خطبة: قدوة الطلاب والمتعلمين (تناسب بداية العام الدراسي)

سامي بن محمد العمر
1443/01/15 - 2021/08/23 21:21PM
قدوة الطلاب والمتعلمين   أما بعد: الرسولُ الكريم، ذو القوةِ، المكينُ - عند ربِّ العالمين -، المطاعُ الأمين، روحُ القدس؛ جبريلُ عليه السلام: هو قدوةُ المتعلمين، وأُسوةُ الطلابِ والدَّارِسين، حينَ جاءَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُعلِّمًا بصفةِ المُتعَلِّم، ومُبلِّغًا بصفةِ الطالبِ المؤدَّبِ، فأفادَ الأمةَ من رسولِ اللهِ عِلمًا وخبرًا، وأفادَ المُتعلمينَ والطلابَ خُلُقًا وأَدَبًا. عَنْ أمير المؤمنين أبي حفصٍ عُمَرَ بنِ الخطابِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَاب شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ...الحديث. عباد الله: أرأيتُم هذهِ القِطعةَ القليلةَ الكلماتِ مِن هذا الحديثِ الشريفِ المشهورِ؛ كيفَ احتوتْ على آدابٍ عظيمةٍ وخصالٍ شريفةِ؛ حَقٌّ على كلِّ طالبٍ أن يَتحلَّى بها، ويَتجمَّلَ بفعلِها، ويُبادِرَ لامتثالِهَا. فلئِنْ كانَ كلُّ معلمٍ مُطالَبًا بأن يكونَ قريبًا من طلابِه، بارزًا في فصْلِهِم، مُشاركًا لهم في هُمُومهِم وآمالِهِم، قد أحبَّهُم وأحبُّوه، وتواضعَ لهم فَجَالسُوه، اقتداءً بالنبيِّ الكريمِ صلى الله عليه وسلم حيثُ يقولُ عمرُ رضي الله عنه واصفًا بَساطَةَ الحالِ وروعةَ القربِ والمودةِ بينَ الطلابِ ومُعلِّمِهم:  (بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ).. لئنْ كانَ المعلمُ مُطالبًا بمثلِ ذلك... فإنَّ الطالبَ أيضًا مطالبٌ بآدابٍ عظيمةٍ تمثلتْ في ذاكَ الطالعِ على الصحابةِ وهم جلوسٌ بين يدي معلمِ الدنيا وإمامِ المرسلين؛ لعلَّ أبرزها: 1- أن يكونَ الطالبُ - في كلِّ يومٍ - ذا مظهرٍ جميلٍ، وطلَّةٍ بهيَّةٍ، نظيفَ الثوبِ، مُرتَّبَ الشعرِ؛ حسنَ الهيئةِ، وتلكَ ترجمةٌ لقولِ عمرَ رضي الله عنه: (إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَاب شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ). فمجالسُ العلمِ ومدارسُ المعرفةِ والأخلاقِ، ينبغي أن تُوقَّرَ كما يُوقرُ غيرُها.. وفي الحديثِ يقولُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ البَيَاضَ؛ فَإنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ))([1]) وقال أيضًا: ((منْ كانَ لهُ شعر ٌفليُكْرِمْه))([2]). وقد قالَ العلماءُ: "ويُكرهُ لطالبِ العلمِ أن يلبَسَ الثوبَ الخَلِقَ وهو يقدِرُ على الجديد"([3]). ولا شكَّ أنَّ حُسنَ الأدبِ في الظاهرِ عنوانُ حُسنِ الأدبِ في الباطنِ، وتلكَ مكارمُ يهدي اللهُ إليها من يشاءُ. 2- والثاني من آدابِ الطالبِ مأخوذٌ من قولِ عُمرَ رضي الله عنه: (ولا يعرِفُه منَّا أحدٌ): بأن يُقوِّي الطالبُ علاقتَه بزملائِه المُتعلمين، ويتآخَى معهم على اختلافَ أجناسِهم وألوانِهم وبلدانِهم وطبقاتِهم، وتلكَ من حِكمِ اللهِ العظيمةِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] 3- وثالثُ تلكَ الآدابِ: في قولِه رضي الله عنه: (حتى جلسَ إلى النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ فأسنَدَ رُكبتَيهِ - أي: جبريلُ عليه السلامُ - إلى رُكبتَيهِ - أي: ركُبتَي النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ -) وهو الحرصُ على القُربِ من المُعلّمِ ليحصُلَ الاستماعُ والانتفاعُ، كما يحصلُ إسماعُ المُعلّمِ سؤالَ الطالبِ عمَّا أشكلَ عليه بلا رُعونةٍ أو رفعِ صوتٍ، وذاكَ دالٌ على الاهتمامِ بالعِلمِ والحرصِ عليه.   بارك الله لي ولكم..         الخطبة الثانية:  أما بعد: 4- ورابعُ آدابِ الطالبِ تُؤخذُ من قولِ جبريلَ عليه السلامُ: (يا محمدُ: أخبرني عن الإسلام؟): حيثُ يُعِدُّ الطالبُ لكلِّ درسٍ سُؤالَه ليعرِضهُ على المعلمِ بلُطفٍ واحترامٍ؛ ولقد أجمعَ العقلاءُ على أنَّ العِلمَ لا ينالُه المُستحِي ولا المُتكبرُ؛ وإنما ينالُه ذو القلبِ العَقولِ واللِّسانِ السَّؤولِ. وتلكَ الأسئلةُ التي يعرِضُها الطلابُ أثناءَ الدرسِ أَمارةُ اهتمامِهم وتحضيرِهم، وعلامةٌ بارزةٌ للطالبِ الذكيِّ، والتلميذِ النَّابِه. هذهِ بعضُ الآدابِ التي تمثّلَها قدوةُ المتعلمينَ بين يديْ سيّدِ المرسلين، وإنَّنا في هذهِ الأزمانِ لأحوجُ إلى قليلٍ من الآدابِ والأخلاقِ من الطلابِ والمعلمينِ بدلَ كثيرٍ من العُلومِ التي تصيرُ هباءً منثورًا.. ولقد ركِبَ زيدُ بنُ ثابتٍ رضي الله عنه مرةً دابَّته، فجاءَ ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنه فأخذَ برِكابِه، فقال زيدٌ: تَنَحَّ يا بنَ عمِّ رسولِ الله. فقال ابنُ عباسٍ: هكذا أُمرِنا أن نفعلَ بعُلمائِنا وكُبرائِنا([4]). فبالأخلاقِ الزكِيةِ، وسلوكِ الطُرقِ الرَّضيةِ تُنالُ المنازلُ العليةُ: فلا تَحْسَبَنَّ العِلْمَ يَنْفَعُ وَحْدَهُ *** مَا لَمْ يُتَوَّجْ رَبُّه بخَلَاقِ   اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت....    

([1]) أخرجه أبو داود رقم (4061) في اللباس، باب في البياض، والترمذي رقم (2811) في الأدب، باب ما جاء في لبس البياض، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
([2]) أخرجه أبو داود (4163) في الترجل، باب في إصلاح الشعر.
([3]) الجامع لأخلاق الراوي (1/ 381).
([4]) المستدرك للحاكم (3/ 423)، سير أعلام النبلاء (2/ 437).
المرفقات

1629753664_قدوة الطلاب والمتعلمين.docx

1629753664_قدوة الطلاب والمتعلمين.pdf

المشاهدات 1174 | التعليقات 0