خطبة { كل يعمل على شاكلته } 26 شوال 1435
الطيب بن أحمد عشاب
1435/10/27 - 2014/08/23 21:27PM
{ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} 26 شوال 1435هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخطبة الأولــى
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخطبة الأولــى
الْحَمْدُ للهِ الْواحدِ الأحدِ الفردِ الصمدِ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.أَحْمَدُهُ سُبحانَهُ وَ تََعالى حمْداً كَثيراً مُبارَكاً فيهِ كَما يَنْبَغي لِجَلالِ عِزِّهِ وَ عَظيمِ سُلْطانِهِ.وَ أَشْهَدُ أَنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، أَكْرَمَنـا بخيرِ نبيٍّ أُرْسِل و بِأَفْضَلِ كتابٍ أُنْزِل وأَتمَّ نعمتَـهُ علينا بِأَعْظَـمِ دينٍ شُرِع { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} (المائدة: من الآية3) وَ أَشْهَدُ أَنَّ محمداً عبدُهُ و رَسولُهُ،أَرْسلَهُ على حينِ فترةٍ من الرسلِ بيْنَ يدي الساعةِ بشيراً و نذيراً.بَلَّغَ الرسالةَ، أدَّى الأمانةَ،نصح الأمـةَ و جاهدَ في الله حقَّ جهادهِ حتى أتاهُ اليقينُ منْ ربِّهِ.فاللهم صل عليه و على آله و أزواجِهِ الطيبينَ الطاهرين و على أصحابه الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}(الأحزاب:70/71)
أيها المسلمون...
حَقيقةٌ لا يُماري و لا يُجادِلُ فيها أحدٌ، قرَّرَها اللهُ الْواحدُ الأحدُ، وَهِيَ (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ). فَكُلٌّ يَتْعَبُ وَ يَشْقى، حسَبَ طَريقَتِهِ وَسيَرتِهِ التي اعْتادَها وَ نَشأ عَلَيْها. وَ كُلٌّ يَكُدّ وَ يَسْعى بما وافَقَ جَوْهَرَ نَفْسِهِ وَ نِياتِه.قالَ تَعالى:{ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً} [1]
إِنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَ جَلَّ: (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)، حَقيقَةٌ قَرَّرَها اللهُ تَعالى بِكَلِِماتٍ قَليلَةٍ،وَ أَثَرٌ ِمنْ آثارِ حِكْمَةٍ لَهُ في خَلْقِهِ بَليغَةٍ، كَقَوْلِهِ عزَّ وَ جَلَّ { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى }[2] و قََوْلِهِ عزَّ مِنْ قائِلٍ { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مشْرَبَهُمْ }[3].
وَ هِيَ تُبَصِّرُ مَنْ تَدَبَّرَها وَ تَأمَّلَها مِنْ أَجْلِ تَحْقيقِ التَّنْظيمِ وَ تَوْزيعِ الْأَدْوارِ بِإِخْلاصٍ لِيَعْمَلَ كُلٌّ فِي حُدودِ طاقاتِهِ وَ اسْتِعْداداتِهِ وَلا يَبْغي أَحَدٌ عَلى أَحَدٍ.وَ مَعْنى الشَّاكِلَةُ: الطَّرِيقَةُ وَالسِّيرَةُ الَّتِي اعْتَادَهَا صَاحِبُهَا وَنَشَأَ عَلَيْهَا. قالَ ابنُ عاشور[4] : (وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي الْآيَةِ تَجْرِي مَجْرَى الْمَثَلِ).وَ قَدْ جاءَتِ السُّنـَّة الْمُطَهَّرَةُ بِتَقْريرِ هَذا الْمَعْنى كَما في قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»[5] أَيْ كُلٌّ مُهَيَّأٌ لِما خُلِقَ لَهُ
إنَّ حَقيقَةَ (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ و كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) تُبَيِّنُ أَنَّ اللهَ تَبارَكَ وَ تَعالى قَسَمَ بَيْنَ عِبادِهِ مَؤَهِّلاتِهِمْ وَ مَلَكاتِهِمْ وَ مَواهِبَهُمْ كَما قَسَمَ أَرْزاقَهُمْ وَ أَعْمارَهُمْ و طَبائِعَهُمْ و نَوَّعَ بَيْنَ أَوْلَوِياتِهِمْ وَ اهْتِماماتِهِمْ كَما نَوَّعَ بَيْنَ أَعْراقِهِمْ وَ أَلْسِنَتِهِمْ.
كَما تُبَيِّنُ تَعَدُّدَ أَبْوابَ الْخَيْرِ وَهِيَ لا تُفْتَحُ كُلُّهَا في آنٍ واحِدٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ. وَ لِذلِكَ كَانَ أصْحابُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَسْأَلونَهُ أيّ الأعمالِ أفضَلُ؟ أو أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ لأنّهم يَعْلمون أنّ الإنسانَ ليس في وُسْعِه وَلا في طاقَتِه أنْ يأْتيَ بِجَميعِ الأعْمالِ.وَ كانَ جَوابُهُ مُتَعَدِّداً مُتَنَوِّعًا لِأَنَّهُ أَجابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَ مَا يُناسِبُهُ.
أَخْرَجَ الْبُخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ»[6]
و عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» وَقَالَ: «اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ»[7]
و عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»[8]
طُرُقُ الْخَيْرِ مُتَعَدِّدَةٌ وَلِأََعْمالِ الْخَيْرِ أبْوابٌ مُتَنَوِّعَةٌ مَفْتوحَةٌ مُشْرَعَةٌ وَ كُلُّ بابٍ مِنْها يُدْعَى صاحِبُهُ مِنْ نَظيرِهِ في الْجَنَّةِ.
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ، - يَعْنِي الجَنَّةَ، - يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ، وَبَابِ الرَّيَّانِ»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى هَذَا الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، وَقَالَ: هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ»[9]
لمَاَّ جَعَلَ اللهُ تَعالى أَبْوابَ الْخَيْرِ مُتَنَوِّعَةً، جَعَلَ أَبْوابَ الْجَنَّةِ ثمانيةً، لِكًلِّ عَمَلٍ بابٌ. ٌعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لاَ يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ»[10]
و في نونية ابن القيم الجوزية:
أبوابُـها حـقٌ ثمانيـةٌ أتـت {{}} في النَّصِّ وهي لصاحِبِ الإحْسـانِ
بابُ الجِهادِ وذاك أعلاها وبابُ {{}}}} الصَّوْمِ، يُدْعـى البابُ بِالرَّيـانِ
وَلِكُـلِّ سَعْىٍ صالحٍ بابٌ ورَبُ {{}} السَّعْـي منـه داخـلٌ بأمــانِ
وَلَسَوْفَ يُدْعى المرءُ منْ أَبْوابها {{}} جَمْعـاً إذا وافى حُلـَى الإيمـانِ
مِنْهُمْ أبو بَكرٍ هو الصدّيق ذاك {{}} خَليفَـةُ المبْعــوثِ بالْقُــرْآنِ
إنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ تَعالى الْبالِغةِ أَنْ خَلَقَ الحْيَاةَ الدُّنْيا مَبْنِيَةً عَلى أَساسِ التَّنَوُّعِ وَ ِمنْ رَأْفَتِهِ تَعالى بِعِبادِهِ أَنْ نَوَّعَ لَهُمْ طُرُقَ الخير و عَدَّدَ لَهُمْ سُبُلَ الْوُصولِ إِلى جَنَّتِهِ وَ نَيْلِ رِضْوانِه. فَلَمْ يَحْصُرْ الخْيَْرَ وَ الْبِرَّ في بابِ واحِدٍ، لِيَسْتَطيعَ كُلُّ مِنْهُمْ أَنْ يُسابِقَ في الْبابِ الذي يَسْتَطيعُ. { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ }
وَ قَدْ أَوْرَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ في التَّمْهِيدِ[11] قِصَّةً مَفَادُهَا ((أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُمَرِيَّ الْعَابِدَ كَتَبَ إِلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ إِلَى الِانْفِرَادِ وَالْعَمَلِ وَيَرْغَبُ بِهِ عَنِ الِاجْتِمَاعِ إِلَيْهِ فِي الْعِلْمِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَسَّمَ الْأَعْمَالَ كَمَا قَسَّمَ الْأَرْزَاقَ فَرُبَّ رَجُلٍ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصِّيَامِ وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ. وَنَشْرُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ ،وَقَدْ رَضِيتُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ لِي فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيهِ بِدُونِ مَا أَنْتَ فِيهِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ كِلَانَا عَلَى خَيْرٍ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَرْضَى بِمَا قُسِّمَ لَهُ وَالسَّلَامُ))
وَ هَكَذا تُبَيِّنُ حَقيقَةُ ((كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)) سِرَّ اللهِ في الْفَتْحِ عَلى عِبادِهِ مِنْ أَلْوانِ الطَّاعاتِ وَصُنوفِ الْعِباداتِ وأنواعِ الاجْتِهاداتِ وَطُرُقِ الْمُسابقاتِ إِلى الخْيَرْاتِ،فَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ في بابِ الصَّلاةِ وَ مِنْهُمْ مَنْ فتَحَ َعَلَيْهِ في قِراءَةِ الْقُرْآنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ في الصِّيَامِ أَوْ الصَّدَقاتِ وَ مِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تَعَالى وَ مِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِمْ في مُساعَدَةِ الْمُحْتاجين مِنَ الْمَرْضى وَ الْمُعاقِين وَ مِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ في إيصالِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ عَنْ طَرِيقِ مُؤَسَّساتِ المجتمعِ الْمَدَني وَ وَسائِلِ الإعْلام الْمُعاصِرَةِ.
اللهم اجْعَلْ أَعْمالَنا خالِصَةً لِوَجْهِكَ الكَريمِ و اسْتَعْمِلْنا لِدينِكَ وَ لا تَسْتَبْدِلْنا.
بارَكَ الله ُلي و لَكُمْ في القُرآنِ العظيمِ و سُنَّـةِ سَيِّدِ المُْرْسَلين. وآخرُ دَعْوانا أَن الحمدُ للهِ ربِّ الْعالمينَ.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين و لا عدوان إلا على الظالمين
عباد الله...
إِنَّ مِنْ فِقْهِ هَذِهِ الْحَقيقَةِ المْـُقَرَّرَةِ في قَوْلِه تعالى((كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ))
ـ ألَّا يُعْتَمَدَ عَلَيْها في عَدَمِ الْعَمَلِ
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ، فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ، فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ العَمَلَ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ»[12]
ـ الإنسانُ عاجِزٌ عَن إِخْفاءِ ما بِداخلِهِ لأنَّ الشَّخْصِيةَ الإنْسانيَةَ وِعاءٌ مَلْموسٌ،صِفاتُهُ تُدْرَكُ بِالْعُقولِ.فالَّذي يُضْفي عَلى شَخْصِيتِه صِفَةَ الصَّلاحِ بمظاهرَ خارجيةٍ سَرْعانَ ما تَنْكشِفُ حقيقتُه. و الذي يَدَّعي رَغْبَتَهُ في خِدْمة إخوانِه المسلمين وَ تَحْقيقِ المصالِحِ الْعُليا وَ هُوَ كاذبٌ سَرْعانَ ما تَنْكَشِفُ نَواياهُ الْحَقيقيةُ عِنْدَ بُلوغه لأهدافِه و تبوئِه المناصبَ.
ـ أَهَمِّيَةُ تَنَوُّعِ المْواهِبِ وَ الاسْتِعْداداتِ و القُدُراتِ الفَرديةِ وَ ضَرورةُ استغلالِها في تَفْعيلِ طاقاتِ الأُمَّةِ بِوَضْعِ الرَّجُلِ المناسِبِ في المكانِ المناسِبِ لِتَتَجاوَزَ أُمَّتُنا أَزْمَةَ خَسارَةِ الطاقاتِ الواعدَةِ وَ أَزْمَةِ إِسْنادِ الأَمْرِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ وَ هُوَ ما حَذَّرَ مِنْهُ رَ سولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»[13] وَ َبيَّنَ أنَّ بَيْنَ يَدَيْ هذه الساعةِ أَنْ يَنْطِقَ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ وَ لمَـَّا سُئِلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ»[14]
اللهم صل على محمد و على آل محمد
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}(الأحزاب:70/71)
أيها المسلمون...
حَقيقةٌ لا يُماري و لا يُجادِلُ فيها أحدٌ، قرَّرَها اللهُ الْواحدُ الأحدُ، وَهِيَ (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ). فَكُلٌّ يَتْعَبُ وَ يَشْقى، حسَبَ طَريقَتِهِ وَسيَرتِهِ التي اعْتادَها وَ نَشأ عَلَيْها. وَ كُلٌّ يَكُدّ وَ يَسْعى بما وافَقَ جَوْهَرَ نَفْسِهِ وَ نِياتِه.قالَ تَعالى:{ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً} [1]
إِنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَ جَلَّ: (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)، حَقيقَةٌ قَرَّرَها اللهُ تَعالى بِكَلِِماتٍ قَليلَةٍ،وَ أَثَرٌ ِمنْ آثارِ حِكْمَةٍ لَهُ في خَلْقِهِ بَليغَةٍ، كَقَوْلِهِ عزَّ وَ جَلَّ { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى }[2] و قََوْلِهِ عزَّ مِنْ قائِلٍ { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مشْرَبَهُمْ }[3].
وَ هِيَ تُبَصِّرُ مَنْ تَدَبَّرَها وَ تَأمَّلَها مِنْ أَجْلِ تَحْقيقِ التَّنْظيمِ وَ تَوْزيعِ الْأَدْوارِ بِإِخْلاصٍ لِيَعْمَلَ كُلٌّ فِي حُدودِ طاقاتِهِ وَ اسْتِعْداداتِهِ وَلا يَبْغي أَحَدٌ عَلى أَحَدٍ.وَ مَعْنى الشَّاكِلَةُ: الطَّرِيقَةُ وَالسِّيرَةُ الَّتِي اعْتَادَهَا صَاحِبُهَا وَنَشَأَ عَلَيْهَا. قالَ ابنُ عاشور[4] : (وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي الْآيَةِ تَجْرِي مَجْرَى الْمَثَلِ).وَ قَدْ جاءَتِ السُّنـَّة الْمُطَهَّرَةُ بِتَقْريرِ هَذا الْمَعْنى كَما في قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»[5] أَيْ كُلٌّ مُهَيَّأٌ لِما خُلِقَ لَهُ
إنَّ حَقيقَةَ (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ و كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) تُبَيِّنُ أَنَّ اللهَ تَبارَكَ وَ تَعالى قَسَمَ بَيْنَ عِبادِهِ مَؤَهِّلاتِهِمْ وَ مَلَكاتِهِمْ وَ مَواهِبَهُمْ كَما قَسَمَ أَرْزاقَهُمْ وَ أَعْمارَهُمْ و طَبائِعَهُمْ و نَوَّعَ بَيْنَ أَوْلَوِياتِهِمْ وَ اهْتِماماتِهِمْ كَما نَوَّعَ بَيْنَ أَعْراقِهِمْ وَ أَلْسِنَتِهِمْ.
كَما تُبَيِّنُ تَعَدُّدَ أَبْوابَ الْخَيْرِ وَهِيَ لا تُفْتَحُ كُلُّهَا في آنٍ واحِدٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ. وَ لِذلِكَ كَانَ أصْحابُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَسْأَلونَهُ أيّ الأعمالِ أفضَلُ؟ أو أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ لأنّهم يَعْلمون أنّ الإنسانَ ليس في وُسْعِه وَلا في طاقَتِه أنْ يأْتيَ بِجَميعِ الأعْمالِ.وَ كانَ جَوابُهُ مُتَعَدِّداً مُتَنَوِّعًا لِأَنَّهُ أَجابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَ مَا يُناسِبُهُ.
أَخْرَجَ الْبُخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ»[6]
و عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» وَقَالَ: «اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ»[7]
و عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»[8]
طُرُقُ الْخَيْرِ مُتَعَدِّدَةٌ وَلِأََعْمالِ الْخَيْرِ أبْوابٌ مُتَنَوِّعَةٌ مَفْتوحَةٌ مُشْرَعَةٌ وَ كُلُّ بابٍ مِنْها يُدْعَى صاحِبُهُ مِنْ نَظيرِهِ في الْجَنَّةِ.
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ، - يَعْنِي الجَنَّةَ، - يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ، وَبَابِ الرَّيَّانِ»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى هَذَا الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، وَقَالَ: هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ»[9]
لمَاَّ جَعَلَ اللهُ تَعالى أَبْوابَ الْخَيْرِ مُتَنَوِّعَةً، جَعَلَ أَبْوابَ الْجَنَّةِ ثمانيةً، لِكًلِّ عَمَلٍ بابٌ. ٌعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لاَ يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ»[10]
و في نونية ابن القيم الجوزية:
أبوابُـها حـقٌ ثمانيـةٌ أتـت {{}} في النَّصِّ وهي لصاحِبِ الإحْسـانِ
بابُ الجِهادِ وذاك أعلاها وبابُ {{}}}} الصَّوْمِ، يُدْعـى البابُ بِالرَّيـانِ
وَلِكُـلِّ سَعْىٍ صالحٍ بابٌ ورَبُ {{}} السَّعْـي منـه داخـلٌ بأمــانِ
وَلَسَوْفَ يُدْعى المرءُ منْ أَبْوابها {{}} جَمْعـاً إذا وافى حُلـَى الإيمـانِ
مِنْهُمْ أبو بَكرٍ هو الصدّيق ذاك {{}} خَليفَـةُ المبْعــوثِ بالْقُــرْآنِ
إنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ تَعالى الْبالِغةِ أَنْ خَلَقَ الحْيَاةَ الدُّنْيا مَبْنِيَةً عَلى أَساسِ التَّنَوُّعِ وَ ِمنْ رَأْفَتِهِ تَعالى بِعِبادِهِ أَنْ نَوَّعَ لَهُمْ طُرُقَ الخير و عَدَّدَ لَهُمْ سُبُلَ الْوُصولِ إِلى جَنَّتِهِ وَ نَيْلِ رِضْوانِه. فَلَمْ يَحْصُرْ الخْيَْرَ وَ الْبِرَّ في بابِ واحِدٍ، لِيَسْتَطيعَ كُلُّ مِنْهُمْ أَنْ يُسابِقَ في الْبابِ الذي يَسْتَطيعُ. { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ }
وَ قَدْ أَوْرَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ في التَّمْهِيدِ[11] قِصَّةً مَفَادُهَا ((أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُمَرِيَّ الْعَابِدَ كَتَبَ إِلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ إِلَى الِانْفِرَادِ وَالْعَمَلِ وَيَرْغَبُ بِهِ عَنِ الِاجْتِمَاعِ إِلَيْهِ فِي الْعِلْمِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَسَّمَ الْأَعْمَالَ كَمَا قَسَّمَ الْأَرْزَاقَ فَرُبَّ رَجُلٍ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصِّيَامِ وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ. وَنَشْرُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ ،وَقَدْ رَضِيتُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ لِي فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيهِ بِدُونِ مَا أَنْتَ فِيهِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ كِلَانَا عَلَى خَيْرٍ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَرْضَى بِمَا قُسِّمَ لَهُ وَالسَّلَامُ))
وَ هَكَذا تُبَيِّنُ حَقيقَةُ ((كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)) سِرَّ اللهِ في الْفَتْحِ عَلى عِبادِهِ مِنْ أَلْوانِ الطَّاعاتِ وَصُنوفِ الْعِباداتِ وأنواعِ الاجْتِهاداتِ وَطُرُقِ الْمُسابقاتِ إِلى الخْيَرْاتِ،فَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ في بابِ الصَّلاةِ وَ مِنْهُمْ مَنْ فتَحَ َعَلَيْهِ في قِراءَةِ الْقُرْآنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ في الصِّيَامِ أَوْ الصَّدَقاتِ وَ مِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تَعَالى وَ مِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِمْ في مُساعَدَةِ الْمُحْتاجين مِنَ الْمَرْضى وَ الْمُعاقِين وَ مِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ في إيصالِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ عَنْ طَرِيقِ مُؤَسَّساتِ المجتمعِ الْمَدَني وَ وَسائِلِ الإعْلام الْمُعاصِرَةِ.
اللهم اجْعَلْ أَعْمالَنا خالِصَةً لِوَجْهِكَ الكَريمِ و اسْتَعْمِلْنا لِدينِكَ وَ لا تَسْتَبْدِلْنا.
بارَكَ الله ُلي و لَكُمْ في القُرآنِ العظيمِ و سُنَّـةِ سَيِّدِ المُْرْسَلين. وآخرُ دَعْوانا أَن الحمدُ للهِ ربِّ الْعالمينَ.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين و لا عدوان إلا على الظالمين
عباد الله...
إِنَّ مِنْ فِقْهِ هَذِهِ الْحَقيقَةِ المْـُقَرَّرَةِ في قَوْلِه تعالى((كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ))
ـ ألَّا يُعْتَمَدَ عَلَيْها في عَدَمِ الْعَمَلِ
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ، فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ، فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ العَمَلَ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ»[12]
ـ الإنسانُ عاجِزٌ عَن إِخْفاءِ ما بِداخلِهِ لأنَّ الشَّخْصِيةَ الإنْسانيَةَ وِعاءٌ مَلْموسٌ،صِفاتُهُ تُدْرَكُ بِالْعُقولِ.فالَّذي يُضْفي عَلى شَخْصِيتِه صِفَةَ الصَّلاحِ بمظاهرَ خارجيةٍ سَرْعانَ ما تَنْكشِفُ حقيقتُه. و الذي يَدَّعي رَغْبَتَهُ في خِدْمة إخوانِه المسلمين وَ تَحْقيقِ المصالِحِ الْعُليا وَ هُوَ كاذبٌ سَرْعانَ ما تَنْكَشِفُ نَواياهُ الْحَقيقيةُ عِنْدَ بُلوغه لأهدافِه و تبوئِه المناصبَ.
ـ أَهَمِّيَةُ تَنَوُّعِ المْواهِبِ وَ الاسْتِعْداداتِ و القُدُراتِ الفَرديةِ وَ ضَرورةُ استغلالِها في تَفْعيلِ طاقاتِ الأُمَّةِ بِوَضْعِ الرَّجُلِ المناسِبِ في المكانِ المناسِبِ لِتَتَجاوَزَ أُمَّتُنا أَزْمَةَ خَسارَةِ الطاقاتِ الواعدَةِ وَ أَزْمَةِ إِسْنادِ الأَمْرِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ وَ هُوَ ما حَذَّرَ مِنْهُ رَ سولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»[13] وَ َبيَّنَ أنَّ بَيْنَ يَدَيْ هذه الساعةِ أَنْ يَنْطِقَ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ وَ لمَـَّا سُئِلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ»[14]
اللهم صل على محمد و على آل محمد
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الإسـراء 84
[2] الليل 4
[3] البقرة 60 / الأعراف 160
[4] التحرير والتنوير لابن عاشور ج15 ص194/الدار التونسية للنشر 1984
[5] البخاريح7551 و مسلم2649
[6] البخاري 26
[7] البخاري 6465 و مسلم 783
[8] البخاري 7534
[9] البخاري 1897 ـ 3666 و مسلم 1027 و مالك في الموطأ 49
[10] البخاري 3257
[11] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد الب: ج7 ـ ص185
[12] البخاري 4949
[13] البخاري 6496
[14] ابن ماجة 4036
[2] الليل 4
[3] البقرة 60 / الأعراف 160
[4] التحرير والتنوير لابن عاشور ج15 ص194/الدار التونسية للنشر 1984
[5] البخاريح7551 و مسلم2649
[6] البخاري 26
[7] البخاري 6465 و مسلم 783
[8] البخاري 7534
[9] البخاري 1897 ـ 3666 و مسلم 1027 و مالك في الموطأ 49
[10] البخاري 3257
[11] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد الب: ج7 ـ ص185
[12] البخاري 4949
[13] البخاري 6496
[14] ابن ماجة 4036
المشاهدات 3446 | التعليقات 2
الشيخ الفاضل زياد الريسي
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .
الشكر موفور لكم و لكل إخواننا معكم على جهودكم الجبارة من أجل إيصال هذا الخير العميم للناس.
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
بورك فيك الشيخ الطيب ومرحبا بك وحياك ربي بعد انقطاع طويل نرجو ألا يكون الذي قطعك عنا هو مكروه ولا أن يكون لنا فيه سبب.
خطبة قيمة سحاب هاطل بعد جدب فتح الله عليك.
تعديل التعليق