خطبة: فضل الزيارة في الله
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: فضل الزيارة في الله
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ، نَحمدُه ونَستعينُه ونَستهديه، ونَعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهده اللهُ فلا مُضلَّ له، ومَن يُضللْ فلا هاديَ له، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأَشهدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورسولُه، صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ عبادَ الله
مِن المظاهرِ الجميلةِ والعاداتِ النّبيلة، والتي تَتجلّى في العيدِ بشكلٍ كبير، ظاهرةُ الزّياراتِ في الله، فيزورُ الرّجلُ أخاه أو قريبَه أو جارَه أو صديقَه لأنّه يُحبُّه في الله، لا لمصالحَ ولا مكاسب، بل ليَرقى بذلك عندَ اللهِ أعلى المراتب، فيَزورُه ليُسلّمَ عليه ويَطْمَئِنَّ على صحتِه وأهلِه، ويَتبادلُ معه التّحيّةَ والحديثَ والتّهانيَ والدّعاءَ والذّكريات، وقد يُصاحبُ ذلك شيءٌ مِن الهدايا والمُداعبةِ والمُزاح، إنّها ظاهرةٌ إيمانيّةٌ واجتماعيّةٌ فريدة، قَلَّ أنْ تُوجدَ عندَ غيرِنا نحن المسلمين، وهي مِن العباداتِ التي يَتقرّبُ بها المسلمُ لربِّه عزَّ وجلّ، ويَنتُجُ عنها الكثيرُ مِن الآثارِ الإيجابيّة، كالأُلفةِ وتَقويةِ أواصرِ المحبّةِ وروابطِ الأخوّة، والتّواصُلِ والتّلاحُمِ والتّراحُم، وإزالةِ ما قد يُلقيهِ الشّيطانُ مِن الشّحناءِ والبغضاءِ والهجرِ والقطيعة، مع ما يَترتّبُ عليها مِن الأجرِ العظيمِ والثّوابِ الجزيل، إنّها دليلٌ على الإيمانِ وحُسنِ الخُلُقِ والتّوفيقِ وسلامةِ الصّدور، وسببٌ لنَيْلِ محبّةِ اللهِ عزَّ وجلَّ ودخولِ الجنّة، قالَ صلى اللهُ عليه وسلم: قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: وَجَبَتْ مَحبّتي للمُتحابِّينَ فِيَّ، والمُتجالسينَ فِيَّ، والمُتزاوِرينَ فِيَّ، والمُتباذِلينَ فِيَّ. وقالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: مَن عادَ مَريضًا أو زارَ أخًا له في الله، ناداه مُنادٍ: أنْ طِبْتَ وطابَ مَمْشاك، وتَبَوّأْتَ مِن الجنّةِ مَنزلًا. إنّها ظاهرةٌ مباركة، تَعكسُ للعالمِ أنّ في دينِنا فُسحة، وتُتَرْجِمُ ما يَدعو إليه دينُنا الحنيف، مِن السّماحةِ وحُسنِ الخُلُقِ والمَودّةِ والرّحمةِ والتّسامحِ والتّصافحِ والسّلام، والقوّةِ ووَحدةِ الكلمةِ والبُنيانِ المرصوصِ والجسدِ الواحد، مِن غيرِ حِقدٍ ولا حَسدٍ ولا بَطَرٍ ولا إِثمٍ ولا غِيبةٍ ولا نَميمةٍ ولا تَكلّفٍ ولا إسراف، فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وتَزاوروا فيما بينَكم، واعلموا أنّ السّعيدَ والمُوفّقَ هو الذي يُبادرُ بالزّيارةِ أو يَكونُ سببًا فيها، يَبتغي بذلك وجهَ الله، فما أعظمَ مَنزلتَه عندَ الله، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إنّ رجلًا زارَ أخًا له في قَريةٍ أخرى، فأَرْصَدَ اللهُ له على مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، أيْ في طريقِه، فلمّا أَتَى عليه قالَ: أينَ تُريد؟ قالَ: أُريدُ أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه مِن نعمةٍ تَرُبُّها؟ أيْ هل لك مَصلحةٌ تُريدُها منه؟ قالَ: لا، غيرَ أنّي أَحببتُه في اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنّي رسولُ اللهِ إليك بأنّ اللهَ قد أَحَبَّك كمَا أَحببتَه فيه. نَسألُ اللهَ مِن فَضلِه، فما أَجملَ تلك الزّياراتِ التي تُؤلّفُ القلوب، فإنّ تَآلفَ القلوبِ وتَزَاورَها نِعمةٌ مِن أَجَلِّ النِّعَم، قالَ تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) نَسألُ اللهَ تعالى أنّ يُؤلّفَ بينَ قلوبِ المسلمين، ويُصلحَ ذاتَ بينِهم، وأنْ يَجعلَنا إخوةً مُتحابّينَ مُتآلفينَ مُتزاوِرين، وفي الجنّةِ على مَنابرَ مِن نُورٍ يَغبِطُهم النَّبيّونَ والشُّهداءُ، وذلك فَضلُ اللهِ يُؤتيهِ مَن يَشاء، واللهُ ذو الفضلِ العظيم.
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله:
اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشّركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأَنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في غزّةَ وفلسطينَ، وفي كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ عليك باليهودِ الغاصبين، والصّهاينة المعتدين، وسائرِ أعداءِ الملّةِ والدّين، اللهم عليك بهم فإنّهم لا يُعجزونَك، اللهمّ أَنزلْ بهم بأسَك الذي لا يُرَدُّ عن القومِ المجرمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصّالحةَ النّاصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رَشَدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدّعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: مَن صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عَشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. فاذكروا اللهَ العظيمَ يَذكرْكم، واشكروه على آلائِه ونعمِه يَزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 10/ 10/ 1445هـ