خطبة قصيرة الجمعة 1 شوال 1444هـ
محمد ابراهيم السبر
﴿خطبة قصيرة الجمعة 1 شوال 1444هـ﴾
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وجوده تكفر السيئات، وبتوفيقه وعونه تضاعف الحسنات، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه المتتابعات، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبي الهدى والمكرمات، اللهم صِّل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. واشكروا الله أن وفقكم وأنعم عليكم بإكمال شهر الصوم والغفران، فلقد مضى وانقضى وهو شاهد للمحسنين بإحسانهم، وشاهد على العاصين بعصيانهم، فيا ليت شعري من المقبول فينا فنهنيه؟! ومن المردود فنعزيه؟!
اتقوا الله -عباد الله- واستقيموا إليه في جميع الأوقات، وتقربوا إليه بالأعمال الصالحات، فالرب الذي يصام له ويعبد، ويركع له ويسجد في شهر رمضان هو رب الشهور كلها، وما أجمل الحسنة تتبعها الحسنة، وما أقبح السيئة بعد الحسنة، وإن من علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها، ومن أمارات ردها السيئة بعدها، قال الحسنُ البصريُّ -رحمه الله-: "إنَّ الله لمْ يجعلْ لعملِ المؤمنِ أَجلاً دونَ الموتِ، ثُمَ قرأ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾. فلا تضيعوا زمنكم باللهو والغفلة، ولا تفسدوا ما أسلفتم في شهر الصيام من صالح العمل، ولا تكدروا ما صفا لكم فيه من الأوقات ولذة المناجاة والإقبال على الله.
عباد الله: بالأمس كانت المساجد مزدحمة بالمصلين مملوءة بالذاكرين والتالين، الذين سهروا ليلهم بالركوع والسجود، ورفعوا أكفهم بالتضرع للملك المعبود، يرجون فضله وإحسانه، ويؤملون مغفرته ورضوانه، فلا تعرضوا-عباد الله-عن ذكره بعد أن أقبلتم عليه، ولا يكن حظكم من العيد اللهو والغفلة والإعراض عن طاعة مولاكم، بل قابلوا نعمه سبحانه، بالشكر وحسن الثناء عليه، وسؤاله المغفرة والقبول والثبات، فما أجمل المداومة على الطاعة! فاجعلوا الاستقامة شعاركم، ومرضاة الله غايتكم، يفتح لكم أبواب رحمته، فإن رحمة الله قريب من المحسنين، واستقيموا كما أمرتم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
إلا وإن من متابعة الإحسان بعد رمضان صيام ستة أيام من شوال، ندبكم إلى ذلك نبيكم r فقال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر». [رواه مسلم]. وهي مستحبةٌ وغيرُ واجبةٍ، ويصحُّ صَومُهَا متفرقةً في أوَّل الشهر ووسطه وآخره، والأَولى المبادرةُ بالقضاءِ قبلَ صيام الست؛ ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾.
أخي المسلم: لقد كنت في شهر رمضان صوامًا بالنهار، قوامًا بالليل، لسانك رطب بالذكر وتلاوة القرآن، وجوارحك ناصبةً في عبادة الملك الديان، أتراك بعد ما صرت من حزب الرحمن تنقلب على عقبيك فتصير من حزب الشيطان؟! أتراك بعد ما كنت في عداد المصلين تترك الصلاة وهي عماد الدين؟! فالصلاة صلة بين العبد وبين ربه، فحافظ عليها، وخذ حظك من نوافلها، تكن من الفائزين.
وافرحوا بعيدكم، وأظهروا الفرح بلا أشر ولا بطر، وأحسنوا لوالديكم، وصلوا أرحامكم، وأفشوا السلام، وأطعموا الطعام، بلا إسراف ولا تبذير: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، وبعد فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على أعمالكم وكنوزكم التي ادخرتموها لآخرتكم، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾، فلا تُبطلوا صيامَكم وقيامَكم، ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾، نسأل الله حسن الحال والمآل، وحسن الخاتمة والعاقبة.
ألا وصلوا وسلموا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في قوله عز من قائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اكتب صيامنا وقيامنا في عداد الصائمين والقائمين، وأعد علينا رمضان أعواماً عديدة وأزمنة مديدة، واجعلنا من عتقائك من النار يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووَفِّق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بناصيتهما للبر والتقوى. اللهم انصر جنودنا المرابطين، وردهم سالمين ظافرين.