خطبة : قراءة في نسب الطلاق وارتفاعها حسب تصريح وزارة العدل
متدرب متدرب
1438/04/08 - 2017/01/06 12:44PM
الْحَمْدُ للهِ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَحَلَّ الْحَلَالَ وَحَرَّمَ الْحَرَامَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، غَافِرُ الذَّنْبِ وَمُقِيلُ الْعَثْرَاتِ، وَأَشْهُدَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَتَمَسَّكَ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّين. ، أما بعد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
أيها الناس .. رجل فرح بمولد ابنته ، ورباها ورعاها ، وترعرت بين يديه ، يحيطيها بكل الحب والحنان ، ثم لما بلغت مبلغ النساء ، توافد الخطاب زرافات لبابها ، فاختار منهم واحدا ، ثم أقام حفل زواج صاخب ، ومضت الزوجة ليت زوجها ، وماهي إلا أيام ، وعادت البنت إلى بيت لأبيها .. أنت طالق .. رصاصة أطلقت فهدمت عش الزوجية .. وهدمت أحلاما وآمالا ..
أيها الإخوة: لقد كثرت حالات الطلاق في مجتمعنا كثرة توحي بخطرٍ يُهددُ كيان الأسرة ويورث تشرذمها؛ فقد هالني ما ذكره المتحدث الرسمي لوزارة العدل في بلادنا من أن عدد قضايا الطلاق في العام المنصرم بلغت أكثر من 40 ألف حالة طلاق، في حين تم توثيق أكثر من 133 ألف عقدَ نكاحٍ في العامِ نفسِه، لزواج سعدي بسعودية ، وعليه تكون نسبة الطلاق 30%، أي بمعدل خمس حالات طلاق في الساعة الواحدة بالليل والنهار.. أما منطقتنا منطقة القصيم فقد كان نصيب من هذه الإحصائية 7035 عقد نكاح ويقابله 2346 حالة طلاق، أي ما يزيد على 33% من العقود، أي حوالي سبع حالات طلاق في اليوم في منطقة القصيم. أي أنه من كل ثلاث حالات زواج ، تنهي أحدها بالطلاق
أيها الإخوة: إن هذه الأرقام والنسب الكبيرة من الطلاق أو الرغبة في فسخ عقد النكاح مخيفة، ومنذرة بخطر كبير في مجتمعنا، نحن لا نطلب المستحيل ونقول يجب أن ينجح ويستمر كل زواج ، فلم يكن ذلك في العصور المفضلة.. لكن يجب علينا أن ندقَ ناقوسَ الخطرِ ونشعرَ بالمشكلةِ بعد اطلاعنا على هذه الأعداد والنسب المخيفة، وعلينا أن نتلمس أسباب هذه المشكلة وأن نعالجها.. ويجب أن يهب المجتمع بكل مؤسساته وأفراده للعلاج كل فيما يخصه، وسأذكر بعضَ الأسباب أولها: سوء اختيار الزوجين أحدهما للآخر. إذ قد يقدم أحدهما على الزواج وهو لا يعرف عن شريكه شيئاً لا في الدين ولا في الخلق، فإذا تكشفت الأحوال بعد الزواج أراد التخلص من قرينه الذي لا يناسبه.. ولذلك شرع الله التحري قبل الإقدام على الزواج.. وشرع الله الرؤية للخاطب ليرى المخطوبة من غير خلوة ، ليكون هذا أحرى لنجاح الزواج
ومن أسباب الطلاق: ضعف علم الزوجين بالحكمة من الزواج، وما يترتب على عقده الذي سماه الله تعالى "بالميثاق الغليظ" من الحقوق والواجبات، وعلاجُ ذلك أن يتعلم كل واحد من الزوجين واجباتِه وحقوقَه على الآخر..
وعلى الجمعيات الأهلية وجهات الدعوة والتوعية والخطباء في كل بلد أن يعقدوا الدورات والندوات للمقبلين والمقبلات على الزواج، بل حتى للمتزوجين ؛ فالمجتمع بأمس الحاجة لذلك، وعلى أهل العلم بذل العلم بذلك بكل وسيلة متاحة.. وعلى أهل المال بذل أموالهم للصرف على هذه المناشط العلمية ففيها من الخير ما لا حد له.. وفي الإنفاقِ على هذه المناشط خير كثير، بل لو أوقفت عليها أوقافٌ خاصةٌ لكانَ من خير سبل الأوقاف.. وليبشر ذلك المتصدق والموقف بالأجر العظيم المترتب على قيام أسرة سعيدة في المجتمع، وما يترتب على قيامها من الخير والصلاح والذرية الصالحة التي تبني المجتمع ثم الأمة..
ومن أسبابه أيضاً: اندفاع بعض الرجال إلى التعدد وهو لا يستطيع العدل، وبعد زواجه الثاني قد يطلق الأولى لاستحواذ الثانية عليه، أو يطلق الثانية لعدم صبره على أذى الأولى له، أو لرحمته بها، أو لضغط أولاده عليه... فمن لم يعلم من نفسه القدرة على التعامل مع زوجتين، وما في التعدد من مشكلات فعليه أن يصبر على زوجه فإنه خير له وللزوجات.
ومن أسباب الطلاق أيضاً: سوء العشرة بين الزوجين وعدم قيام أحدهما بما أوجب الله عليه للآخر، فقد أمر الله بحسن العشرة فقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، وقال: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) ، وعلى الزوجين أن يتعلما واجبات وحقوق أحدهما على الآخر، وطرق المعاشرة الحسنة قبل الزواج، فإن في ذلك سد لبابٍ كبيرٍ من الخلاف بإذن الله تعالى.
ومن أسباب الطلاق أيضاً: اختلاف الزوجين بسبب ما تأخذه المرأة من راتب على عملها، فمن الرجال من يكون طماعاً أشراً، يضيق على المرأة، ويطالبها بمالها، ويهددها بمنعها من العمل، أو الطلاق، حتى وإن كان عملها مشروطاً عليه "بالميثاق الغليظ" وينسى قَولَ المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ" وفي رواية: "الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا, أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا". وينسى قَولَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ أَحَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يُوفَى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ". رواه البخاري ومسلم. وربما منع النفقة عن زوجته لأنها غنية بما تكسب من عملها... ومن النساء من تكون بخيلة بمالها؛ مانعة له عن زوجها، ويراها تبذر المال فيما يحل ويحرم دون أن يصيبه منه شيء، وتبخل عليه بالنقير والقطمير..
فكم من بيت تقوض بسبب تكالب الزوجين على الدنيا والأثرة.! والواجب على الرجال أن يستغنوا بما أعطاهم الله كما قال سبحانه: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق:7] وعليهم ألا ينظروا إلى ما في أيدي النساء، وإن أخذوا منهن شيئاً على سبيل القرض، أو الشركة، فعليهم كتابة ذلك وحفظه وإحصائه فالقليل إلى القليل يصبح كثيراً مع السنين.
وعلى المرأة أن تكون كريمة في مالها، ولا يكن المال أحبَ إليها من عشرتها الحسنة مع زوجها، وسبباً للخصومة.. وربما يؤدي إلى الفراق فتتقوض الأسرة ويتشرد الأولاد.. وليكن حال الجميع التعفف عما في يد الآخر والكرم بما يملك.. فمتى صارت الأمور كذلك صلحت الحال، وعاش الزوجان وذريتهما بعيشة هنية رضية (ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق:2،3]..
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم..
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ القَوِيُّ الْمَتِينُ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ . أَمَّا بَعْدُ : فاتقوا يا عباد الله الله حق التقوى ، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى ، واعلموا أنَّ أجسادنا على النار لا تقوى.
وبعد أحبتي: الحياة الزوجية المبنية على الاختيار السليم والتعامل الكريم الموافق للأصول الشرعية.. حياة رضية هنية، تتجلى فيها حكمة الله تعالى فقد جعلها آيةً من آياته الدالةِ عليه، وقدمها على آياته في خلق السموات والأرض وغيرها من الآيات العظام التي نظنها أكبر من آية الزواج وذلك لعظمها ودقة فضله فيها. فهو القائل (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ،
أيها الإخوة: ليست الأسباب التي ذكرناها هي كل أسباب الطلاق، فهناك أسباب أخرى كثيرة لكن بعد التأمل وجدت أن كل سبب يدخل في هذه، أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا لكل خير ويصلح أحوال الأسر وأن ينزل عليهم السكينة والمحبة والوئام.. وأما الطلاق ففقهه كثير يحتاج لبيان مفصل في الخطبة القادمة بحول الله تعالى مالم يجد أمر جديد .
أيها الإخوة: "الميثاق الغليظ" ، هو عقد الزواج سماه الله الميثاق الغليظ ، فهو عقدٌ قد أوجب الله سبحانه احترامَه والقيامَ بمقتضياته، بل جعلَ اللهُ هذا الميثاقَ الغليظ يُحتمُ عليك أن تتحملَ بالمعروف تَعَثُر العشرةُ، وتعامل الزوجة بالإحسان، وإن تعذرت، فقد جعل الله لكل من الزوجين مخرجاً وهو الطلاق الذي قال الله تعالى عنه: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) [النساء:130] (مِنْ سَعَتِهِ) أي: من فضله وإحسانه الواسع الشامل.. فيغني الزوج بزوجة خيرٍ له منها، ويغنيها من فضله وإن انقطع نصيبها من زوجها، فإن رزقها على المتكفل بأرزاق جميع الخلق، القائم بمصالحهم، ولعل الله أن يرزقها زوجاً خيرا منه.. (وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا) أي: كثير الفضل واسع الرحمة، وصلت رحمته وإحسانه إلى حيث وصل إليه علمه.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله سيد الأولين والآخرين، وأفضل الخلق أجمعين، استجابةً لأمر ربكم إذ أمركم فقال قولا كريماً (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) . اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله واصحابه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ , اللهم انصر جنودنا اللمرابطين في الحد الجنوبي وثبتهم في جهادهم لنصرة الدين وحماية البلد الأمين ، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه ياحي يا قيوم. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
أيها الناس .. رجل فرح بمولد ابنته ، ورباها ورعاها ، وترعرت بين يديه ، يحيطيها بكل الحب والحنان ، ثم لما بلغت مبلغ النساء ، توافد الخطاب زرافات لبابها ، فاختار منهم واحدا ، ثم أقام حفل زواج صاخب ، ومضت الزوجة ليت زوجها ، وماهي إلا أيام ، وعادت البنت إلى بيت لأبيها .. أنت طالق .. رصاصة أطلقت فهدمت عش الزوجية .. وهدمت أحلاما وآمالا ..
أيها الإخوة: لقد كثرت حالات الطلاق في مجتمعنا كثرة توحي بخطرٍ يُهددُ كيان الأسرة ويورث تشرذمها؛ فقد هالني ما ذكره المتحدث الرسمي لوزارة العدل في بلادنا من أن عدد قضايا الطلاق في العام المنصرم بلغت أكثر من 40 ألف حالة طلاق، في حين تم توثيق أكثر من 133 ألف عقدَ نكاحٍ في العامِ نفسِه، لزواج سعدي بسعودية ، وعليه تكون نسبة الطلاق 30%، أي بمعدل خمس حالات طلاق في الساعة الواحدة بالليل والنهار.. أما منطقتنا منطقة القصيم فقد كان نصيب من هذه الإحصائية 7035 عقد نكاح ويقابله 2346 حالة طلاق، أي ما يزيد على 33% من العقود، أي حوالي سبع حالات طلاق في اليوم في منطقة القصيم. أي أنه من كل ثلاث حالات زواج ، تنهي أحدها بالطلاق
أيها الإخوة: إن هذه الأرقام والنسب الكبيرة من الطلاق أو الرغبة في فسخ عقد النكاح مخيفة، ومنذرة بخطر كبير في مجتمعنا، نحن لا نطلب المستحيل ونقول يجب أن ينجح ويستمر كل زواج ، فلم يكن ذلك في العصور المفضلة.. لكن يجب علينا أن ندقَ ناقوسَ الخطرِ ونشعرَ بالمشكلةِ بعد اطلاعنا على هذه الأعداد والنسب المخيفة، وعلينا أن نتلمس أسباب هذه المشكلة وأن نعالجها.. ويجب أن يهب المجتمع بكل مؤسساته وأفراده للعلاج كل فيما يخصه، وسأذكر بعضَ الأسباب أولها: سوء اختيار الزوجين أحدهما للآخر. إذ قد يقدم أحدهما على الزواج وهو لا يعرف عن شريكه شيئاً لا في الدين ولا في الخلق، فإذا تكشفت الأحوال بعد الزواج أراد التخلص من قرينه الذي لا يناسبه.. ولذلك شرع الله التحري قبل الإقدام على الزواج.. وشرع الله الرؤية للخاطب ليرى المخطوبة من غير خلوة ، ليكون هذا أحرى لنجاح الزواج
ومن أسباب الطلاق: ضعف علم الزوجين بالحكمة من الزواج، وما يترتب على عقده الذي سماه الله تعالى "بالميثاق الغليظ" من الحقوق والواجبات، وعلاجُ ذلك أن يتعلم كل واحد من الزوجين واجباتِه وحقوقَه على الآخر..
وعلى الجمعيات الأهلية وجهات الدعوة والتوعية والخطباء في كل بلد أن يعقدوا الدورات والندوات للمقبلين والمقبلات على الزواج، بل حتى للمتزوجين ؛ فالمجتمع بأمس الحاجة لذلك، وعلى أهل العلم بذل العلم بذلك بكل وسيلة متاحة.. وعلى أهل المال بذل أموالهم للصرف على هذه المناشط العلمية ففيها من الخير ما لا حد له.. وفي الإنفاقِ على هذه المناشط خير كثير، بل لو أوقفت عليها أوقافٌ خاصةٌ لكانَ من خير سبل الأوقاف.. وليبشر ذلك المتصدق والموقف بالأجر العظيم المترتب على قيام أسرة سعيدة في المجتمع، وما يترتب على قيامها من الخير والصلاح والذرية الصالحة التي تبني المجتمع ثم الأمة..
ومن أسبابه أيضاً: اندفاع بعض الرجال إلى التعدد وهو لا يستطيع العدل، وبعد زواجه الثاني قد يطلق الأولى لاستحواذ الثانية عليه، أو يطلق الثانية لعدم صبره على أذى الأولى له، أو لرحمته بها، أو لضغط أولاده عليه... فمن لم يعلم من نفسه القدرة على التعامل مع زوجتين، وما في التعدد من مشكلات فعليه أن يصبر على زوجه فإنه خير له وللزوجات.
ومن أسباب الطلاق أيضاً: سوء العشرة بين الزوجين وعدم قيام أحدهما بما أوجب الله عليه للآخر، فقد أمر الله بحسن العشرة فقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، وقال: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) ، وعلى الزوجين أن يتعلما واجبات وحقوق أحدهما على الآخر، وطرق المعاشرة الحسنة قبل الزواج، فإن في ذلك سد لبابٍ كبيرٍ من الخلاف بإذن الله تعالى.
ومن أسباب الطلاق أيضاً: اختلاف الزوجين بسبب ما تأخذه المرأة من راتب على عملها، فمن الرجال من يكون طماعاً أشراً، يضيق على المرأة، ويطالبها بمالها، ويهددها بمنعها من العمل، أو الطلاق، حتى وإن كان عملها مشروطاً عليه "بالميثاق الغليظ" وينسى قَولَ المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ" وفي رواية: "الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا, أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا". وينسى قَولَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ أَحَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يُوفَى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ". رواه البخاري ومسلم. وربما منع النفقة عن زوجته لأنها غنية بما تكسب من عملها... ومن النساء من تكون بخيلة بمالها؛ مانعة له عن زوجها، ويراها تبذر المال فيما يحل ويحرم دون أن يصيبه منه شيء، وتبخل عليه بالنقير والقطمير..
فكم من بيت تقوض بسبب تكالب الزوجين على الدنيا والأثرة.! والواجب على الرجال أن يستغنوا بما أعطاهم الله كما قال سبحانه: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق:7] وعليهم ألا ينظروا إلى ما في أيدي النساء، وإن أخذوا منهن شيئاً على سبيل القرض، أو الشركة، فعليهم كتابة ذلك وحفظه وإحصائه فالقليل إلى القليل يصبح كثيراً مع السنين.
وعلى المرأة أن تكون كريمة في مالها، ولا يكن المال أحبَ إليها من عشرتها الحسنة مع زوجها، وسبباً للخصومة.. وربما يؤدي إلى الفراق فتتقوض الأسرة ويتشرد الأولاد.. وليكن حال الجميع التعفف عما في يد الآخر والكرم بما يملك.. فمتى صارت الأمور كذلك صلحت الحال، وعاش الزوجان وذريتهما بعيشة هنية رضية (ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق:2،3]..
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم..
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ القَوِيُّ الْمَتِينُ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ . أَمَّا بَعْدُ : فاتقوا يا عباد الله الله حق التقوى ، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى ، واعلموا أنَّ أجسادنا على النار لا تقوى.
وبعد أحبتي: الحياة الزوجية المبنية على الاختيار السليم والتعامل الكريم الموافق للأصول الشرعية.. حياة رضية هنية، تتجلى فيها حكمة الله تعالى فقد جعلها آيةً من آياته الدالةِ عليه، وقدمها على آياته في خلق السموات والأرض وغيرها من الآيات العظام التي نظنها أكبر من آية الزواج وذلك لعظمها ودقة فضله فيها. فهو القائل (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ،
أيها الإخوة: ليست الأسباب التي ذكرناها هي كل أسباب الطلاق، فهناك أسباب أخرى كثيرة لكن بعد التأمل وجدت أن كل سبب يدخل في هذه، أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا لكل خير ويصلح أحوال الأسر وأن ينزل عليهم السكينة والمحبة والوئام.. وأما الطلاق ففقهه كثير يحتاج لبيان مفصل في الخطبة القادمة بحول الله تعالى مالم يجد أمر جديد .
أيها الإخوة: "الميثاق الغليظ" ، هو عقد الزواج سماه الله الميثاق الغليظ ، فهو عقدٌ قد أوجب الله سبحانه احترامَه والقيامَ بمقتضياته، بل جعلَ اللهُ هذا الميثاقَ الغليظ يُحتمُ عليك أن تتحملَ بالمعروف تَعَثُر العشرةُ، وتعامل الزوجة بالإحسان، وإن تعذرت، فقد جعل الله لكل من الزوجين مخرجاً وهو الطلاق الذي قال الله تعالى عنه: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) [النساء:130] (مِنْ سَعَتِهِ) أي: من فضله وإحسانه الواسع الشامل.. فيغني الزوج بزوجة خيرٍ له منها، ويغنيها من فضله وإن انقطع نصيبها من زوجها، فإن رزقها على المتكفل بأرزاق جميع الخلق، القائم بمصالحهم، ولعل الله أن يرزقها زوجاً خيرا منه.. (وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا) أي: كثير الفضل واسع الرحمة، وصلت رحمته وإحسانه إلى حيث وصل إليه علمه.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله سيد الأولين والآخرين، وأفضل الخلق أجمعين، استجابةً لأمر ربكم إذ أمركم فقال قولا كريماً (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) . اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله واصحابه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ , اللهم انصر جنودنا اللمرابطين في الحد الجنوبي وثبتهم في جهادهم لنصرة الدين وحماية البلد الأمين ، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه ياحي يا قيوم. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}