خطبة في صور الفساد والخيانة وعدم النزاهة وضعف الأمانة
عبدالرحمن اللهيبي
هذه خطبة منقولة مع جمع وتصرف وأظن كثيرا منها للشيخ إبراهيم الحقيل ... أسأل الله أن ينفع بها
الحَمْدُ للهِ العَلِيمِ الحَكِيمِ؛ أَمَرَ بِالعَدْلِ وَالصَّلَاحِ، وَنَهَى عَنِ الظُّلْمِ وَالفَسَادِ، وَأَثْنَى عَلَى الأمناءِ المُصْلِحِينَ، وَذَمَّ الخائنين وَالمُفْسِدِينَ، {وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} ، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى فَضْلِهِ وَعَطَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ ابْتَلَى عِبَادَهُ بِالفَقْرِ وَالغِنَى وبالسيادة وَالشَّرَفِ؛ لِيَمِيزَ الأَمِينَ مِنَ الخَائِنِ، والنزيه من الفاسد، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ حَذَّرَ أُمَّتَهُ مِنَ اسْتِحْلاَلِ الأَمْوَالِ وَسلب الحُقُوقِ، نُصْحًا لِأُمَّتِهِ، وَخَوْفًا عَلَيْهَا، وَرَحْمَةً بِهَا، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ فِي الوظائف والمناصبِ وَالأَعْمَالِ، وفي الأمانات والحقوق والأموال, وَفِي كُلِّ الشُّئُونِ وَالأَحْوَالِ؛ فَإِنَّكُمْ مُحَاسَبُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ ووظائفكم وأماناتكم بِمَثَاقِيلِ الذَّرِّ في خيرها وَشَرِّهَا ، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].
أَيُّهَا المسمون: يَشِيبُ ابْنُ آدَمَ وَقَلْبُهُ لا يزال شَابٌّ عَلَى حُبِّ المَالِ والشرف والسيادة، وَلِأَجْلِ مَا فُطِرَ النَّاسُ عَلَيْهِ مِنْ حُبِّ الدُّنْيَا، وَالرَّغْبَةِ فِي المَالِ، تَضْعُفُ عند الكثير منهم دِيَانَتُهم، وَتَضْمَحِلُّ أَمَانَتُهُمْ، وَيَعْظُمُ حِرْصُهُمْ، فَلاَ يُشْبِعُهُمْ شَيْءٌ، فَيَتَخَوَّضُونُ فِي مَالِ اللهِ تَعَالَى بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيَسْتَحِلُّونَ حُقُوقَ غَيْرِهِمْ، وَيَلِجُونَ أَبْوَابَ الفَسَادِ، وَيَأْتُونَ أَنْوَاعَ الحِيَلِ؛ لزيادة أَمْوَالِهِمْ، وَالإِبْقَاءِ عَلَى مناصبهم.
قَالَ الله عزَّ وجلَّ ـ : " إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهلِهَا "
وَقَالَ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ"
وَاعلموا أن من أبرز صور الفساد والخيانة وعدم النزاهة والأمانة هِيَ: الرِّشْوَةُ وَالاخْتِلَاسُ وَالتَّزْوِيرُ ، ومَنْ قَارَفَ وَاحِدَةً مِنْهَا تَلَطَّخَ بِجَمِيعِهَا غالبا؛ ذَلِكَ أَنَّ الإِثْمَ يَجُرُّ بَعْضُهُ بَعْضا، وَالفَسَادَ يتوغل فِي القُلُوب بتدرج ثم لا يبالي بعدها بما يقع فيه صاحبها من إثم أو حرام.
فَأَمَّا الرِّشْوَةُ: فَإِنَّ الرَّاشِي يَدْفَعُ الرِّشْوَةَ لِلْمُرْتَشِي لِيَمْنَحَهُ مَا لَيْسَ مِنْ حَقِّهِ؛ فَإِنْ مُنِحَ وَظِيفَةً لاَ تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ، أَوْ قُدم على من هو أولى منه، أَوْ نال بالرشوة شَهَادَةً لاَ يَسْتَحِقُّهَا، أَوْ مُنَاقَصَةً لاَ يَفِي بِشُرُوطِهَا، فَهَذِهِ كُلُّهَا فساد وخِيَانَةٌ؛ والرشوة مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ ومن عظائم الأوزار ؛ فَقَدْ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي»، وَمَا نَتَجَ عَنْ الرشوة مِنْ مَالٍ أَوْ هَدَايَا أَوْ نَحْوِهَا فَهُوَ سُحْتٌ يَأْكُلُهُ صَاحِبُهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ: «إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ»؛ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
ومن صور الفساد وعدم النزاهة الاخْتِلاَسُ وهو أن يَخْتَلِسَ المرؤ مما تحت يده من المال العام بأنواع كثيرة من المكر والحيل، إِمَّا بمشاريع وَهْمِيَّةٍ ، أَوْ غير وهمية وَلَكِنَّهَا لاَ تُكَلَّفُ عُشْرَ الأَمْوَالِ المَرْصُودَةِ لِهَا ..
وَاخْتِلاَسُ المَالِ كبيرة من كبائر الذنوب؛ قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ»؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
ومن صور الفساد وعدم النزاهة التَّزْوِيرُ وهو تَغْيِيرُ الحَقِيقَةِ بِقَصْدِ الغِشِّ، وَيَسْرِي فِي الأَوْرَاقِ النَّقْدِيَّةِ، وَالأَوَامِرِ الكِتَابِيَّةِ، وَالمُعَامَلاتِ الرَّسْمِيَّةِ، كَمَا يَكُونُ فِي الشَّهَادَاتِ وَالأَخْتَامِ وَنَحْوِهَا، وَمِنْهُ شَهَادَةُ الزُّورِ الَّتِي تُقْتَطَعُ بِهَا الحُقُوقُ، أَوْ يُعَاقَبُ بِهَا أَبْرِيَاءُ...
والتزوير مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ؛ كَمَا رَوَى أَبُو بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكْبَرُ الكَبَائِرِ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ -ثَلاَثًا- " فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ"؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
عباد الله : إن كل وِلاَيَةٍ أَوْ وَظِيفَةٍ يَتَقَلَّدُهَا المرء فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَمِينًا فِيهَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَائِنًا، وَلاَ مَنْزِلَةَ بَيْنَ الاثْنَتَيْنِ؛ فَإِنْ رَاقَبَ اللهَ تَعَالَى فِيمَا أُسْنِدَ إِلَيْهِ مِنْ عَمَلٍ، وَأَدَّى حُقُوقَهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ مَا لَيْسَ لَهُ، وقام بما يلزمه تجاه الناس من عمل وخدمة فَلَمْ يُحَابِ أَحَدًا لِقَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ أَوْ نُفُوذٍ .. فَهَذَا أَمِينٌ يُؤْجَرُ عَلَى أَمَانَتِهِ وَإِنْ ذَمَّهُ النَّاسُ؛ وإذا قلَّ في الناس أَهْلُ الأَمَانَةِ وساد أَهْلُ الخِيَانَةِ، كثُرُ الفَسَادُ فِي الأُمَّةِ ، وصعب القَضَاءُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ المَنَاصِبِ وَالوَظَائِفِ يَتَدَاوَلُهَا المُفْسِدُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، بَلْ وَيُحَارِبُونَ الأُمَنَاءَ الَّذِينَ لاَ يُشَارِكُونَهُمْ فِي فَسَادِهِمْ، وَهَذَا مِصْدَاقُ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: "...فَيُصْبِحُ النَّاس يَتَبَايَعُونَ، فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ.. فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلًا أَمِينًا "؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : بَينَمَا النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في مَجلِسٍ يُحَدِّثُ القَومَ ، جَاءَهُ أَعرَابِيٌّ فَقَالَ : مَتى السَّاعَةُ ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يُحَدِّثُ ، ... حَتى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ : " أَينَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ ؟
" قَالَ : هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : " فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانتَظِرِ السَّاعَةَ " قَالَ : كَيفَ إِضَاعَتُهَا ؟ قال : " إِذَا وُسِّدَ الأَمرُ إِلى غَيرِ أَهلِهِ فَانتَظِرِ السَّاعَةَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ ـ
وَأَخرَجَ الطَّبرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَوَّلُ مَا تَفقِدُونَ مِن دِينِكُمُ الأَمَانَةُ "
فَالحَذَرَ الحَذَرَ -عِبَادَ اللهِ- مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَلَنَا عِبْرَةٌ وَعِظَةٌ فِي عُظَمَاءَ وَأَغْنِيَاءَ جَمَعُوا مَالاً عَظِيمًا، وَمَلَئُوا الدُّنْيَا ضَجِيجًا، دُفِنُوا حِينَ دُفِنُوا بِأَكْفَانِهِمْ كَمَا يُدْفَنُ الفُقَرَاءُ، وَلَمْ يَأْخُذُوا مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا، وَبَقِيَ عَلَيْهِمْ حِسَابُ مَا جَمَعُوا؛ وتبعة ما أَخذوا..
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ...
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إن للفساد صورا عديدة وبعضها مما يخفى على الكثير من الناس ولا يكاد يسلم منها إلا من سلمه الله وعافاه فمن صور الفساد وعدم النزاهة هَدرُ الوَقتِ العَامِّ وَضَعفُ الالتِزَامِ بِسَاعَاتِ الدَّوَامِ ، وَكَثرَةُ التَغَيُّبِ وَالتَّأَخُّرِ عَنِ العَمَلِ لأَعذَارٍ وَاهِيَةٍ ، وَاختِلاقُ أَسبَابٍ غَيرِ مُقنِعَةٍ لِلتَّهَرُّبِ مِنَ المُحَاسَبَةٍ. وربما انتزع إجازة مرضية وهو لا يستحقها وهذا من التزوير والظلم والكذب والفساد ، وَوَاللهِ لَو عَلِمَ الأَطِبَّاءُ وموظفو المُستَشفَيَاتِ وَالمَراكِزِ الذين يعطون أوراق إجازات لمن لا يستحقها .. كَم يُسرَقُ بسبب ذلك مِن أَوقَاتٍ هِيَ مُلكٌ لِلمُسلِمِينَ، وَكَم يُؤَخَّرُ لِلمُرَاجِعِينَ مِن مُعَامَلاتٍ ، بَل وَكَم يُظلَمُ بها في المَدَارِسِ مِن طُلاَّبٍ وَطَالِبَاتٍ ..
وكل ذلك سَبَبِ تَسَاهُلِهِم في مَنحِ التَّقَارِيرِ المرضية لِمَن لا يَستَحِقُّهَا لَو عَلِمُوا بِذَلِكَ وعلموا أن هذه التقارير المرضية تدخل في شهادة الزور حَقَّ العِلمِ لَمَا تَجَرَّؤُوا أَن يَكُونُوا أَعوَانًا لِلظَّالمِينَ عَلَى ظُلمِهِم ، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الجهل والغَفلَةِ وَضَعفِ الأمانة ورقة الديانة نسأل الله العافية .
وَمِن صور الفَسَادِ احتِجَابُ بَعضِ المُدِيرِينَ أَوِ المُوَظَّفِينَ عَنِ المُرَاجِعِينَ سَاعَاتٍ طَوِيلَةً ، وَإِغلاقُ الأَبوَابِ في وُجُوهِهِم ، بِحُجَّةِ الانشِغَالِ بِاجتِمَاعٍ خَاصٍّ مَعَ مَسؤُولٍ أَكبَرَ ، وَيَحصُلُ بهذا أَن يَطُولَ انتِظَارُ النَّاسِ وَتُؤَخَّرَ مُعَامَلاتُهُم ، دُونَ بَتٍّ فِيهَا أَو تَسيِيرٍ لها .
ومن صور الفساد والخيانة تأخير معاملات المراجعين عنوة وَقَد يَكُونُ السَّبَبُ الحَقِيقِيُّ لهذا التَّأخِيرِ وَالمُمَاطَلَةِ مُسَاوَمَةَ النَّاسِ وَإِلجَاءَهُم لِدَفعِ الرَّشَاوَى لِلإِفرَاجِ عَن مُعَامَلاتِهِم .
وَمِن صور الفَسَادِ وعدم النزاهة استِخدَامُ أَجهِزَةِ الإِدَارَةِ أَوِ المُؤَسَّسَةِ وممتلكاتها من سيارات ونحوها وأدوات وشبهها لإِنجَازِ مَصَالِحِهِ الشَّخصِيَّةِ ، وهذا من الإثم العظيم والجرم الكبير.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَمَا مِنكُمُ اليَومَ أَحَدٌ إِلاَّ وَهُوَ عَلَى ثَغرٍ وَبِيَدِهِ عَمَلٌ ، فَلْيَتَّقِ اللهَ فِيمَا هُوَ مُؤتَمَنٌ عَلَيهِ ، وَلْيُؤَدِّ أَمَانَتَهُ وليقم بواجب مَسؤُولِيَّتِهِ ..
وَحَذَارِ حَذَارِ مِنَ الغُلُولِ بِمُختَلِفِ أَنوَاعِهِ وَأَشكَالِهِ ، وهو الأخذ من المال العام بغير حقه فقد قال رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَاللهِ لا يَأخُذُ أَحَدٌ مِنكُم شَيئًا بِغَيرِ حَقِّهِ إِلاَّ لَقِيَ اللهَ يَحمِلُهُ يَومَ القِيَامَةِ " ثم رَفَعَ يَدَيهِ حَتى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطِيهِ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ هَل بَلَّغتُ ؟ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَنِ استَعمَلنَاهُ مِنكُم عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخيَطًا فَمَا فَوقَهُ ، كَانَ غُلُولاً يَأتي بِهِ يَومَ القِيَامَةِ " أَخرَجَهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَنِ استَعمَلنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقنَاهُ رَزقًا ، فَمَا أَخَذَ بَعدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
فَعَلَى كُلِّ مَنْ وَلاَّهُ اللهُ تَعَالَى وِلاَيَةً صَغُرَتْ أَمْ كَبِرَتْ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ تَعَالَى فِيمَا وَلِيَ، وَأَنْ يُتْقِنَ عَمَلَهُ، وَيَقُومَ بِحَقِّهِ، وَيُؤَدِّيَ أَمَانَتَهُ، وَيَجْتَهِدَ فِي نَفْعِ النَّاسِ مَا اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً، فَلَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ أَوْ جَاهِهِ إِلَى قَبْرِهِ، وَلَنْ يَبْقَى لَهُ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ مَوْتِهِ إِلاَّ ذِكْرُ النَّاسِ وَدُعَاؤُهُمْ؛ فَإِمَّا ذَكَرُوهُ بِخَيْرٍ وَدَعَوْا لَهُ، وَإِمَّا ذَكَرُوهُ بِشَرٍّ وَدَعَوْا عَلَيْهِ، وَالنَّاسُ شُهَدَاءُ اللهِ تَعَالَى فِي الأَرْضِ. وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ.