلنت الولايلت المتحدة الأمريكية فشلها في التأثير علي ربيبتها .. إسرائيل ؟؟؟ عجبا لذلك !!!
تعديل التعليق