خطبة : ( كتب عليكم الصيام لعلكم تتقون )

عبدالله البصري
1438/09/06 - 2017/06/01 15:03PM
كتب عليكم الصيام لعلكم تتقون 7 / 9 / 1438
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم – أَيُّهَا النَّاسُ – وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ – عَزَّ وَجَلَّ – " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، بُلِّغتُم بِفَضلِ اللهِ شَهرَ رَمَضَانَ ، وَحَيِيتُم مِنهُ هَذِهِ اللَّيَالِيَ وَالأَيَّامَ ، فَاحرِصُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى أَن تُحَقِّقُوا أَعظَمَ غَايَاتِ الصِّيَامِ وَمَقَاصِدِهِ ، فَإِنَّ رَبَّكُم - تَبَارَكَ وَتَعَالى - قَدِ افتَتَحَ آيَاتِ الصِّيَامِ بِقَولِهِ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " وَخَتَمَهَا – سُبحَانَهُ - بِقَولِهِ : " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ " وَحِينَ يَكُونُ الحَدِيثُ عَنِ الحَثِّ عَلى التَّقوَى ، وَالتَّأكِيدِ عَلَى تَحصِيلِهَا وَتَحقِيقِهَا ، فَلْيُنتَبَهْ إِلى القَلبِ الَّذِي في الصَّدرِ ، وَلْيُنظَرْ مَا بِدَاخِلِهِ وَلْيُبحَثْ عَمَّا فِيهِ ، فَإِنَّهُ مَحَلُّ التَّقوَى وَمُستَودَعُهَا ، وَهُوَ مَصدَرُهَا مِن جَسَدِ الإِنسَانِ .
وَإِنَّ مِمَّا يَجِبُ أَن نَنتَبِهَ إِلَيهِ وَلا يَغِيبَ عَنَّا طَرفَةَ عَينٍ ، أَنَّ ثَمَّةَ عِلاقَةً مُتَبَادَلَةً وَرَابِطَةً قَوِيَّةً ، بَينَ تَقوَى القَلبِ وَبَينَ العِبَادَاتِ وَالقُرُبَاتِ وَالطَّاعَاتِ ، فَالتَّزَوُّدُ مِنَ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ وَالحِرصُ عَلَى اكتِسَابِ الحَسَنَاتِ ، دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى وُجُودِ التَّقوَى في القَلبِ ، وَهُوَ في الوَقتِ نَفسِهِ زِيَادَةٌ لَهَا وَتَعمِيقٌ لأَسَاسِهَا وَتَقوِيَةٌ لِبِنَائِهَا ، كَمَا أَنَّ زِيَادَةَ التَّقوَى في القَلبِ وَتَحَقُّقَهَا في سُوَيدَائِهِ ، هِيَ أَعظَمُ وَقُودٍ لِعَزِيمَةِ العَبدِ ، وَأَقوَى مُحَرِّكٍ لِجَوَارِحِهِ لِلاستِكثَارِ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَالتَّزَوُّدِ مِنَ البَاقِيَاتِ .
وَالعِلاقَةُ بَينَ القَلبِ وَالجَوَارِحِ – أَيُّهَا الصَّائِمُونَ - عِلاقَةٌ مُتَبَادَلَةٌ ، إِذْ بِصَلاحِ كُلٍّ مِنهُمَا وَاستِقَامَتِهِ ، يَصلُحُ الآخَرُ وَيَستَقِيمُ ، وَبِفَسَادِ أَيٍّ مِنهُمَا وَاعوِجَاجِهِ ، يَكُونُ فَسَادُ قَرِينِهِ وَاعوِجَاجُهُ ، دَلَّت عَلَى ذَلِكَ وَبَيَّنَتهُ أَتَمَّ البَيَانِ آيَاتٌ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ، قَالَ – تَعَالى - : " ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيهِ هُدًى لِلمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالغَيبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ "
وَقَالَ – سُبحَانَهُ - " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَولاً سَدِيدًا . يُصلِحْ لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِرْ لَكُم ذُنُوبَكُم "
وَقَالَ – تَعَالى - : " وَالَّذِينَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدًى وَآتَاهُم تَقوَاهُم "
وَقَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا . إِلاَّ المُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم دَائِمُونَ . وَالَّذِينَ في أَموَالِهِم حَقٌّ مَعلُومٌ . لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ . وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَومِ الدِّينِ . وَالَّذِينَ هُم مِن عَذَابِ رَبِّهِم مُشفِقُونَ . إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِم غَيرُ مَأمُونٍ . وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ . إِلاَّ عَلَى أَزوَاجِهِم أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ . وَالَّذِينَ هُم لأَمَانَاتِهِم وَعَهدِهِم رَاعُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ . وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم يُحَافِظُونَ . أُولَئِكَ في جَنَّاتٍ مُكرَمُونَ "
وَفي الجُملَةِ – أَيُّهَا الإِخوَةُ – فَإِنَّ العِبَادَةَ كُلَّهَا بِجَمِيعِ أَنوَاعِهَا وَأَشكَالِهَا سَبَبٌ لِحُصُولِ التَّقوَى وَتَمكِينِهَا ، قَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
وَفي الصَّحِيحَينِ يَقُولُ- عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذاَ فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلا وَهِيَ القَلبُ "
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لا يَستَقِيمُ إِيمَانُ عَبدٍ حَتَّى يَستَقِيمَ قَلبُهُ ، وَلا يَستَقِيمُ قَلبُهُ حَتَّى يَستَقِيمَ لِسَانُهُ ، وَلا يَدخُلُ الجَنَّةَ رَجُلٌ حَتَّى يَأمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَيَقُولُ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " تُعرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ ، وَأَيُّ قَلبٍ أَنكَرَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكتَةٌ بَيضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلبَينِ : عَلَى أَبيضَ مِثلِ الصَّفَا ، فَلا تَضُرُّهُ فِتنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ ، وَالآخَرُ أَسوَدَ مُربَادًّا كَالكُوزِ مُجَخِّيًا ، لا يَعرِفُ مَعرُوفًا وَلا يُنكِرُ مُنكَرًا إِلاَّ مَا أُشرِبَ مِن هَوَاهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِنَّ العَبدَ إِذَا أَخطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَت في قَلبِهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ ، فَإِنْ هُوَ نَزَعَ وَاستَغفَرَ صُقِلَت ، فَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعلُوَ قَلبَهُ ، فَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ – تَعَالى - (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكسِبُونَ) " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -" مَنِ اقتَطَعَ مَالَ امرِئٍ مُسلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ ، كَانَت نُكتَةٌ سَودَاءُ في قَلبِهِ ، لا يُغَيِّرُهَا شَيءٌ إِلى يَومِ القِيَامَةِ " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَجَلْ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ التَّقوَى قَرِينَةٌ لِمَا سَمِعتُم مِن أَعمَالٍ صَالِحَةٍ وَقُرُبَاتٍ عَظِيمَةٍ ، وَبِاستِقَامَةِ الجَوَارِحِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ – تَعَالى – يَستَقِيمُ القَلبُ ، وَبِالتَّهَاوُنِ بِالطَّاعَاتِ وَالزُّهدِ في القُرُبَاتِ ، وَاكتِسَابِ المَعَاصِي وَاجتِرَاحِ السَّيِّئَاتِ ، وَالتَّعَدِّي عَلَى حُقُوقِ العِبَادِ وَظُلمِهِم وَهَضمِهِم ، يُطعَنُ القَلبُ وَيَتَلَوَّثُ وَيَتَّسِخُ ، وَيَضعُفُ وَيَسوَدُّ وَيَنتَكِسُ ، وَمِن ثَمَّ تَزدَادُ الجَوَارِحُ ضَعفًا وَتُصَابُ بِالخَوَرِ ، فَتَكسَلُ عَنِ الطَّاعَةِ ، وَتَضعُفُ عَن فِعلِ الخَيرِ ، وَلا يَكُونُ لَهَا حَمَاسَةٌ في البِرِّ ، وَبِذَلِكَ يُدَسِّي العَبدُ نَفسَهُ وَيُخفِيهَا في مُوَاطِنِ العَمَلِ وَالبَذلِ ، وَلا يَنشَطُ في مَوَاسِمِ الخَيرِ وَلا يَهتَمُّ بِهَا وَلا يَشتَاقُ إِلَيهَا ، يَرَى النَّاسَ يَتَسَابَقُونَ إِلَى المَسَاجِدِ يُصَلُّونَ الفَرَائِضَ وَيَتَنَفَّلُونَ ، وَيَقُومُونَ اللَّيلَ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللهِ وَرِضوَانًا ، وَيَقضُونَ مُعظَمَ أَوقَاتِهِم في تِلاوَةِ كِتَابِ اللهِ وَتَكرَارِ خَتمِهِ ، وَيَتَصَدَّقُونَ عَلَى المُحتَاجِينَ وَيُفَطِّرُونَ الصَّائِمِينَ ، وَيَدعَمُونَ بَرَامِجَ الخَيرِ وَيَتَسَابَقُونَ إِلى مَشرُوعَاتِ البِرِّ ، وَيَظَلُّ هُوَ في نَومٍ وَخُمُولٍ وَكَسَلٍ ، أَو تَشَاغُلٍ بِحُطَامِ الدُّنيَا وَتَبَاطُؤٍ عَن عَمَلِ الآخِرَةِ ، لا يُصَلِّي مَعَ المُصَلِّينَ ، وَلا يَقومُ مَعَ القَائِمِينَ ، وَلا يُطعِمُ المِسكِينَ ، وَلا يَذكُرُ اللهَ مَعَ الذَّاكِرِينَ ، بَل قَد يَخُوضُ في الشَّرِّ مَعَ الخَائِضِينَ ، وَيَجلِسُ مَعَ المُستَهزِئِينَ بِالدِّينِ ، وَيَقعُدُ مَعَ القَاعِدِينَ الغَافِلِينَ ، وَمِثلُ هَذَا حَرِيٌّ أَن يَكِلَهُ رَبُّهُ إِلى نَفسِهِ ، وَأَن يَحُولَ بَينَهُ وَبَينَ قَلبِهِ ، وَأَن يَذَرَهُ يَعمَهُ في طُغيَانِهِ ، كَمَا قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَنُقَلِّبُ أَفئِدَتَهُم وَأَبصَارَهُم كَمَا لم يُؤمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُم في طُغيَانِهِم يَعمَهُونَ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُم "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " في قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طَائِفَةٍ مِنهُم فَاستَأذَنُوكَ لِلخُرُوجِ فَقُلْ لَن تَخرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُم رَضِيتُم بِالقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقعُدُوا مَعَ الخَالِفِينَ "
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا الصَّائِمُونَ – وَلْنَحرِصْ عَلَى تَحقِيقِ الغَايَةِ الكُبرَى مِنَ الصِّيَامِ وَهِيَ التَّقوَى ، لِنَعمَلْ بِطَاعَةِ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنهُ رَجَاءً لِثَوَابِهِ ، وَلْنَترُكْ مَعصِيَتَهُ عَلَى نُورٍ مِنهُ خَوفًا مِن عِقَابِهِ ، لِنَضرِبْ في كُلِّ بَابٍ مِن أَبوَابِ الخَيرِ بِسَهمٍ وَلَو كَانَ صَغِيرًا أَو قَلِيلاً ، وَلْنُغلِقْ أَبوَابَ الشَّرِّ الَّتي تَدخُلُ مِنهَا الشَّيَاطِينُ عَلَى قُلُوبِنَا فَتُفسِدُهَا ، فَإِنَّ الصَّائِمَ الَّذِي فَقِهَ مَعنى الصِّيَامِ وَأَدرَكَ عَظَمَةَ رَمَضَانَ ، لا يَأخُذُ الصِّيَامَ عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ امتِنَاعٍ عَنِ الأَكلِ وَالشُّربِ فَحَسبُ ، دُونَ مَنعٍ لِلنَّفسِ بَعدَ ذَلِكَ مِمَّا تَشتَهِيهِ وَكَبحٍ لها عَمَّا تَرغَبُ فِيهِ ، وَلَكِنَّهُ يُدرِكُ أَنَّ الصِّيَامَ مَدرَسَةٌ عَظِيمَةٌ ، يَصُومُ فِيهَا القَلبُ أَوَّلاً ، ثُمَّ تَصُومُ العَينُ وَالأُذُنُ ، وَيَصُومُ اللِّسَانُ وَالفَرجُ ، وَتَصُومُ سَائِرُ الجَوَارِحِ عَمَّا لا يُرضِي اللهَ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِذَا كَانَ يَومُ صَومِ أَحَدِكُم فَلا يَرفَثْ يَومَئِذٍ وَلا يَصخَبْ ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَو قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امرُؤٌ صَائِمٌ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَن لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيسَ للهِ حَاجَةٌ في أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، عَجِيبٌ أَن يُرِيدَ صَائِمٌ تَحقِيقَ التَّقوَى مِن صِيَامِهِ ، ثُمَّ يَبَقَى طُولَ نَهَارِهِ جُثَّةً هَامِدَةً ، لا طَاعَةَ وَلا عَمَلَ وَلا فَائِدَةَ ، يَغِيبُ عَن صَلَوَاتِ النَّهَارِ مَعَ الجَمَاعَةِ لأَجَلِ النَّومِ ، وَيَتَأَخَّرُ عَن صَلاتَيِ المَغرِبِ وَالعِشَاءِ لانشِغَالِهِ بِمَلءِ بَطنِهِ ، وَيَترُكُ صَلاةَ القِيَامِ مَعَ الإِمَامِ إِيثَارًا لِمَجَالِسِ القِيلِ وَالقَالِ ، وَيَمِيلُ بِسَمعِهِ وَبَصَرِهِ عَنِ التَّلَذُّذِ بِالآيَاتِ البَيِّنَاتِ ، إِلى مُشَاهَدَةِ القَنَوَاتِ وَمُتَابَعَةِ المُسَلْسَلاتِ ، يَمتَنِعُ في نَهَارِهِ عَن كَثِيرٍ مِنَ المُبَاحَاتِ ، ثُمَّ تَعجِزُ نَفسُهُ عَن تَركِ مَا حَرَّم اللهُ مِن فُضُولِ النَّظَرِ وَمُحَرَّمِ السَّمَاعِ وَسَاقِطِ الكَلامِ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ جَمِيعًا أَيُّهَا الصَّائِمُونَ ، وَلْنَنتَبِهْ لأَنفُسِنَا وَقُلُوبِنَا ، وَلْنَأخُذْ أُمُورَنَا بِالجِدِّ وَالعَزِيمَةِ وَالقُوَّةِ في الطَّاعَةِ ، وَلْنُصلِحِ النَّوَايَا وَلْنَقصِدْ فِعلَ الخَيرِ ، وَلْنَحذَرِ الخُمُولَ وَالكَسَلَ ، وَالتَّرَدُّدَ وَالتَّلَفُّتَ ، وَفَسَادَ النَّوَايَا وَخُبثَ الطَّوَايَا ، فَإِنَّ اللهَ قَد جَعَلَ رَمَضَانَ مِضمَارًا لِعِبَادِهِ لِيَستَبِقُوا الخَيرَاتِ وَيَتَسَابَقُوا إِلى الطَّاعَاتِ ، وَفَرَضَ الصِّيَامَ لِيَكُونَ رِيَاضَةً رُوحِيَّةً لِكَبحِ النَّفسِ وَإِصلاحِ القَلبِ وَتَقوِيَةِ الإِرَادَةِ ، وَمَدرَسَةً يُرَوَّضُ فِيهَا البَدَنُ وَتُعَوَّدُ الجَوَارِحُ عَلَى الطَّاعَةِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّكَ لا تَرَى الصَّائِمَ الَّذِي يُرِيدُ تَحقِيقَ التَّقوَى في قَلبِهِ ، إِلاَّ حَرِيصًا عَلَى وَقتِهِ ، مُقبِلاً عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ ، مُنَوِّعًا لِلطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ ، مُستَكثِرًا مِنَ الحَسَنَاتِ ، مُبتَعِدًا عَنِ السَّيِّئَاتِ ، مُشَارِكًا في الدَّعوَةِ إِلى اللهِ ، لِلفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ وَالمُحتَاجِينَ مِن مَالِهِ وَجَاهِهِ نَصِيبٌ ، إِذَا حَدَّثَ صَدَقَ ، وَإِذَا وَعَدَ وَفَى ، وَإِذَا ائتُمِنَ أَدَّى ، وَإِذَا هَمَّ بِمَعصِيَةٍ خَافَ رَبَّهُ فَكَفَّ وَارتَدَعَ . وَوَاللهِ وَبِاللهِ وَتَاللهِ ، لا يَعلَمُ اللهُ مِن عَبدٍ صِدقَ نِيَّةٍ وَسَلامَةَ طَوِيَّةٍ ، وَخُشُوعًا وَإِنَابَةً وَخَشيَةً ، وَمَحَبَّةً لِلخَيرِ وَعَزِيمَةً عَلَى فِعلِ البِرِّ ، إِلاَّ أَعَانَهُ وَوَفَّقَهُ وَسَدَّدَهُ ، وَمَن صَدَقَ اللهَ صَدَقَهُ اللهُ ، وَهُوَ القَائِلُ – سُبحَانهُ - : " لَقَد رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيهِم وَأَثَابَهُم فَتحًا قَرِيبًا " وَالقَائِلُ : " وَأُزلِفَتِ الجَنَّةُ لِلمُتَّقِينَ غَيرَ بَعِيدٍ . هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ . مَن خَشِيَ الرَّحمَن بِالغَيبِ وَجَاءَ بِقَلبٍ مُنِيبٍ . اُدخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَومُ الخُلُودِ , لَهُم مَا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَينَا مَزِيدٌ "
المرفقات

كتب عليكم الصيام لعلكم تتقون.doc

كتب عليكم الصيام لعلكم تتقون.doc

كتب عليكم الصيام لعلكم تتقون.pdf

كتب عليكم الصيام لعلكم تتقون.pdf

المشاهدات 1619 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا