خطبة : ( لئلا ننسى يوم عاشوراء )

عبدالله البصري
1440/01/11 - 2018/09/21 10:08AM
لئلا ننسى يوم عاشوراء   11 / 1 / 1440
 
الخطبة الأولى :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَبَعدَ أَن صَامَ المُسلِمُونَ يَومَ عَاشُورَاءَ وَيَومًا قَبلَهُ ، اقتِدَاءً بِرَسُولِ اللهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - ، وَشُكرًا للهِ عَلَى إِنجَائِهِ مُوسَى – عَلَيهِ السَّلامُ – وَمَن مَعَهُ مِنَ المُؤمِنِينَ ، فَلَعَلَّ مِمَّا يُنَاسِبُ الحَدِيثُ عَنهُ بَعدَ هَذِهِ المُنَاسَبَةِ الكَرِيمَةِ المُتَعَلِّقَةِ بِمُوسَى – عَلَيهِ السَّلامُ – أَن نُشِيرَ إِلى مَا يَلحَظُهُ قَارِئُ القُرآنِ المُتَدَبِّرُ ، مِن تَكَرُّرِ ذِكرِ نَبيِّ اللهِ مُوسَى - عَلَيهِ السَّلامُ – في سُوَرِ القُرآنِ أَكثَرَ مِن غَيرِهِ ، وَتَعَرُّضِ آيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ إِلى مَا حَدَثَ لَهُ مَعَ قَومِهِ ، وَمُرُورِ مَوَاقِفَ مُتَنَوِّعَةٍ مِن حَيَاتِهِ ، وَهُوَ طِفلٌ رَضِيعٌ ، ثم وَهُوَ شَابٌّ قَوِيٌّ أَمِينٌ ، ثم مَعَ فِرعَونَ وَهُوَ كَهلٌ رَصِينٌ ، ثم مَعَ بَني إِسرَائِيلَ في مِصرَ وَفي سَينَاءَ وَفي فِلَسطِينَ . أَجَل – أَيُّهَا الإِخوَةُ – لَقَد تَكَرَّرَ اسمُ نَبيِّ اللهِ مُوسَى في القُرآنِ كَثِيرًا ، وَفُصِّلَ في قِصَّتِهِ بِمَا لم يُفَصَّلْ في قِصَصِ الأَنبِيَاءِ الآخَرِينَ . وَكَم هُوَ وَاللهِ عَجِيبٌ أَنْ يَحذَرَ فِرعَونُ مِن مُوسَى كُلَّ الحَذَرِ ، فَيَقتُلَ أَبنَاءَ بَنِي إِسرَائِيلَ وَيَستَبقِيَ نِسَاءَهُم ، خَوفًا مِن غُلامٍ مِنهُم ، زَعَمَ كَهَنَتُهُ أَنَّهُ سَيَولَدُ وَيَكُونُ عَلَى يَدَيهِ نِهَايَةُ مُلكِهِ وَهَلاكُهُ ، وَبِتَدبِيرٍ مِنَ العَزِيزِ الحَكِيمِ اللَّطِيفِ الخَبِيرِ ، يُولَدُ مُوسَى في عَامٍ كَانَ فِرعَونُ يَقتُلُ فِيهِ الأَطفَالَ ، فَتَحزَنُ أُمُّهُ حِينَ وَضَعَتهُ خَوفًا عَلَيهِ ، وَيَستَمِرُّ خَوفُهَا عَلَيهِ حَتَّى أُوحِيَ إِلَيهَا أَن تُرضِعَهُ ، فَإِذَا خَافَت عَلَيهِ فَلْتَضَعْهُ في صُندُوقٍ وَتُلقِهِ في البَحرِ " وَأَوحَينَا إِلى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرضِعِيهِ فَإِذَا خِفتِ عَلَيهِ فَأَلقِيهِ في اليَمِّ وَلا تَخَافي وَلا تَحزَني إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرسَلِينَ " وَيَشَاءُ اللهُ أَن تَقذِفَ بِهِ الأَموَاجُ لِيَصِلَ إِلى بَيتِ فِرعَونَ ، لِيَظهَرَ عَجزُ ذَلِكُمُ الطَّاغِيَةِ وَضَعفُهُ أَمَامَ قُوَّةِ اللهِ الجَبَّارِ وَقُدرَتِهِ ، وَيَأتيَ الغُلامُ الَّذِي كَانَ يَقتُلُ الغِلمَانَ مِن أَجلِهِ حَتَّى يَكُونَ بَينَ يَدَيهِ وَفي قَبضَتِهِ ، وَلَيسَ ذَلِكَ فَحَسبُ ، بَل وَيُسَخِّرُ اللهُ هَذَا الطَّاغِيَةَ بِكُلِّ مَا تَحتَ يَدِهِ لِهَذَا الغُلامِ ، فَيَعِيشُ في بَيتِهِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَمَائِدَتِهِ ، وَيَرضَعُ مِن ثَديِ أُمِّهِ بِأُجرَةٍ مِن فِرعَونَ ، وَيَتَحَقَّقُ وَعدُ اللهِ " فَرَدَدْنَاهُ إِلى أُمِّهِ كَي تَقَرَّ عَينُهَا وَلا تَحزَنَ وَلِتَعلَمَ أَنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمُونَ " وَيَعقِدُ اللهُ لِعَبدِهِ مُوسَى الأَسبَابَ حَتَّى يُخرِجَهُ مِن بَينِ أَظهُرِ الأَقبَاطِ الكَافِرِينَ ، وَيَرزُقَهُ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ وَالتَّكلِيمَ ، وَيَبعَثَهُ إِلى فِرعَونَ لِيَدعُوَهُ مَعَ مَا كَانَ عَلَيهِ مِن التَّعَاظُمِ وَالكِبرِ ، فَيَتَمَرَّدَ الطَّاغِيَةُ وَيَستَكبِرَ وَتَأخُذَهُ الحَمِيَّةُ وَالنَّفسُ الخَبِيثَةُ الأَبِيَّةُ ، وَيَتَوَلَّى بِرُكنِهِ وَيَدَّعِيَ مَا لَيسَ لَهُ ، وَيَتَجَرَّأَ عَلَى اللهِ وَيَبغِيَ على أَهلِ الإِيمَانِ مِن بَنِي إِسرَائِيلَ . وَمَا يَزَالُ اللهُ - تَعَالى - يَحفَظُ رَسُولَهُ مُوسَى - عَلَيهِ السَّلامُ - وَيَحوُطُهُ بِعَنَايَتِهِ ويُؤَيِّدُهُ بِالآيَاتِ البَاهِرَةِ وَالمُعجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ ، وَمَا يَزَالُ فِرعَونُ وَمَلَؤُهُ يُصِرُّونَ عَلَى التَّكذِيبِ وَالجُحُودِ وَإِيذَاءِ مُوسَى وَمَن مَعَهُ ، حُتَّى يُلجِئُوهُم لِلفَرَارِ بِدِينِهِم ، وَالهِجرَةِ مِن وَطنِهِم إِلى وَطَنٍ يَعبُدُونَ اللهَ – تَعَالى - فِيهِ . وَيُصِرُّ فِرعَونُ وَجُنُودُهُ عَلَى اللَّحَاقِ بِهِم لِلتَّنكِيلِ بِهِم وَقَطعِ دَابِرِهِم ، وَيَبلُغُ الكَربُ بِالمُؤمِنِينَ غَايَتَهُ حِينَ وَصَلُوا إِلى البَحرِ الَّذِي يَقِفُ كَالحَاجِزِ أَمَامَهُم ، وَالعَدُوُّ خَلفَهُم يَقتَرِبُ مِنهُم " فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمعَانِ قَالَ أَصحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدرَكُون . قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهدِينِ . فَأَوحَينَا إِلى مُوسَى أَنِ اضرِبْ بِعَصَاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ الْعَظِيمِ . وَأَزلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ . وَأَنجَينَا مُوسَى وَمَن مَعَهُ أَجمَعِينَ . ثُمَّ أَغرَقْنَا الآخَرِينَ . إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُؤمِنِينَ . وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ " نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – لم يَزَلْ فِرعَونُ مُتَكَبِّرًا مُتَجَبِّرًا ، حَتَّى حَلَّ بِهِ بَأسُ اللهِ الَّذِي لا يُرَدُّ عَنِ القَومِ المُجرِمِينَ ، وَحَتَّى أَغرَقَهُ اللهُ بِذَاكَ المَاءِ الَّذِي حَفِظَ مِنهُ مُوسَى لَمَّا أَلقَتهُ أُمُّهُ فِيهِ ، فَسُبحَانَ الَّذِي أَنجَى بِرَحمَتِهِ مِنَ اليَمِّ طِفلاً رَضِيعًا ، وَأَهلَكَ بِهِ الطَّاغِيَةَ وَمَن مَعَهُ جَمِيعًا " فَقُطِعَ دَابِرُ القَومِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ قِصَّةَ مُوسَى وَفِرعَونَ لَتَبعَثُ في نُفُوسِ المُؤمِنِينَ التَّفَاؤُلَ ، وَتَمنَحُهُم الأَمَلَ الوَاسِعَ بِأَنَّ دِينَ اللهِ غَالِبٌ لا مَحَالَةَ ، وَأَنَّ أَولِيَاءَهُ مُنتَصِرُونَ مَهمَا انتَفَشَ البَاطِلُ وَانتَشَرَ وَتَقَوَّى وَتَكَبَّرَ ؛ وَأَنَّ أَمرَهُ – تَعَالى – مَاضٍ وَقَدَرَهُ نَافِذٌ ، لا يَمنَعُهُ ظُلمٌ وَلا جَبَرُوتٌ وَلا طُغيَانٌ ، وَلا يَرُدُّهُ كَيدٌ وَلا مَكرٌ ولا تَدبِيرٌ ، وَلِمُتَأَمِّلٍ أَن يَتَأَمَّلَ وَيَعجَبَ ، كَيفَ استَمَالَ فِرعَونُ السَّحَرَةَ بِالمِنَحِ وَأَجزَلَ لَهُمُ العَطَايَا ، وَكَم وَعَدَهم بِهِ مِنَ التَّمكِينِ لَدَيهِ إِن هُم صَرَفُوا النَّاسَ عَنِ الحَقِّ وَأَعمَوهُم عَن نُورِ اللهِ المُبِينِ ، وَمَعَ ذَلِكَ يِنَقلِبُونَ عَلَيهِ مُستَهِينِينَ بِوُعُودِهِ وَوَعِيدِهِ حِينَ أَبصَرُوا دَلائِلَ الإِيمَانِ ، فَكَانُوا أَوَّلَ النَّهَارِ سَحَرَةً ، وَآخِرَهُ مُؤمِنِينَ شُهَدَاءَ بَرَرَةُ " وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرعَونَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجرًا إِنْ كُنَّا نَحنُ الغَالِبِينَ . قَالَ نَعَم وَإِنَّكُم لَمِنَ المُقَرَّبِينَ . قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلقِيَ وَإِمَّا أَن نَكُونَ نَحنُ المُلقِينَ . قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلقَوا سَحَرُوا أَعيُنَ النَّاسِ وَاستَرهَبُوهُم وَجَاءُوا بِسِحرٍ عَظِيمٍ . وَأَوحَينَا إِلى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلقَفُ مَا يَأفِكُونَ . فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ . فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ . وَأُلقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ . قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِينَ . رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ " وَلَيسَ هَذَا فَحَسبُ ، بَل إِنَّهُ حَتَّى مَعَ ضَعفِ النِّسَاءِ ، فَقَد تَحَدَّتِ امرَأَةُ فِرعَونَ زَوجَهَا الطَّاغِيَةَ ، وَشَمَخَت بِإِيمَانِهَا ، وَلم تَفتَتِنْ بِالدُّنيَا وَزَخَارِفِهَا ، وَضَرَبَ اللهُ بها مَثَلاً لِلمُؤمِنِينَ إِذْ قَالَت : " رَبِّ ابْنِ لي عِندَكَ بَيتًا في الجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرعَونَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القَومِ الظَّالِمِينَ " بَل وَوُجِدَ في آلِ فِرعَونَ مُؤمِنُونَ نَاصِحُونَ مَعَ مَا في ذَلِكَ عَلَيهِم مِنَ الأَذَى " وَقَالَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ مِن آلِ فِرعَونَ يَكتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَد جَاءَكُم بِالبَيِّنَاتِ مِن رَبِّكُم " وَهَكَذَا – أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - تَتَكَرَّرُ قِصَّةُ مُوسَى مَعَ فِرعَونَ وَمَعَ بَنِي إِسرَائِيلَ في مَوَاضِعَ مِن كِتَابِ اللهِ ؛ لِتَكُونَ تَثبِيتًا لِلمُؤمِنِينَ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانِ ، وَتَهدِيدًا لِلطُّغَاةِ في كل عَهدٍ وَآنٍ " طسم . تِلكَ آيَاتُ الكِتَابِ المُبِينِ . نَتلُو عَلَيكَ مِن نَبَأِ مُوسَى وَفِرعَونَ بِالحَقِّ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ . إِنَّ فِرعَونَ عَلا في الأَرضِ وَجَعَلَ أَهلَهَا شِيَعًا يَستَضعِفُ طَائِفَةً مِنهُم يُذَبِّحُ أَبنَاءَهُم وَيَستَحيِي نِسَاءَهُم إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفسِدِينَ . وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا في الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُم في الأَرضِ وَنُرِيَ فِرعَونَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنهُم مَا كَانُوا يَحذَرُونَ "
 
الخطبة الثانية :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاقرَؤُوا كِتَابَهُ وَتَدَبَّرُوهُ ، وَخُذُوا العِبَرَ مِمَّا فِيهِ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الحَيَاةَ هِيَ هِيَ ، تَتَكَرَّرُ مَشَاهِدُهَا في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، وَلِلأُمَمِ دَورَاتُ حَيَاةٍ مُتَشَابِهَةٌ ، يَتَكَرَّرُ فِيهَا الفَرَاعِنَةُ وَمُعَاوِنُوهُم مِن مِثلِ هَامَانَ ، وَتُجَّارُهُم الجَشِعُونَ مِن مِثلِ قَارُونَ ، وَالمُضَلِّلُونَ لِلنَّاسِ بِتَخيِيلاتِهِم وَكَذِبِهِم مِن أَمثَالِ السَّحَرَةِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِن أَظهَرِ الحِكَمِ في تَكرَارِ قِصَّةِ مُوسَى في القُرآنِ ، وَمَا فِيهَا في كُلِّ إِعَادَةٍ من زِيَادَةٍ ، تَطمِينَ المُؤمِنِينَ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، لِيَعلَمُوا أَنَّ مَصِيرَ الطُّغَاةِ وَالمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ هُوَ الهَلاكُ ، وَأَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ ، وَأَنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ ، وَأَنَّهُ - تَعَالى - لا يُصلِحُ عَمَلَ المُفسِدِينَ ، وَأَنَّهَ – سُبحَانَهُ – يُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَو كَرِهَ المُجرِمُونَ ، وَأَنَّهَ بِالصَّبرِ وَاليَقِينِ تُنَالُ الإِمَامَةُ في الدِّينِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَلَقَد آتَينَا مُوسَى الكِتَابَ فَلا تَكُنْ في مِريَةٍ مِن لِقَائِهِ وَجَعَلنَاهُ هُدًى لِبَني إِسرَائِيلَ . وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ . إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفصِلُ بَينَهُم يَومَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَختَلِفُونَ . أَوَلَم يَهدِ لَهُم كَم أَهلَكنَا مِن قَبلِهِم مِنَ القُرُونِ يَمشُونَ في مَسَاكِنِهِم إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسمَعُونَ "
وَبِالجُملَةِ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَإِنَّ دُرُوسَ قِصَّةِ مُوسَى كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ وَمُهِمَّةٌ ، وَمِنهَا أَنَّ المُسلِمِينَ قَد تَمُرُّ بِهِم ظُرُوفٌ عَصِيبَةٌ ، مِلؤُهَا الخَوفُ وَالأَذَى ، وَقَد يَصِلُ بِهِمُ الأَمرُ إِلى أَن يُسِرُّوا بِصَلاتِهِم وَيَتَّخِذُوا المَسَاجِدَ في بُيُوتِهِم ، لَكِنَّهُم مَعَ ذَلِكَ مَأمُورُونَ بِالصَّبرِ وَالاستِعَانَةِ بِاللهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ ، وَدُعَائِهِ وَاللُّجُوءِ إِلَيهِ ، مَعَ الاستِقَامَةِ عَلَى الخَيرِ وَعَدَمِ الاستِعجَالِ في حُصُولِ المَطلُوبِ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَقَالَ مُوسَى يَا قَومِ إِنْ كُنتُم آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُسلِمِينَ . فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجعَلْنَا فِتنَةً لِلقَومِ الظَّالِمِينَ . وَنَجِّنَا بِرَحمَتِكَ مِنَ القَومِ الكَافِرِينَ . وَأَوحَينَا إِلى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَومِكُمَا بِمِصرَ بُيُوتًا وَاجعَلُوا بُيُوتَكُم قِبلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ المُؤمِنِينَ . وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيتَ فِرعَونَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَموَالاً في الحَيَاةِ الدُّنيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطمِسْ عَلَى أَموَالِهِم وَاشدُدْ عَلَى قُلُوبِهِم فَلا يُؤمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ . قَالَ قَد أُجِيبَت دَعوَتُكُمَا فَاستَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعلَمُونَ "
وَأَخِيرًا – أَيُّهَا المُؤمِنُونَ – فَإِنَ مِنَ الدُّرُوسِ العَظِيمَةِ في قِصَّةِ مُوسَى وَقَومِهِ ، أَنَّهُ لَيسَ بَينَ اللهِ – تَعَالى – وَبَينَ أَحَدٍ مِن خَلقِهِ مَهمَا آمَنَ وَاتَّقَى وَبَذَلَ مِن حَبلٍ وَلا وَصلٍ ، إِلاَّ الإِيمَانُ بِهِ وَطَاعَتُهُ وَتَقوَاهُ ، وَمَتى تَخَلَّى عَن كُلِّ ذَلِكَ تَخَلَّى عَنهُ اللهُ ؛ فَإِنَّ بَنِي إِسرَائِيلَ الَّذِينَ نَجَّاهُمُ اللهُ – تَعَالى – وَفَضَّلَهُم عَلَى أَهلِ زَمَانِهِم ، لَمَّا زَاغُوا بَعدَ ذَلِكَ أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُم ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ يَا قَومِ لِمَ تُؤذُونَنِي وَقَد تَعلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيكُم فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُم وَاللهُ لا يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ " أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَصبِرْ فَـ" إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ " اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكُ الثَّبَاتَ في الأَمرِ ، وَالعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشدِ ، وَنَسأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحمَتِكَ ، وَعَزَائِمَ مَغفِرَتِكَ ، وَنَسأَلُكَ شُكرَ نِعمَتِكَ ، وَحُسنَ عِبَادَتِكَ ، وَنَسأَلُكَ قُلُوبًا سَلِيمَةً وَأَلسِنَةً صَادِقَةً ، وَنَسأَلُكَ مِن خَيرِ مَا تَعلَمُ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا تَعلَمُ ، وَنَستَغفِرُكَ لِمَا تَعلَمُ ؛ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ .
المرفقات

ننسى-يوم-عاشوراء

ننسى-يوم-عاشوراء

ننسى-يوم-عاشوراء-2

ننسى-يوم-عاشوراء-2

المشاهدات 1132 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا