خطبة ( لاتنتظر الثمرة ) مختصرة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.
سعيد الشهراني
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
عباد الله: لو أنَّ أحدَنا يحملُ فسيلةَ نخلٍ صغيرةً بينَ يديه يبحثُ عن مكانٍ ليغرسَها فيه، فإذا بالسَّماءِ تنشقُّ، وإذا بالشَّمسِ تُكوَّرُ، وإذا بالقمرِ يَخسِفُ، وإذا بالكواكبِ تتناثرُ، وإذا بالنُّجومِ تَنكدرُ، وإذا بالجبالِ تُنسفُ، وإذا بالبحارِ تُسجَّرُ، وإذا بالأرضِ تُزلزلُ، وإذا بالصُّورِ يُنفخُ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ، فماذا عسى أن تَفعلَ بهذِه الفسيلةَ؟
اسمعوا إلى هذا الحديثِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا"، فلا إلهَ إلا اللهُ.
ولسائلٍ أن يسألَ: أليسَ فسيلةُ النَّخلِ تحتاجُ إلى سِنينَ حتى تُثمرَ؟، وما الفائدةُ من غَرسِها وقد قامتْ السَّاعةُ؟، ومن سيعتني بها؟، ومن سيأكلُ ثَمرتَها؟، بل كيفَ لها البقاءُ، وقد آذنتِ الأرضُ والسَّماءُ إلى فَناءٍ؟ ولكن مَهلاً أيُّها المُتعجِّبُ!، فأنتَ مُطالبٌ بالاجتهادِ والمُثابرةِ والعَملِ، وهو الذي عليه الأجرُ من اللهِ -عزَّ وجلَّ-، وأما الثَّمرةُ فقد تَنضجُ وقد تَفشلُ، وقد تتأخرُ وقد تتعجَّلُ، فلا تنتظرْ الثَّمرةَ وإنما عليكَ العملُ.
لا تنتظرْ الثَّمرةَ عندما تعملُ خيراً لأحدٍ من البَشرِ، وإنما اعملْه للهِ -تعالى-، رجاءَ ثوابِه، وخوفَ عِقابِه، ولا تندمْ إن جَحدوكَ، ولا تحزنْ إن ذَمُّوكَ، وقلْ كما قالَ الأبرارُ: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً (، وتذكَّرْ دائماً وعدَ اللهِ -تعالى-: (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً(
لا تنتظرْ الثَّمرةَ إذا نصحتَ أحداً نصيحةً خالصةً، ترجو له التَّوفيقَ والصَّلاحَ، وتحبُّ له الخيرَ والفَلاحَ، ثُمَّ رأيتَه مُستكبراً مُعرضاً عن طريقِ الرُّشدِ والنَّجاحِ، فهذه طبيعةٌ لازمةٌ للإنسانِ، فلا تستغربْ من الجُحودِ والنُّكرانِ، يقولُ -تعالى- لنبيِّهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: (فَإِنْ أَعْرَضُوا)، بعدَ نُصحِكَ لهم، وشفقتِكَ عليهم، (فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)، تحفظُ أعمالَهم وتُحاسبُهم عليها، (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)، هذه مُهمَّتُكَ فقط، سواءً استجابوا أم أعرضوا، قَبِلوا أو رَفَضوا، ثُمَّ أخبرَه -سُبحانَه- بطبيعةِ الإنسانِ حتى مع ربِّه، (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا، وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ (.
لا تنتظرْ الثَّمرةَ عندما تتصدَّقُ على أحدٍ أو تُقدِّمُ له مَعروفاً، فلا تطلبْ دُعاءً، ولا تنتظرْ ثَناءً، فعطاءُ ربِّكَ خيرُ عطاءٍ، وإن وجدتَ بدلَ المدحِ صُدوداً، وبدلَ الشُّكرِ جُحوداً، فلا تستغربْ، فكذلكَ هم أكثرُ النَّاسِ، حتى مع ربِّهم وخالقِهم: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ
لا تنتظر الثَّمرةَ، فقد تُخبرُ حسوداً بنعمةٍ فيحسِدُكَ عليها، وقد تُهدي إلى جاحدٍ قلماً فيهجوكَ بهِ، وقد تُعطي لئيماً عصاً فيضربُكَ بها، واسمعْ إلى نبيِّكَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- وهو يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ-، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"، فعفا عنهم، واستغفرَ لهم، واعتذر عنهم بأنَّهم لا يعلمونَ، واستعطفَ لهم فقالَ: "قومي"، (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ( .
لا تنتظرْ الثَّمرةَ عندما تُحسِنُ أخلاقَك، فقد يُساءُ إليكَ، وعندما تُسلِّمْ على أحدٍ، فقد لا يردُّ عليكَ، وإذا ابتسمتَ في وجهِ أحدٍ، فقد يعبسُ في وجهِكَ، وإذا ألنتَ لأحدٍ الكلامَ، فقد يَغلُظُ عليكَ، وقد يُقالُ عن تواضعِكَ أنَّه ضَعفٌ، وعن عفوِّكَ أنَّه ذُلٌّ، ولكن تذكَّر قولَه -تعالى-: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ (. فاللهم اجعل أعمالنا لك خالصة ؛ وارزقنا الإخلاص في القول والعمل ..
أقولُ ما تَسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ، إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ حَمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يُحبُّ ربُّنا ويَرضى، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأَشهدُ أن محمداً عَبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسَلمَ عَليهِ وعلى آلِه وأصحابِه ومن اهتدى بهداهم إلى يومِ الدِّينِ.
أما بَعدُ: اسمعوا وصيَّةَ اللهِ -تعالى- لأنبيائه: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (، فاعمل صالحاً، واعلم أنَّ اللهَ -تعالى- بما تعملُ عليمٌ، فلا تنتظرْ الثَّمرةَ ووطِّنْ نفسَك أن تعملَ العملَ خالصاً للهِ، فأنتَ تُحسنُ إلى والديكَ سواءً أعطَوكَ أم منعوكَ، وسواءً عَدلوا معكَ أو ظلموكَ؛ لأنَّ اللهَ -تعالى- أوصاكَ بهما، فقالَ: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا (
ولا تنتظرْ الثَّمرةَ وأنت تُربي ولدَك وتؤدبُه، سواءً برَّ بكَ أو عقَّكَ، وسواءً أحسنَ إليكَ أو أساءَ، لأنَّ اللهِ -تعالى- أوصاكَ بهم، فقالَ: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ (. ولا تنتظرْ الثَّمرةَ وأنتَ تُعاشرُ زوجتَك بالمعروفِ، وتكونُ لها خيرَ زوجٍ لزوجتِه، سواءً شَكرتَ ذلكَ أو جحدتْ، وسواءً عابتْ ذلكَ أو مدحتْ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- قَالَ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي".
ولا تنتظر الثَّمرةَ وأنتَ تَصلُ رحِمَكَ، سواءً وَصلوكَ أو قطعوكَ، وسواءً أكرموكَ أو حَرموكَ، لأنَّ اللهِ قالَ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (
ولا تنتظرْ الثَّمرةَ وأنتَ تسمعُ وتُطيعُ لوليِّ أمرِكَ بالمعروفِ، سواءً أعطاكَ أو مَنعَكَ، وسواءً أحببتَ أو كَرهتَ؛ لأنَّ اللهَ قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ(
فلا تنتظر ثمرةَ عملٍ من الأعمالِ، وستجدِ السَّعادةَ وراحةَ البالِ، واعملْ لوجهِ ذي الجلالِ والكمالِ، وكلما عملتَ خيراً فتوَجَّهَ إلى ربِّكَ بالسُّؤال، كما فعلَ نبيُّ اللهِ موسى -عليهِ السَّلامُ-: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ( ، فافعلْ الخيرَ لأنَّكَ من أهلِ الخيرِ، وترجو من اللهِ الخيرَ.
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة ....
اللهم اجعل أعمالَنا كلَّها صالِحةً، واجعلها لوجهِك خالِصةً، ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئًا، اللهم ارزقنا الإخلاصَ في القولِ والعملِ، اللهم إنا نسألُك خشيتَك في الغيبِ والشهادةِ، وكلمةَ الحقِّ في الغضبِ والرضا، والقصدَ في الفقرِ والغِنى.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الشركَ والمشركينَ، ودمِّر أعداءَ الدينِ، اللهم استر عيوبَنا، واغفر ذنوبَنا، واقضِ ديونَنا، واشفِ مرضانا، وارحم موتانا، واهدِ ضالَنا، واجمع على الحقِّ كلمتَنا. اللهم وآمنا في أوطانِنا، وأصلح ولاةَ أمورِنا، وارزقهم البطانةَ الصالحةَ، واجعلهم نُصرةً للحقِّ وأهلِه، وحربًا على الباطلِ وأهلِه، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولمن له حق علينا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الرحمين .
عباد الله : اذكروا الله العلي العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يذكركم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون .