خطبة : فن التعامل مع الناس 1- النصيحة
حسين عامر
1431/03/09 - 2010/02/23 21:15PM
فن التعامل مع الناس
موضوع فن التعامل مع الناس هام جدا ، تعتني به كل الشعوب في العالم ولدى الغربيين معاهد خاصةٌ يُدرَّسُ فيها ما يسمى بالمهارات الاجتماعية.
كيف يتحدث الإنسان؟
كيف يكسب الثقة بنفسه؟
كيف يكون لبِقاً في الحديث مع الناس؟
والإسلام فيه الكثير من كنوز الآداب ،ومنها آداب التعامل ، وقد أُعطينا القدوة من الأنبياء وخاتمهم رسول الله عليهم جميعا الصلاة والسلام ً.
والمسلم يبحث عن رضا الله ومحبته، وأن تتحقق الخيرية في نفسه ويكون من خير الناس بحسن أخلاقه كما في الحديث "خير الناس أحسنهم خُلُقاً" صححه الألباني
فالمسلم لا يحسن خلقه ليكسب مصلحة ؛ إنما لكسب رضا الله عز وجل .
ونحن كمسلمين نحتاج أن نشهد للإسلام شهادة عملية بعد أن شهدنا الشهادة القولية وخير شهادة عملية هي أن نتحرك وسط الناس بأخلاقنا ؛ فلقد أفلح الكثير من المسلمين في جانب الشعائر التعبدية وسقط سقوطا ذريعا في جانب الأخلاق وعلاقته بالناس .
وحسن الأخلاق يكون مع الناس كلهم كما قال تعالى (وقولوا للناس حسنا )
وأمرنا الله أن نلتزم الحكمة في التعامل مع الناس "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ".
وكما يقول الشيخ القرضاوي إن الله قال بالتي هي أحسن ولم يقل بالتي هي أخشن
وقد وصف الله تعالى رسوله بأنه ليِّن الجانب يقول تعالى:"فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".آل عمران
وقبل أن نتكلم عن فن التعامل مع الناس ينبغي أن نعلم أمرا هاما وهو :اختلاف طباع الناس ،مما يترتب عليه اختلاف التعامل معهم .
فالناس منذ خلقهم الله وهم مختلفي الطبائع والرغبات والميول،وهذه سنة الله في الخلق لتدور عجلة الحياة بهذا التنوع البشري .
روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"
وعن أبي موسى الأشعري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب" صححه الألباني
ويُعلم بداهةً أن معاملة هذه الاختلافات معاملةً واحدةً لا يستقيم، فما يلائم هذا لا يناسب ذاك، وما يحسُنُ مع هذا لا ينفع مع غيره، لذا قيل:(خاطبوا الناس على قدر عقولهم ).
(ويذكر على أنه حديث لكنه من مراسيل سعيد بن المسيب فهو ضعيف )
فكان شأنه صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه وتعليمهم أن يراعي أحوال من يتعامل معهم وينزل الناس منازلهم.
ففي فتح مكة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المنادي أن يعلن في الناس أن من دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن...
ودار أبي سفيان لم يكن لها ما يميزها عن دُور أهل مكة،ودخول هذه الدار أو غيرها سيّان !!!
ومنها توزيعه صلى الله عليه وسلم بعض أموال الغنائم والفيء على أناسٍ دون أناس.
وكذلك تقسيمه الأعمال والمهام على أصحابه كُلٌّ بحسبه، فما أوكل إلى حسان غير ما أوكل إلى معاذ ويصح ذلك مع أبي بكر وعمر و صهيب وخالد وبقية الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
إنها المعرفة بنفسيات الناس وما يطيقون وما يحبون ، ومعرفة الدخول إلى قلوبهم.
كذلك تختلف طريقة التعامل تبعاً لاختلاف العلاقة : الوالد مع ولده، الزوج مع زوجته، الرئيس مع مرؤوسه ، والعكس .
والتعامل يتغير باختلاف الأفهام والعقول ؛ فالرجل الذكي تختلف طريقة التعامل عن آخر محدود العقل.
والإنسان كما هو معلومٌ مكونٌ من عدة أشياء فهو ليس آلةً من الآلات، وإنما هو إنسانٌ بروحه وجسمه وعقله ومشاعره وهو محتاجٌ لتغذية هذه الأمور كلها .
وبعض الناس يخطئون عندما يتعاملون مع الإنسان كآلة ؛ كأصحاب المصانع الذين يتعاملون مع الجسم:
كم ينتج ؟ كم ساعة يعمل ؟
ويهملون جانب العقل وجانب المشاعروالأحاسيس.
إذ يتعاملون مع الإنسان على أنه حيوان منتج كما تقول فلسفة الرأسمالية .
وكثيرٌ من الأزواج يهملون ذلك في التعامل مع زوجاتهم حينما يعاملها على أنها خادمة في البيت ، أو لإفراغ الشهوة وقضاء الوطر !!!ً
وبناء على التعامل يختلف الأثر الناتج عنه بحسب محتوى الكلام، أو طريقة الكلام، أو السلوك المصاحب للكلام.
فقد يقول إنسانٌ كلاماً معيناً تحس منه أن هذا الإنسان يقوله من قلبه، وآخر يقول الكلام نفسه غير أنك تحس أنه يقوله من فمه .
شخصٌ يقول: جزاك الله خيراً.
وثانٍ يقول: الله يجزيك الخير تقديم لفظ الجلالة (الله) المد فيه يوحي بالصدق ويدل عليه
وثالثٌ يقول: جزاك الله خيراً بالضغط على الحرف المشدد وهو حرف اللام في لفظ الجلالة (الله)
فستشعر أن الثاني والثالث يقولان الكلمة من قلبيهما.
لو أن إنسانا يكلمك وهو ينظر إليك فـهو يحترمك ويقدرك؛ فهذا يختلف عن إنسانٍ يكلمك وهو ينظر إلى ورقة أمامه أو إلى مكان آخر، حتى إذا سكت عن الحوار قال لك: تفضل أكمل وهو ينظر إلى الأرض مثلاً، إن هذا غير مهتمٍ بك.
قواعد ثابتة في التعامل:
هناك قواعد ثابتةٌ ومشتركةٌ بين كل شعوب العالم وهي تنطلق من الفطرة يستوي التعامل فيها مع المسلم وغيره .
هناك أمور يحبها الناس وأمور يكرهونها، وتؤثر فيهم سلباً و إيجاباً فمنها:
1ـ الناس يكرهون النصيحة في العلن :
لا يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس، لأن كل الناس يكرهون أن تبرز عيوبهم أمام غيرهم، كل الناس مسلمهم وكافرهم.
ولكن أخذ الفرد ونصحه على انفراد ، مع ابتسامة مرسومة على الوجه أدعى للقبول.
وكما يقول الشيخ الشعراوي: إن الدواء حينما يكون مرا يعبأ داخل كبسولة جيلاتينية لتخف مرارته عند تداوله وكذلك النصيحة ثقيلة مرة على النفس ،فينبغي أن نغلفها بالابتسامة والكلمة الطيبة .
ويعبر الإمام الشافعي رحمه الله عن ذلك بقوله:
تعمدني بنصحك في انفرادي ---- وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوعٌ من ---- التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت قولي ---- فلا تجزع إذا لم تُعط طاعة
ولا ننسى قصة سورة عبس فقد عاتب الله نبيه حينما عبس في وجه ابن أم مكتوم (عبس وتولى، أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى، أما من استغنى، فأنت له تصدى، وما عليك ألا يزكى، وأما من جاءك يسعى، وهو يخشى، فأنت عنه تلهى) ولا يخفى علينا أنه كان أعمى ،أي أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم وهو عابس في وجهه ؛ إنما رآه الله جل وعلا فعاتب نبيه في ذلك تعليما وتنبيها لنا .
وينبغي اعتبارموقع الشخص الذي يقوم بتصحيح الخطأ
فبعض الناس يُتقبّل منهم مالا يُتقبل من غيرهم لأن لهم مكانة أو سلطة ليست لغيرهم ومن أمثلة هذا الأب مع ابنه والمدرّس مع تلميذه .
والإدراك لهذه الفروق يؤدي بالناصح إلى وضع الأمور في نصابها وتقدير الأمور حقّ قدرها فلا يؤدي إنكاره أو تصحيحه إلى منكر أكبر أو خطأ أعظم، ومكانة المُنكِر وهيبته في نفس المخطئ مهمة في تقدير درجة الإنكار وضبط معيار الشدّة واللين.
واختلاف طبائع الناس ومداركهم يترتب عليه ألا نسوّى بين العالم بالحكم والجاهل به في المعاملة والإنكار .
فالجاهل يحتاج إلى تعليم ،وصاحب الشبهة يحتاج إلى بيان، والغافل يحتاج إلى تذكير، والمصرّ يحتاج إلى وعظ، .
بل إن الشدة على الجاهل كثيرا ما تحمله على النفور ورفض الانقياد بخلاف ما لو علّمه أولا بالحكمة واللين لأن الجاهل عند نفسه لا يرى أنه مخطئ فلسان حاله يقول لمن يُنكر عليه: أفلا علمتني قبل أن تهاجمني.
وقصة الأعرابي الذي بال في المسجد معروفة وقد أمر النبي أصحابه أن يتركوه وقال لاتقطعوا عليه بولته )
ومن القصص الواضحة في هذا ما حدث لمعاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه لما جاء إلى المدينة من البادية ولم يكن يدري عن تحريم الكلام في الصلاة قَالَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ(أي أوشكت أن أردّ عليهم لكني تمالكت نفسي ولزمت السكوت) فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَ اللَّهِ مَا كَهَرَنِي (أي زجرني وعبس في وجهي) وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي قَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءةُ الْقُرْآنِ صحيح مسلم
والناس يكرهون أيضا من يؤنب ويوبّخ في غير محل التأنيب ومن غير تأنٍ ودون السؤال والاستفسار، بل من الخطأ أن يتمادى الإنسان في التأنيب بعد أن يعتذر صاحبه أو قبل أن يسمع عذره.
إن اللوم والتأنيب مُرُّ المذاق ثقيلٌ على النفس البشرية فحاول تجنبه حتى تكسب حُبَّ غيرك.
وكذلك بعض الناس يريد أن تكون النتائج فورية فيُحب من الناس أن يغيروا مابهم بمجرد أن ينصحوا يريد أن ينصح في المجلس ويريد أن يستجيب الناس ويغيروا ما بهم في ذلك المجلس فيكون مخطئاً في تقديره وغير فاهم لطبيعة البشر إذ لا بد أن يأخذ الناس فترة كافية للتفكير وفرصة مناسبة للانسحاب وكما قال الله جل وعلا (ما على الرسول إلا البلاغ ) و(لست عليهم بمسيطر ) و (وما أنت عليهم بجبار )
2ـ الناس يكرهون الأسلوب المباشر في الأمر:
الناس كل الناس لا يحبون أن تقال لهم الأوامر مباشرة: افعل كذا، لا تفعل كذا، فطبيعة البشر تأبى ذلك، نعم قد ينفذ الشخص الأمر الموجه، لكن لو قدم له هذا الأمر بطريقة ألطف فإن ذلك أدعى للقبول، حتى ولو كان الأمر من رئيس إلى مرؤوسيه.
والصيغة لها دور: فرقٌ بين أن يقول أحد المسؤولين: أنا أرى أن نفعل كذا وبين أن يأمر بفعل كذا
مثال: زوج يريد أن ينقل طاولة، ويريد من زوجته أن تنقلها معه، فهناك فرق بين أن يقول: ما رأيك لو نقلنا الطاولة هذه إلى مكان كذا، أو أن يقول: انقلي الطاولة إلى مكان كذا، فطريقة السؤال أدعى للقبول، وإن كانت النتيجة قد تتساوى في الحالتين.
والقضية الأخرى هي أن تُشْعِر الإنسان بمحبة الأمر حين تعطيه إياه، وكان ذلك هو دأب الرسول _صلى الله عليه وسلم_ فكان يشوِّق الناس لما سوف يأمرهم به، فلما أراد أن يسيِّر جيشاً، قال: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، فصار كل فرد يتمنى أن يكون ذلك الرجل، وكما نصح _صلى الله عليه وسلم_ أحدَ أصحابه بقوله: "إني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمَّرن على اثنين"
وعن معاذ رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أخذ بيده وقال : (يامعاذ والله إني لأحبك ثم أوصيك يا معاذ : لا تدعن في دبر كل صلاة تقول : اللهم أعني علىذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) رواه أبو داود
انظر أخي إلى عظم أدب النبي صلى الله عليه وسلم و فنّه المبدع ؛ انظر كيف بدأ بعطفه عليه و إمساكه بيده ، ثم قال " و الله إني لأحبك "
وإذا جاء بعض الناس ضيوفاً إلى بيتك، فإن هناك فرقاً بين أن يأمر زوجته أمراً مباشراً بقوله: اطبخي كذا، وبين أن يقول: إن ضيوفاً سوف يأتون إلينا، ونريد أن تبيِّضوا وجوهنا، فتشعر الزوجة عندئذ أن المسألة قضية شخصية، وأن إتقان العمل انعكاس لوضعها في البيت، فيكون ذلك أدعى إلى الإتقان.
3- الناس يكرهون من يركز على السلبيات دون الحسنات:
الناس يكرهون الإنسان الذي ينظر إلى عيوبهم ويترك الحسنات، بل وأحياناً ينساها.
خذ مثلاً علاقة المرأة المسلمة بزوجها ، والتي يمكن أن يعمم مغزاها في كل قضايا التعامل. يقول _صلى الله عليه وسلم_: "لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" رواه مسلم
فما أحد يسلم من العيوب فلا توجد زوجة بلا عيوب، ولا صديق بلا عيوب، ولا رئيس ولا مرؤوس بلا عيوب
يقول سعيد بن المسيب: "ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا فيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه"، فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، ولا تذكر عيوب أهل الفضل تقديراً لهم.
وقد نكره أشياء في بعض الناس، ولكن عندما نفتقدهم ونخالط من هم أسوأ منهم ندرك الخير الذي كان فيهم ولم نعبأ به.
والرسول _صلى الله عليه وسلم_ يعطينا المثل فيُذَكِّر بفضل الأنصار؛ لأن البشر بطبعهم ينسون الحسنات، فقد أخرج البخاري قوله _عليه الصلاة والسلام_: "أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي (يعني: بطانتي وخاصتي) فقد قضوا الذي عليهم (يقصد أنهم وفوا بما تعهدوا به في بيعة العقبة) وبقي الذي لهم؛ فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم" رواه البخاري
إن هذا قمة الإنسانية والعدل.
4- الناس يكرهون من لا ينسى الزلات:
الناس يبغضون من لا ينسى زلاتهم ولا يزال يُذكِّر بها ويَمُنّ على من عفا عنه؛ فالناس يكرهون ذلك الإنسان الذي يذكِّر الناس بأخطائهم، ويعيدها عليهم مرة بعد مرة، والله يقول: "وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ" آل عمران: من الآية134
إنه _سبحانه_ يمتدح الذين يعفون عن الناس وينسون أخطاءهم والذي أُسْدِيَ إليه المعروف لا ينساه، والعافي عن الناس يستر من يعفو عنه.
ويقول الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة" رواه مسلم
موضوع فن التعامل مع الناس هام جدا ، تعتني به كل الشعوب في العالم ولدى الغربيين معاهد خاصةٌ يُدرَّسُ فيها ما يسمى بالمهارات الاجتماعية.
كيف يتحدث الإنسان؟
كيف يكسب الثقة بنفسه؟
كيف يكون لبِقاً في الحديث مع الناس؟
والإسلام فيه الكثير من كنوز الآداب ،ومنها آداب التعامل ، وقد أُعطينا القدوة من الأنبياء وخاتمهم رسول الله عليهم جميعا الصلاة والسلام ً.
والمسلم يبحث عن رضا الله ومحبته، وأن تتحقق الخيرية في نفسه ويكون من خير الناس بحسن أخلاقه كما في الحديث "خير الناس أحسنهم خُلُقاً" صححه الألباني
فالمسلم لا يحسن خلقه ليكسب مصلحة ؛ إنما لكسب رضا الله عز وجل .
ونحن كمسلمين نحتاج أن نشهد للإسلام شهادة عملية بعد أن شهدنا الشهادة القولية وخير شهادة عملية هي أن نتحرك وسط الناس بأخلاقنا ؛ فلقد أفلح الكثير من المسلمين في جانب الشعائر التعبدية وسقط سقوطا ذريعا في جانب الأخلاق وعلاقته بالناس .
وحسن الأخلاق يكون مع الناس كلهم كما قال تعالى (وقولوا للناس حسنا )
وأمرنا الله أن نلتزم الحكمة في التعامل مع الناس "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ".
وكما يقول الشيخ القرضاوي إن الله قال بالتي هي أحسن ولم يقل بالتي هي أخشن
وقد وصف الله تعالى رسوله بأنه ليِّن الجانب يقول تعالى:"فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".آل عمران
وقبل أن نتكلم عن فن التعامل مع الناس ينبغي أن نعلم أمرا هاما وهو :اختلاف طباع الناس ،مما يترتب عليه اختلاف التعامل معهم .
فالناس منذ خلقهم الله وهم مختلفي الطبائع والرغبات والميول،وهذه سنة الله في الخلق لتدور عجلة الحياة بهذا التنوع البشري .
روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"
وعن أبي موسى الأشعري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب" صححه الألباني
ويُعلم بداهةً أن معاملة هذه الاختلافات معاملةً واحدةً لا يستقيم، فما يلائم هذا لا يناسب ذاك، وما يحسُنُ مع هذا لا ينفع مع غيره، لذا قيل:(خاطبوا الناس على قدر عقولهم ).
(ويذكر على أنه حديث لكنه من مراسيل سعيد بن المسيب فهو ضعيف )
فكان شأنه صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه وتعليمهم أن يراعي أحوال من يتعامل معهم وينزل الناس منازلهم.
ففي فتح مكة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المنادي أن يعلن في الناس أن من دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن...
ودار أبي سفيان لم يكن لها ما يميزها عن دُور أهل مكة،ودخول هذه الدار أو غيرها سيّان !!!
ومنها توزيعه صلى الله عليه وسلم بعض أموال الغنائم والفيء على أناسٍ دون أناس.
وكذلك تقسيمه الأعمال والمهام على أصحابه كُلٌّ بحسبه، فما أوكل إلى حسان غير ما أوكل إلى معاذ ويصح ذلك مع أبي بكر وعمر و صهيب وخالد وبقية الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
إنها المعرفة بنفسيات الناس وما يطيقون وما يحبون ، ومعرفة الدخول إلى قلوبهم.
كذلك تختلف طريقة التعامل تبعاً لاختلاف العلاقة : الوالد مع ولده، الزوج مع زوجته، الرئيس مع مرؤوسه ، والعكس .
والتعامل يتغير باختلاف الأفهام والعقول ؛ فالرجل الذكي تختلف طريقة التعامل عن آخر محدود العقل.
والإنسان كما هو معلومٌ مكونٌ من عدة أشياء فهو ليس آلةً من الآلات، وإنما هو إنسانٌ بروحه وجسمه وعقله ومشاعره وهو محتاجٌ لتغذية هذه الأمور كلها .
وبعض الناس يخطئون عندما يتعاملون مع الإنسان كآلة ؛ كأصحاب المصانع الذين يتعاملون مع الجسم:
كم ينتج ؟ كم ساعة يعمل ؟
ويهملون جانب العقل وجانب المشاعروالأحاسيس.
إذ يتعاملون مع الإنسان على أنه حيوان منتج كما تقول فلسفة الرأسمالية .
وكثيرٌ من الأزواج يهملون ذلك في التعامل مع زوجاتهم حينما يعاملها على أنها خادمة في البيت ، أو لإفراغ الشهوة وقضاء الوطر !!!ً
وبناء على التعامل يختلف الأثر الناتج عنه بحسب محتوى الكلام، أو طريقة الكلام، أو السلوك المصاحب للكلام.
فقد يقول إنسانٌ كلاماً معيناً تحس منه أن هذا الإنسان يقوله من قلبه، وآخر يقول الكلام نفسه غير أنك تحس أنه يقوله من فمه .
شخصٌ يقول: جزاك الله خيراً.
وثانٍ يقول: الله يجزيك الخير تقديم لفظ الجلالة (الله) المد فيه يوحي بالصدق ويدل عليه
وثالثٌ يقول: جزاك الله خيراً بالضغط على الحرف المشدد وهو حرف اللام في لفظ الجلالة (الله)
فستشعر أن الثاني والثالث يقولان الكلمة من قلبيهما.
لو أن إنسانا يكلمك وهو ينظر إليك فـهو يحترمك ويقدرك؛ فهذا يختلف عن إنسانٍ يكلمك وهو ينظر إلى ورقة أمامه أو إلى مكان آخر، حتى إذا سكت عن الحوار قال لك: تفضل أكمل وهو ينظر إلى الأرض مثلاً، إن هذا غير مهتمٍ بك.
قواعد ثابتة في التعامل:
هناك قواعد ثابتةٌ ومشتركةٌ بين كل شعوب العالم وهي تنطلق من الفطرة يستوي التعامل فيها مع المسلم وغيره .
هناك أمور يحبها الناس وأمور يكرهونها، وتؤثر فيهم سلباً و إيجاباً فمنها:
1ـ الناس يكرهون النصيحة في العلن :
لا يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس، لأن كل الناس يكرهون أن تبرز عيوبهم أمام غيرهم، كل الناس مسلمهم وكافرهم.
ولكن أخذ الفرد ونصحه على انفراد ، مع ابتسامة مرسومة على الوجه أدعى للقبول.
وكما يقول الشيخ الشعراوي: إن الدواء حينما يكون مرا يعبأ داخل كبسولة جيلاتينية لتخف مرارته عند تداوله وكذلك النصيحة ثقيلة مرة على النفس ،فينبغي أن نغلفها بالابتسامة والكلمة الطيبة .
ويعبر الإمام الشافعي رحمه الله عن ذلك بقوله:
تعمدني بنصحك في انفرادي ---- وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوعٌ من ---- التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت قولي ---- فلا تجزع إذا لم تُعط طاعة
ولا ننسى قصة سورة عبس فقد عاتب الله نبيه حينما عبس في وجه ابن أم مكتوم (عبس وتولى، أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى، أما من استغنى، فأنت له تصدى، وما عليك ألا يزكى، وأما من جاءك يسعى، وهو يخشى، فأنت عنه تلهى) ولا يخفى علينا أنه كان أعمى ،أي أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم وهو عابس في وجهه ؛ إنما رآه الله جل وعلا فعاتب نبيه في ذلك تعليما وتنبيها لنا .
وينبغي اعتبارموقع الشخص الذي يقوم بتصحيح الخطأ
فبعض الناس يُتقبّل منهم مالا يُتقبل من غيرهم لأن لهم مكانة أو سلطة ليست لغيرهم ومن أمثلة هذا الأب مع ابنه والمدرّس مع تلميذه .
والإدراك لهذه الفروق يؤدي بالناصح إلى وضع الأمور في نصابها وتقدير الأمور حقّ قدرها فلا يؤدي إنكاره أو تصحيحه إلى منكر أكبر أو خطأ أعظم، ومكانة المُنكِر وهيبته في نفس المخطئ مهمة في تقدير درجة الإنكار وضبط معيار الشدّة واللين.
واختلاف طبائع الناس ومداركهم يترتب عليه ألا نسوّى بين العالم بالحكم والجاهل به في المعاملة والإنكار .
فالجاهل يحتاج إلى تعليم ،وصاحب الشبهة يحتاج إلى بيان، والغافل يحتاج إلى تذكير، والمصرّ يحتاج إلى وعظ، .
بل إن الشدة على الجاهل كثيرا ما تحمله على النفور ورفض الانقياد بخلاف ما لو علّمه أولا بالحكمة واللين لأن الجاهل عند نفسه لا يرى أنه مخطئ فلسان حاله يقول لمن يُنكر عليه: أفلا علمتني قبل أن تهاجمني.
وقصة الأعرابي الذي بال في المسجد معروفة وقد أمر النبي أصحابه أن يتركوه وقال لاتقطعوا عليه بولته )
ومن القصص الواضحة في هذا ما حدث لمعاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه لما جاء إلى المدينة من البادية ولم يكن يدري عن تحريم الكلام في الصلاة قَالَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ(أي أوشكت أن أردّ عليهم لكني تمالكت نفسي ولزمت السكوت) فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَ اللَّهِ مَا كَهَرَنِي (أي زجرني وعبس في وجهي) وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي قَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءةُ الْقُرْآنِ صحيح مسلم
والناس يكرهون أيضا من يؤنب ويوبّخ في غير محل التأنيب ومن غير تأنٍ ودون السؤال والاستفسار، بل من الخطأ أن يتمادى الإنسان في التأنيب بعد أن يعتذر صاحبه أو قبل أن يسمع عذره.
إن اللوم والتأنيب مُرُّ المذاق ثقيلٌ على النفس البشرية فحاول تجنبه حتى تكسب حُبَّ غيرك.
وكذلك بعض الناس يريد أن تكون النتائج فورية فيُحب من الناس أن يغيروا مابهم بمجرد أن ينصحوا يريد أن ينصح في المجلس ويريد أن يستجيب الناس ويغيروا ما بهم في ذلك المجلس فيكون مخطئاً في تقديره وغير فاهم لطبيعة البشر إذ لا بد أن يأخذ الناس فترة كافية للتفكير وفرصة مناسبة للانسحاب وكما قال الله جل وعلا (ما على الرسول إلا البلاغ ) و(لست عليهم بمسيطر ) و (وما أنت عليهم بجبار )
2ـ الناس يكرهون الأسلوب المباشر في الأمر:
الناس كل الناس لا يحبون أن تقال لهم الأوامر مباشرة: افعل كذا، لا تفعل كذا، فطبيعة البشر تأبى ذلك، نعم قد ينفذ الشخص الأمر الموجه، لكن لو قدم له هذا الأمر بطريقة ألطف فإن ذلك أدعى للقبول، حتى ولو كان الأمر من رئيس إلى مرؤوسيه.
والصيغة لها دور: فرقٌ بين أن يقول أحد المسؤولين: أنا أرى أن نفعل كذا وبين أن يأمر بفعل كذا
مثال: زوج يريد أن ينقل طاولة، ويريد من زوجته أن تنقلها معه، فهناك فرق بين أن يقول: ما رأيك لو نقلنا الطاولة هذه إلى مكان كذا، أو أن يقول: انقلي الطاولة إلى مكان كذا، فطريقة السؤال أدعى للقبول، وإن كانت النتيجة قد تتساوى في الحالتين.
والقضية الأخرى هي أن تُشْعِر الإنسان بمحبة الأمر حين تعطيه إياه، وكان ذلك هو دأب الرسول _صلى الله عليه وسلم_ فكان يشوِّق الناس لما سوف يأمرهم به، فلما أراد أن يسيِّر جيشاً، قال: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، فصار كل فرد يتمنى أن يكون ذلك الرجل، وكما نصح _صلى الله عليه وسلم_ أحدَ أصحابه بقوله: "إني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمَّرن على اثنين"
وعن معاذ رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أخذ بيده وقال : (يامعاذ والله إني لأحبك ثم أوصيك يا معاذ : لا تدعن في دبر كل صلاة تقول : اللهم أعني علىذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) رواه أبو داود
انظر أخي إلى عظم أدب النبي صلى الله عليه وسلم و فنّه المبدع ؛ انظر كيف بدأ بعطفه عليه و إمساكه بيده ، ثم قال " و الله إني لأحبك "
وإذا جاء بعض الناس ضيوفاً إلى بيتك، فإن هناك فرقاً بين أن يأمر زوجته أمراً مباشراً بقوله: اطبخي كذا، وبين أن يقول: إن ضيوفاً سوف يأتون إلينا، ونريد أن تبيِّضوا وجوهنا، فتشعر الزوجة عندئذ أن المسألة قضية شخصية، وأن إتقان العمل انعكاس لوضعها في البيت، فيكون ذلك أدعى إلى الإتقان.
3- الناس يكرهون من يركز على السلبيات دون الحسنات:
الناس يكرهون الإنسان الذي ينظر إلى عيوبهم ويترك الحسنات، بل وأحياناً ينساها.
خذ مثلاً علاقة المرأة المسلمة بزوجها ، والتي يمكن أن يعمم مغزاها في كل قضايا التعامل. يقول _صلى الله عليه وسلم_: "لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" رواه مسلم
فما أحد يسلم من العيوب فلا توجد زوجة بلا عيوب، ولا صديق بلا عيوب، ولا رئيس ولا مرؤوس بلا عيوب
يقول سعيد بن المسيب: "ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا فيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه"، فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، ولا تذكر عيوب أهل الفضل تقديراً لهم.
وقد نكره أشياء في بعض الناس، ولكن عندما نفتقدهم ونخالط من هم أسوأ منهم ندرك الخير الذي كان فيهم ولم نعبأ به.
والرسول _صلى الله عليه وسلم_ يعطينا المثل فيُذَكِّر بفضل الأنصار؛ لأن البشر بطبعهم ينسون الحسنات، فقد أخرج البخاري قوله _عليه الصلاة والسلام_: "أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي (يعني: بطانتي وخاصتي) فقد قضوا الذي عليهم (يقصد أنهم وفوا بما تعهدوا به في بيعة العقبة) وبقي الذي لهم؛ فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم" رواه البخاري
إن هذا قمة الإنسانية والعدل.
4- الناس يكرهون من لا ينسى الزلات:
الناس يبغضون من لا ينسى زلاتهم ولا يزال يُذكِّر بها ويَمُنّ على من عفا عنه؛ فالناس يكرهون ذلك الإنسان الذي يذكِّر الناس بأخطائهم، ويعيدها عليهم مرة بعد مرة، والله يقول: "وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ" آل عمران: من الآية134
إنه _سبحانه_ يمتدح الذين يعفون عن الناس وينسون أخطاءهم والذي أُسْدِيَ إليه المعروف لا ينساه، والعافي عن الناس يستر من يعفو عنه.
ويقول الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة" رواه مسلم
المشاهدات 22009 | التعليقات 4
شكرا لك على هذا الموضوع المهم
من الآيات الجامعة في التعامل مع الآخرين قول المولى ـ تبارك وتعالى ـ :
" خُذِ العَفوَ وَأمُرْ بِالعُرفِ وَأَعرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ "
قال الشيخ ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيرها :
هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس وما ينبغي في معاملتهم ، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس أن يأخذ العفو ، أي : ما سمحت به أنفسهم وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق ، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم ، بل يشكر من كل أحد ما قابله به ، من قول وفعل جميل أو ما هو دون ذلك ، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم ، ولا يتكبر على الصغير لصغره ولا ناقص العقل لنقصه ولا الفقير لفقره ، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له صدورهم .
" وَأمُرْ بِالعُرفِ " أي : بكل قول حسن وفعل جميل ، وخلق كامل للقريب والبعيد ، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك إما تعليم علم أو حث على خير ، من صلة رحم أو بِرِّ والدين أو إصلاح بين الناس أو نصيحة نافعة أو رأي مصيب أو معاونة على بر وتقوى أو زجر عن قبيح ، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية .
ولما كان لا بد من أذية الجاهل أمر الله ـ تعالى ـ أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابلته بجهله ، فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه ، ومن حرمك لا تحرمه ، ومن قطعك فَصِلْهُ ، ومن ظلمك فاعدل فيه .
" خُذِ العَفوَ وَأمُرْ بِالعُرفِ وَأَعرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ "
قال الشيخ ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيرها :
هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس وما ينبغي في معاملتهم ، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس أن يأخذ العفو ، أي : ما سمحت به أنفسهم وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق ، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم ، بل يشكر من كل أحد ما قابله به ، من قول وفعل جميل أو ما هو دون ذلك ، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم ، ولا يتكبر على الصغير لصغره ولا ناقص العقل لنقصه ولا الفقير لفقره ، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له صدورهم .
" وَأمُرْ بِالعُرفِ " أي : بكل قول حسن وفعل جميل ، وخلق كامل للقريب والبعيد ، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك إما تعليم علم أو حث على خير ، من صلة رحم أو بِرِّ والدين أو إصلاح بين الناس أو نصيحة نافعة أو رأي مصيب أو معاونة على بر وتقوى أو زجر عن قبيح ، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية .
ولما كان لا بد من أذية الجاهل أمر الله ـ تعالى ـ أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابلته بجهله ، فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه ، ومن حرمك لا تحرمه ، ومن قطعك فَصِلْهُ ، ومن ظلمك فاعدل فيه .
كل نصيحة ببعير (( قصة رائعة ))
يحكى أن أحدهم ضاقت به سبل العيش ، فسئم الحياة وقرر أن يهيم على وجهه في بلاد الله الواسعة ، فترك بيته وأهله وغادر المنطقة متجهاً نحو الشرق ، وسار طويلاً وقادته الخطى إلى بيت أحد الأجواد الذي رحّب به وأكرم وفادته ، وبعد انقضاء أيام الضيافة سأله عن غايته ، فأخبره بها ، فقال له المضيف : ما رأيك أن تعمل عندي على أن أعطيك ما يرضيك ، ولما كان صاحبنا بحاجة إلى مكان يأوي إليـه ، وإلى عملٍ يعمل فيه اتفق معه على ذلك .
وعمل الرجل عند مضيفه أحياناً يرعى الإبل وأحياناً أخرى يعمل في مضافته يعدّ القهوة ويقدمها للضيوف ، ودام على ذلك الحال عدة سنوات كان الشيخ يكافئه خلالها ببعض الإبل والماشية .
ومضت عدة سنوات اشتاق فيها الرجل لبيته وعائلته وتاقت نفسُه إلى بلاده وإلى رؤية أهله وأبنائه ، فأخبر صاحب البيت عن نيته في العودة إلى بلده ، فعزّ عليه فراقه لصدقه وأمانته ، وأعطاه الكثير من المواشي وبعض الإبل وودّعه وتمنى له أن يصل إلى أهله وهو بخير وسلامة.
وسار الرجل ، وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء القاحلة رأى شيخاً جالساً على قارعة الطريق ، ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب الطريق ، وعندما وصل إليه حيّاه وسأله ماذا يعمل لوحده في هذا المكان الخالي وتحت حرّ الشمس وهجير الصحراء ، فقال له : أنا أعمل في التجارة .
فعجب الرجل وقال له : وما هي تجارتك يا هذا ، وأين بضاعتك ؟
فقال له الشيخ : أنا أبيع نصائح .
فقال الرجل : تبيع نصائح ، وبكم النصيحة ؟!
فقال الشيخ : كلّ نصيحة ببعير .
فأطرق الرجل مفكراً في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلاً من أجل الحصول عليه ، ولكنه في النهاية قرر أن يشتري نصيحة مهما كلفه الأمر فقال له : هات لي نصيحة ، وسأعطيك بعيراً ؟ .
فقال له الشيخ :" إذا طلع سهيل لا تأمَن للسيل " ففكر الرجل في هذه النصيحة وقال : ما لي ولسهيل في هذه الصحراء الموحشة ، وماذا تنفعني هذه النصيحة في هذا الوقت بالذات وعندما وجد أنها لا تنفعه
قال للشيخ : هات لي نصيحة أخرى وسأعطيك بعيراً آخر .
فقال له الشيخ : " أبو عيون بُرْق وأسنان فُرْق لا تأمن له "
وتأمل صاحبنا هذه النصيحة أيضاً وأدارها في فكره ولم يجد بها أي فائدة
فقال للشيخ هات النصيحة الثالثة وسأعطيك بعيراً آخر .
فقال له : " نام على النَّدَم ولا تنام على الدم " . ولم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقتيها ، فترك الرجل ذلك الشيخ وساق ما معه من مواشٍ وسار في طريقه وظل يسير لعدة أيام نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدّة الحر.
وفي أحد الأيام أدركه المساء فوصل إلى قوم قد نصبوا خيامهم ومضاربهم في قاع وادٍ كبير ، فتعشّى عند أحدهم وباتَ عنده ، وفي الليل وبينما كان ساهراً يتأمل النجوم شاهد نجم سُهيل ، وعندما رآه الرجل تذكّر النصيحة التي قالها له الشيخ ففرّ مذعوراً ، وأيقظَ صاحب البيت وأخبره بقصة النصيحة ، وطلب منه أن يخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي ، ولكن المضيف سخر منه ومن قلّة عقله ولم يكترث له ولم يأبه لكلامه ، فقال والله لقد اشتريت النصيحة ببعير ولن أنام في قاع هذا الوادي ، فقرر أن يبيت على مكان مرتفع ، فأخذ جاعِدَهُ ونام على مكان مرتفع بجانب الوادي .
وفي أواخر الليل جاء السيل يهدر كالرعد فأخذ البيوت والقوم ، ولم يُبقِ سوى بعض المواشي .
وساق الرجل ما تبقى من المواشي وأضافها إلى مواشيه.
وسار في طريقه عدة أيام أخر حتى وصل في أحد الأيام إلى بيت في الصحراء ، فرحب به صاحب البيت وكان رجلاً نحيفاً خفيف الحركة ، وأخذ يزيد في الترحيب به والتذبذب إليه حتى أوجس منه خيفة ، فنظر إليه وإذا به
" ذو عيون بُرْق وأسنان فُرْق "
فقال : آه هذا الذي أوصاني عنه الشيخ ، إن به نفس المواصفات لا ينقص منها شيء .
وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت قريباً من مواشيه وأغنامـه ، وأخذ فراشه وجَرَّه في ناحية ، ولكنه وضع حجارة تحت اللحاف ، وانتحى مكاناً غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه ، وبعد أن أيقن المضيف أن ضيفه قد نام ،خاصة بعد أن لم يرَ حراكاً له ، أخذ يقترب منه على رؤوس أصابعه حتى وصله ولما لم يسمع منه أية حركة تأكد له أنه نائم بالفعل ، فعاد وأخذ سيفه وتقدم منه ببطء ثم هوى عليه بسيفه بضربه شديدة ، ولكن الضيف كان يقف وراءه فقال له : لقد اشتريت والله النصيحة ببعير ثم ضربه بسيفه فقتلـه ، وساق ماشيته وغاب في أعماق الصحراء .
وبعد مسيرة عدة أيام وصل في ساعات الليل إلى منطقة أهله ، فوجد مضارب قومه على حالها ، فترك ماشيته خارج الحيّ ، وسار ناحية بيته ورفع الرواق ودخل البيت فوجد زوجته نائمة وبجانبها شاب طويل الشعر ، فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوى به على رؤوس الأثنين ، وفجأة تذكر النصيحة الثالثة التي تقول
" نام على الندم ولا تنام على الدم "
، فبردت أعصابه وهدأ قليلاً فتركهم على حالهم ، وخرج من البيت وعاد إلى أغنامه ونام عندها حتى الصباح.وبعد شروق الشمس ساق أغنامه واقترب من البيت فعرفه الناس ورحبوا به ، واستقبله أهل بيته وقالوا :له لقد تركتنا منذ فترة طويلة ، انظر كيف كبر خلالها ابنك حتى أصبح رجلاً ، ونظر الرجل إلى ابنه وإذا به ذلكالشاب الذي كان ينام بالأمس بجانب زوجته فحمد الله على سلامتهم ، وشكر ربه أن هداه إلى عدم قتلهم وقال بينه وبين نفسه والله إن كل نصيحة أحسن من بعير.وهكذا فإن النصيحة لا تقدّر بثمن إذا فهمناها وعملنا بها في الوقت المناسب.
حسين عامر
ملحوظة : للأمانة هذا الموضوع مقتبس من محاضرة للدكتور عبد الله الخاطر بنفس العنوان
تعديل التعليق