خطبة ( قصة قوم يونس ورفع العذاب عنهم وأخذ العبرة منهم)

خالد الشايع
1441/10/23 - 2020/06/15 20:54PM

الخطبة الأولى ( قصة قوم يونس عليه السلام)   27/10م1441

أما بعد فيا أيها الناس : إن الله سبحانه حليم على خلقه ، يعصونه فيمهلهم ، ويرفق بهم لعلهم يرجعون ، وهو سبحانه أرحم بهم من أمهاتهم ، ينزل عليهم الخيرات ، ويدفع عنهم النقم ، وهم على معاصيهم ، يعلم جهلهم ، فيغفر لهم زللهم ، وييسر لهم أسباب التوبة والرجوع إليه ، حتى إذا طال عليهم الأمد وخشي عليهم من الإعراض الكلي عن الدين ، أرسل لهم نذرا توقظ الغافل ، كمرض خاص أو بلاء عام ، أو نقص في الرزق ، أو تعثر في المعيشة ، أو مصيبة في الأنفس ، لعلهم يرجعون ، قال سبحانه ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ) ، لكن متى ما أعرض العبد بالكلية ولم تنفع معه النذر ، أنزل الله عليه عقوبته ورجزه ، ولنا في القرآن عبرة ، حيث قص الله علينا القصص المشابهة لذلك ، لكي يزدجر العبد عند سماع ذلك .

كان من أنبياء الله نبي كريم اسمه يونس بن متى عليه السلام ، حكى الله لنا قصته في القرآن في أكثر من سورة ، وسمى سورة كاملة باسمه لبيان فضله وشرفه ، قال الله تعالى :{ فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98) } وذلك أن يونس بن مَتَّى، عليه السلام، بعثه الله إلى أهل قرية "نينوى" ، وهي قرية من أرض الموصل، من أرض العراق ، فدعاهم إلى الله، فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم، فخرج من بين أظهرهم مغاضبا لهم، ودعا عليهم ، وأخبره الله أنه سيهلكهم انتصارا له ، فوعدهم بالعذاب بعد ثلاث. فلما تحققوا منه ذلك، وعلموا أن النبي لا يكذب، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم، وفرقوا بين الأمهات وأولادها، ثم تضرعوا إلى الله عز وجل، وجأروا إليه، ورغت الإبل وفُضْلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحُمْلانها، فرفع الله عنهم العذاب، وأما يونس عليه السلام، فإنه ذهب فركب مع قوم في سفينة فَلَجَّجت بهم، وخافوا أن يغرقوا فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس، فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوا القرعة فوقعت عليه أيضًا، فأبوا، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا، قال الله تعالى: { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ } [ الصافات:141]، أي: وقعت عليه القرعة ، فقام يونس، عليه السلام، وتجرد من ثيابه، ثم ألقى نفسه في البحر، وقد أرسل الله سبحانه وتعالى، من البحر الأخضر -فيما قاله ابن مسعود-حوتًا يشق البحار، حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة، فأوحى الله إلى ذلك الحوت ألا تأكل له لحمًا، ولا تهشم له عظما؛ فإن يونس ليس لك رزقا، وإنما بطنك له يكون سجنًا. ولقب يونس بذي النون نسبة للحوت الذي التقمه .

ثم أمر الله الحوت أن يلقيه على الساحل ، كما قال تعالى ( فنبذناه بالعراء وهو مذموم )

ثم إن يونس بقي على الساحل حتى نبت جلده كما كان ، بعد أن أنبت الله عليه شجرة من يقطين وهو القرع ، وسخر له ماشية تدر عليه ، فلما صح أرسله الله إلى قوم يصل عددهم فوق المائة ألف ، فآمنوا كلهم ، فقيل هم قومه وقيل غيرهم .

عباد الله : كم تحوي هذه القصة من العبر ، نمر عليها بإذن الله في الخطبة الثانية ، اللهم ارزقنا حسن الإنابة إليك يارب العالمين ، أقول قولي هذا ..........

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : ذكرنا قصة يونس بن متى عليه السلام مع قومه في الخطبة الأولى ، ونمر سريعا على بعض مافيها من الفوائد والحكم :

فمنها : فضل التوبة والرجوع إلى الله ، وأنها تدفع العقوبة وترفعها ، فهؤلاء قوم يونس كذبوا رسولهم وعصوه وتحدوه حتى دعا عليهم ، واستجيبت دعوته فيهم ، وتوعدهم العذاب بعد ثلاثة أيام ، فلما صدقوا التوبة إلى الله رفع عنهم العقوبة برحمته لهم ( مايفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ، وكان الله شاكرا عليما)

وهذا يونس عليه السلام لما ذهب غضبانَ ، كيف تستجاب دعوته على قومه ، ويحصل له النصر عليهم ، ثم يعفى عنهم ، فهرب ظانا أن الله لن يقدر عليه ، يعني يضيق عليه الحياة ليعود ، فابتلاه الله أن ألقي في البحر والتقمه الحوت ، ولكن الله رحمه لسابق عبادته وشكره لربه (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون)

ومن فوائد هذه القصة العظيمة ، فضل العفو ، ومحبة الله له ، كيف تغيرت الأقدار برحمة الله ، فرفع عنهم العذاب لما صدقوا التوبة ، وقد كان العذاب على وشك النزول ، ولهذا جاء في الحديث إن رحمة الله تغلب غضبه .

ومنها فضل يونس عليه السلام ، كيف أنجاه الله من الموت ، وأخرجه من ظلمات بطن الحوت ، وكيف استجاب الله دعاءه ، كما قال سبحانه ( فنادى في الظلمات )

وفيه فضل التوحيد ، فإن يونس عليه السلام سأل الله بتوحيده (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) وقد أخرج أحمد في مسنده من حديث سعد بن وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت : (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له).

معاشر المسلمين : إن مانزل بالكرة الأرضية جمعاء ، إنما هو عقوبة على الخلق ، فالواجب الرجوع إلى الله والتوبة إليه ، حتى يرفع الله عنا العقوبة ، كما رفعها عن قوم يونس وغيرهم ممن تابوا إلى الله .

فوجب على كل مكلف مذنب ، وكلنا ذاك المذنب ، أن يراجع نفسه فيتوب وينخلع من ذنوبه وسيئاته ، لنرجع لأنفسنا فلنحاسبها ، ولنأمر بالمعروف ولننه عن المنكر ، حتى تزول الغمة ، فوالله لن يرفعها كمامات ومعقمات وتباعد ، مالم نقرن ذلك بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى

معاشر المؤمنين : لنتفقد علاقاتنا بربنا ، ولنجدد التوبة كل حين ، ولنستعد ليوم الرحيل ، فطوبى لعبد لم تغره الدنيا ، مسارع في الخيرات ينتظر أجله .

اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء ....

المشاهدات 2986 | التعليقات 1

ما شاء الله تبارك الله  .... خطبة رائعة