خطبة: كــــيـــف تــطيل عـــمــرك؟
أبو عبد الله 2
1435/06/24 - 2014/04/24 15:57PM
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. أحمده -سبحانه وتعالى- حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، أرسل إلينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- هادياً ومبشراً ونذيراً؛ فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
أيها المؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
عباد الله: حديثنا اليوم عما يطيل العمرَ ويمدُّه وينسأُ فيه ويزيدُه، وقبل الحديث عن الأسباب التي تزيد في العمر..
هل يمكنُ أن يطيل المرء عمره؟ الجواب: نعم فإن معتقد اهل السنة والجماعة ان المرء بإمكانه ان يطيلَ عمره فيكون عمره خمسين مثلا فيفعل افعالاً معينة، فيُقدِّر الله تعالى له عمراً بعد ذلك أطول يصل إلى الستين أكثر او اقل.
والله تبارك وتعالى أثبت زيادة الأعمار ونُقصها ، ففال : ( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ) .
وأخبر سبحانه وتعالى أنه يَمحو ما يشاء ويُثبت ما يشاء، فقال : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) .
والزيادة والنقص في العمر إنما تكون بما في أيدي الملائكة من الصُّحُف ، أي: الذي كَتَبه الملك ، حينما كَتَب عُمْرَ ابنِ آدمَ ورزقَه وعملَه وشقي أو سعيد ، كما في حديث ابن مسعود في الصحيحين .
فهذا الذي يحصل فيه المحو والإثبات .
أما ما قُدِّر في اللوح المحفوظ فهو لا يُغيّر ولا يُبدّل ولا يُمحى منه شيء .
ففي عِلم الله أن فلاناً من الناس يَصِل رَحمه ، ويكون عمره المتغير – مثلا – ستين سنة ، فإذا وصل رَحِمه بلّغه الله السبعين.
والنفس بطبعها - ياعباد الله- تريد البقاء وطول الأمد وقد جاء في الحديث الصحيح الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( وما ترددت في شي أنا فاعله كترددي في قبض نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مَساءته) فبين النبي أن المؤمن يكره الموت فرغبة البقاء في الحياة الدنيا ليست منقصة ولكنها جبلة جعلها الله في الآدميين جميعا والمرء إذا طال عمره وكثر عمله فإنها علامةٌ على خيريةٍ للمرء.
ثبت في السنن بإسناد صحيح عن النبي قال( خيركم من طال عمره وحسن عمله)
وأول هذه الأسباب التي تُطيل في العمر: تقوى الله تعالى ،فالمرء إذا اتقى الله وجعل أمر الله أمام ناظريه، فما يعمل عملا إلا وهو مراقب له جل وعلا خائفا من عذابه راجيا ثوابه فذاك الذي يمد الله في عمره، وقد صح في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أراد أن يطال له في عمره ، وينسأ له في أثره ويزاد له في رزقه، فليتق الله وليبر والديه".
ومن الأسباب أيضا لطول العمر: بر الوالدين وقد ورد عن النبي أكثر من خمسةَ عشر حديثاً تدل على أن بر الوالدين سببٌ لطول العمر والمدِّ فيه، وقد صح عنه –عليه الصلاة والسلام- من هذه الأحاديث حديث ثوبان أن النبي قال (لا يزيد في العمر إلا بر الوالدين ) ومعنى الحديث: التأكيد على أن بر الوالدين أعظم سبب لطول العمر وقد ثبت من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( من أحب أن يمُد الله له في عمره و يزيد في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه)
إن المرءَ إذا بر والديه وأمضى وقته في الإحسان إليهم وخدمتهم وطاعتهم فان الله يخلف عليه وقته أضعافا مضاعفة.
إن من الناس من يستغلي دقائق معدودة يجالس فيها والديه إما أن يمرضهم أو يقوم بحاجتهم وربما أوكل بهذه الأمور غيره من الناس.ظنا منه أن هذا الوقت الذي يبذله مع والديه إنما هو ضائع وهو غير محسوب عليه ، وما علم ذلك المرء أن كل دقيقة يجلسها المرء مع والديه براً بهما وإحسانا إليهما وتمريضا لهما فإن الله عز وجل يبدلها على المرء أضعافا مضاعفة ولذلك جاء في الأثر أن الجزاء من جنس العمل.
فمن بذل وقته في بر الوالدين بذل الله له عمراً يمد به نسأه ويجعل له في أثره.
ومما يطيل الله به العمر صلة الرحم: فيصل المرء رحمه ويحسن إليهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم( من أراد أن يُنسأَ في أثره ويطال الله في عمره فليتق الله وليبر والديه وليصل رحمه ) ومن أعجب الآثار فيذلك ما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:( من ضمن لي واحدة ضمنت له أربعا: من وصل رحمه طال عمره، وأحبه أهله، ووسع عليه في رزقه، ودخل جنة ربه) فبين أن في صلة الرحم أربع جزاءات من الله تعالى يثاب عليها المرء.
وهنا مسالة مهمة، وهي ما هي الرحم التي يجب صلتها والإحسان إليها ويأثم المرء على قطيعتها؟
والجواب: أن صلة الرحم إنما تجب للرحم المحرمة ومعنى الرحم المحرمة التي لو فرض احد الطرفين فيها ذكر والآخر أنثى لحُرم التزويج على سبيل التأبيد، فيجب على المرء أن يصل أباه وأجداده وأمَّه وجداتِه وأبناءَه وأحفادَه وأعمامَه وعماتِه وأخوالَه وخالاته وأبناء أخيه وأبناء أخته وبنات أخته. فهؤلاء هم الذين يقصد بهم الرحم المحرم الذين تجب صلتهم .
وانك لتعجب أحيانا عندما ترى رجلا عنده عمة أو عمة لأبيه أو خالة أو خالة لأبيه أو أمه ونحو ذلك فلا يعرف عنها شيئا ولا يسال عن خبرها ولا ينظر في حاجتها فان ذلك وأيْم الله لهو المغبون.
ومن الأسباب لطول العمر:حسن الخلق وقد ثبت عن النبي قوله:" حسن الخلق يعمر الديار ويزيد في الأعمار". فإذا حسُن خلق المرء فإن ذلك يعد علامةً على طول عمره.
ومن الأسباب لطول العمر: حسن الجوار وقد صح في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام : ( صلة الرحم وحسن الجوار وحسن الخلق يزيدان في الأعمار)
ومن الأسباب أيضاً: طلب العلم : فطلب العلم وخصوصاً طلب علم الحديث فان هذا يمد في عمره والسبب ان العلم في هذا الدين ينقله الأصاغر عن الأكابر ..
والنبي يقول:" نضر الله امرأً سمع مقالتي فاداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع".
ولذلك يقول محمد بن عبد الله الأودي : سمعت شيوخنا :دليل طول عمر الرجل اشتغاله بأحاديث النبي.
ولذلك نجد كثيرا من علماء الحديث قد جاوزت أعمارهم عشرات طوال من العمر.
لأن تعالى يحفظ الصدور التي حوت العلم.
وقد جاء عن عكرمة رضي الله عنه: إن الله عز وجل قد تأذن أن لا يخرف عقل امرئ حوى القرآن في قلبه ". فمن حوى القران في قلبه حفظا وفهما واستنباطا وعملا قبل ذلك فان الله يحفظه من الخرف ويمد في عمره لينقل هذا العلم لمن بعده.
ومن الأسباب التي جاء الأثر أنها تكون سببا لطول العمر: اختيار البلدان التي لا وباء وتكون صحيحة في هوائها وقد روى الإمام مالك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال (لبيتٌ في رُكبة أحبُّ إلي من عشرة أبياتٍ في الشام) قال الإمام مالك: يريد عمرُ -رضي الله عنه- ما يكون من طول الأعمار والبقاء لأن ركبة َاصحَّ هواءَ من الشام، وركبةُ: هي قرية في شرقي الطائف تبعد عنها نحو مئة كيلو وهي قرية نائية، وقد روى أحد المشايخ انه زار هذه القرية فذهب إلى أحد مساجدها فوجده مملوءاً بكبار السن، فلما سألهم عن أعمارهم فكان أغلبهم قد تجاوز الثمانين والتسعين من عمره ، فلعل هذا مصداق ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن هذه القرية.
ومن الأسباب التي تطيل العمر : الصدقة وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الصدقة تقي مصارع السوء ) فالصدقة المندوبة دون الواجبة التي لا منة للمرء فيها وهي الزكاة ، أنها تمد في العمر وتنسأ فيه وتزيده..
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعنا جميعا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول هذَا القول ، وأستغفِر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد: أيها المؤمنون: ومن الأسباب التي تطيل في العمر: أنْ يعنى المرءُ بتوقير ذي الشيبة واحترامه فإن في توقير الشيبة سببٌ بأمر الله في مد العمر، وقد جاء عند الترمذي بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما وقّر شابٌ شيخاً إلا قيض الله له في سنه من يوقره.
قال ش موسى الحجاوي" وفي هذا دليل على أن من وقر ذوي الشيبة في أول أمره فان الله سيمد في عمره حتى يكون مثلهم لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (إلا قيض الله له في سنه) أي: سيكون كبيرا في سنه فيقيَّض له من يوقره في عمره.
قال بعض أهل العلم: وان أعظمَ من يوقرُ من ذوي الشيبة: الوالدان وأهل العلم.
فمن وقر والديه وعُني باحترامهما وبرهما والإحسان إليهما وتوقير شيبتهما، فإن هذا يكون سبباً في مد عمره وكذلك بالنسبة لأهل العلم.
ومن الأسباب أيضاً: الدعاء : فإن المرء إذا دعا الله -عز وجل- فإن الله تعالى يجيب دعاءه ، ولذلك يقول النبي فيما صح عنه: (ولا يرد القدر إلا الدعاء).
والمراد بالقدر: أي القدر المكتوب في لوح السماء الدنيا الذي يمحو الله فيه ما يشاء ويثبت.
فإن المرء إذا دعا الله عز وجل بالشفاء من المرض والمد في العمر فان الله يجيب هذا الدعاء. وقد دعا النبي لأنس بن مالك بأن يطيل الله في عمره.
فقال: اللَّهمَّ أَكْثِر مالَهُ وولدَهُ وأطِل عمرَهُ واغفر ذنبَهُ.
قال انس رضي الله عنه فدعا لي النبي بثلاث دعوات، رأيت اثنتين منهما: يعني: طول العمر ،وكثرة المال والولد، قال: حتى انه ليُثمرُ لي النخلُ مرتين في السنة ، واني عددت من ولدي-أي: من ولده وولد ولده- نحوا من مئة، وأما عمره فقد كان من آخر الصحابة وفاةً.
ولأهل العلم كلام طويل في هل يشرع ان يدعو المرء لغيره بطول العمر نحو أطال الله بقاءك وعمرك.
والأقرب في ذلك دليلا من فعل النبي وحاله أنه يشرع الدعاء ولكن الأفضل أن يُقيَّد بالطاعة فيقال: أطال الله عمرك على الطاعة أو على البر ونحو ذلك.
قد جاء في بعض الكتب بإسناد صحيح أن الأصمعي رحمه الله رأى رجلاً في البادية قال: فسألته كم عمرك؟ فقال: عمري مئة وعشرون سنة فقال الأصمعي : ما سبب طول عمرك؟ قال: تركت الغل أي الحسد فبقيت.
إن المرء إذا كان سليم القلب لإخوانه فان هذا سببٌ بتوفيق الله لإثابته في الدنيا والآخرة، ولعل مما يثاب عليه في الدنيا أن يمد الله في عمره.
ولو نظر المرء في هذه الأسباب السابقة لوجدتها لا تخرج عن أمرين: الحرص على تقوى الله عز وجل والبعد عن معاصيه.
هذا واعلموا رحمني الله وإياكم أن الله جل جلاله أمرنا بالصلاة والسلام على نبيه فقال جل وعلا قولاً كريماً: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً
أيها المؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
عباد الله: حديثنا اليوم عما يطيل العمرَ ويمدُّه وينسأُ فيه ويزيدُه، وقبل الحديث عن الأسباب التي تزيد في العمر..
هل يمكنُ أن يطيل المرء عمره؟ الجواب: نعم فإن معتقد اهل السنة والجماعة ان المرء بإمكانه ان يطيلَ عمره فيكون عمره خمسين مثلا فيفعل افعالاً معينة، فيُقدِّر الله تعالى له عمراً بعد ذلك أطول يصل إلى الستين أكثر او اقل.
والله تبارك وتعالى أثبت زيادة الأعمار ونُقصها ، ففال : ( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ) .
وأخبر سبحانه وتعالى أنه يَمحو ما يشاء ويُثبت ما يشاء، فقال : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) .
والزيادة والنقص في العمر إنما تكون بما في أيدي الملائكة من الصُّحُف ، أي: الذي كَتَبه الملك ، حينما كَتَب عُمْرَ ابنِ آدمَ ورزقَه وعملَه وشقي أو سعيد ، كما في حديث ابن مسعود في الصحيحين .
فهذا الذي يحصل فيه المحو والإثبات .
أما ما قُدِّر في اللوح المحفوظ فهو لا يُغيّر ولا يُبدّل ولا يُمحى منه شيء .
ففي عِلم الله أن فلاناً من الناس يَصِل رَحمه ، ويكون عمره المتغير – مثلا – ستين سنة ، فإذا وصل رَحِمه بلّغه الله السبعين.
والنفس بطبعها - ياعباد الله- تريد البقاء وطول الأمد وقد جاء في الحديث الصحيح الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( وما ترددت في شي أنا فاعله كترددي في قبض نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مَساءته) فبين النبي أن المؤمن يكره الموت فرغبة البقاء في الحياة الدنيا ليست منقصة ولكنها جبلة جعلها الله في الآدميين جميعا والمرء إذا طال عمره وكثر عمله فإنها علامةٌ على خيريةٍ للمرء.
ثبت في السنن بإسناد صحيح عن النبي قال( خيركم من طال عمره وحسن عمله)
وأول هذه الأسباب التي تُطيل في العمر: تقوى الله تعالى ،فالمرء إذا اتقى الله وجعل أمر الله أمام ناظريه، فما يعمل عملا إلا وهو مراقب له جل وعلا خائفا من عذابه راجيا ثوابه فذاك الذي يمد الله في عمره، وقد صح في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أراد أن يطال له في عمره ، وينسأ له في أثره ويزاد له في رزقه، فليتق الله وليبر والديه".
ومن الأسباب أيضا لطول العمر: بر الوالدين وقد ورد عن النبي أكثر من خمسةَ عشر حديثاً تدل على أن بر الوالدين سببٌ لطول العمر والمدِّ فيه، وقد صح عنه –عليه الصلاة والسلام- من هذه الأحاديث حديث ثوبان أن النبي قال (لا يزيد في العمر إلا بر الوالدين ) ومعنى الحديث: التأكيد على أن بر الوالدين أعظم سبب لطول العمر وقد ثبت من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( من أحب أن يمُد الله له في عمره و يزيد في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه)
إن المرءَ إذا بر والديه وأمضى وقته في الإحسان إليهم وخدمتهم وطاعتهم فان الله يخلف عليه وقته أضعافا مضاعفة.
إن من الناس من يستغلي دقائق معدودة يجالس فيها والديه إما أن يمرضهم أو يقوم بحاجتهم وربما أوكل بهذه الأمور غيره من الناس.ظنا منه أن هذا الوقت الذي يبذله مع والديه إنما هو ضائع وهو غير محسوب عليه ، وما علم ذلك المرء أن كل دقيقة يجلسها المرء مع والديه براً بهما وإحسانا إليهما وتمريضا لهما فإن الله عز وجل يبدلها على المرء أضعافا مضاعفة ولذلك جاء في الأثر أن الجزاء من جنس العمل.
فمن بذل وقته في بر الوالدين بذل الله له عمراً يمد به نسأه ويجعل له في أثره.
ومما يطيل الله به العمر صلة الرحم: فيصل المرء رحمه ويحسن إليهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم( من أراد أن يُنسأَ في أثره ويطال الله في عمره فليتق الله وليبر والديه وليصل رحمه ) ومن أعجب الآثار فيذلك ما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:( من ضمن لي واحدة ضمنت له أربعا: من وصل رحمه طال عمره، وأحبه أهله، ووسع عليه في رزقه، ودخل جنة ربه) فبين أن في صلة الرحم أربع جزاءات من الله تعالى يثاب عليها المرء.
وهنا مسالة مهمة، وهي ما هي الرحم التي يجب صلتها والإحسان إليها ويأثم المرء على قطيعتها؟
والجواب: أن صلة الرحم إنما تجب للرحم المحرمة ومعنى الرحم المحرمة التي لو فرض احد الطرفين فيها ذكر والآخر أنثى لحُرم التزويج على سبيل التأبيد، فيجب على المرء أن يصل أباه وأجداده وأمَّه وجداتِه وأبناءَه وأحفادَه وأعمامَه وعماتِه وأخوالَه وخالاته وأبناء أخيه وأبناء أخته وبنات أخته. فهؤلاء هم الذين يقصد بهم الرحم المحرم الذين تجب صلتهم .
وانك لتعجب أحيانا عندما ترى رجلا عنده عمة أو عمة لأبيه أو خالة أو خالة لأبيه أو أمه ونحو ذلك فلا يعرف عنها شيئا ولا يسال عن خبرها ولا ينظر في حاجتها فان ذلك وأيْم الله لهو المغبون.
ومن الأسباب لطول العمر:حسن الخلق وقد ثبت عن النبي قوله:" حسن الخلق يعمر الديار ويزيد في الأعمار". فإذا حسُن خلق المرء فإن ذلك يعد علامةً على طول عمره.
ومن الأسباب لطول العمر: حسن الجوار وقد صح في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام : ( صلة الرحم وحسن الجوار وحسن الخلق يزيدان في الأعمار)
ومن الأسباب أيضاً: طلب العلم : فطلب العلم وخصوصاً طلب علم الحديث فان هذا يمد في عمره والسبب ان العلم في هذا الدين ينقله الأصاغر عن الأكابر ..
والنبي يقول:" نضر الله امرأً سمع مقالتي فاداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع".
ولذلك يقول محمد بن عبد الله الأودي : سمعت شيوخنا :دليل طول عمر الرجل اشتغاله بأحاديث النبي.
ولذلك نجد كثيرا من علماء الحديث قد جاوزت أعمارهم عشرات طوال من العمر.
لأن تعالى يحفظ الصدور التي حوت العلم.
وقد جاء عن عكرمة رضي الله عنه: إن الله عز وجل قد تأذن أن لا يخرف عقل امرئ حوى القرآن في قلبه ". فمن حوى القران في قلبه حفظا وفهما واستنباطا وعملا قبل ذلك فان الله يحفظه من الخرف ويمد في عمره لينقل هذا العلم لمن بعده.
ومن الأسباب التي جاء الأثر أنها تكون سببا لطول العمر: اختيار البلدان التي لا وباء وتكون صحيحة في هوائها وقد روى الإمام مالك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال (لبيتٌ في رُكبة أحبُّ إلي من عشرة أبياتٍ في الشام) قال الإمام مالك: يريد عمرُ -رضي الله عنه- ما يكون من طول الأعمار والبقاء لأن ركبة َاصحَّ هواءَ من الشام، وركبةُ: هي قرية في شرقي الطائف تبعد عنها نحو مئة كيلو وهي قرية نائية، وقد روى أحد المشايخ انه زار هذه القرية فذهب إلى أحد مساجدها فوجده مملوءاً بكبار السن، فلما سألهم عن أعمارهم فكان أغلبهم قد تجاوز الثمانين والتسعين من عمره ، فلعل هذا مصداق ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن هذه القرية.
ومن الأسباب التي تطيل العمر : الصدقة وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الصدقة تقي مصارع السوء ) فالصدقة المندوبة دون الواجبة التي لا منة للمرء فيها وهي الزكاة ، أنها تمد في العمر وتنسأ فيه وتزيده..
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعنا جميعا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول هذَا القول ، وأستغفِر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد: أيها المؤمنون: ومن الأسباب التي تطيل في العمر: أنْ يعنى المرءُ بتوقير ذي الشيبة واحترامه فإن في توقير الشيبة سببٌ بأمر الله في مد العمر، وقد جاء عند الترمذي بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما وقّر شابٌ شيخاً إلا قيض الله له في سنه من يوقره.
قال ش موسى الحجاوي" وفي هذا دليل على أن من وقر ذوي الشيبة في أول أمره فان الله سيمد في عمره حتى يكون مثلهم لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (إلا قيض الله له في سنه) أي: سيكون كبيرا في سنه فيقيَّض له من يوقره في عمره.
قال بعض أهل العلم: وان أعظمَ من يوقرُ من ذوي الشيبة: الوالدان وأهل العلم.
فمن وقر والديه وعُني باحترامهما وبرهما والإحسان إليهما وتوقير شيبتهما، فإن هذا يكون سبباً في مد عمره وكذلك بالنسبة لأهل العلم.
ومن الأسباب أيضاً: الدعاء : فإن المرء إذا دعا الله -عز وجل- فإن الله تعالى يجيب دعاءه ، ولذلك يقول النبي فيما صح عنه: (ولا يرد القدر إلا الدعاء).
والمراد بالقدر: أي القدر المكتوب في لوح السماء الدنيا الذي يمحو الله فيه ما يشاء ويثبت.
فإن المرء إذا دعا الله عز وجل بالشفاء من المرض والمد في العمر فان الله يجيب هذا الدعاء. وقد دعا النبي لأنس بن مالك بأن يطيل الله في عمره.
فقال: اللَّهمَّ أَكْثِر مالَهُ وولدَهُ وأطِل عمرَهُ واغفر ذنبَهُ.
قال انس رضي الله عنه فدعا لي النبي بثلاث دعوات، رأيت اثنتين منهما: يعني: طول العمر ،وكثرة المال والولد، قال: حتى انه ليُثمرُ لي النخلُ مرتين في السنة ، واني عددت من ولدي-أي: من ولده وولد ولده- نحوا من مئة، وأما عمره فقد كان من آخر الصحابة وفاةً.
ولأهل العلم كلام طويل في هل يشرع ان يدعو المرء لغيره بطول العمر نحو أطال الله بقاءك وعمرك.
والأقرب في ذلك دليلا من فعل النبي وحاله أنه يشرع الدعاء ولكن الأفضل أن يُقيَّد بالطاعة فيقال: أطال الله عمرك على الطاعة أو على البر ونحو ذلك.
قد جاء في بعض الكتب بإسناد صحيح أن الأصمعي رحمه الله رأى رجلاً في البادية قال: فسألته كم عمرك؟ فقال: عمري مئة وعشرون سنة فقال الأصمعي : ما سبب طول عمرك؟ قال: تركت الغل أي الحسد فبقيت.
إن المرء إذا كان سليم القلب لإخوانه فان هذا سببٌ بتوفيق الله لإثابته في الدنيا والآخرة، ولعل مما يثاب عليه في الدنيا أن يمد الله في عمره.
ولو نظر المرء في هذه الأسباب السابقة لوجدتها لا تخرج عن أمرين: الحرص على تقوى الله عز وجل والبعد عن معاصيه.
هذا واعلموا رحمني الله وإياكم أن الله جل جلاله أمرنا بالصلاة والسلام على نبيه فقال جل وعلا قولاً كريماً: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً
* الخطبة مفرغة من محاضرة للشيخ/ عبدالسلام الشويعر -وفقه الله-
المشاهدات 15132 | التعليقات 2
جزى الله خيرا الناقل والمنقول عنه وكتب الله أجر الجميع والحقيقة أن الموضوع مهم وشيق والخطبة قيمة لكثرة ما فيها من استشهادات حديثة وتجليات واضحة، مع ما صحب ذلك من مناقشة علمية للمسألة العقدية وكيفية الجمع بين أدلتها وهي زيادة عمر الإنسان بعد أن حدد ذلك في رحم أمه.
د. ماجد بلال
خطبة جميلة
بارك الله فيك
تعديل التعليق