خطبة : ( كم زاد راتبك ؟! )

عبدالله البصري
1436/01/28 - 2014/11/21 06:06AM
كم زاد راتبك ؟! 28 / 1 / 1436
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، قَبلَ يَومَينِ أَو ثَلاثَةٍ ، خَفَقَت قُلُوبُ كَثِيرٍ مِنَّا فَرَحًا وَسُرُورًا ، وَامتَلأَتِ الصُّدُورُ رِضًا وَحُبُورًا ، لِمَاذَا ؟! أَلأَنَّ عَامًا مَضَى وَآخَرَ أَتَى فَحَسبُ ؟! لا ، وَلَكِنْ لأَنَّ رَاتِبًا جَدِيدًا نَزَلَ في حِسَابِ كُلٍّ مِنَّا ، وَقَد أُضِيفَت إِلَيهِ الزِّيَادَةُ السَّنَوِيَّةُ وَنَمَا .
الفَرَحُ بِزِيَادَةِ الرَّاتِبِ وَنَمَائِهِ لَيسَ عَيبًا في ذَاتِهِ ، إِذْ إِنَّ المَالَ قَد جُعِلَ قِوَامًا لِلخَلقِ وَعَصَبًا لِلحَيَاةِ ، وَعَلَى حُبِّهِ فُطِرَ بَنُو آدَمَ ، وَهُم مَجبُولُونَ عَلَى جَمعِهِ وَالاستِزَادَةِ مِنهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ . وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ . وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيرِ لَشَدِيدٌ " وَرَوَى مُسلِمٌ عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَهرَمُ ابنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنهُ اثنَتَانِ : الحِرصُ عَلَى المَالِ وَالحِرصُ عَلَى العُمُرِ "
أَجَل ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّنَا لَنُحِبَّ المَالَ كَثِيرًا وَنَفرَحُ بما زَادَ مِنهُ لَدَينَا وَنَحرِصُ عَلَى جَمعِهِ ، بَل وَفِينَا مَن لا يَعِيشُ إِلاَّ لَهُ وَكَأَنَّمَا قَد خُلِقَ لِحِرَاسَتِهِ ومَنعِهِ ، وَقَد بَيَّنَ النَّاصِحُ الحَبِيبُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَنَّ فِتنَتَنَا هِيَ المَالُ فَقَالَ : " إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتنَةً ، وَفِتنَةُ أُمَّتي المَالُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَلِهَذَا ؛ فَلَن نَقُولَ لِلنَّاسِ : لا تُحِبُّوا المَالَ وَلا تَطلُبُوهُ ، وَلَن نَقُولَ لَهُم : لا تَفرَحُوا بِالزِّيَادَةِ مِنهُ وَلا تَجمَعُوهُ ، لأَنَّهُم بِذَلِكَ مَفتُونُونَ وَلا بُدَّ ، وَمَا مِن سَبِيلٍ لانتِشَالِ القُلُوبِ مِن أَوحَالِ مُستَنقَعَاتِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ وَيَهدِي ، وَلَكِنَّنَا جَمِيعًا مَدعُوُّونَ لأَن نَتَأَمَّلَ قَلِيلاً وَنَعتَبِرَ ؛ لِئَلاَّ يَكُونَ بَعضُ أَهلِ الجَاهِلِيَّةِ أَعقَلَ مِنَّا ، حَيثُ قَالَ لِمَن لامَتهُ في إِنفَاقِ مَالِهِ :
أَرِيني جَوَادًا مَاتَ هُزْلاً لَعَلَّني ** أَرَى مَا تَرَينَ أَو بَخِيلاً مُخَلَّدا
ذَرِيني يَكُنْ مَالي لِعِرضِيَ جُنَّةً ** يَقِي المَالُ عِرضِي قَبلَ أَن يَتَبَدَّدا
ذَرِيني أَكُنْ لِلمَالِ رَبًّا وَلا يَكُنْ ** لِيَ المَالُ رَبًّا تَحمَدِي غِبَّهُ غَدا
وقال الآخر :
أَرَى قَبرَ نَحَّامٍ بَخِيلٍ بِمَالِهِ ** كَقَبرِ غَوِيٍّ في البَطَالَةِ مُفسِدِ
تَرَى جُثوَتَينِ مِن تُرَابٍ عَلَيهِمَا ** صَفَائِحُ صُمٌّ مِن صَفِيحٍ مُنَضَّدِ
أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لَقَد فَهِمَ أَهلُ الجَاهِلِيَّةِ بِمَحضِ عُقُولِهِم وَتَأَمُّلِهِم فِيمَن حَولَهُم أَنَّهُ لا يَبقَى في الدُّنيا كَرِيمٌ وَلا بَخِيلٌ ، وَأَنَّ قُبُورَ الجَمِيعِ مُتَسَاوِيَةٌ مُتَمَاثِلَةٌ ، وَأَمَّا نَحنُ المُسلِمِينَ ، فَإِنَّ لَنَا مَعَ ذَلِكَ نُورًا مِنَ القُرآنِ وَالسُّنَّةِ نَهتَدِي بِهِ ، لِنَقنَعَ بِما يُبَلِّغُنَا ، فَنَسلَمَ وَنُفلِحَ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " قَد أَفلَحَ مَن أَسلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا ، وَقَنَّعَهُ اللهُ بما آتَاهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لم يَذكُرِ اللهُ ـ سُبحَانَهُ ـ الغِنى وَالمَالَ في القُرآنِ مَادِحًا لَهُمَا وَلا مُثنِيًا عَلَى أَهلِهِمَا ، إِلاَّ المُنفِقِينَ في سَبِيلِهِ ، وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ ، فَإِنَّ كَثرَةَ المَالِ مَذمُومَةٌ وَلَيسَت بِمَمدُوحَةٍ ، وَمَن قَرَأَ كِتَابَ اللهِ وَتَأَمَّلَ ، وَجَدَ فَيضَ المَالِ وَشِدَّةَ التَّرفِ وَاتِّسَاعَ الثَّروَةِ ، لا تُذكَرُ إِلاَّ قَرِينةً لِلطُغيَانِ وَالفُسُوقِ وَالعِصيَانِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطغَى . أَن رَآهُ استَغنى " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَو بَسَطَ اللهُ الرِّزقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوا في الأَرضِ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَأَصحَابُ الشِّمَالِ ما أَصحَابُ الشِّمَالِ . في سَمُومٍ وَحَمِيمٍ . وَظِلٍّ مِن يَحمُومٍ . لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ . إِنَّهُم كَانُوا قَبلَ ذَلِكَ مُترَفِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : "وَإِذَا أَرَدنَا أَن نُهلِكَ قَريَةً أَمَرنَا مُترَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرنَاها تَدمِيرًا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَكَم قَصَمنَا مِن قَريَةٍ كَانَت ظَالِمَةً وَأَنشَأنَا بَعدَهَا قَومًا آخَرِينَ . فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأسَنَا إِذَا هُم مِنهَا يَركُضُونَ . لا تَركُضُوا وَارجِعُوا إِلى مَا أُترِفتُم فِيهِ وَمَسَاكِنِكُم لَعَلَّكُم تُسأَلُونَ "
وَمِن جِهَةٍ أُخرَى ، يُذَكِّرُ اللهُ عِبَادَهُ أَنَّ إِعطَاءَهُمُ المَالَ إِنَّمَا هُوَ ابتِلاءٌ وَامتِحَانٌ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَنَبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَيَحسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَالٍ وَبَنِينَ . نُسَارِعُ لَهُم في الخَيرَاتِ بَل لا يَشعُرُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " فَأَمَّا الإِنسَانَ إِذَا مَا ابتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ . كَلَّا "
وَفي تَوجِيهٍ ثَالِثٍ ، يُخبِرُ ـ سُبحَانَهُ ـ أَنَّ الأَموَالَ وَالأَولادَ لا تُقَرِّبُ إِلَيهِ شَيئًا ، وَإِنَّمَا يُقَرِّبُ إِلَيهِ الإِيمَانُ وَالعَمَلُ الصَّالحُ ، قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَمَا أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم بِالَّتي تُقَرِّبُكُم عِندَنَا زُلفَى إِلاَّ مَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُم جَزَاءُ الضِّعفِ بما عَمِلُوا وَهُم في الغُرُفَاتِ آمِنُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغنيَ عَنهُم أَموَالُهُم وَلا أَولَادُهُم مِنَ اللهِ شَيئًا وَأُولَئِكَ هُم وَقُودُ النَّارِ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ في المُنَافِقِينَ : " فَلا تُعجِبْكَ أَموَالُهُم وَلا أَولَادُهُم إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم بها في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَتَزهَقَ أَنفُسُهُم وَهُم كَافِرُونَ " وَقَالَ عَنهُم : " لَن تُغنيَ عَنهُم أَموَالُهُم وَلا أَولَادُهُم مِنَ اللهِ شَيئًا أُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ "
وَفي تَوجِيهٍ قُرآنِيٍّ آخَرَ يُخبِرُ المَولى ـ سُبحَانَهُ ـ أَنَّ الدُّنيَا وَالغِنى وَالمَالَ ، إِنَّمَا جُعِلَت مُتعَةً لِمَن لا نَصِيبَ لَهُ في الآخِرَةِ ، وَأَنَّ الآخِرَةَ جُعِلَت لِلمُتَّقِينَ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَلَا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى ما مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجًا مِنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى . وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لَا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَيَومَ يُعرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذهَبتُم طَيِّبَاتِكُم في حَيَاتِكُمُ الدُّنيَا وَاستَمتَعتُم بها فَاليَومَ تُجزَونَ عَذَابَ الهُونِ بما كُنتُم تَستَكبِرُونَ في الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَبما كُنتُم تَفسُقُونَ " وَفي الصَّحِيحَينِ عَن عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : دَخَلتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَإِذَا هُوَ مُضطَّجِعُ عَلَى رُمَالِ حَصِيرٍ لَيسَ بَينَهُ وَبَينَهُ فِرَاشٌ ، قَد أَثَّرَ الرُّمَالُ بِجَنبِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِن أَدَمٍ حَشوُهَا لَيفٌ . قُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، اُدعُ اللهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ ؛ فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ قَد وُسِّعَ عَلَيهِم وَهُم لا يَعبُدُونَ اللهَ . فَقَالَ : " أَوَفي هَذَا أَنتَ يَا بنَ الخَطَّابِ ؟ أُولَئِكَ قَومٌ عُجِّلَت لَهُم طَيِّبَاتُهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا " وَفي رِوَايَةٍ : " أَمَا تَرضَى أَن تَكُونَ لَهُمُ الدُّنيَا وَلَنَا الآخِرَةُ ؟ "
وَفي تَوجِيهٍ آخَرَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ نَجِدُ أَنَّهُ ـ سُبحَانَهُ ـ قَد ذَمَّ مُحِبِّي المَالَ فَقَالَ : " كَلاَّ بَل لا تُكرِمُونَ اليَتِيمَ . وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ المِسكِينِ . وَتَأكُلُونَ التُّرَاثَ أَكلاً لَمًّا . وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ عَن أَغنى أَهلِ زَمَانِهِ : " فَخَرَجَ عَلَى قَومِهِ في زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيتَ لَنَا مِثلَ ما أُوتيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ وَيلَكُم ثَوَابُ اللهِ خَيرٌ لِمَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ " وَأَيُّ ذَمٍّ أَكبَرُ مِن أَن يَصِمَ اللهُ مُتَمَنِّي كَثرَةِ المَالِ وَزِينَةِ الدُّنيا بِالجَهلِ ، وَيَمدَحَ الزَّاهِدِينَ الصَّابِرِينَ وَيَشهَدَ لَهُم بِأَنَّهُم مِن أَهلِ العِلمِ ؟!
وَفي مَوضِعٍ آخَرَ مِن كِتَابِ اللهِ ، يُنكِرُ ـ سُبحَانَهُ ـ عَلَى مَن يَظُنُّونَ أَنَّ تَفضِيلَ البَشَرِ عَلَى بَعضِهِم يَكُونُ بِالمَالِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَقَالَ لَهُم نَبِيُّهُم إِنَّ اللهَ قَد بَعَثَ لَكُم طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلكُ عَلَينَا وَنَحنُ أَحَقُّ بِالمُلكِ مِنهُ وَلم يُؤتَ سَعَةً مِنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصطَفَاهُ عَلَيكُم وَزَادَهُ بَسطَةً في العِلمِ وَالجِسمِ وَاللهُ يُؤتي مُلكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "
أَلا فَلنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّها المُسلِمُونَ ـ وَلْنَحذَرِ التَّكَاثُرَ في جَمعِ المَالِ وَغَيرِهِ ، فَقَد أَخبَرَنَا رَبُّنَا وَخَالِقُنَا وَمَالِكُ أَمرِنَا ، أَنَّهُ أَلهَى النَّاسَ وَشَغَلَهُم عَنِ الآخِرَةِ وَالاستِعدَادِ لها ، فَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَلهَاكُمُ التَّكَاثُرُ . حَتَّى زُرتُمُ المَقَابِرَ . كَلاَّ سَوفَ تَعلَمُونَ . ثُمَّ كَلاَّ سَوفَ تَعلَمُونَ . كَلاَّ لَو تَعلَمُونَ عِلمَ اليَقِينِ . لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ . ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَينَ اليَقِينِ . ثُمَّ لَتُسأَلُنَّ يَومَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ " وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولَادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، المَالُ الحَقِيقِيُّ المُبَارَكُ النَّافِعُ ، إِمَّا مَلبُوسٌ لِسِترٍ ، أَو مَأكُولٌ لِسَدِّ جُوعٍ ، وَإِمَّا مُتَصَدَّقٌ بِهِ فَمُبقًى لِيَومٍ عَظِيمٍ ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ ، فَإِنَّمَا هِيَ أَرقَامٌ تَخدَعُ الجَاهِلِينَ وَتَغُرُّ الغَافِلِينَ ، عَلَى جَامِعِهَا حِسَابُهَا وَغُرمُهَا ، وَلِلوَارِثِ حُلوُهَا وَغُنمُهَا ، في صَحِيحِ مُسلِمٍ مِن حَدِيثِ أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَقُولُ العَبدُ : مَالي مَالي ، وَإنما لَهُ مِن مَالِهِ ثَلاثٌ : مَا أَكلَ فَأَفنَى ، أَو لَبِسَ فَأَبلَى ، أَو أَعطَى فَأَقنى ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ "
أَلا فَلْنَنتَبِهْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلا تَصرِفَنَّا زِيَادَةُ المَالِ وَالفَرَحُ بِهِ عَنِ التَّزَوُّدِ مِنَ التَّقوَى وَالاستِعدَادِ لِمَا خُلِقنَا لَهُ ، فَإِنَّ النَّفسَ لا مُنتَهَى لأَطَمَاعِهَا وَلو نَالَ العَبدُ مِن دُنيَاهُ عَدَدَ ذَرَّاتِ الرِّمَالِ وَقَطرِ البِحَارِ ، وَإِنَّمَا الرَّاحَةُ في القَنَاعَةِ ، عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لَو كَانَ لابنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِن مَالٍ لابتَغَى إِلَيهِمَا ثَالِثًا ، وَلا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن تَابَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ ، وَعَن أَبي ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَتُرَى كَثرَةَ المَالِ هُوَ الغِنَى ؟! " قُلتُ : نَعَم يَا رَسُولَ اللهِ . قال : " أَفَتُرَى قِلَّةَ المَالِ هُوَ الفَقرَ ؟! " قُلتُ : نَعَم يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ : " إِنَّمَا الغِنَى غِنَى القَلبِ ، وَالفَقرُ فَقرُ القَلبِ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ، وَكُونُوا مِمَّن يَطلُبُونَ بِأَموَالِهِم مَا عِندَ اللهِ ، فَكَم مِن مُؤمِنٍ لم يُدخِلْهُ الجَنَّةَ إِلاَّ مَالُهُ وَإِنفَاقُهُ ، وَمَن أَرَادَ الزِّيَادَةَ الحَقِيقِيَّةَ وَالبَرَكَةَ ، فَعَلَيهِ بِالجُودِ وَالإِنفَاقِ ، وَلْيَحذَرِ الشُّحَّ وَالإِمسَاكَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَالَهُم في سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَت سَبعَ سَنَابِلَ في كُلِّ سُنبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَالَهُم في سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ المُتَّقِينَ في جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . آخِذِينَ مَا آتَاهُم رَبُّهُم إِنَّهُم كَانُوا قَبلَ ذَلِكَ مُحسِنِينَ . كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيلِ مَا يَهجَعُونَ . وَبِالأَسحَارِ هُم يَستَغفِرُونَ . وَفي أَموَالِهِم حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ " وَعَن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ سَمُرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ، قَالَ : جَاءَ عُثمَانُ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِأَلفِ دِينَارٍ في كُمِّهِ حِينَ جَهَّزَ جَيشَ العُسرَةِ فَنَثَرَهَا في حَجرِهِ ، فَرَأَيتُ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يُقَلِّبُهَا في حَجرِهِ وَيَقُولُ : " مَا ضَرَّ عُثمَانَ مَا عَمِلَ بَعدَ اليَومِ ، مَا ضَرَّ عُثمَان مَا عَمِلَ بَعدَ اليَومِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَيَقدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَا مِن يَومٍ يُصبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنزِلانِ ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أَعطِ مُنفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعطِ مُمسِكًا تَلَفًا " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
المرفقات

كم زاد راتبك ؟!.doc

كم زاد راتبك ؟!.doc

كم زاد راتبك ؟!.pdf

كم زاد راتبك ؟!.pdf

المشاهدات 2973 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


جزاك الله خير