خطبة : (فليعمل عملا صالحا)

عبدالله البصري
1446/03/09 - 2024/09/12 14:38PM

فليعمل عملا صالحا    10/ 3/ 1446

 

الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَيَا أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَا مَن رَضِيتُم بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا رَسُولاً ، اِعلَمُوا أَنَّ رِضَاكُم هَذَا إِسلامٌ وَإِيمَانٌ ، بِهِ تُغفَرُ ذُنُوبُكُم ، وَبِهِ تَدخُلُونَ جَنَّةَ رَبِّكُم بَعدَ رِضَاهُ عَنكُم ، عَن سَعدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَن قَالَ حِينَ يَسمَعُ المُؤَذِّنَ : وَأَنَا أَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ " وعَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مَن قَالَ : رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ " رَوَاهُمَا أَبُودَاوُدَ وَصَحَّحَهُمَا الأَلبَانيُّ . أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ الرِّضَا بِاللهِ وَبِدِينِهِ وَبِنَبِيِّهِ ، رِضًا يَلتَزِمُ فِيهِ المُسلِمُ بِالشَّهَادَتَينِ التِزَامًا كَامِلاً ، فَيَعبُدُ اللهَ مُخلِصًا لَهُ الدِّينَ ، مُتَّبِعًا لِمَا جَاءَ بِهِ رُسُولُهُ الأَمِينُ ، بِذَلِكَ يَكُونُ عَبدًا للهِ حَقًّا وَصِدقًا ، قَالَ سُبحَانَهُ : " أَلا للهِ الدِّينُ الخَالِصُ " وَقَالَ جَلَّ وَعَلا : " فَمَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " وَقَالَ تَعَالى : " وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعبُدُوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ " وَقَالَ تَعَالى : " وَلَو أَشرَكُوا لَحَبِطَ عَنهُم مَا كَانُوا يَعمَلُونَ " وَقَالَ جَلَّ وَعَلا : " قُل أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيكُم مَا حُمِّلتُم وَإِن تُطِيعُوهُ تَهتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ " وَفي الحَدِيثِ المُخَرَّجِ في الصَّحِيحَينِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا الأَعمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى " وَفيهِمَا أيضًا قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُوني أُصَلِّي " وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّهُ لَمَّا حَجَّ وَمَعَهُ المُسلِمُونَ قَالَ لَهُم : " خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم " وَفي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قَالَ : " مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " أَيْ مَردُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ غَيرُ مَقبُولٍ . هَذَا هُوَ الدِّينُ الَّذِي جَاءَ مِن عِندِ اللهِ ، وَهَذِهِ هِيَ العِبَادَةُ الَّتي يَقبَلُهَا اللهُ ، وَهَذَا هُوَ العَمَلُ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ وَيُثِيبُ عَلَيهِ ، مَا كَانَ لَهُ تَعَالى خَالِصًا ، وَاتُّبِعَ فِيهِ الدَّلِيلُ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَمَا كَانَ سِوَى ذَلِكَ ، فَهُوَ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ ، مَردُودٌ عَلَيهِ غَيرُ مَقبُولٍ ، وَهُوَ عَلَيهِ آثِمٌ وَلَيسَ بِمَأجُورٍ ، نَعَم أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ العِبَادَةَ لا تُقبَلُ حَتى تَكُونَ لِوَجهِ اللهِ خَالِصَةً ، سَالِمَةً مِن كُلِّ تَوَجُّهٍ إِلاَّ لَهُ وَحدَهُ ، وَحَتى تُوَافِقَ الشَّرعَ ، أَي حَتى تُوَافِقَ مَا جَاءَ في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ في سِتَّةِ أُمُورٍ : في سَبَبِهَا ، وَجِنسِهَا ، وَكَيفِيَّتِهَا ، وَمِقدَارِهَا ، وَزَمَانِهَا ، وَمَكَانِهَا . لا مَجَالَ لِلرَّأيِ في العِبَادَاتِ الَّتي يُبتَغَى بِهَا وَجهُ اللهِ وَرِضَاهُ ، بَل لا بُدَّ أَن يَكُونَ مُشَرِّعُهَا هُوَ اللهَ سُبحَانَهُ ، القَائِلَ عَزَّ وَجَلَّ : " وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ " وَالقَائِلَ سُبحَانَهُ : " لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " فَعَلَيكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ المَهدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا ، وَعَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعَةٌ ، وَكُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَلْنُخلِصِ العَمَلَ لَهُ ، وَلْنَتَّبِعْ فِيهِ نَبِيَّنَا وَسَلَفَنَا الصَّالِحِينَ ، قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالى : " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنَّاتٍ تَجرِي تَحتَهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ "

 

الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَكُونُوا عَلَى سُنَّةِ الحَبِيبِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَلا تُخَالِفُوهُ وَلا تُشَاقُّوهُ ، فَقَد قَالَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا : " وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ " أَلا وَإِنَّ مِنَ الأُمُورِ المُحدَثَةِ الَّتي سَلَّمَ اللهُ مِنهَا هَذِهِ البِلادَ ، لَكِنَّهَا عِندَ بَعضِ المُسلِمِينَ في بِلادٍ أُخرَى ، وَقَد تَنقُلُهَا وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ وَالإِعلامِ ، مَا يُسَمَّى بِالاحتِفَالِ بِالمَولِدِ النَّبَوِيِّ في شَهرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ ، وَهِيَ بِدعَةٌ مُنكَرَةٌ وَأَمرٌ مُحدَثٌ في الدِّينِ ، لم يَأمُرْ بِهِ اللهُ جَلَّ وَعَلا في كِتَابِهِ وَلا نَبِيُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في سُنَّتِهِ ، وَلم يَفعَلْهُ هُوَ وَلا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَإِنَّمَا أَحدَثَهُ العُبَيدِيُّونَ الرَّافِضَةُ البَاطِنِيُّونَ ، المُسَمَّونَ زُورًا بِالفَاطِمِيِّينَ ، وَقَدِ ادَّعَوا أَنَّهُم أَقَامُوا هَذَا الاحتِفَالَ حُبًّا لِرَسُولِ اللهِ ، وَهَذَا كَذِبٌ وَافتِرَاءٌ ، فَإِنَّ مَحَبَّتَهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لا تَكُونُ بِمُخَالَفَتِهِ وَابتِدَاعِ مَا لم يَأتِ بِهِ وَيَفعَلْهُ ، بَل مَحَبَّتُهُ في تَوقِيرِهِ وَتَعظِيمِهِ بِلُزُومِ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ أَمرِهِ وَالأَخذِ بِهَديِهِ ، وَالعَضِّ عَلَى سُنَّتِهِ بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِحيَائِهَا بِالقَولِ وَالفِعلِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَاجتِنَابِ المُحدَثَاتِ الَّتي حَذَّرَ مِنهَا وَأَخبَرَ أَنَّهَا شَرٌّ وَضَلالَةٌ وَأَنَّهَا في النَّارِ ، وَقَد كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَشَدَّ النَّاسِ مَحَبَّةً لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَتَعظِيمًا ، وَأَحرَصَ عَلَى الخَيرِ مِمَّن جَاءَ بَعدَهُم ، وَمَعَ هَذَا لم يَصِحَّ عَنهُم أَنَّهُم احتَفَلُوا بِالمَولِدِ وَلا اتَّخَذُوهُ عِيدًا ، وَلَو كَانَ في إِقَامَتِهِ خَيرٌ وَأَنَّهُ مِن لَوَازِمِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَكَانُوا أَحرَصَ النَّاسِ عَلَيهِ وَأَسبَقَهُم إِلَيهِ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَاتَّبِعُوا وَلا تَبتَدِعُوا ، وَانصُرُوا سُنَّةَ نَبِيِّكُم صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَعلِنُوا مَحَبَّتَهُ الحَقِيقِيَّةَ بالسَّيرِ عَلَى هَديِهِ في أَقوَالِكُم وَأَفعَالِكُم وعِبَادَتِكُم ، وَفي سَائِرِ أُمُورِ حَيَاتِكُم وَكَبِيرِ شُؤُونِكُم وَصَغِيرِهَا " قُلْ إِنْ كُنتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحبِبْكُم اللهُ وَيَغفِرْ لَكُم " " فَلْيَحذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَن أَمرِهِ أَن تُصِيبَهُم فِتنَةٌ أَو يُصِيبَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ "

المرفقات

1726141100_فليعمل عملا صالحا.docx

1726141100_فليعمل عملا صالحا.pdf

المشاهدات 1116 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا