(خطبة) لا تنس الغاية التي خلقنا لها

خالد الشايع
1444/11/12 - 2023/06/01 17:50PM

الخطبة الأولى ( لا تنس الغاية التي من أجلها خلقت ) 13/11/1444

أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله وراقبوه فهو أهل أن يتقى ، واعبدوه فهو أحق من عبد ، وتذللوا إليه فهو أرأف من ملك .

أيها المؤمنون :
من عظيم صفات الله تعالى " الحكمة " ، ومن أعظم أسمائه تعالى " الحكيم " ، وينبغي أن يُعلم أن الله لم يخلق شيئاً عبثاً ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وإنما يخلق لِحِكَمٍ بالغة عظيمة ، ومصالح راجحة عميمة ، عَلِمَها من عَلِمها ، وجَهِلها من جهلها ، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم ، فبيَّن أنه لم يخلق البشر عبثاً ، ولم يخلق السموات والأرض لعبا ، فقال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ . فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) المؤمنون/115،116 ، وقال سبحانه وتعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ) الأنبياء/16 ،

وقد أثبت المؤمنون العقلاء الحكمة لله تعالى في خلقه ، ونفاها الكفار ، قال تعالى عن قول المؤمنين إذا تفكروا في خلق الله : (   رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) آل عمران/190 ، 191 ، وقال تعالى – في بيان موقف الكفار من حكمة خلقه - : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) ص/27 .

وكذلك لم يخلق الله تعالى الإنسان ليأكل ويشرب ويتكاثر ، فيكون بذلك كالبهائم ، بل كرَّم الله تعالى الإنسان ، وفضَّله على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً ، ولكن أبى أكثر الناس إلا كفوراً فجهلوا أو جحدوا الحكمة الحقيقية من خلقهم ، وصار كل هَمِّهِم التمتع بشهوات الدنيا , وحياة هؤلاء كحياة البهائم , بل هم أضل ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ) محمد/12 ،  ومن المعلوم عند عقلاء الناس أن الذي يصنع الشيء هو أدرى بالحكمة منه من غيره ، ولله المثل الأعلى فإنه هو الذي خلق البشر ، وهو أعلم بالحكمة من خلقه للناس ، وهذا لا يجادل فيه أحد في أمور الدنيا ، ثم إن الناس كلهم يجزمون أن أعضاءهم خُلقت لحكمة ، فهذه العين للنظر ، وهذه الأذن للسمع ، وهكذا ، أفيُعقل أن تكون أعضاؤه مخلوقةً لحكمة ، ويكون هو بذاته مخلوقاً عبثاً ؟!  

ومن أعظم الحكم التي خلق الله البشر من أجلها – وهو من أعظم الابتلاءات - : الأمر بتوحيده عز وجل وعبادته وحده لا شريك له ، وقد نصَّ الله تعالى على هذه الحكمة في خلق البشر فقال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/56 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" أي : إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي ، لا لاحتياجي إليهم  . انتهى .

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

" فالله تعالى خلق الخلق لعبادته ، ومعرفته بأسمائه وصفاته ، وأمرهم بذلك ، فمن انقاد ، وأدى ما أمر به ، فهو من المفلحين ، ومن أعرض عن ذلك ، فأولئك هم الخاسرون ، ولا بد أن يجمعهم في دار ، يجازيهم فيها على ما أمرهم به ونهاهم .

معاشر المؤمنين : إذا علمنا أننا خلقنا لحكمة ، وعلمنا هذه الحكمة ، وهي عبادة الله وطاعته ، وجب علينا السعي في تحقيق ما خلقنا له ، ونعلم يقينا أن الاشتغال بغير ذلك هو العبث واللعب ، الذي يضر ولا ينفع .

اللهم استعملنا في طاعتك ، وتقبل منا يا كريم ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس :

خلقت لأمر عظيم لو فطنت له       فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

لقد خلقنا لعبادة الله تعالى ، وإن هذا لشرف عظيم لنا ، أن نكون عبادا لله تعالى .

ومما زادني شرفا وتيها       وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي     وأن صيرت أحمد لي نبيا

فعلى العبد العاقل أن يقدر حق هذه المنزلة قدرها ، وأن يسعى لتحقيقها ، وأن يكون نعم العبد المطيع ، السالك سبل مرضاة الله .

أيها المؤمنون : إن الناظر إلى العالم كله يجد البعد الكبير عن الغاية التي من أجلها خلق الخلق ، ولو وجهنا الخطاب للمسلمين فقط ، لوجدنا الكثير منهم ولا يبرء المسلم نفسه ، وجدهم بعيدين عن الغاية التي من أجلها خلقوا ، فما نفعله على وجه الأرض التي نعيشها ، إنما هو فعل الخالدين ، الذي لا يفكرون بالموت أبدا ، وكأننا خلقنا لنعمر الأرض ونتمتع فيها بما نشاء من المباحات والمحرمات ، فالأرض وما عليها سخرها الله لنا لنستعين بها على طاعته ، لا أن تشغلنا عن طاعته ، فاستمتع بالمباح ، ولا يشغلك عن الآخرة ، فلسنا ندعو إلى الترهبن أو التصومع ، ولكن ندعو أن لا ننسى الغاية التي من أجلها خلقنا ، فحالنا إلا من رحم الله حال من جعل أمر الدين والآخرة والعبادة هي آخر اهتماماتنا ، فنقدم أمور الدينا  على الآخرة ، وأما أمور الآخرة فهي على الفراغ ، وفي آخر الصفحة ، فهل سأل المسلم نفسه : هل سيري في الحياة هو على الطريق الصحيح ، هل طبقت الغاية التي من أجلها خلقنا الله ؟

قلة هم عباد الله الذي يعيشون على الأرض ليبنوا الآخرة ، كل همهم آخرتهم ، يعلمون أنهم سيرحلون خلال أيام ، يسابقون الزمن في عمارة منازلهم في الآخرة ، ويصدق فيهم قول الشاعر :

إن لله عبادا فطنا      طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا

نظروا فيها فلما علموا     أنها ليست لحر وطنا

جعلوها لجة واتخذوا      صالح الأعمال فيها سفونا

عباد الله لنراجع أنفسنا ، ولنحاسبها ، ولنتذكر الغاية التي من أجلها خلقنا ، ولنعمل لها ، فالمقام قليل ، وغدا راحلون ، فاستعدوا للسفر .

اللهم وفقنا لهداك ....

المرفقات

1685631027_خطبة لا تنس الغاية التي من أجلها خلقت.docx

المشاهدات 2625 | التعليقات 0