خطبة : ( لك الحمد يا رحمن ما هل صيب )
عبدالله البصري
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزقًا لَكُم فَلا تَجعَلُوا للهِ أَندَادًا وَأَنتُم تَعلَمُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، بَينَمَا الأَرضُ مُجدِبَةٌ وَالمَيَاهُ غَائِرَةٌ ، وَالمَرعَى يَابِسٌ وَالأَنعَامُ جَائِعَةٌ ، وَنُفُوسُ النَّاسِ مُنقَبِضَةٌ وَصُدُورُهُم ضَائِقَةٌ ، إِذْ آذَنَ اللهُ لَهُم بَعدَ الشِّدَّةِ بِالفَرَجِ ، وَجَعَلَ لَهُم بَعدَ العُسرِ يُسرًا ، فَعَمَّ أَرجَاءَهُمُ بالغَيثِ ، وَأَنزَلَ عَلَيهِم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَت أَودِيَةٌ بِقَدَرِهَا ، فَإِذَا الأَرضُ تَهتَزُّ وَتَربُو ، وَتَلبَسُ مِنَ المَاءِ ثَوبَ حُسنٍ وَبَهَاءٍ وَصَفَاءٍ ، فَتَسُرُّ النَّاظِرِينَ وَتُبهِجُ السَّائِرِينَ ، وَإِذَا الوُجُوهُ مُشرِقَةٌ وَالثُّغُورُ بَاسِمَةٌ ، فَسُبحَانَ مَن جَعَلَ مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ ، وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ، وَأَحيَا بِهِ بَلدَةً مَيتًا وَأَسَقَاهُ ممَّن خَلَقَ أَنعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا " وَاللهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحيَا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَسمَعُونَ " " اللهُ الَّذِي يُرسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبسُطُهُ في السَّمَاءِ كَيفَ يَشَاءُ وَيَجعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ إِذَا هُم يَستَبشِرُونَ . وَإِن كَانُوا مِن قَبلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيهِم مِن قَبلِهِ لَمُبلِسِينَ . فَانظُرْ إِلى آثَارِ رَحمَةِ اللهِ كَيفَ يُحيي الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحيي المَوتى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ "
لَكَ الحَمدُ كَم قَلَّدتَنَا مِن صَنِيعَةٍ *** وَأَبدَلتَنَا بِالعُسرِ يَا رَبَّنَا يُسرَا
لَكَ الحَمدُ يَاذَا الكِبرِيَاءِ وَمَن يَكُنْ *** بِحَمدِكَ ذَا شُكرٍ فَقَد أَحرَزَ الشُّكرَا
لَكَ الحَمدُ يَا ذَا الجُودِ وَالمَجدِ وَالعُلا *** تَبَارَكتَ تُعطِي مَن تَشَاءُ وَتَمنَعُ
إِلَهٌ وَخَلاَّقٌ وَحِرزٌ وَمَوئِلٌ *** إِلَيكَ لَدَى الإِعسَارِ وَاليُسرِ نَفزَعُ
لَكَ الحَمدُ يَا مُستَوجِبَ الحَمدِ دَائِمًا *** عَلَى كُلِّ حَالٍ حَمدَ فَانٍ لِدَائِمِ
وَسُبحَانَكَ اللَّهُمَّ تَسبِيحَ شَاكِرٍ *** لِمَعرُوفِكَ المَعرُوفِ يَا ذَا المَرَاحِمِ
فَكَم لَكَ مِن سِترٍ عَلَى كُلِّ خَاطِئٍ *** وَكَم لَكَ مِن بِرٍّ عَلَى كُلِّ ظَالِمِ
وَجُودُكَ مَوجُودٌ وَفَضلُكَ فَائِضٌ *** وَأَنتَ الَّذِي تُرجَى لِكَشفِ العَظَائِمِ
وَبَابُكَ مَفتُوحٌ لِكُلِّ مُؤَمِّلٍ *** وَبِرُّكَ مَمنُوحٌ لِكُلِّ مُصَارِمِ
عِبَادَ اللهِ ، مَا مِنَ النَّاسِ مِن أَحَدٍ إِلاَّ وَهُوَ يَفرَحُ بِالغَيثِ وَيُسَرَّ بِهِ ، وَلا مُسلِمٍ إِلاَّ وَهُوَ يَعلَمُ أَنَّهُ مِن أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِنَ الدِّينِ وَالعَقلِ وَالمُرُوءَةِ ، أَن تُحفَظَ هَذِهِ النِّعمَةُ وَتُطلَبَ الزِّيَادَةُ مِنهَا وَالمُبَارَكَةُ فِيهَا .
وَإِنَّهُ لا حِفظَ لِهَذِهِ النِّعمَةِ الجَلِيلَةِ ، وَلا ازدِيَادَ مِنهَا ولا مُبَارَكَةَ فِيهَا ، إِلاَّ بِشُكرِهَا الشُّكرَ الحَقِيقِيَّ ، المَبنيَّ عَلَى العِلمِ أَنَّهُ لا وَاهِبَ لها إِلاَّ اللهُ ، رَبُّ الأَربَابِ وَمُسَبِّبُ الأَسبَابِ ، وَخَالِقُ المَطَرِ وَمُجرِي السَّحَابِ ، الوَاسِعُ العَلِيمُ الَّذِي بِيَدِهِ الفَضلُ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ ، وَالَّذِي يَختَصُّ بِرَحمَتِهِ مَن يَشَاءُ " وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصرِفُهُ عَمَّن يَشَاءُ "
وَإِذَا عَلِمَ العَبدُ هَذَا وَأَيقَنَ أَنَّ مَا عِندَ اللهِ لا يُنَالُ إِلا بِرِضَاهُ وَالمُسَارَعَةِ إِلى تَقوَاهُ ، وَلا يُحفَظُ إِلاَّ بِشُكرِهِ وَكَثرَةِ ذِكرِهِ ، رَطَّبَ لِسَانَهُ حِينَئِذٍ بِشُكرِ اللهِ ، وَشَغَلَ جَوَارِحَهُ بِعِبَادَتِهِ ، وَجَعَلَ مِنَ النِّعَمِ قُوَّةً لَهُ عَلَى ذِكرِهِ وَعَونًا عَلَى طَاعَتِهِ ، وَجَانَبَ طَرِيقَ أَهلِ الجَهلِ وَالغُرُورِ وَالغَفلَةِ وَالجُحُودِ ، الَّذِينَ يَنسِبُونَ النِّعَمَ إِلى غَيرِ المُنعِمِ ـ سُبحَانَهِ ـ أَو يَتَعَلَّقُونَ بِغَيرِهِ في جَلبِهَا وَتَحصِيلِهَا .
عِبَادَ اللهِ ، لم يَزَلِ اللهُ ـ تَعَالى ـ مُنعِمًا مُتَفَضِّلاً ، وَمَا زَالَت نِعَمُهُ عَلَى عِبَادِهِ تَتَجَدَّدُ ، فَفِي كُلِّ يَومٍ بَل في كُلِّ سَاعَةٍ وَلَحظَةٍ ، لَهُ عَلَى عَبدِهِ فَضلٌ وَنِعمَةٌ ، وَلَكِنَّ النَّاسَ لَيسُوا في الشُّكرِ سَوَاءً ، بَل مَا زَالَ مِنهُمُ المُؤمِنُ الشَّاكِرُ وَالجَاحِدُ الكَافِرُ ، فَعَن زَيدِ بنِ خَالِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ صَلاَةَ الصُّبحِ بِالحُدَيبِيَةِ في إثْرِ سَمَاءٍ كَانَت مِنَ اللَّيلِ ، فَلَمَّا انصَرَفَ أقبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : " هَل تَدرُونَ مَاذَا قالَ رَبُّكُم ؟ " قَالُوا : اللهُ وَرَسُولُهُ أعلَمُ . قَالَ : " قَالَ : أصبَحَ مِن عِبَادِي مُؤمِنٌ بي وَكَافِرٌ ، فَأَمَّا مَن قَالَ : مُطِرنَا بِفَضلِ اللهِ وَرَحمَتِهِ ، فَذلِكَ مُؤمِنٌ بي كَافِرٌ بِالكَوكَبِ ، وَأَمَّا مَن قَالَ مُطِرنَا بِنَوءِ كَذَا وَكَذَا ، فَذَلِكَ كَافِرٌ بي مُؤمِنٌ بِالكَوكَبِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ الغَيثَ فَضلٌ مِنَ اللهِ يُبتَلَى بِهِ العِبَادُ ، وَيَظهَرُ بِهِ مَا في قُلُوبِهِم مِن إِيمَانٍ وَضِدِّهِ ، وَمَعَ هَذَا فَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشكُرُ لِنَفسِهِ ، وَمَن كَفَرَ فَإِنَّمَا يَضُرُّ نَفسَهُ ، وَاللهُ غَنيٌّ عَن عِبَادِهِ ، وَهُمُ الفُقَرَاءُ إِلَيهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنْ تَكفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنكُم وَلا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكُفرَ وَإِن تَشكُرُوا يَرضَهُ لَكُم "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ حِكَايَةً لِقَولِ مُوسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ لِقَومِهِ : " وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكفُرُوا أَنتُم وَمَن في الأَرضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللهَ لَغَنيٌّ حَمِيدٌ " قَالَ ذَلِكَ بَعدَ أَن أَخبَرَهُم قائلاً : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ عَن سُلَيمَانَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ : " قَالَ هَذَا مِن فَضلِ رَبِّي لِيَبلُوَني أَأَشكُرُ أَم أَكفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنيٌّ كَرِيمٌ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنيُّ الحَمِيدُ . إِن يَشَأْ يُذهِبْكُم وَيَأتِ بِخَلقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ . وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى وَإِنْ تَدعُ مُثقَلَةٌ إِلى حِملِهَا لَا يُحمَلْ مِنهُ شَيءٌ وَلَو كَانَ ذَا قُربى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفسِهِ وَإِلى اللهِ المَصِيرُ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَزَكُّوا أَنفُسَكُم وَكُونُوا مِن عِبَادِهِ المُتَّقِينَ الشَّاكِرِينَ ، يُضَاعِفْ لَكُمُ البَرَكَةَ فِيمَا أَنزَلَ عَلَيكُم وَيَحفَظْهُ لَكُم ، وَلا تَكُونُوا مِنَ المُكَذِّبِينَ الفَاسِقِينَ ، فَتُحرَمُوا بَرَكَةَ مَا نَزَلَ وَطَهَارَتَهُ وَنَقَاءَهُ ، فَإِنَّ اللهَ قَد وَصَفَ مَاءَ الغَيثِ بِالبَرَكَةِ وَالطَّهَارَةِ ، فَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَنَزَّلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنبَتنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَهُوَ الَّذِي أَرسَلَ الرِّيَاحَ بُشرًا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا " وَلَكِنَّ لِلشُّكرِ وَالإِيمَانِ مِنَ المُنعَمِ عَلَيهِم أو التَّكذِيبِ وَالجُحُودِ أثرًا في تَضَاعُفِ البَرَكَةِ وَازدِيَادِهَا ، أَو ذَهَابِهَا وَاضمِحلالِهَا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَـكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهم بما كَانُوا يَكسِبُونَ "
وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَنِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " بَينَمَا رَجُلٌ يَمشِي بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرضِ ، فَسَمِعَ صَوتًا في سَحَابَةٍ : اِسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفرَغَ مَاءَهُ في حَرَّةٍ ، فإِذَا شَرْجَةٌ مِن تِلكَ الشِّرَاجِ قَدِ استَوعَبَت ذَلِكَ المَاءَ كُلَّهُ ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ ، فإذَا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمسحَاتِهِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَبدَ اللهِ ، ما اسمُكَ ؟ قال : فُلانٌ لِلاسمِ الَّذِي سَمِعَ في السَّحابةِ ، فَقَالَ لَهُ : يا عبدَ الله ، لِمَ تَسألُني عَنِ اسمِي ؟ فَقَالَ : إنِّي سَمِعتُ صَوتًا في السَّحابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يقولُ : اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ ، فَمَا تَصنَعُ فِيهَا ؟ فَقَالَ : أمَّا إِذْ قُلتَ هَذَا ، فَإنِّي أنظُرُ إِلى مَا يَخرُجُ مِنهَا ، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ ، وَآكُلُ أنَا وَعِيَالي ثُلُثًا ، وَأردُّ فِيهَا ثُلُثَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " ظَهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ وَالبَحرِ بما كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لِيسِتِ السَّنَةُ بِأَن لا تُمطَرُوا ، وَلَكِنَّ السَّنَةَ أَن تُمطَرُوا وَتُمطَرُوا ، وَلا تُنبِتُ الأَرضُ شَيئًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في أَسمَاعِنَا وَأَبصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا ، وَاجعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعمَتِكَ مُثنِينَ بها وَقَابِلِيهَا ، وَأَتِمَّهَا عَلَينَا ، وَتُبْ عَلَينَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوا لَهُ وَلا تَكفُرُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الشُّكرَ لَيسَ كَلِمَاتٍ تُقَالُ أَو عِبَارَاتٍ تُرَدَّدُ دُونَ أَن يَكُونَ لها أَثَرٌ في الوَاقِعِ ، كَمَا أَنَّ الجُحُودَ لَيسَ بَعدَمِ التَّحَدُّثِ بِنِعَمِ اللهِ فَحَسبُ ، وَإِنَّمَا الجُحُودُ الحَقِيقِيُّ وَكُفرُ النِّعَمِ هُوَ التَّقصِيرُ في جَنبِ اللهِ وَتَركُ العَمَلِ بما يُرضِيهِ ، وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اِعمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكرًا وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ "
وَفي الصَّحِيحَينِ عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ ، فَقُلتُ لَهُ : لِمَ تَصنَعُ هَذَا وَقَد غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ : " أَفَلا أُحِبُّ أَن أَكُونَ عَبدًا شَكُورًا "
أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ مَن لم يَزَالُوا يَتَقَلَّبُونَ في نِعَمِ اللهِ ، ثم هُم يَترُكُونَ الفَرَائِضَ وَيَهجُرُونَ المَسَاجِدَ ، لِيَتَّقِ اللهَ مَن يَمنَعُونَ زَكَاةَ أَموَالِهِم وَلا يَحُضُّونَ عَلَى طَعَامِ المِسكِينَ ، لِيَتَّقِ اللهَ مَن يُطلِقُونَ لِجَوَارِحِهِمُ العِنَانَ لِتَرتَعَ في كُلِّ خَبِيثٍ مِن مَأكُولٍ أَو مَشرُوبٍ أَو مَسمُوعٍ ، لِيَتَّقِ اللهَ أَهلُ العُقُوقِ وَالقَطِيعَةِ ، لِنَتُبْ إِلى اللهِ جَمِيعًا مِن كُلِّ ذَنبٍ وَخَطِيئَةٍ ، فَإِنَّ مَا عِندَ اللهِ لا يُنَالُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ ، وَالذُّنُوبُ سَبَبُ كُلِّ شَرٍّ وَفَسَادٍ وَبَلِيَّةٍ ، وَقَد وَصَفَ القُرآنُ الكَرِيمُ مَن يَجحَدُ بِآيَاتِ اللهِ بِالكُفرِ وَالظُّلمِ ، وَوُصِمُوا بِأَنَّهُم أَصحَابُ خَترٍ وَغَدرٍ ، قَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَما يَجحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الكافِرُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَما يَجحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالمُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا يَجحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ "
وَأَمَّا أَقسَى عُقُوبَةٍ لِلجَاحِدِينَ في الدُّنيَا ، فَإِنَّهَا صَرفُهُم عَنِ الحَقِّ ، وَخِذلانُهُم وَحِرمَانُهُم مِنَ التَّمَتُّعِ بِأَبصَارِهِم وَأَسمَاعِهِم وَعُقُولِهِم ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " كَذَلِكَ يُؤفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللهِ يَجحَدُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَجَعَلنا لَهُم سَمعًا وَأَبصارًا وَأَفئِدَةً فَمَا أَغنى عَنهُم سَمعُهُم وَلا أَبصارُهُم وَلا أَفئِدَتُهُم مِن شَيءٍ إِذْ كَانُوا يَجحَدُونَ بِآياتِ اللهِ "
وَأَمَّا النَّتِيجَةُ الحَتمِيَّةُ لِلجُحُودِ فَإِنَّهَا الخُلُودُ في النَّارِ وَاستِحقَاقُ عَدَاوَةِ اللهِ " ذلِكَ جَزاءُ أَعداءِ اللهِ النَّارُ لَهُم فِيهَا دَارُ الخُلدِ جَزَاءً بما كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجحَدُونَ "
اللَّهُمَّ اجعَلْنَا مِمَّن إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ ، وَإِذَا ابتُلِيَ صَبَرَ ، وَإِذَا أَذنَبَ استَغفَرَ .
المرفقات
لك الحمد يا رحمن ما هل صيب.doc
لك الحمد يا رحمن ما هل صيب.doc
لك الحمد يا رحمن ما هل صيب.pdf
لك الحمد يا رحمن ما هل صيب.pdf
المشاهدات 5009 | التعليقات 8
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية طيبة وبعد يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لا يشكر الناس لا يشكر الله
فشكرا جزيلا أخي الشيخ عبد الله البصري على جهودك
وجعل ما تقدمه في ميزان حسناتك وفقك الله .
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
جزاكم الله كل خير
جزاك الله خيراً شيخ عبدالله على ما تتحفنا به دائماً..
لا شلت يمينك شيخ عبدالله
وغفر الله لك ولوالديك
بارك الله فيك شيخ عبدالله
رشيد بن ابراهيم بوعافية
أحسن الله إليك أستاذ عبد الله ، خطبة ممتازة ، واستهلالٌ كاستهلال ابن القيّم و النّظراء من أئمّة الهدى ، شكرَ اللهُ لك وجعلها في ميزان حسناتك ! .
تعديل التعليق