خطبة كتبتها قديما تناسب الحملة، حقوق البنات على آبائهن





من حقوق البنات على آبائهن

13/5/1427
الحمد لله؛ أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وألزم عباده بما أنزل من الهدى، أحمده على ما أرشد وهدى، وأشكره على ما أسدى وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إليه ترفع الشكوى، وهو منتهى كل نجوى، وإليه المآب والرجعى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ العبد المجتبى، والنبي المصطفى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ، ومن تبع هديهم واقتفى.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه، وأدوا ما عليكم من الأمانات، وتخلصوا من الحقوق؛ فإنكم عند ربكم موقوفون، وعلى أعمالكم محاسبون، وعن أماناتكم مسئولون b]يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ[/b{الحاقَّة:18}
أيها الناس: من حكمة الله تعالى في خلقه أن جعل تناسلهم وتكاثرهم بالمزاوجة بين ذكورهم وإناثهم، وتلك سنة عامة في الإنسان والحيوان والطير والحشرات وغيرها، ولو شاء سبحانه لكاثرهم بغير هذه الطريقة، ولكن إرادته سبحانه اقتضت المزاوجة بين النوعين، وفي ذلك من الحكم ما نعلمه وما لا نعلمه b]وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[/b{الذاريات:49}b]أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ[/b{الملك:14}b]وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا[/b{الفرقان:2}.
والنوع الأقوى دائما هو الذكر، والأنثى هي الأضعف في كل مخلوقات الله تعالى، وكل نوع منهما محتاج إلى الآخر، ولا تستقيم الحياة على الأرض إلا باتفاقهما وتزاوجهما.
ولما كانت المرأة أضعف من الرجل كانت مستضامة عند كل الأمم الضالة من فجر التاريخ إلى يومنا هذا، وكان العرب في جاهليتهم يئدون البنات؛ لأنهن لا يمتطين الجياد، ولا يقاتلن الأعداء، ولا يكتسبن المال، ولا يدفعن عن أنفسهن أي اعتداء؛ فرآهن أهل الجاهلية عبئا وعارا b]وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ[/b] * [b]بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ[/b{التَّكوير:8-9}، وإزاء هذا الضعف في المرأة الذي اتسمت به خلقتها، واستبيح بسببه حماها، وسلب منها حقها؛ جاء الإسلام بما يعزز موقفها، ويعلي مكانتها، ويحفظ لها حقها؛ فعاب الله تعالى على أهل الجاهلية نظرتهم للبنات، وشؤمهم منهن b]وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ[/b] * [b]يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ[/b{النحل:58-59}.
وأفضل الخلق، وأزكى البشر، وخاتم الرسل عليه الصلاة والسلام ما عاش له من الولد إلا البنات، وذلك من أعظم الفخر للبنات، وفيه تسلية لمن لم يرزق من الولد إلا بنات.
ولما كان البنات هن الأضعف، وأكثر الناس يستبشرون بالأبناء أكثر من استبشارهم بالبنات؛ فإن الشريعة الغراء رتبت من الأجور العظيمة على رعاية البنات، ورحمتهن، والإحسان إليهن أكثر مما جاء في حق الأبناء، واختصت البنات بنصوص كثيرة في ذلك:
فمن رزق بنات وأحسن تربيتهن، والقيام عليهن، نُجِّي من النار بسببهن بعد رحمة الله تعالى، وحشر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأدخله بناته الجنة، وفي ذلك أحاديث كثيرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم (من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترا من النار) وفي حديث آخر (من كان له ثلاث بنات وصبر عليهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار) وفي حديث ثالث (ما من مسلم تدركه ابنتان فيحسن صحبتهما إلا أدخلتاه الجنة) وفي رابع (من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة، فقال رجل من بعض القوم: وثنتين يا رسول الله؟ قال:وثنتين) وفي خامس (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه) وكلها أحاديث ثابتة وبعضها في الصحيحين.
وكثير من الناس يحصر الإعالة والإحسان للبنات في الجوانب الحسية من المأكل والمشرب والملبس ونحوه، ويغفل جوانب العطف والحنان، والحاجات القلبية والنفسية، من الجلوس معهن، والتبسم لهن، والحديث إليهن ، والإنصات لحديثهن، وتلمس حاجاتهن، ومعالجة مشاكلهن، حتى تسربت إلى بعض الناس عادات أهل الجاهلية فلا يأكل مع نسائه وبناته، ويرى أن ذلك مناف لرجولته، قادح في شخصيته، ولا يحظى بمجالسته ومواكلته ومباسطته إلا الذكور من ولده دون الإناث؛ وهذا من التفرقة بين الأولاد، والنبي صلى الله عليه وسلم قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)رواه البخاري.
والعدل في هذا واجب مثل العدل في النفقة إن لم يكن أهم وأولى من العدل في النفقة؛ لمسيس حاجات البنات لمثل هذا النوع من الإحسان والرعاية.
وما ضُحك على كثير من بنات المسلمين حتى وقعن في المعصية والعار إلا بعد خلو بيوتهن من تلك الرعاية، فبحثن عنها في غير بيوت آبائهن؛ فاصطادهن ذئاب لا يرقبون في حرمات المسلمين إلاًّ ولا ذمة، فكان من أمرهن ما كان.
ومن الخطل في الرأي، والخطأ في الفهم، أن يظن ظان أن هذا الأجر العظيم في رعاية البنات وإعالتهن الذي أخبرت به الأحاديث يناله من قصَّر في تربية بناته على أحكام الشريعة، أو فتح لهن أبواب المعصية، فلا علمهن أحكام الحيض والطهارة، ولا أمرهن بالصلاة والطاعة، ولا بين لهن أهمية العفاف والطهر والحصانة.. ولم يراقب حجابهن، ولا يبالي أي لباس يلبسن، ولا يسأل: مع من كنَّ وأين ذهبن؟ وقد ملأ بيته بأنواع من الموبقات التي توبق بناته وتهلكهن، من فضائيات ساقطة، وأشرطة ماجنة، ومجلات هابطة، تثير الشهوات ولا تشبع العواطف، وتحرك الغرائز ولا تنمي العقول، وتدعو إلى المعاصي، بل تؤصل للمعصية والكفر بشعارات براقة، وعناوين خادعة من الحرية الشخصية، والحب خارج إطار الزوجية، وغير ذلك مما غزا أكثر البيوت، وفتك بقلوب كثير من بنات المسلمين.
أَوَيظن مسلم أن يحظى بهذا الأجر في إعالة بناته وقد أشبع بطونهن وأهمل عقولهن، وألهب غرائزهن ولم يشبع عواطفهن، قد اهتم بأمور دنياهن ولم يبال بأعمال أخراهن؟!
كيف يظن مسلم ذلك وهو يرى أن هذه الأحاديث ذكرت أوصافا لمن يستحق ذلك من أولياء البنات؛ ففي حديث قال عليه الصلاة والسلام (فيحسن صحبتهما) وفي الحديث الآخر (يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن) فهل أحسن صحبتهن من ضيع عليهن الدين واكتفى لهن بالدنيا؟ وهل رحمهن من جلب لهن أسباب العذاب والنار في الآخرة؟ وتأملوا قوله عليه الصلاة والسلام (يؤويهن ويكفيهن) والإيواء والكفاية لها قدر محدد، لا ينزل عنه فيحتجن إلى غيره وهو أبوهن وراعيهن، ولا يتعداه فيفسدهن ويبطرهن، فإن قصر عن هذا الحد ما كان مؤويا لهن ولا كافيا، وإن تجاوزه إلى السرف والترف مما يحل وما يحرم فقد انتقل من الإيواء والكفاية إلى الطغيان والإفساد، وكلا الوجهين مذموم.
فإذا عمل فيهن بشرع الله تعالى، وقام عليهن خير قيام حتى يزوجهن بالأكفاء فقد أدى الأمانة، والتزم الديانة، واستحق بإذن الله تعالى ما رتب على رعاية البنات من أجور عظيمة.
ومن أعظم الظلم، وأكبر البغي، وأشد أنواع القسوة أن يحرم بناته من حق قد قضاه الله تعالى لهن؛ كما يفعله من يفعله من جهلة الناس، وجفاة الرجال بحرمان بناتهم من الميراث، أو التحايل لإسقاطه قبل موته بأن يسجل أملاكه باسم أبنائه دون بناته، ومن فعل ذلك فقد ختم حياته بخاتمة السوء، ولقي الله تعالى بظلم عظيم لبناته، وقد خلقهن الله تعالى ضعافا، وأوصى بهن، فضيع بجهله وعصبيته وصية الله تعالى فيهن، وانحاز إلى الأقوياء من ولده, وأعطاهم حق الضعفاء، ولعله لا يحسن إليه في كبره وضعفه، ولا يدعو له في قبره إلا بناته.
وأعظم ظلما من ذلك أن يعضل بناته، فلا يزوجهن الأكفاء من الرجال إما عصبية لعشيرته؛ فبناتهم لا تُزوج من غير أبناء العشيرة، وليس في عصبته كفؤ يرضاه عاقل لابنته، فإما زوجها بغير كفء لها فظلمها، أو تربص إلى أن تنتج عشيرته كفئا لها، وقد يأتي وقد لا يأتي حتى يشيب رأسها.
أو كان أبوها مريضا بالعظمة فيرد عنها الخاطبين؛ لأنهم لم يملئوا عينه، ولا أحد يملأ عينه؛ لأن العلة فيه لا فيهم، والرجل العاقل لا يطلب المعالي في تزويج بناته، بل ينشد سترهن وسعادتهن.
أو يمنعها الزواج لأنه أهداها في صغرها لأحد أبناء عمه وهي لا تريده، فيركب رأسه؛ لئلا يقال: قد رضخ لرأي النساء، فيعذب نفسه وابنته لعزة يتوهمها، وهي عين الذل والإهانة؛ إذ كيف يبتزه الآخرون في بناته، فلا رأي له فيهن بل الرأي رأيهم!!
أو يمنعها الزواج يريد بيعها لذوي المال والجاه كما تباع السلع، حتى إذا قبض ثمنها، وقضى الغني حاجته منها؛ رمى بها مهانة ذليلة حزينة، فهل هذا أب يرحم ؟! كيف ومهرها مهما بلغ حق لها لا لأبيها، ولها أن تتنازل عما شاءت منه لزوجها؟!
أو كانت تعمل ويأخذ أبوها أجرها فيحبسها، ويرد الأكفاء عنها لأجل ذلك.وربما كان صفيق الوجه، قليل الحياء، يعلل فعلته الشنيعة في بناته بما مضى من نفقتهن، ويَمُنُّ عليهن بحق أوجبه الله تعالى لهن، فيحرم بناته أعظم لذة في الدنيا وهي الزواج وطلب الولد، وقد تمتع هو من قبل بهذه النعمة، فأي أنانية تلك؟ وأي قلوب قدت من حجر قلوب هؤلاء الآباء؟
وإذا خطبها خاطب وجب على أبيها أن يتحرى عنه، ويسأل عن دينه وأخلاقه، ثم يعرض الأمر عليها إن كان الخاطب مما يرضى دينه وأخلاقه، ولا يكرهها عليه، فالحق لها، والقول قولها، وهي من تتحمل نتيجة اختيارها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) متفق عليه.
ولا يحل له أن يعضلها، والعضل هو منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه.
وقد ذكر الفقهاء أن البنت إن رغبت في كفء بعينه، وأراد أبوها تزويجها بغيره من أكفائها‏,‏ وأبى تزويجها من الذي أرادته كان عاضلا لها، فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها في دين أو خلق فله منعها من ذلك‏,‏ ولا يكون عاضلا لها بهذا.
وإذا رأى الرجل عزوفا من بناته عن الزواج لأجل الدراسة أو الوظيفة ذكرهن بالله تعالى، ووعظهن بكتابه، وبين لهن خطورة ردِّ الأكفاء من الرجال، وأخبرهن أن الواحدة منهن إن ردت كفئا يُرضى دينه وخلقه فقد تعاقب بالحرمان من مثله؛ حتى لا يأتيها مستقبلا إلا غير كفء لها، وإذا اشتهر عند الناس أن آل فلان يردون الأكفاء عن بناتهم أحجموا عنهم، وهذا واقع مشاهد، وكم راح ضحيته كثير ممن يرغب الشباب في مثلهن من بنات الناس لولا هذا التصرف الخاطئ؟!
وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) فمن يرضى من الآباء، ومن يرضى من البنات أن تكون سببا من أسباب الفتنة في الأرض والفساد العريض؟!
والوظيفة والدراسة ليست تمنع من الزواج؛ إذ ستجد من يقبلها مع وظيفتها ودراستها، ولو قُدِّر التعارض في ذلك قُدِّمت مصلحة زواجها على وظيفتها ودراستها؛ لأنه بزواجها ينفق عليها زوجها فلا تحتاج إلى الوظيفة، لكن إن فاتها الزواج لكبرها، ورغبة الرجال عنها؛ لم تهب لها وظيفتها زوجا وولدا.
وإذا طلقت البنت وعادت إلى بيت أبيها فلا يحلُّ له أن يعيرها بطلاقها، ويجب عليه أن يحسن إليها؛ حتى يجعل الله تعالى لها سبيلا برجل آخر، فإن خرجت من عدتها، وعاد إليها مطلقها يريد نكاحها مرة أخرى فالقول قولها، فإن أرادته فليس لأبيها أن يمنعها منه بحجة أنه طلقها المرة الأولى، وفي مثل هذه الصورة نزلت آية العضل؛ كما روى البخاري عن الحسن البصري رحمه الله تعالى في قول الله تعالى (فلا تعضُلُوهن) قال(حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال: زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له: زوجتك وأفْرَشْتُك وأكرمتك فطلقتها، ثم جئت تخطبها! لا والله لا تعود إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه؛ فأنزل الله هذه الآية (فلا تعضُلُوهن) فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال: فزوجها إياه) وفي رواية قال معقل رضي الله عنه: (سمعا لربي وطاعة، فدعا زوجها فزوجها إياه) وفي هذه الحادثة يقول الحسن رحمه الله تعالى (علم الله تعالى حاجة الرجل إلى امرأته، وحاجة المرأة إلى زوجها فأنزل الله تعالى هذه الآية).
نسأل الله تعالى أن يحفظنا والمسلمين بحفظه، وأن يسبغ على نساء المسلمين وبناتهم ستره، وأن يجنبهن طرق الهلاك والردى، إنه سميع قريب.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم....



الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه b]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[/b{التَّحريم:6}.
أيها المسلمون : ليس من العيب في شيء أن يعرض الرجل بناته على الأكفاء تصريحا أو تلميحا، أو يوصي بذلك من يثق به؛ فإن الأكفاء من الرجال إن رغبوا فيهن حصل له ما أراد، وكان ذلك من تمام إحسانه لبناته، وإن رغبوا عنهن منعهم دينهم وأخلاقهم من الكلام والثرثرة، وإفشاء سره، وقد فعل ذلك خيار هذه الأمة من الصحابة والتابعين:
فعمر رضي الله عنه عرض ابنته حفصة على أبي بكر ثم على عثمان رضي الله عنهم، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم. وعثمان عرض ابنته على ابن مسعود وهو كبير وهي صغيرة مع ما بينهما رضي الله عنهما من خلاف في بعض المسائل.
وسعيد بن المسيب رحمه الله تعالى رفض ابن الخليفة وقد خطب ابنته، وزوجها من رجل صالح فقير كان يطلب العلم على يديه.
وإن طلقت البنت أكثر من مرة، أو كان أزواجها يموتون عنها، فليس لأبيها أن يعاقبها بمنعها من الزواج؛ حرجا من كلام الناس، أو خوفا من شماتتهم، فحق ابنته عليه أولى من مراعاة الناس، ولو أرادت الزواج ولها أولاد فلها ذلك، وليس لأحد أن يمنعها حقها ولو كانت كبيرة السن، فهي أدرى بنفسها، وأعرف بحاجتها، وقد كان الصحابيات رضي الله عنهن لا تنقضي عدة الواحدة منهن إلا وتخطب على الفور، وقد تزوجت أسماء بنت عميس رضي الله عنها جعفرا ثم أبا بكر ثم عليا رضي الله عنهم.وكونها تكون زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة خيرا لها من بقائها بلا زوج.
وما انتشر رفض هذه المبادئ الأصيلة التي جاءت بها الشريعة، وطبقتها الصحابة، إلا لما سادت ثقافة المسلسلات الهابطة، والمجلات الساقطة بين الناس، حتى حاربوا تعدد الزوجات وهو خير للنساء وللمجتمع، وألقوا في رُوْعِ المطلقة عدم الزواج مرة أخرى، وعليها أن تبحث عن ذاتها ولذتها في طريق آخر غير طريق الزواج، يعني: في الحرام نسأل الله العافية، حتى وئدت الفضيلة، وانتشرت الرذيلة، وإن صبرت فعلى جمر يحرق قلبها.
ومن إحسان الرجل إلى بناته أن يحسن إلى أزواجهن؛ فيبتسم لهم، ويظهر حفاوته بهم، ويحضر ولائمهم، ويدعوهم هو إلى بيته؛ فإنه وإن كان ذا فضل عليهم بتزويجهم، فلهم فضل عليه بحفظ عورة له، وإحسانه إليهم ينتج عنه ولا بد إحسان الأزواج إلى بناته، وهذا ما يطلبه لهن.
وينبغي لمن رزقه الله تعالى أولادا وحفدة أن لا يظهر احتفاءه بأولاد بنيه أكثر من احتفائه بأولاد بناته؛ لأن ذلك مما ينكأ في قلوب بناته، ويكون سببا للعداوة والبغضاء بين أولاده وأحفاده.
ألا فاتقوا الله ربكم -أيها المسلمون- وأدوا أماناتكم، وأحسنوا إلى بناتكم كما تحسنون إلى أبنائكم، وخذوا في ذلك بآداب الإسلام؛ ففي ذلك خيري الدنيا والآخرة.
وصلوا وسلموا .....





المشاهدات 5946 | التعليقات 11



إبراهيم بن محمد الحقيل;4478 wrote:
وكثير من الناس يحصر الإعالة والإحسان للبنات في الجوانب الحسية من المأكل والمشرب والملبس ونحوه، ويغفل جوانب العطف والحنان، والحاجات القلبية والنفسية، من الجلوس معهن، والتبسم لهن، والحديث إليهن ، والإنصات لحديثهن، وتلمس حاجاتهن، ومعالجة مشاكلهن، حتى تسربت إلى بعض الناس عادات أهل الجاهلية فلا يأكل مع نسائه وبناته، ويرى أن ذلك مناف لرجولته، قادح في شخصيته، ولا يحظى بمجالسته ومواكلته ومباسطته إلا الذكور من ولده دون الإناث؛ وهذا من التفرقة بين الأولاد، والنبي صلى الله عليه وسلم قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)رواه البخاري.
والعدل في هذا واجب مثل العدل في النفقة إن لم يكن أهم وأولى من العدل في النفقة؛ لمسيس حاجات البنات لمثل هذا النوع من الإحسان والرعاية.
وما ضُحك على كثير من بنات المسلمين حتى وقعن في المعصية والعار إلا بعد خلو بيوتهن من تلك الرعاية، فبحثن عنها في غير بيوت آبائهن؛ فاصطادهن ذئاب لا يرقبون في حرمات المسلمين إلاًّ ولا ذمة، فكان من أمرهن ما كان.

وقعت على مسألة مهمة جد مهمة ، وهي حقيقة بأن تفرد بخطب ومحاضرات متخصصة ، وأن تعقد فيها للآباء والأزواج الدورات ؛ ليتفقهوا فيها ويسيروا عليها في بيوتهم ، قبل أن تغدو تلك البيوت قفرًا من هذه المعاني العظيمة التي تشد روابطها وتزيد من تماسكها ، خاصة ونحن نعيش نوعًا من الاتجاه المادي الذي لا يلوي أصحابه على شيء غير ما يرون فيه عائدًا ربحيًا بالدرجة الأولى ، مغفلين الجوانب العاطفية والنفسية ، والتي هي من أغلى ما ينشده الإنسان ولا سيما النساء .

وكما ذكرت ـ وفقك الله ـ فإن كثيرًا من النساء حتى الزوجات اللاتي انحرفن ووقعن في براثن الذئاب البشرية ، كان من أهم أسباب وقوعهن في ذلك ما ابتلين به من شح عاطفي وغفلة مطبقة من الآبائهن أو الأزواج عن تلمس حاجاتهن العاطفية وإشباعها .

والخطبة احتوت على معاني كثيرة ، وعالجت مشكلات واقعية ، فهي بحق خطبة موسوعية !!!


جزاك الله تعالى خيرا شيخ عبد الله ونفع بك...


كما ذكرتما وفقكما الله فمسألة رعاية العواطف والمشاعر يجب تثقيف مجتمعنا عليها وتغذية مشاعرهم تجاه بناتهم وزوجاتهم لئلا ينفرط العقد وخاصة في زمن الاتصالات التي يسرت للبنات الاتصال بمن يدغدغ عواطفهن فيا ليت قومي يعلمون ...


ما شاء الله يا شيخ ابراهيم خطبة جيدة استفدنا منها كثيراً ، أحسنت أحسن الله إليك .


خطبتُ بهذه الخطبة هذه الجمعة مع اختصار وتصرف يسير جدا وكانت رائعة جدا أثنى عليها الكثير أسأل الله أن ينفع بها وأن يكتب للشيخ ابراهيم أجرها وأجر من سمعها ومن انتفع بها


الشيخ إبراهيم ممن فتح الله له في مجال الخطابة إعداداً وجمعاً وأسلوباً حسناً .. ولم يكتب لي أن أصلي معه ولو لمرة واحدة لبعد المسافة .. ولكن أعتقد أنه مميز في الإلقاء أيضاً مما أسمع من ثناء الناس ..
ولكن لي ملحوظة بسيطة جدا وهي متعلقة بطول الخطبة ..
فلماذا يا شيخنا المفضال لا تكون الخطب على أكثر من خطبة وتكون مختصرة بنسبة 15% عن حالها الآن ..
ولنأخذ مثالأً بهذه الخطبة ..
لو خطب بها خطيب لتجاوز 45 دقيقة في إلقائها إذا كان مترسلاً ويعتني بالوقوفات وحسن الإلقاء ..
أما إذا كانت سرداً فربما أخذت 20 دقيقة ..
وهذا ممل لعموم الناس .. ويستثنى من ذلك من يحضر الناس عنده لذاته ..
ثم إن هذه الخطبة - أيضاً - جامعة لجملة من المعاني الرائعة التي لا يمكن حذفها .. ولكن لو كانت على خطبتين أعتقد أنه سيتيح المجال للبسط في بعض الأفاكار والنقولات وغير ذلك .
وفق الله الشيخ ونفعنا جميعأً به .


حياكم الله تعالى جميعا يا أبا العنود ويا مرور الكرام ويا شيخ ضيدان ويا شيخ عبد الرحمن، وشكر لكم تعليقاتكم، وأعتذر لكم جميعا عن تأخري في الرد عليها لأن دخولي قليل..
وبالنسبة لاقتراحك يا أبا العنود فعلى العين والرأس لأني ألحظ في تعليقاتك عقلا راجحا وفهما مسددا، ولكن أوضح لك أمورا:
1- قد عاب الأخ الكريم مرور الكرام طريقتي في تقسيم الموضوعات، وزعم أنها تحتاج إلى عمر ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم أظنه في موضع آخر حذف الخمسين عاما فجعلها ألفا كاملة، وأقره الشيخ عبد الله البصري في بعض ما رأى في مناقشة فيها سخونة أظنها في ملتقى الخطباء أو نحو ذلك. فكيف لو سمعاك تريد تقسيم هذا الموضوع إلى موضوعين أو إلى موضوعات؟!
لربما زادها مرور الكرام إلى ألفي سنة..
2- لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت ما اقترحت من تقسيم في هذه الخطبة وفي خطبة (حقوق الأخوات على إخوانهن) فقد جمعت مادة لا بأس بها، والعجيب -وهذا للفائدة العامة- أن موضوع حقوق الأخت على أخيها لم أجد فيه شيئا مفردا لا كتابا ولا خطبة ولا مقالة ولا فصلا في كتاب ولا شيء، حتى الكتب المطولة في صلة الرحم لم أقف على شيء مجموع فيه في باب أو فصل، فجمعت شتاته من الذهن ومن الأحاديث والآيات بما يسر الله تعالى، وأجزم أنه فاتني ما فاتني، لكن هي أكثر خطبة لي في هذا العام تفاعل الناس معها، وبعضهم طبق ما فيها عقب الصلاة مباشرة، وجاءتني رسائل عنها كثيرة لم أعهدها مما يدل على مسيس الحاجة لهذا الموضوع، فالأخوات مغفول عنهن من قبل إخوانهن في أغلب الحالات.
3- العادة أن الخطب عندي تأخذ من الوقت 20 دقيقة، تزيد في حالات قليلة دقيقتين أو ثلاث، وفي أغلب الحالات تنقص دقيقة أو دقيقتين، ولا أتذكر أني بلغت 25دقيقة في خطبة جمعة، وليس إلقائي سريعا، وأعتني بوقفات المعاني ما استطعت، ولم يشتك لي أحد يوما من سرعة الإلقاء، فأستغرب تقديرك لها ب45دقيقة، ولو بلغت 25دقيقة لانزعجت أنا كثيرا فكيف بأكثر من ذلك؟!
أخيرا: أشكرك على تعقبك، وأستفيد مما ذكرت، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه...



رأيتك ـ أخي الكريم الشيخ إبراهيم ـ أكثر من مرة قرنت أخاك الفقير بمرور الكرام فيما رأى ، وقد يجعل هذا من لم يقرأ مشاركتي إذ ذاك يظن أني أوافق مرور الكرام في كل ما ذهب إليه جملة وتفصيلاً ، وليس الأمر كذلك ؛ إذ إن كلامي ثمة واضح ، ولم أعب فيه إلا التشقيق الزائد عن حده ، مثل : ذكر التعريفات والحدود والخلافات والأقوال والردود والأدلة العقلية ... وهكذا . هذا هو الذي وافقت مرور الكرام على كونه لا يناسب إلا الموسوعات العلمية ، وأنا كتبت هناك كلامًا عامًّا لا أعنيك فيه شخصيًّا بالضرورة ، ولذا لم أجب عن تساؤلاتك وما طلبت في مشاركتك التي أقحمتني فيها مع أخينا مرور الكرام بطلب مثال على ما نقده من خطبك ، إذ الطلب في الحقيقة يخصه وحده ولا يتعلق بي .

وأما تناول موضوع كبير في عدة خطب ، وهو السبيل الذي اخترتموه كما وضحتم هناك أو كما فهمت أنا ، فإني أؤكد لكم أني لا أخالف فيه ولا أعيبه ، وإن كنت لا أستحبه لنفسي إلا في أضيق الحدود ، لا لشيء ، وإنما لأن الذي قد يحضر خطبة هي جزء من موضوع كبير قد لا يحضر الخطبة القادمة لمانع ، فيحرم من فوائد كان بالإمكان إعطاؤه إياها مختصرة في خطبة واحدة .

وليس هذا في الواقع رأيي وحدي ، بل هو رأي عدد من الإخوة الذين اطلعوا على خطبي أو استفادوا منها خطباء ومستمعين ، إذ سبق أن كتبت بعض الموضوعات في أكثر من خطبة ، فطلبوا إلي ألا أجعل الموضوع في أكثر من خطبة ما استطعت إلى ذلك سبيلا .

وعلى كل حال ، فإن طريقة كتابة الخطب تحتمل تعدد الرأي والأمر فيها واسع جدًّا ، وقد علم كل أناس مشربهم ، وكون المرء يشارك ويكتب بطريقة ما فإنه ليس ملزمًا لأحد ممن أراد الاستفادة من خطبه أن يوافقه في كل ما ذهب إليه ومشى عليه أو يترك الخطبة بالمرة .
والخطيب إذا وجد الخطبة وأعجبه موضوعها وراقت له أدلتها ، ووجد فيها ضالته ، ليس ملزمًا بالإبقاء عليها كما كتبها صاحبها إذا لم ير ذلك ، خاصة ونحن في عصر الحواسيب التي سهلت علينا التصرف ، فيستطيع الخطيب أن ينسخ الخطبة ، ويتصرف فيها بما يشاء ويراه نافعًا .

وأنا دائمًا أؤكد على إخواني أن حقوق الاستفادة من الخطب ينبغي أن تكون غير محفوظة ، إلا في حال واحدة ، وهي أن ينقل الخطيب كلامًا طويلاً بنصه من خطبة ثم ينسبه لنفسه وينشره بأي وسيلة من وسائل النشر ، فهذا غير لائق قطعًا لا دينا ولا أدبًا ، وأما نقل جملة أو جملتين مع شيء من التصرف فلا بأس به ، وما زال الناس يستفيد بعضهم من بعض .

وقد وجدت مرة أحد الخطباء المشهورين نقل كلامًا طويلاً من إحدى خطبي ، ولم أعلم إلا حين اتصل بي أحد الخطباء ، وسألني : هل نقلت من فلان أم هو الذي نقل منك ؟ فلما ذهبت إلى موقع هذا الأخ الخطيب وجدت كلامي بنصه ، فأسفت أن يسمح المرء لنفسه بنقل كلام طويل بنصه ولا يشير ولو في الحاشية إلى أن نقله من خطبة فلان من الناس .
ولا يفهم من كلامي هذا أني أزكي نفسي أو أدعي أني لا أنقل من أحد أو لا أستفيد من الآخرين ، لا والله ، بل أنا كغيري من الخطباء ـ وقد ذكرت ذلك في مشاركات سابقة ـ قد أجد كلامًا جميلاً مؤثرًا لأحد الخطباء أو الكتاب أو الأدباء ، فأجد نفسي لجماله وكماله ملزمًا بتضمين الخطبة إياه ، فأنا بين أمرين : إما أن أنقله وأشير إلى ذلك في الحاشية لزامًا ، أو أقول قبله : قال فلان ، وإما أن أتصرف فيه وأزيد وأنقص حتى يكون كلامًا جديدًا فلا أحتاج إلى الإشارة إلى ذلك .


وعودًا على ما بدأت به وعلى فرض أني وافقت الأخ مرور الكرام فيما ذهب إليه ، أو ذهبت لرأي آخر ، وذهب غيري لرأي ثالث ، فهي مجرد آراء واجتهادات للوصول إلى ما هو أكمل وأجمل ، لا أقل ولا أكثر ، فلا يمنعنك ـ أخي المفضال ـ رأي رآه أحد إخوانك أن تعمل بما ترى فيه مصلحة ، والناس لا يزالون مختلفين ، ورضاهم غاية لا تدرك ، ولا نملك إلا أن نخلص لك ولأمثالك الدعاء بأن يوفقهم الله ويثبتهم ؛ فالخطباء ـ كما عرفتُ من واقعهم ـ في تلهف شديد للخطب الجديدة لأن عددًا كبيرًا منهم لا يكتب لسبب أو لآخر ، ومن ثم فإن من أبواب الخير الكبيرة التي فتح الله بها على بعض عباده أن صبروا وصابروا وبحثوا وكتبوا فنفعوا أنفسهم ، وخدموا إخوانهم من الخطباء ، وأفادوا المستمعين ، وهو باب من العلم النافع لمن صحت نيته .

وأما ما ذهب إليه أخي أبو العنود من أن في خطبك ـ أخي الشيخ إبراهيم ـ طولاً فلا أوافقه عليه ، بل إن خطبك ـ في رأيي ـ متوسطة ومناسبة ولا طول فيها ، وفقك الله وسددك ونفع بما تكتب ، ووفق الإخوة جميعًا في هذا الملتقى وغيره من منابر العلم والدعوة إلى بيان الحق والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة .


حياك الله تعالى شيخ عبدالله وبياك، وجعل الجنة مثواك، وأشكر لك إيضاحك وتعليقك، والكلام فيه طويل لكثرة موضوعاته، لكني أحاول تلخيص رأيي في النقاط التالية:
أولا: في كل مرة قرنتك فيها بأخينا مرور الكرام قيدت ذلك: بموافقتك له في بعض ما قال وليس في كل ما قال، ولم أترك هذا القيد أبدا، ولو رجعنا للموضوع الأصل لوجدنا أنك نصصت على موافقتك له في انتقاد استخراج عشرين خطبة من آية، ووقتها سألتكما ولم يجب أحد منكما: ماذا لو فصلنا الموضوعات عن الآية: الإيمان، الردة، التقوى... هل تستحق أن تفرد هذه الموضوعات بخطب، ثم ضربت مثالا آخر بآية ( الصابرين والصادقين والقانتين....) الآية، وقلت: ماذا لو أفرد الخطيب خطبة في كل كلمة منها؟ ولم تجيبا أيضا.
ثانيا: أما ذكر التعاريف والخلاف الفقهي ونحوه فأوافقك أن الخطبة ليست مكانه، ولا أذكر أنني عملت به، ولذا طالبتكما بخطبة واحدة من خطبي فيها ما انتقدتماه، وسبب مطالبتي أنك علقت على كلام مرور الكرام وهو ينتقد طريقتي، ولم تُخرج أنت طريقتي عن نقده إلا الآن، وأما في المناقشة الأولى فلم تعلق إلا بما يوافقه في بعض قوله.
ثالثا: ذكرك أنك لا تعيب عمل خطب عدة في الموضوع الكبير ولا تستحبه؛ لكون بعض الناس قد تفوته بعض الموضوعات فيفسد الموضوع عليه، فأوافقك في هذه الجزئية، وليست طريقتي من هذا القبيل في شيء، بل انتقدت أنا هذه الطريقة في مقدمة كتابي (المفيد في خطب الجمعة والعيد) وفي أكثر من مقال كتبته عن الخطابة، وبينت مفاسد هذه الطريقة ومنها ما ذكرت أنت من فوات بعض الموضوعات على المصلين..
وأما طريقتي فإني أفتت الموضوع، وأختار منه وحدة موضوعية تصلح موضوعا مستقلا كاملا، لا علاقة له بما قبله ولا بما بعده، ولذا لا أسرد موضوعات السلسلة تباعا، وإنما بين فترة وأخرى، ولم يحدث تشويش في الموضوع عند المصلين..
وأضرب مثالا بالصلاة فهي موضوع كبير ومهم جدا، ولا بد أن تُطرق بين حين وآخر، فإما أن يتحدث الخطيب عنها إجمالا، وهكذا في كل مرة، فتكون خطبا مكررة يملها الناس، وإما أن يهملها الخطيب لأنه لا جديد عنده فيها فيكون قد أهمل موضوعا مهما..وهكذا في سائر الموضوعات التي هي مثلها..وقد شرحت هذه الطريقة في مقالات أشرت إليها في مناقشة سابقة..
رابعا: الذين يحضرون خطبة الجمعة في غالب المساجد يمكن تصنيفهم إلى ثلاث فئات:
1- العامة، وهم الأقل في هذا الزمن خلافا لما يظنه كثير من الناس.
2- المتعلمون، وهم حملة شهادات الثانوية والجامعة في أي تخصص كان، وهؤلاء قد درسوا العلوم الشرعية، وألموا بها في الجملة، غير استماعهم للمشايخ في الإذاعات، وقراءتهم للفتاوى والمنشورات التي تعلق في المساجد وغيرها، فثقافتهم الدينية لا بأس بها، وهم الشريحة الأكثر في مساجد المدن.
3- المتميزون في العلم والمعرفة من العلماء وطلاب العلم والمثقفين ثقافة عالية في تخصصاتهم كحملة الشهادات العليا. وهم الأقل في أغلب المساجد.
فأرى حيال ذلك أن تكون الخطبة مفيدة لكل شريحة منهم، فتكون مفهومة في الجملة لجميعهم، وفيها ارتفاع في أسلوبها ومعلوماتها يستفيد منه أصحاب الطبقة المتوسطة (المتعلمون) وفيها نكت وفوائد تفيد الطبقة المميزة.
وأذكر أن أحد كبار العلماء المحققين ومشاهيرهم قصد مسجدي مع بعده عنه لأجل هذه الفوائد، ويؤسفني أني ما علمت عن ذلك إلا بعد وفاته رحمه الله تعالى، ومرة في خطبة عن الاحتساب هاتفني أحد العلماء الكبار يقول: هذه الفائدة التي ذكرت تضرب لتحصيلها أكباد الإبل، ومسئول كبير من أهل المعرفة استفتاني مرة في كتابة بعض الفوائد وهل يدخل في النهي (ومن مس الحصى فقد لغا) لأنه ينساها ويتحسر على فواتها، فقلت له: أعطيك الخطبة كاملة، فصرت أرسلها إليه، والكلام في هذا يطول، ولولا أنه حديث عن نفسي لأسهبت فيه لبيان أهمية العناية بالخطبة، وتضمينها فرائد الفوائد..فلا أستحب أن يخرج أحد عندي مهما بلغ علمه واتسعت معرفته إلا بفائدة لم يعرفها من قبل، أو غفل عنها..
والخطبة على أربع مراتب:
1- الممتعة المفيدة، ومتعتها في بلاغتها، وكلماتها الرصينة، وجملها المفيدة. وفائدتها فيما حوت من معلومات جديدة على بعض الناس أو كلهم.
2- المفيدة غير الممتعة، وهي التي يكون فيها فوائد يخرج بها المصلون، لكن أسلوبها ضعيف، وإلقاءها مؤذي.
3-الممتعة غير المفيدة، وهي خطبة البليغ المؤثر الذي لم يأت بمعلومة جديدة، فقد يبكي الناس من شدة عبارتها، وجودة إلقائها، لكنها في معلوماتها عادية جداً.
4- الخالية من المتعة ومن الفائدة.. وبطبيعة الحال لن تخلو خطبة من فائدة مهما كانت، لكن قصدي فائدة لا يعلمها أكثر المصلين أو كلهم.. وأقول هذا حتى لا يحتج علي محتج بأن كل خطبة فيها آية أو حديث فلن تخلو من فائدة.
هذا؛ ورأيي الذي أقوله دائماً وأصر عليه: يجب أن نرفع عقول العامة في خطابنا، لا أن ننزل لمستواهم فيبقون على ما هم فيه، وقد أثبتت ثورة الفضائيات أن عند العامة من الفهم والإدراك والوعي خلاف ما يظنه فيهم كثير من الخطباء والدعاة والعلماء، وأنه بالإمكان رفعهم لمستويات أعلى مما هم فيه.. فلم نحتقر عقولهم ومداركهم؟!
ومع ذلك كله فإني لا ألزم غيري بطريقتي ولكن من حقي أن أدافع عنها وأرى أنها الأفضل والأكمل، ولولا قناعتي بها ما سلكتها أصلاً، وقد نبهت على ذلك في مقدمة (المفيد).
رابعا: كلامك عن الاقتباس والأخذ من الخطب كلام ذو شجون، وإن كان خارج محل النقاش، ولكن أذكر مرة أن مقالة صحفية -ولا أقول خطبة- مسروقة بكاملها من خطبتي، مع انتشار الصحيفة ورقياً وألكترونيا، وحسبي هذا المثال، وعندي غيره كثير.
خامساً: أوافقك يا شيخ عبد الله على اختلاف اجتهادات الناس، ولا تثريب في ذلك، ولم أنتقد طريقة أحد من الخطباء، كما لم ألزم أحدا بطريقتي.. غاية ما في الأمر أن الأخ الكريم مرور الكرام انتقد طريقتي ووافقته أنت يا شيخ عبد الله في بعض ما ذهب إليه، فدافعت عما سلكته واقتنعت به، ولم أبدأ الموضوع أنا..
خامساً: أشكرك على موافقتك لي في أن خطبي غير طويلة،
وأخيراً: جزاك الله تعالى خيراً شيخ عبد الله على اتساع صدرك للنقاش، فالمناقشة الإيجابية مما يثري الموضوع، ويفتح المدارك، ويرفع مستوى الخطابة، وتبقى القلوب كما هي مودة ومحبة وولاء للإخوة؛ إذ الجامع نصرة دين الله تعالى والدعوة إليه، وليس حظوظ الأنفس...
روابط النقاش السابق في الموضوع:
https://khutabaa.com/forums/موضوع/1485

https://khutabaa.com/forums/موضوع/136144