خطبة فقهية عن أحكام الزكاة
محمد المطري
خطبة فقهية عن أحكام الزكاة
الحمد لله العلي الأعلى، الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، شرع لنا من الدين ما يصلحنا في الدنيا والأخرى، وهو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، مَنْ يتَّبِعْ سُنَّته فقد اهتدى، ومَنْ يرغَبْ عن سُنَّته فقد ضل وغوى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان، أما بعد:
فإن التفقه في الدين من أفضل الأعمال، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ))، وسنتكلم في هذه الخطبة عن أحكام الزكاة، فهي قرينة الصلاة في كتاب الله، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 110].
أيها المسلمون، الزكاة فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركانه الخمسة، وفيها مواساة للمساكين، وإقامة مصالحَ عظيمةٍ للمسلمين، ومَنْ منع أداء الزكاة إنكارًا لفرضيتها فهو كافر، وإن منعها بخلًا بها مع اعتقاده بوجوبها فهو فاسق، وتؤخذ منه الزكاة قهرًا مع التعزير، قال الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].
وتجب الزكاة في خمسة أجناس من الأموال هي:
1- الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم.
2- الذهب والفضة، وما يقوم مقامهما من العملات الورقية.
3- عُروض التجارة: وهي كل ما أُعِدَّ للبيع والشراء لأجل الربح.
4- الحبوب والثمار.
5- الرِّكاز: وهو ما يوجد في الأرض من الكنوز المدفونة في الجاهلية قبل الإسلام.
ويُشترط لوجوب الزكاة مِلكُ النِّصاب المحدد شرعًا، ويشترط لوجوب زكاة الأنعام والذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأموال النقدية وعروض التجارة حَوَلان الحول، وذلك بأن يمر على النصاب في ملك صاحبه سنةٌ قمريةٌ كاملة، أما الزروع والثمار والمعادن والرِّكاز فلا يُشترط لها الحول.
ومقدار الزكاة الواجبة في الذهب والفضة ربع العشر، ونصاب الذهب الخالص 85 جرامًا، ونصاب الذهب عيار 21 = 97 جرامًا، وقيل: 85 جرامًا بلا تفصيل، ونصاب الفضة 595 جرامًا، والعملات النقدية يُقدَّر نصابها بقيمة نصاب الذهب، وقيل: بقيمة نصاب الفضة.
فمن أراد أن يعرف هل مَلَك نصابًا أو لا، فليسأل عن قيمة جِرام الذهب عيار 21 ثم يضرب العددَ في نصاب الذهب (97)، والناتج من ذلك هو نِصاب المال الذي تَجبُ فيه الزكاة، ومن أراد أن يعرف مقدار ربع العشر الذي هو مقدار زكاته فعليه أن يقسم المبلغ المراد زكاته على العدد (40) والناتج هو مقدار الزكاة، فزكاة المليون خمسة وعشرون ألف، وزكاة المليونين خمسون ألفًا، وهكذا.
ولا خلاف بين أهل العلم في وجوب الزكاة في الحلي المعدّ للادخار والتجارة، واختلفوا في وجوب زكاة حلي المرأة المعدّ للاستعمال المباح على قولين مشهورين: فقيل: تجب زكاته، وقيل: لا تجب زكاته، والمسألة اجتهادية فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، ولا حرج على المسلم في المسائل الاجتهادية أن يأخذ بفتوى من يثق به، وتطمئن إليه نفسه، فقد قال سبحانه وتعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]، وقال سبحانه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]، وينبغي التنبه إلى أن بعض النساء يكون معها حُلِيٌّ من الذهب تشتريه لتبيعه وقت الغلاء أو عند الحاجة أو يكون معها ذهب زائدٌ عن حاجتها، تدخره ولا تجعله لمجرد الزينة، فهذا يجب فيه الزكاة عند عامة العلماء، حتى ولو كانت تلبسه.
وتجب الزكاة في عُرُوض التجارة: وهو كل ما أُعِدَّ للبيع والشراء بقصد الربح من أي صنف كان كالمواد الغذائية والملابس والمواد الكهربائية والهواتف والكماليات والبيوت والأراضي وغير ذلك من كل ما يُعرض للبيع.
وإنما تجب الزكاة في عُرُوض التجارة إذا ملكها الإنسان بنية التجارة، ولا يدخل فيها الإرث، فإذا بلغت قيمة عروض التجارة النصاب وحال عليها الحول وجب فيها ربع العشر، وتُقوَّم العروض عند تمام الحول، وفي كل حول تُقوَّم تقويمًا جديدًا بسعر يومها، والعبرة بقيمتها بما تباع به وقت تمام الحول، وتجب زكاة عروض التجارة ولو مع الخسارة، والدَّين لا يمنع وجوب الزكاة، وجمهور العلماء أن زكاة العروض من قيمتها لا من نفسها، وأجاز بعض العلماء إخراج ربع العشر من نفس العروض، لا سيما إذا لم يكن للتاجر سيولةٌ نقدية.
ولا زكاة فيما أُعِد للقِنية أو الإيجار من البيوت والسيارات وغيرها، وإنما تجب الزكاة في الأُجرة إذا بلغت نصابًا وحال عليها الحول.
ويجب على السلطان أن يبعث العمال الثقات لجمع زكاة الأموال الظاهرة، ويجب عليه بعد جمعها أن يصرفها في مصارفها الشرعية بلا تأخير، ولا يجوز له أن يبيع شيئًا منها إلا للضرورة ومصلحة المستحقين للزكاة بلا نقص ولا استئثار ولا تغيير، ومن سلَّم زكاته للسلطان برئت ذمتُه، ومن أخرج زكاته بنفسه أجزأه، ويجب أداء الزكاة على الفور بعد وجوبها بلا تأخير، ولا يصح إخراج الزكاة إلا بنية، وتجب النية عند أداء الزكاة، وهي أن يعتقد أن ما يُخرجه من المال زكاة لا هبة ولا صدقة تطوع ونحو ذلك، وإن تصدق صدقة نافلة لا يجوز أن يجعلها من زكاته الواجبة، وإن أكرهه السلطان على دفعِ مالٍ غير الزكاة لا يجوز أن يحتسبه من الزكاة.
وتجب الزكاة في كل مكيلٍ مدَّخرٍ من الحبوب والثمار، كالحِنطة، والشعير، والذرة، والأرز، والتمر، والزبيب، ولو لم تكن قوتًا كاللوز والبُن، ولا تجب الزكاة في الفواكه والخضروات، ويُشرع عند حصادها أن يتصدق المزارع بما طابت به نفسه من غير تقدير لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]، وقوله: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
ولا يُشترط في زكاة الحبوب والثمار الحول، ويُشترط لوجوب زكاتها بلوغ النصاب، وهو خمسة أوسق بعد تصفية الحبوب وجفاف الثمار، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ))، والوسْق ستون صاعًا، وخمسة الأوسق = ثلاثمائة صاع، فيكون وزن النصاب من البُر 612 كيلو جرامًا؛ لأن وزن الصاع من البُر اثنان كيلو وأربعون جرامًا (2.40) كيلو جرامًا فيما قدَّره بعض أهل العلم، ومن لم يبلغ محصوله نصابًا وأخرج قدر زكاتِه تطوعًا فهو خيرٌ له.
ومقدار الواجب في الحبوب والثمار: العُشُر فيما سُقي بلا كلفة، ونصف العشر فيما سُقي بكلفة، ولا يُضَمُّ جِنسٌ إلى جنس آخر، كالبُر مع الشعير، أو البُر مع الذرة، ويضم النوع إلى النوع، كالذرة البيضاء مع الذرة الحمراء، والتمر البَرْني مع التمر السُّكَّري.
ولا تُخصم التكاليف المدفوعة على الزرع والشجر من مقدار الزكاة، بل تؤدى الزكاة من خالص المحصول.
أيها المسلمون، بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم بسنته الواجبَ في زكاة الأنعام، وأنه يُشترط فيها أن تبلغ النصاب الشرعي، وهو خَمسٌ من الإبل، وثلاثون من البقر، وأربعون من الغنم، وأن يحول على الأنعام حول كامل عند مالكها وهي نصاب، وأن تكون سائمةً ترعى العشب، وتجب الزكاة في الماشية السائمة إن كانت تُعلف قدرًا يسيرًا.
وتفاصيل زكاة الأنعام لم يفصِّلها لنا الله سبحانه في القرآن، وفصَّلها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته المبينة لما أُجمِل في القرآن، ومن ذلك أنه يجب في أربعين شاة إلى مائة وعشرين شاةٌ واحدة، سواء كانت من الضأن أو الماعز، فكلها غنم، والواجب إخراج الوسط من الأنعام، لا من خياره، ولا من شراره، ولا يجوز في الزكاة إخراج المريضة والصغيرة والمعيبة.
أيها المسلمون، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((في الرِّكاز الخُمُس))، والرِّكاز ما يوجد من الكنوز القديمة قبل الإسلام، فيجب في الرِّكاز الخُمُس في قليله وكثيره، وهو ما وُجد من دفائن الجاهلية ذهبًا أو فضة أو غيرهما على القول الصحيح، فأربعة أخماس الرِّكاز لواجده، ويَصرف خُمُسه للمساكين، ويُشترط أن يوجد الرِّكاز في أرضٍ موات أو أرضٍ أحياها واجدُه، ويجوز البحث عن الكنوز في الأماكن التي لا يملكها أحد، ولا يجوز البحث عنها في مقابر المسلمين، ولا في الأراضي المملوكة، ولا يجوز الاستعانة بالجن في معرفة أماكن الكنوز أو في استخراجها، ويجوز أن يتفق مع مالك الأرض أن يبحث عن الكنوز في أرضه، فإن وجد شيئًا يكون بينهما على حسب ما يتفقان عليه بعد إخراج خُمُسه للمساكين، وإن كان الذي يملك الأرضَ عدةُ أشخاص فهم مشتركون في نصيبهم من الكنز، كلٌّ بحسب نصيبه من الأرض.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم وجميع المسلمين، وأسأل الله أن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا من فضله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أيها المسلمون، أهل الزكاة المستحقون لها هم الأصناف الثمانية الذين حصرهم الله عز وجل في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].
فالفقير أشد حاجة من المسكين، فالفقير من لا يجد شيئًا يسد حاجته، أو يجد أقلّ من نصف كفايته، والمسكين من يجد نصف كفايته أو أكثر من النصف، وقد يكون مع المسكين حِرفةٌ أو وظيفةٌ أو سيارة أو سفينة يعمل بها، كما قال تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79].
والعاملون عليها، هم المبعوثون من جهة السلطان لجباية الصدقات، فيُعطون من الزكاة بقدر أجرة عملهم في جمع الزكاة وكتابتها وحفظها وتوزيعها على مستحقيها.
والمؤلفة قلوبهم صِنفان: كفارٌ يُعْطَوْن من الزكاة تأليفًا لقلوبهم على الإسلام، ومسلمون ضعفاء الإيمان يُعطون من الزكاة تثبيتًا لإيمانهم أو لكف أذاهم.
وفي الرقاب، هم العبيد المسلمون والإماء المسلمات، فيُعتقون من مال الزكاة، وقد يكون العبد أو الأمة مُكَاتَبًا، فيُعطى من الزكاة ما يُسدِّد به كتابته.
والغارمون: جمع غارم، وهو المدِين الذي تَحَمَّلَ دينًا في غير معصية الله، سواء لنفسه في أمر مباح كالزواج والعلاج أو تحمَّل دينًا لغيره كإصلاح ذات البين، فيُعطى من الزكاة ما يُسدِّد به دينه، ومن الغارمين: المسجونون المعسِرون في سداد ديونهم المباحة، والأصح أنه لا يُشترط تمليك الغارم مال الزكاة، بل يجوز دفعه للدائن مباشرة.
وفي سبيل الله: المراد به الجهاد في سبيل الله، فيُعطى المجاهدون في سبيل الله من الزكاة ما يعينهم على الجهاد.
وابن السبيل: هو المسافر المنقطع عن بلده، الذي يحتاج إلى مال يستعين به في سفره المباح، فله حق في الزكاة بقدر ما يوصله إلى مقصده.
أيها المسلمون، لا يجوز صرف الزكاة في غير الأصناف الثمانية كبناء المساجد وإطعام الطعام وتكفين الموتى ونحو ذلك من فعل الخير، فالزكاة حقٌّ لمن سماهم الله في كتابه، فلا تُدفع لغيرهم.
فلا يجوز دفع الزكاة إلى الأغنياء والأقوياء القادرين على الكسب، وإذا لم يجد القادر على الكسب عملًا يناسب حاله فهو كالعاجز عن الكسب، فيجوز أن يُعطى من الزكاة.
ولا يجوز دفع الزكاة إلى من تجب على المسلم نفقتهم كالزوجة والآباء والأمهات، والأجداد والجدات، والأولاد من البنين والبنات، وأولاد الأولاد، لكن يجوز إعطاؤهم من الزكاة إن كانوا غارمين.
ولا تحل الزكاة لآل النبي محمد صلى الله عليه وسلم إكرامًا لهم عن الزكاة، ولشرفهم باتصالهم بنسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وآل النبي هم بنو هاشم، فكل من ثبت أنه من الهاشميين فلا يُعطى من الزكاة ولا الكفَّارة، ومذهب أكثر العلماء أن صدقة التطوع تجوز على المحتاجين من بني هاشم.
أيها المسلمون، لا تحديد في قدر ما يُعطى المسكين من الزكاة، قلَّ ذلك أو كثر، والأولى إن كثرت الزكاة أن يُعطى المسكين ما يستغني به، فإن كان يستطيع العمل في حِرفة أُعطِي مالًا يشتري به أدوات حرفته، وإن كان يستطيع التجارة أُعطِي رأس مالٍ لتجارة تناسبه، وهكذا.
أيها المسلمون، الأصل في الزكاة أن تُعطى المسكين، ويتصرف بها كيف يشاء في حاجاته المباحة، ولا يجوز إبراء المدِينِ مِنْ دينه بنية الزكاة، فتمليك الزكاة للفقراء والمساكين شرط في إجزائها.
عباد الله، المال فتنة، وقد أثنى الله على عباده الذين يؤتون الزكاة فقال: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور: 37]، وإذا مضت عدة سنين ولم يؤد صاحب الزكاة زكاتها لزمه التوبة بإخراج الزكاة عن كل ما مضى من السنين، فدين الله أحق بالقضاء، وإذا مات من لم يُخرج الزكاة فيجبُ على ورثته إخراجُ زكاته من رأس ماله، سواء أوصى بها أو لم يوص.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 9 - 11]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 254]، {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7].
أيها المسلمون، تُستحب صدقة التطوع في كل وقت ليلًا ونهارًا، سرًا وعلانية، لا سيما في رمضان، وفي وقت الغلاء والشدائد والنوازل، وكل معروف صدقة، وتجوز صدقة التطوع على الأغنياء، وهي للمحتاجين آكد، كالمساكين والمرضى ونحوهم، ومن أفضل الصدقة: إطعام الطعام وسقي الماء والمواساة بالمال، ويُشرع التعاون على البر والتقوى، وإعانة المتزوجين والمسافرين وطلاب العلم، والإهداء للأقارب والأصحاب، وإكرام اليتامى والضعفاء، ويُستحب للفقير أن يتصدق ولو باليسير، ولا يتصدق بمالٍ كثيرٍ يضر بمن تلزمه نفقتهم، ويُقدِّم قضاء الدَّين والغرامات الواجبة على صدقة التطوع، وتُستحب الصدقة عن الميت، لا سيما الوالدين وغيرهما من الأقارب.
أيها المسلمون، يقول ربنا تبارك وتعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 15، 16]، ويقول سبحانه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} [البقرة: 177].
أيها المسلمون، القرآن هدى للمتقين {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3]، والراحمون يرحمهم الله، ومن لا يَرحم لا يُرحم، فلنتواصى بالرحمة والزكاة والصدقة، وصلة الأرحام، وإكرام الضيف، وإطعام الجائع، وإغاثة الملهوف، ومواساة المحتاجين، {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]، كلٌ يُحسِن ويتصدق بقدر غناه واستطاعته، حتى المسكين ينفق مما أعطاه الله، كما قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]، وقال سبحانه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [آل عمران: 134]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ))، والصدقة سبب لتيسير الأمور، كما قال ربنا تبارك وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 7].
نسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يحبب إلينا الإيمان والعمل الصالح، وأن يجعلنا من المحسنين، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعلنا من المؤمنين الذين تنفعهم الذكرى، ونعوذ بك أن نكون ممن إذا ذُكِّروا لا يذكرون، اللهم انفعنا بما علَّمتنا، وعلِّمنا ما ينفعنا، وزِدنا عِلمًا، واغفِرْ لنا وارحمنا.
اللهم ارزقنا طاعتك وطاعة رسولك، ووفقنا للعمل بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
عباد الله، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
المرفقات
1736507204_خطبة فقهية عن الزكاة.docx
1736507204_خطبة فقهية عن الزكاة.pdf