(خطبة) قيام الليل وفضله

خالد الشايع
1443/07/23 - 2022/02/24 14:43PM

الخطبة الأولى (قيام الليل )   

الحمد لله المنزه عن الأشباه في الأسماء والأوصاف القائم بالقسط والحق والأوصاف ،خضعت لعزته الأكوان وأقرت ، وانقادت له القلوب واطمئنت ،

كشف للمتقين اليقين فشهدوا ، وأعانهم على قيام الليل ، فشدوا مآزرهم وسهروا ، وأراهم حقيقة الدنيا ، فصاموا عنها وعزموا .

وأشهد ألا إله إلا الله  ، إله الأولين والآخرين عالمُ كل نجوى وسامع كل شكوى ، وكاشف كل بلوى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الذي قام حتى تفطرت قدماه ، شكرا لربه  وعلى آله  وصحبه الذين على أثاره ساروا ، وبما عليهم من الحق قاموا،وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد عباد الله :

إن من نعم الله علينا أن وهب لنا أوقاتا نخلوا فيها لعبادته ،وجعلها خلفة بعضها لبعض.

[وهو الذي  جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ]

إن الصلاة عباد الله صلة بين العبد وربه وهي خير موضوع ،أخرج الإمام أحمد  عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الصلاة قال : خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر

أيها المؤمنون : إن المؤمن  من إذا قوي إيمانه ،زادت صلته بربه وعظم يقينه به ،وحسنت صلاته ، وطال قنوته .

إن سجودَ المحراب واستغفارَ الأسحار ودموع المناجاة صفاتٌ يحتكرها المؤمنون .

ولئن توهم أهل الدنيا أن سعادتهم في الدنيا والدرهم والنساء والقصر المنيف فإن جنة المؤمن في محرابه ، وذلهِ بين يدي ربه جل وعلا .

أيها المؤمنون : مرت بنا أيام في رمضان الماضي ذاق فيها المصلون لذة الماجات لربهم في جوف الليل ، كابدوا فيها الأسحار للقاء العزيز الغفار ، وما زلنا فيها .

معاشر المؤمنين إن شرفَ المؤمن ، قيامُ الليل وإن قيام الليل هو المدرسة المهيئة للأمور العظيمة ، ولما اصطفى المولى جل وعلا صفيه وخليله محمدا صلى الله عليه وسلم لحمل هذه الرسالة العظيمة أمره بقيام الليل ( يا أيها المزمل ………..ثقيلا ) فكان قيامُ الليل وترتيل القرآن هو الإعداد لحمل هذه الرسالة العظيمة الشاقة ولو لم يكن في قيام الليل إلا أن الدعاء فيه أسمع لكفى أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيبَ له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ) أترضى يا أخي المسلم أن ينادي جل ذكره بهذا وأنت في سبات الغفلة والإعراض في نوم طويل عريض .

أيها المسلمون : اعلموا رحمكم الله أن قيام الليل من أسباب دخول الجنة أخرج أحمد وغيره من حديث عبد الله بن سلام مرفوعا ( أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام )

كما أنه دأب الصالحين قبلنا فقد أخرج أحمد وغيره من حديث بلال مرفوعا ( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الإثم وتكفير للسيئات ومطردة للداء عن الجسد ) فيا من يشكو من قسوة قلبه وضعف بصيرته إن أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل الآخر فانطرح بين يديه واطلب حاجتك إلى الكريم الرحمن أخرج الترمذي وغيره من حديث عمرو بن عبسة مرفوعا ( أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن ) ألا تعلم أيها النائم وقت القيام أن رب الأرباب يباهي بالقوام الملائكة ويعجب من صنيعهم ، أخرج أحمد وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعا ( عجب ربنا من رجل ثار من وطأة ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاته فيقول الله جل وعلا إلى ملائكته انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي ) وفي الحديث الآخر انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ويسألني ما سألني عبدي فهو له ) ألا تعلم أيها الغافل المسكين أن الله جل وعلا أعد لآهل القيام ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ( قال الله عز وجل أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم  قرأ هذه الآية ( تتجافى جنوبهم ……حتي يعلمون ) قال ابن القيم رحمه الله : تأمل كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاه لهم مما لا تعلمه نفس وكيف قابل قلقهم وخوفه وقلقهم واضطرابهم على مضاجعهم حين يقومون إلى صلاة الليل بقرة الأعين في الجنة أهـ

واخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا ( إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام  وصلى بالليل والناس نيام.

أيها المؤمنون : هانحن في شهر الصوم شهر القيام فلنعود أنفسنا على التلذذ بالقيام ، وتذوق حلاوة المناجاة ، حتى تستمر حياتنا على ذلك .

 اللهم أيقظنا من الرقدات وأعنا على قيام الليل واغتنام الأوقات وارزقنا الأعمال الصالحة قبل الممات .

 
 
 
 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ………..

أما بعد فيا عباد الله : إن نفس المؤمن عند سماع هذه الخيرات وتلك البشارات لتشتاق إلى قيام الليل ومناجاة القريب المجيب ولربما حاول بعضنا بل أكثرنا أن يكون من رهبان الليل ولكن نرجع  بالعجز والخسران فمَ السبب ياترى ؟

إن الذنوب تفتك بالعبد وهو لا يشعر بل تسلبه سلاحه الذي يقاتل به ، وتجعله وحيدا طريدا لا يشعر ، فإنها تدخل على القلب فتفسده وتضعفه وتقطع سيره إلى ربه ومولاه أو تحول بينه وبين السير على الصراط المستقيم .

معاشرالمسلمين : إن قيام الليل ومناجاة الرب جل في علاه منزلة رفيعة ومرتبة جليلة لا يتبوؤها إلا الأتقياء الخلص ، فمن تلطخ بالخطيئات والمعاصي فليس أهلا أن يقف بين يدي الرب العظيم .

قال رجل لابن أدهم : إني لا أستطيع قيام الليل ، صف لي الدواء ، فقال له : لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بالليل فإن الوقوف بين يديه بالليل من أعظم الشرف والعاصي لا يستحق ذلك الشرف .

وقال سفيان الثوري : حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته .

وقال رجل للحسن : يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب القيام وأعد طهوري فما بالي لا أقوم ؟ فقال الحسن : ذنوبك قيدتك .

وقال الفضيل بن عياض : إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل كبلتك خطاياك .

ودخل رجل على العبد الصالح كرز بن وبرة وهو يبكي فقال مالك ؟ فقال : بابي مغلق وستري مسبل ولم أقرأ حزبي البارحة وما ذاك إلا لذنب أحدثته وهذا لأن الخير يدعو إلى الخير والشر يدعو إلى الشر والقليل منهما يجر إلى الكثير .

وقال الحسن البصري : إن العبد ليذنب فيحرم به قيام الليل وصيام النهار .

عباد الله كم من معصية استصغرناها منعت من قيام ليلة ؟ وكم من نظرة منعت من قراءة سورة وكم من كلمة منعت من لذة مناجاة ، وإن  العبد ليأكل الأكلة أو يفعل الفعلة المحرمة فيحرم بها قيام الليل السنة كلها فرحم الله السلف الأبرار لما قلت ذنوبهم عرفوا من أين أتوا ونحن لما كثرت ذنوبنا دخل الشيطان علينا من كل باب فلم ندر أي باب نغلق وأي ثغرة نسد ، فمن كثرت الجراح فيه فلا يدري أيها قاتله ؟

عباد الله إن القلب ليحيى بذكر سيرة السلف الصالح وإن الإيمان ليزيد بسماع أخبارهم قال الفضيل بن عياض : إني لأستقبل الليل من اوله فيهولني طوله فاستفتح القران فأصبح وما قضيت نهمتي .

وجاء عن سيد التابعين في زمنه سعيد بن المسيب أنه صلى الفجر خمسين سنة بوضوء العشاء .

وقال معتمر ين سليمان : مكث أبي سليمان أربعين سنة يصوم يوما ويفطر يوما وكان يصلي صلاة الفجر بوضوء العشاء الآخرة .

وقالت معاذة العدوية : واصفة حال زوجها صلة بن أشيم مع قيام الليل ، ما كان صلة يجيء من مسجد بيته إلى فراشه إلا حبوا يقوم حتى يفتر .

وقال أبو اسحاق السبيعي : ذهبت الصلاة مني وضعفت ورق عظمي إني اليوم أقوم في الصلاة فما أقرأ إلا البقرة وآل عمران وكان رحمه الله قد ضعف عن القيام حتى يقام فإذا أقاموه فاستتم قائما قرأ ألف آية وهو قائم .

وكان زين العابدين  علي بن الحسين يكثر من الصلاة بالليل حتى إنه كانت لركبتيه ثفنات كثفنتي البعير من كثرة الصلاة وكان يقطعها في العام مرتين .

وكان أبو سليمان الداراني يقوم الليل حتى إذا تعبت قدماه ضربهما بعصا عنده ثم يقول : أيظن أصحاب محمد أن يفوزوا بمحمد من دوننا والله لنعملن حتى يعلم محمد أنه خلف رجال .

وكان كثير من السلف يكون مصلاه في بيته كمبرك البعير من كثرة الصلاة .

وهذه بنت جار منصور بن المعتمر تقول لابيها يا أبة أين الخشبة التي كان في سطح منصور قائمة ؟ قال : يا بنيه ذاك منصور كان يقوم الليل .

وهذا إمام أهل السنة أحمد بن حنبل قال إبراهيم بن شماس العابد : كنت أرى أحمد بن حنبل يحيي الليل وهو غلام .

وقال ابن عبد الله كان أبي ساعة يصلي العشاء الآخرة ينام نومة خفيفة ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو .

وقال ابن عبد الهادي تلميذ ابن تيمية رحمهما الله واصفا لقيامه ، وكان في ليله منفردا عن الناس كلهم خاليا بربه ضارعا مواضبا على تلاوة القرآن مكررا لأنواع التعبادات الليلة والنهارية وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصة وأعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة  نسأل الله أن يرحمنا برحمته

 لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم                          ليس الصحيح إذا مشى كالمقعدي

أيها المسلمون : نحن في زمن غربة قال ابن القيم : اقشعرت الأرض وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة وذهبت البركات وقلت الخيرات وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه ومؤذن بليل قد ادلهم ظلامه فاعزلوا عن طرق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح وكأنكم بالباب قد أغلق وبالرهن وقد غلق وبالجناح وقد علق وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

المرفقات

1646059676_قيام الليل.doc

المشاهدات 733 | التعليقات 0