خطبة فن التسامح

أحمد بن عبدالله الحزيمي
1438/07/02 - 2017/03/30 14:21PM
فن التسامحُ
الحمد لله، أعظَمَ للمتقين العاملين أجورَهم، وشرح بالهدى والخيراتِ صدورَهم، أشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وفّق عبادَه للطاعات وأعان، وأشهد أنّ نبيَّنا محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه أهلِ الهدى والإيمان،وعلى التابعين لهم بإيمان وإحسان ما تعاقب الزمان، وسلّم تسليمًا مزيدا أما بعد

عباد الله: ليس هناك شيء أفضل من الوصية بها. إن تقوى الله تورث المرء في الدنيا انشراحًا وانبساطًا، وفي الآخرة فوزًا وسرورًا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
بينما النبيُّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- يومًا نائمًا في ظلِّ شجرةٍ، فإذا برجلٍ منَ الكفارِ يهجمُ على الشجرةِ فيأخذُ سيفَ النبيِّ، ويقولُ: يا محمدُ منْ يمنعكَ مني؟ قالَ- وبكلِّ ثباتٍ وهدوءٍ-: اللهُ. فاضطربَ الرجلُ وارتجفَ، ووقعَ السيفُ منْ يدهِ، فأمسكهُ النبيُّ وقالَ: منْ يمنعكَ منى؟ فقالَ الرجلُ: كنْ خيرَ آخذٍ. فقالَ النبيُّ: عفوتَ عنكَ.
فتعهدَ للنبيِّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- أنْ لا يحاربهُ، ولا يكونُ معَ قومٍ يحاربونهُ. التسامحُ- يا عبادَ اللهِ- كلمةٌ جميلةٌ باتفاقِ اللغاتِ والأعراقِ، والأممِ كلها.
العفوِ والتسامحِ عبارةٌ محببَّةٌ، لفظُ يبعثُ الدفءَ، وهيَ صفةٌ جميلةٌ، وخلةٌ حميدةٌ، هيَ أفضلُ الصفاتِ، وأجملُ السماتِ، هيَ رائدةُ الأخلاقِ، وسيدةُ الآدابِ؛ تعني الصفحُ عمنْ أخطأَ عليكَ أوْ تجاوزَ حدهُ معكَ، وهيَ- كذلكَ- تعني العفوُ عندَ المقدرةِ والتجاوزُ عنْ أخطاءِ الآخرينَ واحتمالها ووضعِ الأعذارِ لهمْ، والنظرِ إلى مزاياهمْ وحسناتهمْ بدلًا منَ التركيزِ على عيوبهمْ وأخطائهمْ.
فالمفهومُ بهذا الاعتبارِ قيمةٌ أخلاقيةٌ عظمى، وانتصارٌ لروحِ الخيرِ والأخلاقِ في النفسِ- أخي الحبيبَ- الحياةُ قصيرةٌ تمضي دونَ توقفٍ فلا داعي لنحملَ الكُرهَ والحقدَ بداخلنا، بلْ علينا أنْ نملأها حبًّا وتسامحًا وأملًا؛ لنجدَ المعنى الحقيقيَّ للحياةِ.
العفوُ- أيها المؤمنونَ- اسمٌ منْ أسمائهِ الحسنى، قالَ سبحانهُ: { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا }[النساء:43]، وهوَ صفةٌ منْ صفاتِ اللهِ تعالى، ولولا عفوهُ- تعالى- عنْ خلقهِ ما تركَ على الأرضِ منْ دابةٍ. كما قالَ سبحانهُ:{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ }[النحل:61].
وهوَ خلقُ الأنبياءِ والمرسلينَ في عفوهمْ عنْ أقوامهمْ وهمْ يؤذونهمْ ويعذبونهمْ.
ها همْ أخوةُ يوسفَ- عليهِ السلامُ- حسدوهُ وكادوا لهُ، والقوهُ في البئرِ ليتخلصوا منهُ، وبعدَ سنواتٍ عديدةِ مكَّنَ اللهُ لهُ، وصارَ الوزيرُ الأولُ في مصرِ، وجاءهُ إخوتهُ يطلبونَ منهُ الحبوبَ والطعامَ وعرفهمْ بنفسهِ فتذكروا فورًا كلَّ أفعالهمُ الشريرةِ في حقهِ، فخافوا أنْ يبطشَ بهمْ، وهوَ قادرٌ على ذلكَ لكنهُ عليهِ السلامُ قابلهمْ بالإحسانِ والعفوِ والصفحِ قائلًا: { قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }[يوسف:92].
وها هوَ سيدُ الأولينَ والآخرينَ رسولُ الرحمةِ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- بعدَ أنْ آذاهُ قومهُ وأخرجوهُ منْ مكةَ وقالوا عنهُ: شاعرٌ وكاهنٌ، وصابئٌ ومجنونٌ. وهاجرَ هوَ وأصحابهُ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- مما لحقهُ منْ أذاهمْ، ولما قويتْ شوكةُ الإسلامِ؛ فتحَ مكةَ، وهدمَ الأصنامَ حولَ الكعبةِ وانتظرَ الجميعُ الانتقامَ والثأرَ، فلما سألهمْ، ما تظنونَ أني فاعلٌ بكمْ؟ قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ وابنْ أخٍ كريمٍ، قالَ: اذهبوا فأنتمُ الطلقاءُ.
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا صَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يُجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ» رواهُ أحمدُ والترمذيُّ وصححه الألباني.
والعفوُ والصفحُ منْ سماتِ الصالحينَ، ومنْ صفاتِ المتقينَ، الذينَ شرفتْ نفوسهمْ وطهرتْ قلوبهمْ وعلتْ عندَ اللهِ مراتبهمْ؛ قالَ سبحانهُ وتعالى في وصفهمْ وبيانِ جزائهمْ:
{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }[آل عمران:133]، وقال تعالى: { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[آل عمران:134].
العفوُ والتسامحُ هوَ خلقُ العظماءِ والسادةُ منَ الناسِ، وهوَ خلقُ لا يقوى عليهِ إلا الرجالُ حقًّا.
ألفَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رسالةً مختصرةً عنِ الاستغاثةِ بينَ فيها حكمَ الاستغاثةِ، منَ الكتابِ والسنةِ، وكانَ الأليقُ بالعلماءِ الذينَ يختلفونَ معهَ، أنْ يتصدوا لمثلِ هذهِ المسألةِ بالدليلِ والبرهانِ العلميِّ بعيدًا عنِ التكفيرِ والحكمِ بالزندقةِ والشتائمِ والسبابِ.
لكنَّ شيخًا صوفيًّا ردَّ على هذهِ الرسالةِ بالحكمِ على شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ، بالكفرِ والزندقةِ، بلْ منَ الخروجِ عنْ ملةِ الإسلامِ! ولمْ يكتفِ بذلكَ بلْ بالغَ في إيذاءهِ بالقولِ والعملِ، فقدْ قامَ باستعداءِ العوامِ عليهِ وتحريضِ الدولةِ وطالبَ بقتلهِ وسفكِ دمهِ!
بلْ إنهُ قامَ بمجموعةِ منَ الغوغاءِ بالانفرادِ بابنِ تيميةَ وضربوهُ، وتكررَ منهُ ذلكَ.
في المقابلِ تجمعَ ناسٌ منْ محبي الشيخِ وشاهدوا ما حلَّ بشيخِ الإسلامِ منْ أذيةٍ وتعدٍ. فطلبوا هذا الشيخَ فهربَ، وطلبَ- أيضًا- منْ جهةِ الدولةِ فهربَ واختفى، وثارَ بسببِ ما فعلهُ فتنةٌ.
والسؤالُ هنا: ما هوَ موقفُ شيخِ الإسلامِ منْ هذا الرجلِ الذي كفرهُ وحكمَ عليهِ بالزندقةِ ثمَّ وثبَ عليهِ وضربهُ وأهانهُ؟
حينما تجمَّعَ الجندُ والناسُ على ابنِ تيميةَ يطالبونَ بنصرتهِ وأنْ يشيرَ عليهمْ بما يراهُ مناسبًا للانتقامِ منْ خصمهِ أجابهمْ بقولهِ" أنا ما أنتصرُ لنفسي " !!
ولما اشتدَّ طلبُ الدولةِ للشيخِ الهاربِ وضاقتْ عليهِ الأرضُ بما رحبتْ هربَ واختفى لكنْ عندَ منْ؟! لقدَ هربَ واختفى في بيتِ ابنِ تيميةَ لما كانَ مقيمًا في مصرَ، حتى شفعَ فيهِ ابنُ تيميةَ عندَ السلطانِ وعفا عنهُ! حقًا إنها أخلاقٌ لا يقوى عليها إلا الرجالُ فقطْ.
عبادَ اللهِ!
لا بدَّ أنْ نعلمَ أنْ العفوَ عنِ الآخرينَ والصفحَ عنهمْ ليسَ بالأمرِ الهيِّن؛ إذْ أنَّ هذا الأمرَ ثقيلٌ على النفسِ ولا يتِمُّ التغلُّبُ عليهِ إلا بمصارعةِ حبِّ الانتصارِ والانتقامِ للنفسِ، ولا يكونُ ذلكَ إلا للأقوياءِ الذينَ استعصَوا على حظوظِ النَّفسِ ورغباتها.
ولهذا كانَ جزاؤهمْ كبيرًا وعظيمًا؛ أخرجَ الإمامُ أحمَدُ في مسندهِ عنْ معاذِ بنِ أنسٍ- رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: « مَنْ كَظَمَ غَيْظًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ » أخرجه الإمام أحمد وأبو داوود وحسنه الألباني.
سامحْ أخاكَ إذا خَلَطْ

منهُ الإِصَابةَ بالغَلَطْ

وتَجَافَ عنْ تَعْنِيفِهِ

إنْ زاغ يومًا أوْ قَسَطْ

واعْلَمْ بأنَّكَ إنْ طَلَبْـ

ـتَ مُهذَّبًا رُمْتَ الشَّطَطْ

ولوْ انْتَقَدْتَ بني الزَّمَا

نِ وَجَدْتَ أكْثَرَهُمْ سَقَطْ

مَنْ ذَا الذي ما سَاءَ قَطْ

ومَنْ له الحُسْنَى فَقَطْ


عبادَ اللهِ، إنَّ العفوَ والتجاوزَ عنِ الحقوقِ لا يعني الضعفُ والانكسارُ، ولا المذلةُ والخورُ، بلْ إنهُ قمَّةُ الشجاعةِ والرجولةِ والامتنانِ وغلَبَةِ الهوى، لا سيَّما إذا كانَ العفوُ عندَ المقدِرَةِ، فإنَّ الانتصارَ للنفسِ منَ الظلمِ لحقٌّ، ولكنَّ العفوَ هوَ الكمالُ والتّقوى:{ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }[الشورى:40].
إنهُ خلقٌ عظيمٌ يجعلُ صاحبهُ يعيشُ معززًا مكرمًا بينَ الناسِ لا ذليلًا حقيرًا مهانًا كما يظنهُ البعضُ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» رواهُ مسلمٌ وفي لفظٍ لأحمدَ: قَالَ: « يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ، يُرِيدُ بِهَا صِلَةً، إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا كَثْرَةً، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ، يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً، إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّة» صححه الألباني
إنَّ الإصرارَ على رفضِ التسامحِ والصفحِ، إصرارٌ على إلحاقِ الأذى بالنفسِ قبلَ الآخرينَ. إنَّ الأشخاصَ الذينَ يرفضونَ العفوَ والصفحَ، وهمْ قادرونَ على إنفاذهِ، قدْ يعتقدونَ أنهمْ بذلكَ يعاقبونَ غيرهمْ ويؤدبونهمْ، لكنْ لمْ يعلموا أنهمْ همُ الذينَ يدفعونَ الثمنَ، لعدمِ قدرتهمْ على العفوِ والصفحِ، تمامًا كالذي يحتسي السمَّ ويظنُّ أنهُ يؤذي بهِ غيرهُ! إنَّ البعضَ ما زالَ يحملُ على عاتقهِ أكوامًا منْ ملفاتِ الماضي المزعجةِ ممنْ أساءَ إليهِ أوْ ظلمهُ أوْ أخذَ مالهُ، ويحملها معهُ أينما حلَّ وربما لمْ يحاولْ التخلصَ منها فإنَّ مثلهُ كمثلِ كرةِ الثلجِ تكبرُ وتعظمُ شيئًا فشيئًا حتى لربما أهلكتهُ.
لقدْ ثبتَ طبيًّا أنَّ العفوَ والصفحَ وتجاوزَ المواقفِ المؤلمةِ يقي الإنسانَ- بإذنِ اللهِ- منَ العديدِ منَ الأمراضِ الخطيرةِ كأمراضِ القلبِ، وارتفاعِ ضغطِ الدمِ، والقلقِ والتوترِ النفسيِّ، والشيخوخةِ المبكرةِ وغيرها منَ الأمراضِ، كما أثبتتِ الدراساتُ- أيضًا- أنَّ العفوَ يقوي جهازَ المناعةِ لدى الإنسانِ وهوَ علاجٌ قويٌّ لعلاجِ كثيرٍ منَ الأمراضِ- بإذنِ اللهِ تعالى.
واتضحَ- كذلكَ- أنَّ هناكَ علاقةٌ وثيقةٌ بينَ التسامحِ والعفوِ منْ جهةٍ، والسعادةِ والرضا منْ جهةٍ ثانيةٍ، وواللهِ لوْ أخذَ الناسُ بالعفوِ لحافظوا على صحتهمْ وأنفسهمْ وأعصابهمْ.
ولكانوا في غنًى عنْ كثيرٍ منَ الأمراضِ العصبيةِ والنفسيةِ وأمراضِ القلوبِ منَ الغلِّ والحقدِ والحسدِ، ولكانَ المجتمعُ في غنًى عنْ كثيرٍ منَ القضايا التي ترهقُ القضاءَ وتزعجُ الجهاتِ الأمنيةَ وتكلفُ الدولَ أموالًا طائلةً.
كانَ النبيُّ يسألُ اللهَ دائمًا العفوَ والعافيةَ فقدْ ثبتَ عنهُ أنهُ قالَ:«اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي». أخرجه الإمام أحمد وأبو داوود وصححه الألباني
اللهمَّ إنا نسألُكَ العفوَ والعافيةَ والمعافاةَ الدائمةَ في الدينِ والدنيَا والآخرةِ.
باركَ اللهُ لي ولكمْ.

الخطبةُ الثانيةُ.
الحمدُ للهِ العفوِّ الغفورِ دعَا إلَى العفْوِ فقالَ سبحانَهُ: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }[الشورى:40،] وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِنْ خلقِهِ وحبيبُهُ القائلُ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-:«مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» أخرجه الإمام مسلم اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أخي الكريمَ: راجعْ شريطَ ذكرياتك وتأملهُ جيدًا فإنْ تذكرتَ موقفًا مؤلمًا لمْ تمحوهُ السنينُ الطوالُ إما لزميلٍ لكَ أوْ لمعلمٍ ضربكَ أوْ أهانكَ أوْ لشخصٍ انتقصَ حقكَ أوْ نالَ منْ عرضكَ.
فمهما كانَ الموقفُ مؤلمًا فتصدقْ بعرضكَ، وقلْ بكلِّ صدقٍ ومحبةٍ، اليومُ يغفرُ اللهُ لكمْ، وسامحْ وتناسَ وتجاوزْ، واصفحِ الصفحَ الجميلَ، واقتلعْ كلَّ الأذى وانزعْ كلَّ القذى كأنْ لمْ يكنْ منْ قبلُ.
فإنْ تمَّ هذا الأمرُ حقيقةً فيا الله ُكمْ منَ الأجورِ العظيمةِ التي تنتظركَ عندَ اللهِ؟! وكمْ هيَ كميةُ السعادةِ والطمأنيةِ التي ستغشاكَ؟! وكمْ سيتولدُ في قلبكَ منْ طاقاتِ المحبةِ والسكينةِ والسرورِ؟! مما يجعلُ كلُّ شيءٍ حولكَ جميلًا ومردودٌ عليكَ بالفرحِ والتفاؤلِ والعطاءِ.
هذا في الماضي أما في الحاضرِ والمستقبلِ فخذْ عهدًا على نفسكَ ودربْ نفسكَ على ألا يستفزكَ موقفٌ عابرٌ أوْ كلمةٌ شاردةٌ في أيِّ مكانٍ كنتَ، فلا يكنْ للعتابِ أوْ التشفي والأخذِ بالثأرِ، وسوءِ الظنِّ أوْ تحميلِ ما لا يحتملُ مجالٌ في حياتكَ بعدَ اليومَ.
وثمةُ أمرٍ أخيرٍ- أيها الأخُ المباركُ- وهوَ ربِّ أولادكَ ومنْ تحتِ يدكَ على هذهِ القيمةِ العظيمةِ قيمةِ التسامحِ والعفوِ، فتنشئةُ الأبناءِ على المسامحةِ والرضا عنْ تجاوزاتِ الآخرين بعيدًا عنِ الأنا وحبِّ الذاتِ يجعلهمْ أبناءَ بررةً ورجالًا.

جعلنا الله وإياكم والمسلمين أخوة متحابين متسامحين.
صلوا وسلموا ......
المرفقات

فن التسامح-.......doc

فن التسامح-.......doc

المشاهدات 1802 | التعليقات 1

نفع الله بك شيخ أحمد وزادك الله من فضله، ونسأل الله أن يمنحنا عفوه وأن يرزقنا السماحة والعفو !