[ خطبة قصيرة ] في الجدي النتن
السبيعي السبيعي
1436/01/13 - 2014/11/06 20:10PM
الحمد لله هو وَلِيُّ المحامد/ كلُّ حمدٍ مستحِقٌّ له جل وعلا/ له الحمد كله/ وله الثناء كله/ له الحمد في الأُولى والآخِرة/ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له/ لا إله إلا هو/ وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله/ وصفيُّه وخليلُه/ بشَّر وأنذر/ وأقام لنا الحُجة وبيَّن لنا المَحَجَّة/ وأوضح لنا البُرهان/ وبيَّن لنا الدليل/ فصلَّى الله عليه/ وعلى آله وصحبه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين/ أما بعد/ أيها المؤمنون/ تعجُّ السيرة النبوية/ بمواقف وأحداث/ اتخذ فيها رسولنا الحكيم/ صلوات الله وسلامه عليه/ أسلوبًا فريداً/ ليكون مؤثرًا في تثبيت فكرة ما/ في عقول أصحابه وأمته/ ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه/ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من بعض عوالي المدينة/ وهي القرى المحيطة بها/ فدخل السوق/ وكان بصحبته بعض الصحابة/ فمروا على جديٍ ميت/ والجدي هو صغير الماعز/ مروا عليه وهو ميت نتن الرائحة/ مقطوع الأذنين/ فتهيّأ الصحابة رضي الله عنهم لمجاوزة الجيفة/ لكنّهم تفاجؤوا بوقوف النبي عليه الصلاة والسلام/ آخِذاً بأذن الجيفة قائلاً/ أيُّكم يحب أن هذا الجدي له بدرهم؟ فنظر الصحابة رضوان الله عنهم بعضهم إلى بعض متعجبين/ من أن يعرض النبي صلى الله عليه وسلم عليهم شراء تيس ميت/ مشوه الخلقة/ قد فقد قيمته/ وهان على أهله حتى ألقوه/ فأجابوا قائلين/ ما نحب أنه لنا بشيء/ وما نصنع به؟/ فكرّر النبي صلى الله عليه وسلم عرضه الغريب فقال/ أتحبون أنه لكم؟/ فقال الصحابة رضوان الله عنهم/ والله لو كان حيا وهو مقطوع الأذنين ما رغبنا فيه فكيف وهو ميت؟! حينها قابل النبي صلى الله عليه وسلم هذه النفوس المتلهفة لمعرفة ما بعد السؤال/ بالحقيقة التي قررها لتستقر في أعماق وجدانهم فقال/ والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم/ يا سبحان الله! الدنيا التي تنافس كثير من النّاس من أجلها/ وتقاطعوا من أجلها / وتدابروا من أجلها/ أهون على الله/ من هوان جدي معيب/ ميت ملقى على قارعة الطريق/ فلماذا كل هذا الصراع على الدنيا؟! لقد بيّن سبحانه وتعالى حقيقة الدنيا/ فقال/ (يَأَيَّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ/ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا/ وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورْ/ وقد أقسم الرسول صلى الله عليه وسلم/ وهو الصادق الأمين/ فقال/ وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مِثْلَ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعُهُ هَذَا فِي الْيَمِّ/ فَلْيَنْظُرْ بِمَا تَرْجِعُ/ تخيل نفسك/ وأنت تغمس إصبعك في البحر/ بماذا خرج؟ قطرات! فما خرج به هو حجم الدنيا بالنسبة للآخرة/ نعم حجم الدنيا بأموالها/ وأملاكها/ وعقارتها/ ومتعها/ كل الدنيا/ ما هي إلا قطرات بالنسبة للآخرة/ أفيُعقل بعد ذلك/ أن يقضى بعضنا وقته من أجل قطرات/ ويترك اليم/ أيها الناس/ إن التنافس على حطام الدنيا/ مما خافه وخشاه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته/ فعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال/ جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله/ فقال/ إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها/ فهذا مما خافه النبي على أمته في الصدر الأول/ فكيف لا نخاف نحن من ذلك/ ونحن في هذه العصور المتأخرة/ التي تكالب فيها الناس على الدنيا؟ فاحذر يا عباد الله من الدنيا فإنها خمر الشيطان/ من سكر منها/ فلا يُفيق إلا في عسكر الموتى نادماً بين الخاسرين/ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم/ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم/ أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم/ ولسائر المؤمنين من كل ذنب/ فاستغفروه/ وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم/
الحمدُ لله على إحسانه/ والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنَانِهِ/ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له/ وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله/ صَلِّ اللهُ عليه وعلى آله وصَحْبه/ وسَلِّمْ تَسْليمًا كثيرًا إلى يوم الدين/ أما بعد/ أيها الناس/ لا يعني التحذير من الدنيا/ أننا نتركها إلى الأبد/ أو أننا نلزم زاوية من المسجد لنعبد الله فيه فحسب/ ليس الأمر كذلك/ بل حثنا الله تبارك وتعالى على عمارة الدنيا بالدين/ وحثنا على السعي والعمل/ فقال تعالى/ {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}/ إن المقصود بالتحذير من الدنيا هو ألا تطغى الدنيا علينا/ وهو ما قام به صحابة رسول الله رضوان الله عنهم/ فكان ينظرون إلى الدنيا نظرة عجيبة/ فهم من جانب لا يعطوا لها قيمةً في حياتهم/ بل ما أسهل أن يبذلوها في سبيل الله! وكأنها لا تساوي درهما/ ومع ذلك فهم من جانب آخر/ يعملون فيها بجد واجتهاد/ يزرعون/ ويتاجرون/ ويتكسبون المال/ قاعدتهم في ذلك كله أن الدنيا مبنى الآخرة ومزرعتها/ فهنيئاً لمن استعمل الدنيا/ ولم تستعمله/ استعملها في طاعة الله/ والبعد عما حرم الله/ نسأل الله أن يستعملنا في طاعته وأن يجنبنا معصيته/ وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل/ اللّهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا/ ولا إلى النّار مصيرنا/ اللّهم اجعلنا نخشاك حق خشيتك/ اللّهم حبب إلينا الإيمان/ وزيّنه في قلوبنا/ وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان/ واجعلنا من الراشدين/ ثم اعلموا رَحِمَكم الله أن الله عز وجل أَمَرَنَا بالصلاة على نبيه/ فقال سبحانه/ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا/ اللهم صل على عبدك ورسولك محمد / كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم / وبارك على محمد وعلى آل محمد / كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد / وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحُنَفاءِ/ أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ/ عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين/ اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمين/ وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشركين/ وسائرَ الطغاة والمُفسدين/ واحْمِ حَوْزَة الدِّين/ وانْصُرْ عبادك المُوَحِّدِينَ المجاهدين/ اللهم آمِنَّا في دُورِنا وأصْلِحْ أئِمَّتَنا/ وَوُلاةَ أُمُورِنا/ اللهم أنت الله لا إله إلا أنت/ أنت الغني ونحن الفقراء/ أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين/ اللهم أغثنا غيثاً مغيثا هنيئاً مريئا سحاً غدقاً مجللاً/ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم/ وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم/ واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم/
راشد الناصر
خطبة مودزه ومختصره نفع الله بها وسددكم على طريق الحق
تعديل التعليق