خطبة لجمعة عيد الأضحي 1430 هـ

جابر السيد الحناوي
1430/12/07 - 2009/11/24 22:37PM
بســم الله الرحمــن الرحـــيم

[motr]خطبة جمعة عيد الأضحي 1430 هـ[/motr]

[glint]
[motr1]فضل يوم النحر وأيام التشريق[/motr1]

[/glint]
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" ( آل عمران : 102 )
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " ( النساء : 1 )
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " ( الأحزاب : 70 )
أما بعد ...
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ..." ( [1] )
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرّ " ( [2] )
هذان الحديثان الشريفان يبينان أن اليوم الذي نعيشه الآن هو أفضل الأيام عند الله تعالي بلا منازع ، فقد تظاهرت الأحاديث النبوية المشرفة علي هذا الفضل ؛ فهو اليوم الخاتم من أيام ذي الحجة التي وصفها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنها أفضل أيام الدنيا فعن جابررضي الله عنه أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أفضل أيام الدنيا أيام العشر " ( [3] ) وفي فضلها قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ أَعْظَمَ أَجْراً مِنْ خَيْرٍ تَعْمَلُهُ فِى عَشْرِ الأَضْحَى ". قِيلَ : وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ قِيلَ : وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ :" وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ " ( [4] )
فاليوم هو ختام " أفضل أيام الدنيا ".. ختام العشر المفضلات من ذي الحجة ، وهو اليوم الأول من أيام عيد الأضحي المبارك ، وهو يوم النحر ، والذي في فضله قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ القر". ( [5] ) فإذا صادف هذا اليوم يوم الجمعة تكون قد تظاهرت فيه كل الفضائل التي تجعله أفضل أيام العام بلا منازع ،ولا يعكر صفو ذلك ذهاب جماعة من العلماء إلى أن يوم الجمعة أفضل الأيام ، واحتجوا بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ".
وفصل النزاع كما قال الحافظ ابن القيم : أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ، ويوم النحر أفضل أيام العام ، فيوم النحر مفضل على الأيام كلها ، التي فيها الجمعة وغيرها ، ويوم الجمعة مفضل على أيام الأسبوع ، فإن اجتمعا في يوم كما هو الحال في يومنا هذا تظاهرت الفضيلتان ، وإن تباينا ، فيوم النحر أفضل وأعظم .
يضاف إلي ذلك أنه أول أيام التشريق في أرجح الأقوال ، وأيام التشريق أيضا أيام عظيمة خُصت بذكر الله تعالى في القرآن العظيم ، كما جاء في قوله عز وجل : " وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ "( [6] ) كذلك جاء ذكرها في السنة النبوية المشرفة ففي حديث نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنهقال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ " ( [7] )
أما يوم القر فيأتي في المرتبة التالية في الفضل عند الله تبارك وتعالي بعد يوم النحر ؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ القر" ( [8] ) ويومُ القُرِّ: هو اليوم الذي يلي يوم النحر، لأن الناس يقرون فيه بمنى ـ بقية أيام التشريق ـ بعد أن فرغوا من طواف الإفاضة والنحر واستراحوا. ( [9] )
هذه هي الأيام الأربعة المعدودات التي تظلنا اعتبارا من اليوم ، يوم الأضحي وثلاثة أيام بقية أيام التشريق ، ولا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات التي ذكر الله فيقوله عز وجل : " وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى ..." ( [10] ) هي أيام منى وهي أيام التشريق وأن هذه الأسماء واقعة عليها ، وهي أيام رمي الجمار وهي واقعة على الثلاثة الأيام التي يتعجل الحاج منها في يومين بعد يوم النحر. ( [11] )
يعضـد ذلك :
ــ حديث عبد الرحمن بن يَعْمَر الدِّيلي: " وأيام مني ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه" ( [12] )
ــ وقال مقسم عن ابن عباس رضي الله عنه : الأيام المعدودات أيام التشريق أربعة أيام : يوم النحر وثلاثة بعده .
ــ ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هي ثلاثة يوم النحر ويومان بعده اِذبح في أيهن شئت وأفضلها أولها.
والقول الأول هو المشهور وعليه دل ظاهر الآية الكريمة حيث قال فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه فدل على ثلاثة بعد النحر. ( [13] )
وهذا ما قاله الإمام الطبري في تفسيره فى تأويل قوله سبحانه تعالى : " وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ..." يعني جل ذكره اذكروا الله بالتوحيد والتعظيم في أيام محصيات ، وهي أيام رمي الجمار ، أمر عباده يومئذ بالتكبير أدبار الصلوات ، وعند الرمي مع كل حصاة من حصى الجمار يرمي بها جمرة من الجمار ، وبمثل هذا ذكر عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله سبحانه تعالى : " وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ " قال : أيام التشريق. ( [14] )
سبب تسميتها بأيام التشريق ودخول يوم العيد فيها :
ومقتضى كلام أهل اللغة والفقه أن أيام التشريق هى ما بعد يوم النحر ، على اختلافهم هل هي ثلاثة أيام أو يومان ، لكن ما ذكروه من سبب تسميتها بذلك يقتضي دخول يوم العيد فيها .
وقد حكى فى ذلك أقوال :
أحدهما : لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي , أي يقددونها ويبرزونها للشمس .
ثانيهما : لأنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر فصارت تبعا ليوم النحر ، بمعنى أن صلاة العيد إنما تصلى بعد أن تشرق الشمس .. سميت أيام التشريق بذلك .
وعن ابن الأعرابي قال : سميت بذلك لأن الهدايا والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس .
وعن يعقوب بن السكيت قال : هو من قول الجاهلية : أشرق ثبير كيما نغير ، أي ندفع لننحر .( [15] )
فضل العمل في أيام التشريق :
روى في الصحيح أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ "( [16] )
و عن أبي هريرة رضي الله عنهأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى : " ... أَلَا ، لَا تَصُومُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ، وَذِكْرِ اللَّهِ " ( [17] )
وعن يونس بن سداد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صوم أيام التشريق. ( [18] )
وفى باب فضل العمل في أيامالتشريق ــ في صحيح البخارى ــ وقع حديث ابْنِ عَبَّاسٍ السالف قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ ... " لكنه مشكل على ترجمة البخاري بأيام التشريق ويجاب عن هذا بأجوبة :
أحدها : أن الشيء يشرف بمجاورته للشئ الشريف ، وأيام التشريق تقع تلو أيام العشر ، وقد ثبتت الفضيلة لأيام العشر بهذا الحديث ، فثبتت بذلك الفضيلة لأيام التشريق.
ثانيها : أن عشر ذي الحجة إنما شرف لوقوع أعمال الحج فيه ، وبقيه أعمال الحج تقع في أيام التشريق كالرمى والطواف وغير ذلك من تتماته فصارت مشتركة معها في أصل الفضل ، ولذلك اشتركت معها في مشروعية التكبير في كل منها ، وبهذا تظهر مناسبة إيراد الآثار المذكورة في صدر الترجمة لحديث بن عباس كما تقدمت الإشارة إليها
ثالثها : أن بعض أيام التشريق هو بعض أيام العشر ، وهو يوم العيد ، وكما أنه خاتمة أيام العشر ، فهو مفتتح أيام التشريق ، فمهما ثبت لأيام العشر من الفضل شاركتها فيها أيام التشريق ؛ لأن يوم العيد بعض كل منها ، بل هو رأس كل منها وشريفه وعظيمه وهو يوم الحج. ( [19] )
فالعمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيره ، ولا يعكر على ذلك كونها أيام عيد كما ورد من حديث عائشة رضي الله عنها، ولا ما صح من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أنها أيام أكل وشرب" ؛ لأن ذلك لا يمنع العمل فيها بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى ، ولم يُمنع فيها منها إلا الصيام ، وسر كون العبادة فيها أفضل من غيرها أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها ، وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب ، فصار للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها ، كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام .
وفي أفضلية أيام التشريق نكتة أخرى وهي أنها وقعت فيها محنة الخليل بولده ثم مَـنَّ عليه بالفداء فثبت لها الفضل بذلك وهو توجيه حسن.( [20] )
*** *** ***

أنواع الذكـر في الأيام المعدودات :
خطب ابن الزبير بالموسم فقرأ حتى بلغ : " وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ " قال : وهي أيام التشريق فِذكر الله فيهن بتسبيح وتحميد وتهليل وتكبير وتمجيد.
كما يتعلق بقوله : " واذكروا الله ..." ذكر الله على الأضاحي ، والراجح في ذلك مذهب الشافعي رحمه الله وهو أن وقت الأضحية من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق.
ويتعلق به أيضا الذكر المؤقت خلف الصلوات ، والذكرالمطلق في سائر الأحوال.
ويتعلق بذلك أيضا التكبير وذكر الله عند رمي الجمرات كل يوم من أيام التشريق ، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل " ( [21] )
وقد قال البعض كابن بطال وغيره أن المراد في أيام التشريق التكبير فقط لأنه ثبت أنها أيام أكل وشرب ، وثبت تحريم صومها ، وورد فيه إباحة اللهو بالحراب ونحو ذلك فدل على تفريغها للتكبير فقط ، ومن ثم اقتصر المصنف على إيراد الآثار المتعلقة بالتكبير بالإجماع.
ولكن يرد على ذلك بما قاله الزين بن المنير : بأن العمل إنما يفهم منه عند إطلاقه : العبادة ، وهي لا تنافى استيفاء حظ النفس من الأكل وسائر ما ذكر فإن ذلك لا يستغرق اليوم والليلة . وقال الكرماني : الحث على العمل في أيام التشريق لا ينحصر في التكبير بل المتبادر إلى الذهن منه أنه المناسك من الرمي وغيره الذي يجتمع مع الأكل والشرب.
وقت التكبير والذكر :
في وقته أقوال للعلماء أشهرها الذي عليه العمل أنه من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق وهو آخرالنفرالأخير. ( [22] )
وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهكان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا ، وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا.
واختلف العلماء في طرفي مدة التكبير:
فنقل عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس : يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق.
وقال ابن مسعود وأبي حنيفة : يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر ، وخالفاه صاحباه فقالا بالقول الأول قول عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم فاتفقوا في الابتداء دون الانتهاء.
وقال مالك : يكبر من صلاة الظهر يوم النحر الى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، وبه قال الشافعي وهو قول ابن عمر وابن عباس ايضا.
وقال زيد ابن ثابت : يكبرمن ظهريوم النحرالى آخرأيام التشريق .
قال ابن العربي : فأما من قال يكبر يوم عرفة ويقطع العصر من يوم النحر فقد خرج عن الظاهر لأن الله تعالى قال : " في أيام معدودات " وأيامها ثلاثة ، وقد قال هؤلاء يكبر في يومين فتركوا الظاهر لغير دليل ، وأما من قال : يوم عرفة وأيام التشريق فقال : إنه سبحانه تعالى قال : " فإذا أفضتم من عرفات " ( [23] ) فذكر عرفات داخل في ذكر الأيام ، هذا كان يصح لو كان قال يكبر من المغرب يوم عرفة لأن وقت الإفاضة حينئذ فأما قبل فلا يقتضيه ظاهر اللفظ ويلزمه أن يكون من يوم التروية عند الحلول بمنى. ( [24] )
وقداعتنق ابن حجر الرأى الأول بقوله : ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  حديث ، فأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول على وابن مسعود إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى أخرجه بن المنذر وغيره والله أعلم ( [25] )
مواضع التكبير والذكر:
وفيه اختلاف بين العلماء في مواضع ، فمنهم من قصر التكبير على أعقاب الصلوات ، ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل ، ومنهم من خصه بالرجال دون النساء ، وبالجماعة دون المنفرد ، وبالمؤداة دون المقضية ، وبالمقيم دون المسافر ، وبساكن المصر دون القرية ، وظاهر اختيار البخاري شمول ذلك للجميع والآثار التي ذكرها تساعده.
قال مالك والتكبير في أيام التشريق على الرجال والنساء خلافا لمن خصه بالرجال ، وفي البخاري كان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد، من كان في جماعة أو وحده بمنى ، أو بالآفاق كلها واجب مندوب متأكد ( [26] )
وذكر البيهقى ( [27] ) : التكبير للرجال والنساء والمقيمين والمسافرين والذي يصلي سنة منفردا وفي نافلة لقول الله جل ثناؤه : " واذكروا الله في أيام معدودات" فعم ولم يخص وقال : " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا " وروينا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكرالله " ( ) وأنه  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَكبرعلى الصفا وكان مسافرا ، وعن عن أم عطية قالت : كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها حتى نخرج الحُيَّض فيكُنَّ خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته ، وكانت ميمونة رضي الله عنها تكبر يوم النحر ( [28] ) وكان الشعبي وإبراهيم النخعي يقولان هذا القول وكان أبو جعفر محمد بن علي يكبر بمنى أيام التشريق خلف النوافل.
صيغة التكبير :
واختلفوا في لفظ التكبير فمشهور مذهب مالك أنه يكبر إثر كل صلاة ثلاث تكبيرات رواه زياد بن زياد عن مالك وفي المذهب رواية يقال بعد التكبيرات الثلاث لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد وفي المختصر عن مالك الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. ( [29] )
وفى فتح الباري : وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال كبروا الله : الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا . ونقل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه جعفر الفريابي فى كتاب العيدين من طريق يزيد بن أبي زياد عنهم وهو قول الشافعي وزاد : ولله الحمد . وقيل : يكبر ثلاثا ويزيد : لا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ وقيل : يكبر ثنتين بعدهما لا إله الا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، جاء ذلك عن عمر وعن بن مسعود نحوه وبه قال أحمد وإسحاق وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها. ( [30] )
حكمة التكبير :
قال الخطابي حكمة التكبير في هذه الأيام أن الجاهلية كانوا يذبحون لطواغيتهم فيها ، فشرع التكبير فيها إشارة إلى تخصيص الذبح له وعلى اسمه عز وجل. ( [31] )
الإخوة الكرام :
يومنا هذا وما يتبعه من أيام التشريق أيام عظيمة الفضل ، شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى ، فاعرفوا لها فضلها ، واقدروها حق قدرها ، واعمروها بذكر الله تعالى ، والحذَر الحذَر أن تكون الأعيادُ موسمًا يُعَبُّ فيه من اللهو عَبًّا ، بلا تحرُّز ولا تبصر ، فتنقلب إلي أيام أشر وبطر وانتهاك لحرمات الله ، بل اجعلوها أيام فرح ومرح في حدود المشروع ، والمقصود من الأعياد .
وإن مما يجدر الوقوف عنده في خطبتنا هذه ، أن يومنا هذا ... يوم النحر يوم عظيم ، تهب فيه علي المسلمين ذكريات ، المفروض أنها تحيي في نفوسهم روعة التضحية وعظمة الفداء ، في أصعب أيام تعيشها الشعوب الإسلامية ؛ بسبب ما أصاب المسلمين من " الْوَهْن " : " حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ " ( [32] ) فكانت النتيجة أن تداعت علينا أرذل الأمم ، كما تتداعي الأكلة علي قصعتها ، وليس هذا عن قلة فينا أو فقر أو غير ذلك من الأسباب المادية ؛ بل لأن المسلمين بعدوا عن منهج ربهم الذي أكمله الله لهم ، وركنوا إلي الدنيا ، واثاقلوا إلي الأرض ، فأصبحوا كغثاء السيل رغم ما بهم من كثرة ، والعياذ بالله .
علي كل واحد منا أن يعمل علي إعلاء شأن هذا الدين العظيم ؛ بأن ننصر الله بإقامة شرعه في أنفسنا وأهلينا ، وتطبيق شريعة ربنا في كل أمور حياتنا ، حتي نكون مؤمنين بحق ، و نستأهل النصر الذي وعدنا الله به في قوله سبحانه تعالى :" إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ " ( [33] )
نسأل الله عز وجل أن يعجل النصر للمسلمين ، وأن يرزقنا العمل لدينه القويم ، وأن يجعلنا من جنوده وحزبه المفلحين .
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي )







[1] سنن أبي داود 3 / 238

[2] سنن أبي داود 5 / 94

[3] صحيح وضعيف الجامع الصغير 5 / 460

[4]سنن الدارمي ج 5 ص 308

[5]سنن أبي داود 5 / 94

[6] البقرة الآية 203

[7] شرح معاني الآثار 3 / 308

[8]سنن أبي داود 5 / 94

[9] عون المعبود 4 / 165

[10] البقرة الآية 203

[11] تفسير القرطبى ج 3 ص 1 التمهيد لابن عبد البر ج 21 ص 233

[12] تفسير ابن كثير 1 / 560

[13] تفسير ابن كثير ج 1 ص 246

[14] تفسير الطبري ج 2 ص 302 أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح إليه موقوفا

[15] فتح الباري لابن حجر 3 / 389

[16] شرح معاني الآثار 3 / 308

[17] شرح معاني الآثار 3 / 309

[18] مجمع الزوائد 3 / 203


[19] فتح الباري لابن حجر 3 / 390

[20] فتح الباري لابن حجر 3 / 389

[21] تفسير ابن كثير ج 1 ص 246 و سنن أبي داود 5 / 236

[22] فتح الباري لابن حجر 3 / 391

[23] البقرة الآية 198

[24] تفسير القرطبي ج 3 ص 4

[25] فتح الباري لابن حجر 3 / 391

[26] شرح الزرقاني ج 2 ص 486

[27] سنن البيهقي الكبرى ج 3 ص 316

[28] صحيح البخاري 4 / 37

[29] تفسير القرطبي ج 3 ص 4

[30] فتح الباري لابن حجر 3 / 391

[31] فتح الباري ج 3 ص 391

[32] سنن أبي داود 11 / 371

[33] سورة غافر الآية 51
المشاهدات 5427 | التعليقات 2

[align=center]
[align=justify]
الإخوة الخطباء أعزكم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نظرا لكثرة المعلومات في الخطبة ، والتي تحتاج إلي وقت أطول من الوقت المناسب للخطب عادة ، فإني أقترح عليكم اختصار بعض الفقرات ، بالاكتفاء بدليل واحد فقط علي المعلومة مثلا ، أو حذف العبارات المكررة التي لا يخل حذفها بالمعني ... وما إلي ذلك ، حتي لايزيد وقت إلقاء الخطبة عما هو متعارف لديكم .
شـكــرا لكم علي مروركم ، وبارك الله فيكم ...
وإلي أن نلتقي مرة أخري لكم مني أجمل تحية ، ولا تنسونا من صالح دعائكم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[/align]
[/align]


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه خطبة سبق أن كتبتها لجمعة عيد الأضحي عام 1430 هـ ، ولما كان عيد الأضحي هذا العام يوافق أيضا يوم الجمعة القادم إن شاء الله تعالي ، رأيت أن أضعها تحت أعين إخواني الخطباء ،أسأل الله أن ينفع بها .
كما أسأله سبحانه وتعالي أن يوفقني وإياكم لكل خير ، وان يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال