خطبة : لاءات .. حول تطبيق انستقرام وسناب شات
عبدالإله بن سعود الجدوع
1437/04/25 - 2016/02/04 18:05PM
خطبة : لاءات .. حول تطبيق انستقرام وسناب شات
أيها المباركون : لقد فتح الله تعالى على عباده فتحا عظيما في التقنية والاختراعات، لا سيما في عالم الاتصالاتِ ، فبلغ الأمرُ ما لم يكن في الحسبان، ومالا يخطر على قلب إنسان ، وبَهرت بعض هذه التطبيقاتُ ألبابَ الناس ، فلا تسل عن تعلقِهم بها ومتابعتِهم لها ، وهي كثيرة ، لكن مايهمنا في مقامنا هذا هو تطبيق الانستقرام والسناب شات ونحوها من اللاتي تظهر حياة المرء وتصورَها ، وتجعل المتابع يتلهف في تتبع حياة الآخرين ، وماذا فعلوا وماذا صنعوا ؟ وماذا أظهروا وماذا صوّروا ؟ وماذا أكلوا وأين ذهبوا ؟ حتى شغل المرء قلبه ووقته بمتابعة "فراغ الآخرين" وحتى فهم فئام من الناس أن"هذه هي الحياة"ونَسى أنها "هامش الحياة" ، وأخذت شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي من اهتمام المرء ومصالحه الأساسية وهي في الحقيقة ذئبٌ جائع.. غذاؤه الوقت .
ونحن – أيها الكرام- عندما نتكلم عن مثل هذه التطبيقات ، نريد أن نوجهها لا أن نواجهها ، أي إن كنت من مرتاديها فلايعني بالضرورة التحذير منها بالكلية ،إنما المراد الحذرُ من مثالبها ، وإن كان ولابد فإعطاءها الحجم الطبيعي من الاهتمام والوقت . ،فهي سلاح ذوحدين، من استعان بها على طاعة الله ، وعلى اكتشاف المعارف والعلوم وبثها ، وكانت زاداً له في الخير وإصلاح نفسه وتطويرها ،وتوازن في التعاطي معها ، كانت له خير اًو بركة ،وإن كانت تأخذ منه الوقت الطويل ، ولايتابع إلا سفساف الأمور وتوافهها ، فهذا قد شغل قلبه ووقته بما لايعود عليه بأجر أو فائدة .
ثم لكم أن تتساءلوا أيها الفضلاء ، لماذا يكثر الانتحار في مملكة السويد أو دولة النرويج مثلاً مع أنهما من أكثر الشعوب سعادة على حسب دراسات أجريت بمقاييس غربية ؟ قد تعجب إذا عرفت السبب ، الذي قيل أنه ( المقارنة ) فأصبح المرء يقارن نفسه كثيراً بما لدى الآخرين وهو لايستطيع أن يصل إلى ماوصلوا له ، فيولّد عنده شعور بالاكتئاب الذي هو من الأسباب الجوهوية للإنتحار ، ناهيك عن تكدر عيشه وحسرة قلبه إن لم ينتحر ، والمقارنة التي كانت السبب والتي نحذر منها ، هي من السلبيات التي أظهرتها لنا بعض هذه التطبيقات ،
وياأيها الكرام- لسنا في مقام ذكر إيجابيتها ولسنا من الذين يشجعون على الخوض فيها ، لكن إن كان المرء لديه مثل هذه التطبيقات أو ينوي الخوض فيها فليستجْمِع لنا القلبَ وليَرْعِ لنا السَّمْعَ إلى لاءات حول تطبيق الانستقرام والسناب شات :
اللاء الأولى : أوصى الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال { وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } .
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية ( أي: لا تمدَّ عينيك معجبا ، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة، فإن ذلك كلَّه زهرة الحياة الدنيا ، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابا بأبصار المعرضين ، ثم تذهب سريعا، وتمضي جميعا، وتقتل محبيها وعشاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة ) انتهى كلامه رحمه الله
اللاء الثانية : قال صلى الله عليه وسلم: ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ) متفق عليه واللفظ لمسلم ، فقوله " لا تنظروا إلى من هو فوقكم " أي فوقكم في الدنيا لأنه يسبب ازدراء ما أنعم الله عليكم ، فالذي يتابع أسفار الآخرين ومطاعمهم ومجالسهم ومفاخرهم وهداياهم ، يتعب قلبه ويشقي نفسه ، فيستهين بما لديه من النعم ، ثم يحدث له الاكتئاب وحسرة القلب والمقارنة بما عند الآخرين ، وهو الذي ذهب للشقاء بيده ، والموفق هو من نظر إلى من هو أسفل منه في النعم وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، وتأمل بما لديه من النعم وسأل الله من فضله وخيره ، والله ذو الفضل العظيم
اللاء الثالثة : قال تعالى ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا )
فالمرء يغفل قلبُه عن ذكر الله وعن ذكر ماهو أنفع له ، إذا شغل قلبه بمتابعة من اتبع هواه وكانت مصالح دينه ودنياه فرطا ، وإنك لتعجب ممن هو محسوب على ذوي العقل والرزانة ، ثم تجده يتابع بنهم من لاخلاق له ولاهدف سامي ، وربما ظهر صاحب الحساب بمظهر الفكاهة وربما السفاهة في مشاهد أقل مايقال عنها أنها تزييف للحقائق ، وتكوين صورة مزيفة لحياة المرء وإدعاءٍ للمثالية ، وقد وجِد أن قام بعض من لايخاف الله بتصوير نفسه بمظاهر البذخ أو بمظاهر اللطافة والفكاهة ليخدع بها الفتيات اللاتي وقعن في حبائله وابتزازه
ومن كيد الشيطان عبادالله ، أن أوقع شباباً وفتيات في حبائل التعلق والإعجاب بسبب هذه التطبيقات ، ومن المؤسف أن تجد فتاة تتحدث عن شاب وعن حياته وتكتب وتعلق عنه وربما فرحت وحزنت وعبّرت وكتبت ، وهو رجل أجنبي عنها ، وكل هذا من فراغ القلب وطاعة الهوى ونقص حب الله ورسوله واتباع أوامره .
اللاء الرابعة : لا تطلب المفقود حتى تفقد الموجود ، والله عز وجل يقول (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) أي إذا بَخِـلت وجعلت يدك مغلولة فستجد لوماً من غيرك على بخلك ، وإذا بسطتها كل البسط وأسرفت واشتريت كل مارأيت ، فستقعد متندماً محسوراً ، والعاقل خصيم نفسه ، إن كان ممن لايصبر إلا أن يشتري ويشتري ، فالسلامة ألا يتعب قلبه ويفلس ماله ويتابع مشتريات الآخرين وبضائعهم خصوصاً من التي تظهرها هذه التطبيقات ، وهذا يقود إلى أن نقول أنه لابد أن تُربى النفوس على الزهد، والزهد هو ترك ما لا ينفع في الآخرة.
دخل رجل على أبي ذر -رضي الله عنه- فجعل يقلب بصره في بيت أبي ذر فقال: يا أبا ذر، أين متاعكم؟ قال: إن لنا بيتاً نوجه إليه متاعنا ( يقصد الجنة )قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا، قال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه! وليُعلم أن المرء إذا مات سيترك ماله كله ، ويوم القيامة سيسأل عنه كله. فلابد أن نتبع الميزان الذي وضعه الله عز وجل لنا في قوله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} أي وكانوا متوسطين لابخل ولاإسراف .
اللاء الخامسة : (يابني لاتقصص رؤياك على أخوتك فيكيدوا لك كيدا ) هذا التوجيه صدر من نبي إلى نبي كي لايقصص رؤياه المبشرة على أخوته فينزغ الشيطان نزعه ، ويُحدث الحقد والحسد ، وهذا بين أخوة ، فمابالك عن الغريب والبعيد ، والذي يَحدث الآن في الانستغرام والسناب شات من إظهار كل الفرائح صغيرها وكبييرها خاصها وعامها لهو نظير خطر لفشو الحسد والعين والتنازع ، إضافة على تخريب بيوت كانت آمنة مطمنة فإذا بها تقارن بغيرها ، فالزوج يقارن الطبخات ونحوها ، والزوجة تقارن الأثاث والرومانسيات إن صحت التسمية ، والأبناء يقارنون السفريات والصرفيات ، وهكذا حتى صارت البيوت في سباق محموم نهايته كثرة المشكلات والويلات .
اللاء السادسة : قال صلى الله عليه وسلم موجها علي بن أبي طالب (( يا علي ! لا تتبع النظرةَ النظرةَ، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة ) وسئل صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمره بصرف بصره ، فقد يقع بصرك وأنت تقلب هذه التطبيقات على صور محرمة أو نظرة شهوانية ، فاعلم أن الله يراك ويعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور ، فلاتتبع النظرة النظرة واصرف بصرك فورا ، ومن رأيته يتساهل في إنزال صور محرمة فالأغلى لديك هو قلبك وحسناتك .
اللاء السابعة : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) لاتغرنكم الحياة الدنيا بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية ، لايغرنكم مايُصور من زينة ومفاخر في مثل هذه التطبيقات والمنافسة المحمومة بين الناس في ذلك ، إضافة أن مثل هذه التطبيقات الخادعة تظهر أفضل لحظات المرء من بذخ وتزيين ومفاخرة وحب للمظاهر ورسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم .. فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم.." ، فالحذر الحذر ياكرام ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان * وماالحياة الدنيا إلا متاع الغرور )
اللاء الثامنة : قال صلى الله عليه وسلم ( لايتكلفن أحد لضيفه مالايقدر عليه ) حسنه الألباني ، فيوجد من يتكلف لضيفه حتى يصور هذه السفرة وينزلها في هذه التطبيقات مسايرة لكثير كمن يفعل ذلك ، وهو الذي تكلف لضيفه وخالف قول الرسول وهديه ، ولو قلنا أنه يستطيع على ماقدّم ، فالنبي صلى عليه وسلم قال لسعد رضي الله عنه ( لاتسرف ولو كنت على نهر جار ) ويؤخذ منه أنك لاتسرف حتى ولو كنت قادرا والمال عندك وافراً ، ثم إن تصوير وإظهار مالذ وطاب على الملأ قد يكون كسراً لقلوب فقراء وبؤساء ، وإذا كان فيه سرف وتبذير فهو هتك لستر الله عليك ، ونشر لسلوك مقيت يُغضب الله ويمقته عقلاء المجتمع وربما شاهده سفيه فشجعته وفعل أكثر ممافعلت و صوّرت !!
اللاء التاسعة ( لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم. ولانساء من نساءعسى أن يكُنّ خيراً منهن ) فبعض الناس يكون منشأ مشاركته في مثل هذه التطبيقات السخرية من الآخرين والضحك عليهم ونحو ذلك ، ومما انتشر تصوير الأطفال في أوضاع لو كانوا يملكون من أمرهم شيئا وتكلموا لقالوا إنهم لايحبوا أن يظهروا بمثل ماظهروا به ، والذي لربما سينعكس سلبا على شخصية الطفل المصوّر .
اللاء العاشرة : لاتهتك سر البيوت والأفراح ، فبعض الناس ومن غير استئذان يصور فرائح أناس لايشاؤوا أن تظهر ، والأخطر أن تتحول بعض الزواجات والحفلات لدى النساء خصوصاً إلى خطر محدق على الكل جرّاء الإفراط في التصوير دون أدنى مسؤولية واعتبار وتفكير في العواقب ، وتحت الغرر بأن البرنامج هذا مشفر أو لايتابعه إلا نساء ونحو ذلك من الخدع التي انخدع فيها كثير فوجدوا عاقبة أمرهم خسراً وندامة .
اللاء الحادية عشر : إن مما عم وطم ، هو تصوير النساء وإظهار أيديهن وأرجلهن وربما بلغ الأمر لوجوههن وأجسادهن ، وقل ماشئت من الذرائع والحجج الواهية التي يُحتج بها ، لكن نقول أن من تصور نفسها أو جزء منها ، فهي تفقد قيمة الحياء شيئا فشيئا ، والله قد سترها وهي تهتك ستر الله عليها ، و عائشة رضي الله عنها قالت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ( لو علم رسول الله ماأحدثن النساء لمنعهن المساجد ) وهذا في زمن عائشة والمكان الذي يُذهب له المسجد ، فكيف لو رأت عائشة حال النساء والفتيات اليوم في مثل هذه التطبيقات ! التي جلبت الويلات تلو الويلات على الفتيات ، وكان دافع التصوير وقتها برئيا كما يقال ، أو أن كان الزعم والثقة في التقنية عالية وأنها لاتخترق ونحو ذلك من الحجج ، فالحذر الحذر ياكرام والنصيحة النصحية لأهليكم ومن تحبون .
وختاما ياكرام : الحياة من حولنا تدفع للتفاهة وتضيع الأوقات ، وإن من المجاهدة هذه الأيام ألا تكون تافها وأن لاتكون صفرا ، والذي ينبغي لك أن تكون رقماً وأن تكون نافعاً ، والمرء يوم القيامة سيسأل عن عمره فيما أفناه ؟ وعن شبابه فيما أبلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيماأنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه.)
فاللهم اصرف قلوبنا وأوقاتنا وأعمالنا إلى ما تحب وترضى ، وخذ بنواصينا للبر والتقوى ، إنك تحب الدعاء والنجوى
الخطبة نصياً على توت ميل
http://cutt.us/rqtoi
صوتية
https://youtu.be/Kc6_Ii58CcM
أيها المباركون : لقد فتح الله تعالى على عباده فتحا عظيما في التقنية والاختراعات، لا سيما في عالم الاتصالاتِ ، فبلغ الأمرُ ما لم يكن في الحسبان، ومالا يخطر على قلب إنسان ، وبَهرت بعض هذه التطبيقاتُ ألبابَ الناس ، فلا تسل عن تعلقِهم بها ومتابعتِهم لها ، وهي كثيرة ، لكن مايهمنا في مقامنا هذا هو تطبيق الانستقرام والسناب شات ونحوها من اللاتي تظهر حياة المرء وتصورَها ، وتجعل المتابع يتلهف في تتبع حياة الآخرين ، وماذا فعلوا وماذا صنعوا ؟ وماذا أظهروا وماذا صوّروا ؟ وماذا أكلوا وأين ذهبوا ؟ حتى شغل المرء قلبه ووقته بمتابعة "فراغ الآخرين" وحتى فهم فئام من الناس أن"هذه هي الحياة"ونَسى أنها "هامش الحياة" ، وأخذت شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي من اهتمام المرء ومصالحه الأساسية وهي في الحقيقة ذئبٌ جائع.. غذاؤه الوقت .
ونحن – أيها الكرام- عندما نتكلم عن مثل هذه التطبيقات ، نريد أن نوجهها لا أن نواجهها ، أي إن كنت من مرتاديها فلايعني بالضرورة التحذير منها بالكلية ،إنما المراد الحذرُ من مثالبها ، وإن كان ولابد فإعطاءها الحجم الطبيعي من الاهتمام والوقت . ،فهي سلاح ذوحدين، من استعان بها على طاعة الله ، وعلى اكتشاف المعارف والعلوم وبثها ، وكانت زاداً له في الخير وإصلاح نفسه وتطويرها ،وتوازن في التعاطي معها ، كانت له خير اًو بركة ،وإن كانت تأخذ منه الوقت الطويل ، ولايتابع إلا سفساف الأمور وتوافهها ، فهذا قد شغل قلبه ووقته بما لايعود عليه بأجر أو فائدة .
ثم لكم أن تتساءلوا أيها الفضلاء ، لماذا يكثر الانتحار في مملكة السويد أو دولة النرويج مثلاً مع أنهما من أكثر الشعوب سعادة على حسب دراسات أجريت بمقاييس غربية ؟ قد تعجب إذا عرفت السبب ، الذي قيل أنه ( المقارنة ) فأصبح المرء يقارن نفسه كثيراً بما لدى الآخرين وهو لايستطيع أن يصل إلى ماوصلوا له ، فيولّد عنده شعور بالاكتئاب الذي هو من الأسباب الجوهوية للإنتحار ، ناهيك عن تكدر عيشه وحسرة قلبه إن لم ينتحر ، والمقارنة التي كانت السبب والتي نحذر منها ، هي من السلبيات التي أظهرتها لنا بعض هذه التطبيقات ،
وياأيها الكرام- لسنا في مقام ذكر إيجابيتها ولسنا من الذين يشجعون على الخوض فيها ، لكن إن كان المرء لديه مثل هذه التطبيقات أو ينوي الخوض فيها فليستجْمِع لنا القلبَ وليَرْعِ لنا السَّمْعَ إلى لاءات حول تطبيق الانستقرام والسناب شات :
اللاء الأولى : أوصى الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال { وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } .
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية ( أي: لا تمدَّ عينيك معجبا ، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة، فإن ذلك كلَّه زهرة الحياة الدنيا ، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابا بأبصار المعرضين ، ثم تذهب سريعا، وتمضي جميعا، وتقتل محبيها وعشاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة ) انتهى كلامه رحمه الله
اللاء الثانية : قال صلى الله عليه وسلم: ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ) متفق عليه واللفظ لمسلم ، فقوله " لا تنظروا إلى من هو فوقكم " أي فوقكم في الدنيا لأنه يسبب ازدراء ما أنعم الله عليكم ، فالذي يتابع أسفار الآخرين ومطاعمهم ومجالسهم ومفاخرهم وهداياهم ، يتعب قلبه ويشقي نفسه ، فيستهين بما لديه من النعم ، ثم يحدث له الاكتئاب وحسرة القلب والمقارنة بما عند الآخرين ، وهو الذي ذهب للشقاء بيده ، والموفق هو من نظر إلى من هو أسفل منه في النعم وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، وتأمل بما لديه من النعم وسأل الله من فضله وخيره ، والله ذو الفضل العظيم
اللاء الثالثة : قال تعالى ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا )
فالمرء يغفل قلبُه عن ذكر الله وعن ذكر ماهو أنفع له ، إذا شغل قلبه بمتابعة من اتبع هواه وكانت مصالح دينه ودنياه فرطا ، وإنك لتعجب ممن هو محسوب على ذوي العقل والرزانة ، ثم تجده يتابع بنهم من لاخلاق له ولاهدف سامي ، وربما ظهر صاحب الحساب بمظهر الفكاهة وربما السفاهة في مشاهد أقل مايقال عنها أنها تزييف للحقائق ، وتكوين صورة مزيفة لحياة المرء وإدعاءٍ للمثالية ، وقد وجِد أن قام بعض من لايخاف الله بتصوير نفسه بمظاهر البذخ أو بمظاهر اللطافة والفكاهة ليخدع بها الفتيات اللاتي وقعن في حبائله وابتزازه
ومن كيد الشيطان عبادالله ، أن أوقع شباباً وفتيات في حبائل التعلق والإعجاب بسبب هذه التطبيقات ، ومن المؤسف أن تجد فتاة تتحدث عن شاب وعن حياته وتكتب وتعلق عنه وربما فرحت وحزنت وعبّرت وكتبت ، وهو رجل أجنبي عنها ، وكل هذا من فراغ القلب وطاعة الهوى ونقص حب الله ورسوله واتباع أوامره .
اللاء الرابعة : لا تطلب المفقود حتى تفقد الموجود ، والله عز وجل يقول (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) أي إذا بَخِـلت وجعلت يدك مغلولة فستجد لوماً من غيرك على بخلك ، وإذا بسطتها كل البسط وأسرفت واشتريت كل مارأيت ، فستقعد متندماً محسوراً ، والعاقل خصيم نفسه ، إن كان ممن لايصبر إلا أن يشتري ويشتري ، فالسلامة ألا يتعب قلبه ويفلس ماله ويتابع مشتريات الآخرين وبضائعهم خصوصاً من التي تظهرها هذه التطبيقات ، وهذا يقود إلى أن نقول أنه لابد أن تُربى النفوس على الزهد، والزهد هو ترك ما لا ينفع في الآخرة.
دخل رجل على أبي ذر -رضي الله عنه- فجعل يقلب بصره في بيت أبي ذر فقال: يا أبا ذر، أين متاعكم؟ قال: إن لنا بيتاً نوجه إليه متاعنا ( يقصد الجنة )قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا، قال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه! وليُعلم أن المرء إذا مات سيترك ماله كله ، ويوم القيامة سيسأل عنه كله. فلابد أن نتبع الميزان الذي وضعه الله عز وجل لنا في قوله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} أي وكانوا متوسطين لابخل ولاإسراف .
اللاء الخامسة : (يابني لاتقصص رؤياك على أخوتك فيكيدوا لك كيدا ) هذا التوجيه صدر من نبي إلى نبي كي لايقصص رؤياه المبشرة على أخوته فينزغ الشيطان نزعه ، ويُحدث الحقد والحسد ، وهذا بين أخوة ، فمابالك عن الغريب والبعيد ، والذي يَحدث الآن في الانستغرام والسناب شات من إظهار كل الفرائح صغيرها وكبييرها خاصها وعامها لهو نظير خطر لفشو الحسد والعين والتنازع ، إضافة على تخريب بيوت كانت آمنة مطمنة فإذا بها تقارن بغيرها ، فالزوج يقارن الطبخات ونحوها ، والزوجة تقارن الأثاث والرومانسيات إن صحت التسمية ، والأبناء يقارنون السفريات والصرفيات ، وهكذا حتى صارت البيوت في سباق محموم نهايته كثرة المشكلات والويلات .
اللاء السادسة : قال صلى الله عليه وسلم موجها علي بن أبي طالب (( يا علي ! لا تتبع النظرةَ النظرةَ، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة ) وسئل صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمره بصرف بصره ، فقد يقع بصرك وأنت تقلب هذه التطبيقات على صور محرمة أو نظرة شهوانية ، فاعلم أن الله يراك ويعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور ، فلاتتبع النظرة النظرة واصرف بصرك فورا ، ومن رأيته يتساهل في إنزال صور محرمة فالأغلى لديك هو قلبك وحسناتك .
اللاء السابعة : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) لاتغرنكم الحياة الدنيا بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية ، لايغرنكم مايُصور من زينة ومفاخر في مثل هذه التطبيقات والمنافسة المحمومة بين الناس في ذلك ، إضافة أن مثل هذه التطبيقات الخادعة تظهر أفضل لحظات المرء من بذخ وتزيين ومفاخرة وحب للمظاهر ورسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم .. فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم.." ، فالحذر الحذر ياكرام ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان * وماالحياة الدنيا إلا متاع الغرور )
اللاء الثامنة : قال صلى الله عليه وسلم ( لايتكلفن أحد لضيفه مالايقدر عليه ) حسنه الألباني ، فيوجد من يتكلف لضيفه حتى يصور هذه السفرة وينزلها في هذه التطبيقات مسايرة لكثير كمن يفعل ذلك ، وهو الذي تكلف لضيفه وخالف قول الرسول وهديه ، ولو قلنا أنه يستطيع على ماقدّم ، فالنبي صلى عليه وسلم قال لسعد رضي الله عنه ( لاتسرف ولو كنت على نهر جار ) ويؤخذ منه أنك لاتسرف حتى ولو كنت قادرا والمال عندك وافراً ، ثم إن تصوير وإظهار مالذ وطاب على الملأ قد يكون كسراً لقلوب فقراء وبؤساء ، وإذا كان فيه سرف وتبذير فهو هتك لستر الله عليك ، ونشر لسلوك مقيت يُغضب الله ويمقته عقلاء المجتمع وربما شاهده سفيه فشجعته وفعل أكثر ممافعلت و صوّرت !!
اللاء التاسعة ( لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم. ولانساء من نساءعسى أن يكُنّ خيراً منهن ) فبعض الناس يكون منشأ مشاركته في مثل هذه التطبيقات السخرية من الآخرين والضحك عليهم ونحو ذلك ، ومما انتشر تصوير الأطفال في أوضاع لو كانوا يملكون من أمرهم شيئا وتكلموا لقالوا إنهم لايحبوا أن يظهروا بمثل ماظهروا به ، والذي لربما سينعكس سلبا على شخصية الطفل المصوّر .
اللاء العاشرة : لاتهتك سر البيوت والأفراح ، فبعض الناس ومن غير استئذان يصور فرائح أناس لايشاؤوا أن تظهر ، والأخطر أن تتحول بعض الزواجات والحفلات لدى النساء خصوصاً إلى خطر محدق على الكل جرّاء الإفراط في التصوير دون أدنى مسؤولية واعتبار وتفكير في العواقب ، وتحت الغرر بأن البرنامج هذا مشفر أو لايتابعه إلا نساء ونحو ذلك من الخدع التي انخدع فيها كثير فوجدوا عاقبة أمرهم خسراً وندامة .
اللاء الحادية عشر : إن مما عم وطم ، هو تصوير النساء وإظهار أيديهن وأرجلهن وربما بلغ الأمر لوجوههن وأجسادهن ، وقل ماشئت من الذرائع والحجج الواهية التي يُحتج بها ، لكن نقول أن من تصور نفسها أو جزء منها ، فهي تفقد قيمة الحياء شيئا فشيئا ، والله قد سترها وهي تهتك ستر الله عليها ، و عائشة رضي الله عنها قالت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ( لو علم رسول الله ماأحدثن النساء لمنعهن المساجد ) وهذا في زمن عائشة والمكان الذي يُذهب له المسجد ، فكيف لو رأت عائشة حال النساء والفتيات اليوم في مثل هذه التطبيقات ! التي جلبت الويلات تلو الويلات على الفتيات ، وكان دافع التصوير وقتها برئيا كما يقال ، أو أن كان الزعم والثقة في التقنية عالية وأنها لاتخترق ونحو ذلك من الحجج ، فالحذر الحذر ياكرام والنصيحة النصحية لأهليكم ومن تحبون .
وختاما ياكرام : الحياة من حولنا تدفع للتفاهة وتضيع الأوقات ، وإن من المجاهدة هذه الأيام ألا تكون تافها وأن لاتكون صفرا ، والذي ينبغي لك أن تكون رقماً وأن تكون نافعاً ، والمرء يوم القيامة سيسأل عن عمره فيما أفناه ؟ وعن شبابه فيما أبلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيماأنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه.)
فاللهم اصرف قلوبنا وأوقاتنا وأعمالنا إلى ما تحب وترضى ، وخذ بنواصينا للبر والتقوى ، إنك تحب الدعاء والنجوى
الخطبة نصياً على توت ميل
http://cutt.us/rqtoi
صوتية
https://youtu.be/Kc6_Ii58CcM
المشاهدات 5059 | التعليقات 3
رائعة
أسأل الله أن ينفع بها
أسأل الله أن ينفع بها
هذا من حسن ذوقكم
جزاكم الله خيراً ورفع قدركم وبارك فيكم
د. ماجد بلال
ممتازة
تعديل التعليق