خطبة : ( لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها )

عبدالله البصري
1433/08/15 - 2012/07/05 12:20PM
لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها 16 / 8 / 1433

الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، صَحَّ عَنهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فِيمَا رَوَاهُ الحَاكِمُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أَنَّ نَفسًا لَن تَمُوتَ حَتى تَستَكمِلَ أَجَلَهَا وَتَستَوعِبَ رِزقَهَا ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ ، وَلا يَحمِلَنَّ أَحَدَكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَن يَطلُبَهُ بِمَعصِيَةِ اللهِ ؛ فَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ لا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ "
وَمَعنى قَولِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ " أَيِ اطلُبُوهُ بِالطُّرُقِ الجَمِيلَةِ المُحَلَّلَةِ ، بِتُؤَدَةٍ وَتَرَفُّقٍ ، وَبِلا كَدٍّ وَلا حِرصٍ ، وَلا تَهَافُتٍ عَلَى الحَرَامِ وَالشُّبُهَاتِ ، وَلا تَنكَبُّوا عَلَى طَلَبِ الدُّنيَا وَتَشتَغِلُوا بِهِ عَنِ الخَالِقِ الرَّازِقِ ـ سٌبحَانَهُ ـ .
عِبَادَ اللهِ ، المُؤمِنُ يَعلَمُ أَنَّهُ لَو سَعَى في طَلَبِ الدُّنيَا سَعيًا حَثِيثًا ، وَوَاصَلَ في ذَلِكَ سَهرَ اللَّيلِ بِتَعَبِ النَّهَارِ ، فَإِنَّهُ لَن يُحَصِّلَ غَيرَ مَا قُدِّرَ لَهُ ، وَلَن يَتَجَاوَزَ مَا قُسِمَ لَهُ ، كَيفَ وَقَد كُتِبَ لَهُ رِزقُهُ وَهُوَ في بَطنِ أُمِّهِ ، وَمَضَى بِهِ القَلَمُ قَبلَ أَن تُخلَقَ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ بِخَمسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ؟! وَالوَاقِعُ عَلَى ذَلِكَ خَيرُ شَاهِدٍ ، فَكَم ممَّن هُوَ مُنذُ أَن بَلَغَ الحُلُمَ إِلى أَن شَابَ وَهَرِمَ وَهُوَ في شَقَاءٍ وَتَعَبٍ وَنَصَبٍ ، لا يَعرِفُ غَيرَ طَلَبِ الدُّنيَا ، حَرِيصًا عَلَى جَمعِهَا وَمَنعِهَا ، مُستَعجِلاً نَصِيبَهُ مِنهُا ، بَاذِلاً وُسعَهُ لِزِيَادَتِهَا وَكَثرَتِهَا ، وَمَعَ هَذَا هُوَ في عَيشٍ أَشبَهَ مَا يَكُونُ بِالكَفَافِ ، إِنْ لم يَكُنْ مُتَحَمِّلاً في ذِمَّتِهِ حُقُوقًا لِلآخَرِينَ ، وَفي المُقَابِلِ كَم تَرَى مِن بَطِيءٍ في سَعيِهِ إِلى دُنيَاهُ ، قَلِيلِ الاجتِهَادِ في تَحصِيلِ رِزقِهِ ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ وَاسِعُ الرِّزقِ كَثِيرُ المَالِ ، يَرَى أَنْ لَو بَاعَ الحَصَى أَو عَرَضَ عَلَى النَّاسِ التُّرَابَ ، لاشتَرَوهُ مِنهُ بِأَغلَى مَا يَملِكُونَ .
إِخوَةَ الإِيمَانِ ، نَحنُ في زَمَنٍ قَلَّت فِيهِ القَنَاعَةُ ، وَزَادَ حِرصُ النَّاسِ عَلَى التَّكَثُّرِ وَالتَّظَاهُرِ بِالغِنى ، وَجَعَلَ كُلُّ امرِئٍ يُقَلِّدُ مَن حَولَهُ فِيمَا يَسكُنُونَ وَيَركَبُونَ وَيَلبَسُونَ ، وَيُجَارِيهِم فِيمَا يَأكُلُونَ وَيَشرَبُونَ ، وَآخَرُونَ خَفَّت مِنهُمُ العُقُولُ وَسَحَرَ أَلبَابَهُم مَا تَرَاهُ أَعيُنُهُم ، فَقَلَّدُوا غَيرَهُم حَتى فِيمَا لم تَدعُهُم إِلَيهِ ضَرُورَةٌ قَاهِرَةٌ ، وَتَابَعُوا الآخَرِينَ فِيمَا لم تَفرِضْهُ عَلَيهِم حَاجَةٌ مُلِحَّةٌ ، حَتى لُيَخَيَّلُ لأَحَدِهِم أَنْ لَوِ اشتَرَى النَّاسُ التُّرَابَ لَوَجَبَ عَلَيهِ أَن يَشتَرِيَهُ لِيُجَارِيَهُم ، وَلَو شَرِبُوا الهَوَاءَ لَشَرِبَهُ تَشَبُّهًا بهم ، وَلَو سَارُوا عَلَى المَاءِ لَمَا استَرَاحَ حَتى يَسِيرَ سَيرَهُم وَيَتبَعَهُم ، وَقَد أَلزَمَت كُلُّ هَذِهِ الأَفكَارِ الرَّدِيئَةِ وَحُبُّ التَّقلِيدِ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ مَا لَيسُوا بِهِ بِمُلزَمِينَ ، فَلَم يُجمِلُوا في طَلَبِ الدُّنيَا كَمَا أُمِرُوا ، وَلم يَقنَعُوا بما آتَاهُمُ اللهُ مِنهَا فَيُفلِحُوا ، بَل تَشَوَّفُوا إِلى مَا عِندَ غَيرِهِم ، وَذَهَبُوا في طَلَبِ المَالِ كُلَّ مَذهَبٍ ، فَمِن آكِلٍ لِلرِّبَا أَضعَافًا مُضَاعَفَةً ، إِلى مُتَنَاوِلٍ لِلرِّشوَةِ وَالسُّحتِ بِلا خَشيَةٍ ، إِلى مُتَسَاهِلٍ بِالغِشِّ في المُعَامَلاتِ ، مُخَادِعٍ في البَيعِ وَالشِّرَاءِ ، إِلى مُتَلَصِّصٍ عَلَى الأَموَالِ العَامَّةِ بِطُرُقٍ مُلتَوِيَةٍ ، مُعتَدٍ عَلَى بَيتِ مَالِ المُسلِمِينَ بِحِيَلٍ وَاهِيَةٍ .
وَهَذِهِ الطُّرُقُ الَّتي لا يَشُكُّ مُسلِمٌ تَقِيٌّ نَقِيٌّ في حُرمَتِهَا ، وَإِنْ كَانَ الوَاقِعُونَ فِيهَا قِلَّةً إِذَا مَا قُورِنُوا بِالمُتَطَهِّرِينَ مِنهَا ، إِلاَّ أَنَّ ثَمَّةَ بَابًا آخَرَ شَدِيدًا عَلَى الذِّمَمِ ، ثَقِيلاً عَلَى الصُّدُورِ ، مُذهِبًا لِلسُّرُورِ وَالحُبُورِ ، جَالِبًا لِلهَمِّ وَالغَمِّ ، مُوقِعًا في حُفَرٍ عَمِيقَةٍ ، مُدخِلاً في أَنفَاقٍ مُظلِمَةٍ ، وَمَعَ هَذَا وَلَجَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ في هَذَا الزَّمَانِ بِلا تَرَوٍّ وَلا حِسَابٍ لِمَا وَرَاءَهُ ، ذَلِكُم هُوَ بَابَ الدُّيُونِ ، فَكَم ممَّن تَرَاهُ يَتَحَرَّزُ مِن أَكلِ الحَرَامِ ، وَيَبتَعِدُ قَدرَ الطَّاقَةِ عَنِ تَنَاوُلِ المُشتَبَهِ ، وَلَكِنَّهُ لا يَألُو مَا حَمَّلَ بِهِ نَفسَهُ مِن أَموَالِ الآخَرِينَ وَأَثقَلَ ظَهرَهُ مِن حُقُوقِهِم ، وَمَا يَزَالُ بِهِ التَّهَاوُنُ بما أَخَذَ ، حَتى يَقَعَ اضطِرَارًا في مُخَالَفَاتٍ وَمَكرُوهَاتٍ ، وَقَد يَقتَرِفُ مَعَاصِيَ وَمُوبِقَاتٍ ، وَيَتَحَمَّلُ أَوزَارًا وَسَيِّئَاتٍ ، مَا كَانَ لَهُ لَولا مَا عَلَيهِ مِن دُيُونٍ أَن يَقَعَ فِيهَا وَيَتَحَمَّلَهَا ، فَمِنَ الكَذِبِ وَإِخلافِ الوَعدِ ، إِلى كَثرَةِ الحَلِفِ وَإِطلاقِ الأَيمَانِ ، مُرُورًا بِسُؤَالِ النَّاسِ وَاستِعطَائِهِم وَاستِجدَائِهِم ، وَوُقُوعًا في التَّقصِيرِ في النَّفَقَاتِ الوَاجِبَةِ ، وَعَدَمِ القُدرَةِ عَلَى الإِنفَاقِ فِيمَا يُرضِي اللهَ ، كُلُّ ذَلِكَ يُصِيبُ المُتَهَاوِنِينَ في الدُّيُونِ ، دَعْ عَنكَ مَا تَتَنَغَّصُ بِهِ حَيَاتُهُم ، وَالمُشكِلاتِ الَّتي تَنشَأُ في بُيُوتِهِم ، وَانشِغَالَهُم في صَلَوَاتِهِم ، وَعَدَمَ خُشُوعِهِم في عِبَادَاتِهِم ، وَتَقَلُّبَهُم عَلَى فُرُشِهِم وَالنَّاسُ نَائِمُونَ ، وَصَمتَهُم وَالنَّاسُ يَضحَكُونَ ، وَلَو أَنَّهُم قَنِعُوا بما آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ وَرَتَّبُوا أُمُورَ حَيَاتِهِم عَلَى قَدرِ مَا عِندَهُم وَمَا يَملِكُونَ ، لأَرَاحُوا وَاستَرَاحُوا ، وَلَعَاشُوا حَيَاةً هَانِئَةً وَادِعَةً ، يَحُفُّهَا الرِّضَا وَتَغشَاهَا السَّعَادَةُ ، وَتَنتَهِي بهم إِلى النَّجَاحِ وَالفَلاحِ ، مِصدَاقًا لِقَولِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " قَد أَفلَحَ مَن أَسلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللهُ بما آتَاهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
عِبَادَ اللهِ ، إِنَّ الغَفلَةَ المُطبِقَةَ عَمَّا قَضَاهُ الخُالِقُ وَقَدَّرَهُ ، مِن قِسمَةِ المَعِيشَةِ بَينَ النَّاسِ وَاختِلافِ دَرَجَاتِهِم فِيهَا ، جَعَلَتِ الكَثِيرِينَ مَعَ مَا هُم فِيهِ مِن ضِيقِ حَالٍ وَتَوَسُّطِ مَعِيشَةٍ ، يَستَدِينُونَ وَيَقتَرِضُونَ ؛ لِيَتَوَسَّعُوا في المُبَاحَاتِ وَيَتَمَتَّعُوا بِزَهرَةِ الحَيَاةِ ، فَهَذَا لا يَقنَعُ إِلاَّ بِأَفخَمِ العِمَارَاتِ وَأَوسَعِهَا ، وَذَاكَ لا يَركَبُ إِلاَّ أَحدَثَ السَّيَارَاتِ وَأَوطَأَهَا ، وَثَمَّةَ مَن يَختَارُ أَجوَدَ الأَطعِمَةَ وَيَلبَسُ أَفخَرَ الثِّيَابِ ، وَهُنَالِكَ مَنِ استَسَاغَ الإِسرَافَ وَالتَّبذِيرَ بِدَعوَى الكَرَمِ ، وَتَمتَدُّ الحَالُ حَتى تَصِلَ إِلى هَذِهِ التِّقنِيَاتِ الَّتي استَنزَفَت أَموَالَ النَّاسِ عَبرَ أَجهِزَتِهَا المَحمُولَةِ وَالمَنقُولَةِ وَالثَّابِتَةِ ، وَيَتَبَاهَى النَّاسُ في الأَفرَاحِ وَالمُنَاسَبَاتِ ، وَيُسَافِرُونَ بِالدَّينِ لِتَزجِيَةِ الأَوقَاتِ ، وَلِرَبَّاتِ المَنَازِلِ لَدَى ضِعَافِ القِيَامِ دَورٌ فِيمَا يَحصُلُ ، إِذْ يُرهِقنَهُم بِاستِبدَالِ الأَثَاثِ بَينَ الفَينَةِ وَالأُخرَى ، أَو جَلبِ الخَادِمَاتِ بِلا حَاجَةٍ ، أَو الذَّهَابِ إِلى الأَسوَاقِ الغَالِيَةِ وَشِرَاءِ مَا يَحتَجنَ وَمَا لَيسَ لهن فِيهِ حَاجَةٌ ، وَهَكَذَا يَقَعُ النَّاسُ في فَخِّ الدُّيُونِ وَشَرَكِ القُرُوضِ بِسَبَبِ المُجَارَاةِ وَالمُبَاهَاةِ وَالتَّفَاخُرِ ، وَالتَّنَافُسِ في مَبَاهِجِ الدُّنيَا وَمُتَعِهَا .
وَتَظَلُّ مِثلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ تَتَفَشَّى في المُجتَمَعِ يَومًا بَعدَ آخَرَ ، وَتَزدَادُ البَلِيَّةُ بها حِينًا بَعدَ حِينٍ ، وَلا يَتَّعِظُ النَّاسُ لِسُوءِ الحَظِّ بِبَعضِهِم ، إِنَّهُ الجَهلُ بِقِيمَةِ الدُّنيَا وَحَقِيقَةِ العَيشِ فِيهَا ، إِنَّهُ الاستِسلامُ لِرَغَبَاتِ النَّفسِ وَتَتَبُّعُ شَهَوَاتِهَا ، وَلَو تَفَكَّرَ عَاقِلٌ وَتَبَصَّرَ وَتَأَمَّلَ ، وَوَعَى مَا وَرَدَ في الأَثَرِ عَمَّن غَبَرَ ، لَوَجَدَ النَّفسَ البَشَرِيَّةَ طَمَّاعَةً لا تَرضَى بِالقَلِيلِ وَلا يَكفِيهَا الكَثِيرُ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لَو كَانَ لابنِ آدَمَ وَادٍ مِن مَالٍ لابتَغَى إِلَيهِ ثَانِيًا ، وَلَو كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لابتَغَى لهما ثَالِثًا ، وَلا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن تَابَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَغنُوا النُّفُوسَ بِالقَنَاعَةِ ، وَاملَؤُوا القُلُوبَ بِالرِّضَا ، وَكُونُوا عَلَى ذِكرٍ دَائِمٍ بما عَلِمتُمُوهُ مِن حَقِيقَةِ الدُّنيَا وَأَنَّهَا دَارُ فَنَاءٍ ، وَتَأَمَّلُوا فِيمَا آتَاكُمُ اللهُ دُونَ كَثِيرٍ مِمَّن حَولَكُم مِنَ الصِّحَّةِ وَالعَافِيةِ وَالأَمنِ ، تَجِدُوا أَنَّ لَدَيكُم مَغَانِمَ غَالِيَةً وَخَيرًا كَثِيرًا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لَيسَ الغِنى عَن كَثرَةِ العَرَضِ ، وَلَكِنَّ الغِنى غِنى النَّفسِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " كُنْ في الدُّنيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَو عَابِرُ سَبِيلٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " اُنظُرُوا إِلى مَن هُوَ أَسفَلَ مِنكُم ، وَلا تَنظُرُوا إِلى مَن هُوَ فَوقَكُم ، فَهُوَ أَجدَرُ أَلاَّ تَزدَرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن أَصبَحَ مِنكُم آمِنًا في سِربِهِ ، مُعَافىً في جَسَدِهِ ، عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَت لَهُ الدُّنيَا بِحَذَافِيرِهَا " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَغَيرُهُمَا وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ في الغَضَبِ وَالرِّضَا ، وَنَسأَلُكَ القَصدَ في الغِنى وَالفَقرِ ، وَنَسأَلُكَ نَعِيمًا لا يَنفَدُ ، وَقُرَّةَ عَينٍ لا تَنقَطِعُ ، وَنَسأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلى وَجهِكَ ، وَالشَّوقَ إِلى لِقَائِكَ ، في غَيرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلا فِتنَةٍ مُضِلَّةٍ ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ .

الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ " وَاعلَمُوا أَنَّ أَسبَابَ تَحَمُّلِ النَّاسِ الدُّيُونَ في هَذِهِ الأَزمِنَةِ ، لا تَخرُجُ في الغَالِبِ عَن مُخَالَفَتِهِم مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الإِنفَاقِ عَلَى قَدرِ مَا يُؤتَاهُ أَحَدُهُم مِنَ الرِّزقِ ، وَقَد قَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجعَلُ اللهُ بَعدَ عُسرٍ يُسرًا "
وَقَد مَدَحَ ـ سُبحَانَهُ ـ عِبَادَ الرَّحمَنِ بِقَولِهِ : " وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لم يُسرِفُوا وَلم يَقتُرُوا وَكَانَ بَينَ ذَلِكَ قَوَامًا " وَمِنَ الأَسبَابِ لِهَذِهِ الدُّيُونِ ، الانسِيَاقُ وَرَاءَ الدِّعَايَاتِ الإِعلامِيَّةِ لِشَرِكَاتِ التَّقسِيطِ ، وَالانخِدَاعُ بِالتَّسهِيلاتِ الَّتي تُقَدِّمُهَا المَصَارِفُ لِلتَّموِيلِ ، وَالَّتي أَظهَرَت أَنَّ كَثِيرِينَ يُفَكِّرُونَ بِأَعيُنِهِم لا بِعُقُولِهِم ، وَأَنَّهُم كَثِيرًا مَا يَقَعُونَ فَرَائِسَ لِهَذِهِ الدِّعَايَاتِ .
فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَعِيشُوا حَيَاتَكُم كَمَا قُدِّرَ لَكُم ، وَأُنفِقُوا عَلَى قَدرِ مَا أُوتِيتُم ، وَلا تُخِيفُوا أَنفُسَكُم بَعدَ أَمنِهَا ، فَفِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، عَن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ : " لا تُخِيفُوا أَنفُسَكُم بَعدَ أَمنِهَا " قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قال : " الدَّينُ "
المشاهدات 5593 | التعليقات 10

صدر من مجلس الوزراء في جلسته الماضية السماح بالرهن العقاري ، وهو في حقيقته قرض يُمَكِّن الفرد أو المؤسسة من اقتراض نقود لشراء منزل أو أي عقار آخر , ويكون هذا العقار مرهونًا للمَصرِفِ المُمَوِّلِ ضمانًا لسداد القرض , أي أنه في حال عجز المقترض عن سداد القرض ، فإن من حق المُقرض اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتملكه لهذا العقار ، وبصورة أخرى فإن العقار يبقى مرهونًا حتى يتم سداد القرض .
وقد شبت المواقع الإخبارية والجرائد بهذا النظام مدحًا ، وجعلت منه المخلص للمواطن من أزمة السكن ، و ... و ... إلى آخر ما هنالك من مدح .
والظن ـ والعلم عند الله ـ أن هذا النظام لن يستفيد منه بالدرجة الأولى إلا المصارف وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة ، وأما مواطنونا ومتوسطو الحال والعيش ، فقد عهدنا فيهم الانخداع بمثل هذه التسهيلات (!!) والتمادي وراء هذه الدعايات (!!) ، ومن ثم فسيكون هذا النظام بمثابة فرصة ثمينة للأثرياء والمصارف للإيقاع بهم وامتصاص ما تبقى فيهم من دماء ، وإثقال كواهلهم بالديون المضاعفة ، وتجربة التسهيلات التي كانت تقدمها المصارف أيام حمى المساهمات خير شاهد .
ومن ثم فتأتي الحاجة إلى تحذير الناس من الديون ، ووعظهم بتقوى الله ـ عز وجل ـ ليجعل لهم مخرجًا .
والله المستعان .


وفي ضمن هذه المشاركة ملف الخطبة ( وورد)

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/لا%20تخيفوا%20أنفسكم%20بعد%20أمنها.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/لا%20تخيفوا%20أنفسكم%20بعد%20أمنها.doc


جزاك الله خيرا


جزاك الله خيراً
ونفع بما سطرت يمينك
كما عهدناك خطبة مميزة بموضوعها وأسلوبها
وفقك الله للخير دائماً


بيض الله وجهك وجعل ما سطرت حجة لك لا عليك بل والله إن البعض يستدين دينا ثم آخر ثم ثالث وهكذا بلا قيد وفي النهاية تجده ينصب خيمته لسؤال الناس المساعدة لقضاء دينه


وأزيدك من الشعر بيت ياشيخ عبدالله ولا يهون المشاهدين......
الرهن العقاري إن طُبق سيزيد في أسعار العقار ولا يخفضها كما يظن البعض,, وسترون صحة كلامي في الأشهر القليلة القادمة...
ثم نكرر المثل القديم الجميل. ليتك يابو زيد ماغزيت!!!!!


أصبت ووضعت يدك على الجرح فبارك الله فيك ونفعنا بك


جزاك رب البريات على توعيتك وتوضيحك ،،،،،، ونفعنا جميعا بها وبكل علم نافع


اجدت و افدت كعادتك يا شيخ عبدالله
كتب الله اجرك ونفع بك


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن واﻻه:
جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم.