خطبة : كانوا لا يتناهون
أبو ناصر فرج الدوسري
1438/06/18 - 2017/03/17 03:05AM
أَمَّا بَعْدُ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
عباد الله: ليس فينا معشر البشر من لا يخطئ ولا ينحرف عن سنن الحق، بل إن فينا من الغرائز والطباع ما يميل بنا إلى الرشد والغي، والخير والشر، وليس كل إنسان يعرف خطأه أو يهتدي إليه، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: ما أحد من المسلمين يطيع الله ولا يعصه، ولا أحد يعصي الله ولا يطيعه فمن كانت طاعته أغلب من معاصيه فهو عدل.
ولذلك كان من حق الأخ على أخيه أن يبصره وينصح له في أمره، إبقاء على حق الاخوة ودفعا للأذى عن أخيه وعن المجتمع كله .
ويوم يتساهل الناس في هذا الحق، فيتملق الصديق عن صديقه، ويهمل الأخ حق أخيه عليه في النصح والإرشاد! تسوء علائق بعضهم ببعض، وتنقلب الصداقة عداوة، ويموج المجتمع عندئذ بالشر والإثم، فقد أخبرنا الله تعالى أن بني إسرائيل استحقوا اللعنة والحرمان لأنهم كانوا لا يتناهون عن المنكر
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة:79-78]
بما عصوا الله: فخالفوا أمره=" وكانوا يعتدون "، يقول: وكانوا يتجاوزون حدودَه.
عن ابن عباس قوله: " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ " قال: لعنوا بكل لسان: لعنوا على عهد موسى في التوراة، ولعنوا على عهد داود في الزبور، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل، ولعنوا على عهد محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن.
وقال صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده، لتأمُرنَّ بالمعروف، ولتنهَوُنَّ عن المنكر، ولتأخُذُنَّ على يدي المسيء، ولتُؤَطِّرُنَّه على الحقّ أطْرًا، أو ليضربنَّ الله قلوب بعضكم على بعض، وليلعنَّنكم كما لعنهم.
عباد الله: إن الإنسان ليخاف أن تصيبه اللعنة جزاء رؤيته وسماعه المنكر ثم لا ينهى عنه، وهذا والله خطر كبير، وشر مستطير، فالله -سبحانه- قد أخبر عن ثلاث طوائف من الناس أحداها:
سمعت ورأت المنكر ولم تعمل به، ولكنها سكتت عنه، والثانية نهت عن ذلك. والثالثة فعلت المنكر، فأخبر الله أنه أنجى التي أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر، وأهلك التي عملت المنكر، وسكت عن الثالثة.
ولذلك اختلف العلماء فيها هل هلكت مع من هلك، أم نجت مع من نجا؟ والصحيح أنها ناجية من العذاب مع كونها آثمة بتركها النهي عن المنكر، قال الله -تعالى-: (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [الأعراف:164-165]
والعجب كل العجب أننا نجد البعض يدعو إلى فعل المنكر وترك المعروف، جهاراً نهاراً، ومحاربة لله ورسوله، فيأمر بسماع الأغاني، والاختلاط بين الرجال والنساء، وتحرير المرأة من الحياء!!! ومحاربة سنة المصطفى وغير ذلك، مما تولى كبره هذه الأيام كثير من المنافقين، لا كثرهم الله؛ قال -تعالى-: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:67]
هذه صفتهم، وأما صفة المؤمنين فإنها الأمر بالمعروف والفرح به، والنهي عن المنكر والحزن والاكتئاب لرؤيته؛ كما في قوله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:611]
أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، ونعوذ به من الخذلان والغواية. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما لا ترضاه. اللهم وفقنا للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يا سميع الدعاء.
الخطبة الثانية
أما بعد: فاعلموا ياعباد الله أن تَرْك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدْرَة عليه مِن موانع إجابة الدعاء ، لقوله عليه الصلاة والسلام : وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنّ بالمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنّ عَنِ المُنْكَرِ ، أو لَيُوشِكَنّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَ تَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وقال : حديث حسن . وحسّنه الألباني والأرنؤوط .
وقال عليه الصلاة والسلام : مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوا فَلا يُسْتَجَابَ لَكُم . رواه الإمام أحمد وابن ماجه . وحسّنه الألباني والأرنؤوط .
وإذا كان الإنسان لا يستطيع الإنكار باليَدِ ولا باللسان فهو معذور ، إلاّ أنه لا أحد يُعذر في ترْك الإنكار القلبي ، لقوله عليه الصلاة والسلام : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .
والإنكار بالقلب يكون بكره المنكر في قلبه، ويفارق المكان الذي يعمل فيه المنكر.
والإنكار ليس خاصة بفئة معينة أو جهاز معين , هذا الأمر لكل مسلم.
إن ترك إنكار المنكر إثم عظيم وخطر جسيم يهدد الأمة بأنواع من العقوبات
وإن مما أنتشر زيادة على ترك المنكر الإنكار على المنكِر وهذا أعظم من ترك الأمر بالعمروف
أيها الأحبة: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وظائف أمة الإسلام، وبقيامها به استحقت وصف الخيرية؛ كما قال الله -تعالى-: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ). [آل عمران]
نَسأَلُ اللهَ التَّوفِيقَ وَالسَّدَادَ فِي العَمَلِ، وَالالتِزَامَ بِهَدْيِ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- حتَّى انتِهَاءِ الأَجَلِ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيهِ في قَوله عَزَّ مِنْ قَائلٍ عَلِيمٍ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ الأحزاب: 566].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أجمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُم بإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، لك الحمد على ما قضيت.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين .
اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين
هذا والله أعلم وأجل وصلى اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , والحمد لله رب العالمين.
عباد الله: ليس فينا معشر البشر من لا يخطئ ولا ينحرف عن سنن الحق، بل إن فينا من الغرائز والطباع ما يميل بنا إلى الرشد والغي، والخير والشر، وليس كل إنسان يعرف خطأه أو يهتدي إليه، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: ما أحد من المسلمين يطيع الله ولا يعصه، ولا أحد يعصي الله ولا يطيعه فمن كانت طاعته أغلب من معاصيه فهو عدل.
ولذلك كان من حق الأخ على أخيه أن يبصره وينصح له في أمره، إبقاء على حق الاخوة ودفعا للأذى عن أخيه وعن المجتمع كله .
ويوم يتساهل الناس في هذا الحق، فيتملق الصديق عن صديقه، ويهمل الأخ حق أخيه عليه في النصح والإرشاد! تسوء علائق بعضهم ببعض، وتنقلب الصداقة عداوة، ويموج المجتمع عندئذ بالشر والإثم، فقد أخبرنا الله تعالى أن بني إسرائيل استحقوا اللعنة والحرمان لأنهم كانوا لا يتناهون عن المنكر
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة:79-78]
بما عصوا الله: فخالفوا أمره=" وكانوا يعتدون "، يقول: وكانوا يتجاوزون حدودَه.
عن ابن عباس قوله: " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ " قال: لعنوا بكل لسان: لعنوا على عهد موسى في التوراة، ولعنوا على عهد داود في الزبور، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل، ولعنوا على عهد محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن.
وقال صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده، لتأمُرنَّ بالمعروف، ولتنهَوُنَّ عن المنكر، ولتأخُذُنَّ على يدي المسيء، ولتُؤَطِّرُنَّه على الحقّ أطْرًا، أو ليضربنَّ الله قلوب بعضكم على بعض، وليلعنَّنكم كما لعنهم.
عباد الله: إن الإنسان ليخاف أن تصيبه اللعنة جزاء رؤيته وسماعه المنكر ثم لا ينهى عنه، وهذا والله خطر كبير، وشر مستطير، فالله -سبحانه- قد أخبر عن ثلاث طوائف من الناس أحداها:
سمعت ورأت المنكر ولم تعمل به، ولكنها سكتت عنه، والثانية نهت عن ذلك. والثالثة فعلت المنكر، فأخبر الله أنه أنجى التي أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر، وأهلك التي عملت المنكر، وسكت عن الثالثة.
ولذلك اختلف العلماء فيها هل هلكت مع من هلك، أم نجت مع من نجا؟ والصحيح أنها ناجية من العذاب مع كونها آثمة بتركها النهي عن المنكر، قال الله -تعالى-: (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [الأعراف:164-165]
والعجب كل العجب أننا نجد البعض يدعو إلى فعل المنكر وترك المعروف، جهاراً نهاراً، ومحاربة لله ورسوله، فيأمر بسماع الأغاني، والاختلاط بين الرجال والنساء، وتحرير المرأة من الحياء!!! ومحاربة سنة المصطفى وغير ذلك، مما تولى كبره هذه الأيام كثير من المنافقين، لا كثرهم الله؛ قال -تعالى-: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:67]
هذه صفتهم، وأما صفة المؤمنين فإنها الأمر بالمعروف والفرح به، والنهي عن المنكر والحزن والاكتئاب لرؤيته؛ كما في قوله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:611]
أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، ونعوذ به من الخذلان والغواية. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما لا ترضاه. اللهم وفقنا للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يا سميع الدعاء.
الخطبة الثانية
أما بعد: فاعلموا ياعباد الله أن تَرْك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدْرَة عليه مِن موانع إجابة الدعاء ، لقوله عليه الصلاة والسلام : وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنّ بالمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنّ عَنِ المُنْكَرِ ، أو لَيُوشِكَنّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَ تَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وقال : حديث حسن . وحسّنه الألباني والأرنؤوط .
وقال عليه الصلاة والسلام : مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوا فَلا يُسْتَجَابَ لَكُم . رواه الإمام أحمد وابن ماجه . وحسّنه الألباني والأرنؤوط .
وإذا كان الإنسان لا يستطيع الإنكار باليَدِ ولا باللسان فهو معذور ، إلاّ أنه لا أحد يُعذر في ترْك الإنكار القلبي ، لقوله عليه الصلاة والسلام : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .
والإنكار بالقلب يكون بكره المنكر في قلبه، ويفارق المكان الذي يعمل فيه المنكر.
والإنكار ليس خاصة بفئة معينة أو جهاز معين , هذا الأمر لكل مسلم.
إن ترك إنكار المنكر إثم عظيم وخطر جسيم يهدد الأمة بأنواع من العقوبات
وإن مما أنتشر زيادة على ترك المنكر الإنكار على المنكِر وهذا أعظم من ترك الأمر بالعمروف
أيها الأحبة: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وظائف أمة الإسلام، وبقيامها به استحقت وصف الخيرية؛ كما قال الله -تعالى-: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ). [آل عمران]
نَسأَلُ اللهَ التَّوفِيقَ وَالسَّدَادَ فِي العَمَلِ، وَالالتِزَامَ بِهَدْيِ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- حتَّى انتِهَاءِ الأَجَلِ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيهِ في قَوله عَزَّ مِنْ قَائلٍ عَلِيمٍ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ الأحزاب: 566].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أجمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُم بإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، لك الحمد على ما قضيت.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين .
اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين
هذا والله أعلم وأجل وصلى اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , والحمد لله رب العالمين.
المرفقات
كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.docx
كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.docx