خطبة: فضلُ الصّحابةِ وحقوقُهم
وليد بن محمد العباد
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة: فضلُ الصّحابةِ وحقوقُهم
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
فإنَّ اللهَ تعالى قد اختارَ لنبيِّه عليه الصلاةُ والسلامُ أنصارًا عدولاً، وصحابةً كرامًا، عزّروه ونصروه، وبذلوا أنفسَهم وأموالَهم في سبيلِ نُصرةِ دينِه، فسَبَقوا إلى كلِّ فضيلة ورضوانِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ قالَ ابنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ نظرَ في قلوبِ العباد، فوجدَ قلبَ محمّدٍ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ خيرَ قلوبِ العباد، فاصطفاه لنفسِه، وابتعثَه برسالتِه، ثمَّ نظرَ في قلوبِ العبادِ بعدَ قلبِ محمّدٍ فوجدَ قلوبَ أصحابِه خيرَ قلوبِ العباد، فجعلَهم وزراءَ نبيِّه. فما أعلاها من منزلة، وما أشرفَها من مكانة، وقد جاءت الآثارُ والأحاديثُ الكثيرة، في بيانِ شرفِهم وعظيمِ شأنِهم ورفيعِ منزلتِهم وجلالةِ قدرِهم، قالَ صلّى اللهُ عليه وسلّم: خيرُ النّاسِ قَرْني ثمَّ الذينَ يلونَهم، ثمَّ الذينَ يلونَهم. وقالَ عليه الصلاةُ والسّلام: لا تسبُّوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيدِه، لو أنفقَ أحدُكم مثلَ أُحُدٍ ذهبًا، ما بلغَ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفَه. فاتّقوا اللهَ رحمكم الله، واعرفوا لصحابةِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ فضلَهم، وأحبُّوهم وعظِّمُوهم، مع الإكثارِ لهم من التّرضِّي والثّناءِ والدّعاء، من غيرِ إفراطٍ ولا تفريطٍ ولا غلوٍّ ولا جفاء، فحبُّهم إيمانٌ وطاعةٌ وإحسان، وبغضُهم نفاقٌ وشقاقٌ وعصيان. ولْتَقْرَأُوا سيرتَهم في بيوتِكم ومجالسِكم، لِيَتَعَرَّفَ الشبابُ على هديِهم ويقتدوا بهم، فقد كانَ السّلفُ يُعلِّمونَ أولادَهم حبَّ الصّحابةِ رضيَ اللهُ عنهم وأرضاهم. قالَ الإمامُ مالكٌ رحمه الله: كانوا يُعَلِّمونَنَا حبَّ أبي بكرٍ وعمر، كمَا يُعَلِّمونَنَا السّورةَ من القرآن. مع الحذرِ من الطّعنِ فيهم، فإنَّ الطّعنَ فيهم طعنٌ في دينِ الله، قالَ أبو زُرْعَةَ الرّازيُّ رحمه الله: إذا رأيتُم الرَّجلَ يَنْتَقِصُ أحدًا من أصحابِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّم، فاعلموا أنّه زنديق. اللهمّ ارضَ عن صحابةِ نبيِّك الكريم، واجزِهم عنّا خيرَ الجزاء، اللهمّ امْلأْ قلوبَنا بمحبَّتِهم، واحشرْنا في زمرتِهم، ربَّنا اغفرْ لنا ولإخوانِنا الذينَ سبقونا بالإيمان، ولا تجعلْ في قلوبِنا غِلاًّ للذينَ آمنوا، ربَّنا إنّك رؤوفٌ رحيم.
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعد، عبادَ الله:
اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار. اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 1443/7/3 هـ