خطبة : ( غيروا فغير الله عليهم )

عبدالله البصري
1438/07/10 - 2017/04/07 06:11AM
غيروا فغير الله عليهم 10 / 7 / 1438
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّنَا في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ ، نَتَقَلَّبُ في نِعَمٍ عَظِيمَةٍ وَآلاءٍ جَسِيمَةٍ ، مَلَّكَنَا اللهُ إِيَّاهَا بِحَولِهِ وَقُوَّتِهِ ، وَمَكَّنَهَا لَنَا بِفَضلِهِ وَمِنَّتِهِ ، فَلَهُ – تَعَالى – وَحدَهُ الفَضلُ وَالمِنَّةُ عَلَى جَمِيعِ خَلقِهِ ، وَلَهُ وَافِرُ الحَمدِ أَوَّلاً وَآخِرًا ، وَمَزِيدُ الشُّكرِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا .
وَإِذَا عُدَّتِ النِّعَمُ وَذُكِرَت ، فَإِنَّ أَجَلَّهَا وَأَعظَمَهَا ، هِيَ نِعمَةُ الإِيمَانِ وَالهِدَايَةِ إِلى صِرَاطِ اللهِ المُستَقِيمِ ، وَمُجَانَبَةِ سُبُلِ أَهلِ الغِوَايَةِ وَالجَحِيمِ ، تِلكَ النِّعمَةُ الَّتي مَن أُوتِيَهَا فَقَد أُوتِيَ الخَيرَ كُلَّهُ وَإِن كَانَ في دُنيَاهُ في عُسرٍ وَشِدَّةٍ أَو فَقرٍ وَقِلَّةٍ ، وَمَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ وَإِن عَاشَ في دُنيَاهُ مُتَقَلِّبًا في يُسرٍ وَلِينٍ وَغِنًى وَيَسَارٍ ، وَإِذَا رَأَيتَ القَومَ يَقدُرُونَ هَذِهِ النِّعمَةَ حَقَّ قَدرِهَا ، وَلا يَألُونَ جُهدَهُم في المُحَافَظَةِ عَلَيهَا ، فَاعلَمْ أَنَّهُم مَا زَالُوا بِخَيرٍ وَإِلى خَيرٍ ، وَإِن كَانَتِ الأُخرَى عِيَاذًا بِاللهِ ، وَتَعَلَّقَ النَّاسُ بِكُلِّ شَيءٍ مِن أَمرِ الدُّنيَا وَأَقبَلُوا عَلَيهِ ، وَتَهَاوَنُوا في أَمرِ دِينِهِم وَنَسُوا آخِرَتَهُم ، فَاعلَمْ أَنَّهُم قَد أُرِيدَ بِهِم سُوءٌ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ " ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَم يَكُ مُغَيِّرًا نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " " إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَومٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِن دُونِهِ مِن وَالٍ "
وَلَقَد قَصَّ اللهُ عَلَينَا في كِتَابِهِ قِصَصًا وَمَوَاقِفَ لِمَن خَلَوا مِن قَبلِنَا ، مِمَّن غَيَّرُوا وَبَدَّلُوا ، فَغَيَّرَ اللهُ عَلَيهُم وَبَدَّلَ حَالَهُم ، وَأَذَاقَهُم عَاقِبَةَ مَكرِهِم وَسُوءِ فِعَالِهِم . وَلِمُتَأَمِّلٍ أَن يَقرَأَ في كِتَابِ اللهِ وَيَتَدَبَّرَ ؛ لِيَجِدَ ذَلِكَ جَلِيًّا في مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ ، يَدُلُّ كُلٌّ مِنهَا عَلَى سَبَبٍ مِن أَسبَابِ التَّغيِيرِ السَّيِّئِ الَّذِي هَلَكَ بِهِ مَن هَلَكَ .
يَأتي عَلَى رَأسِ ذَلِكَ وَفي مُقَدِّمَتِهِ ، مَا يُسَبِّبُهُ المُترَفُونَ الفَاسِقُونَ ، الَّذِينَ يَغتَرُّونَ بِمَا أَنعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيهِم مِن سُلطَةٍ وَغِنًى ، فَيَستَغِلُّونَهُ في الفَسَادِ وَالإِفسَادِ ، وَظُلمِ عِبَادِ اللهِ وَالتَّعَدِّي عَلَيهِم ، وَالخُرُوجِ عَن أَمرِ اللهِ وَطَاعَتِهِ ، وَالوُقُوعِ في الكُفرِ بِهِ وَمَعصِيَتِهِ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَإِذَا أَرَدنَا أَن نُهلِكَ قَريَةً أَمَرنَا مُترَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرنَاهَا تَدمِيرًا . وَكَم أَهلَكنَا مِنَ القُرُونِ مِن بَعدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا " وَيَزيدُ أَمرُ المُترَفِينَ سُوءًا حِينَ يَشتَغِلُونَ بِالمُؤمِنِينَ وَيَتَرَبَّصُونَ بِهِم وَيُدَبِّرُونَ الخِطَطَ لِلمَكرِ بِهِم ، سَوَاءٌ بِسِيَاسَاتٍ جَائِرَةٍ ، أَو كِتَابَاتٍ سَاخِرَةٍ ، أَو أَنظِمَةٍ مَاكِرَةٍ ، فَتِلكَ مُصِيبَةٌ تَحُلُّ بِهِم وَلَو بَعدَ حِينٍ ، وَظُلمٌ لا يُقَرُّونَ عَلَيهِ وَلَو أُمهِلُوا قَلِيلاً وَأُملِيَ لَهُم يَسِيرًا ، قَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " وَمَكَرُوا مَكرًا وَمَكَرنَا مَكرًا وَهُم لا يَشعُرُونَ . فَانظُرْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكرِهِم أَنَّا دَمَّرنَاهُم وَقَومَهُم أَجمَعِينَ . فَتِلكَ بُيُوتُهُم خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَعلَمُونَ . وَأَنجَينَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ "
أَجَلْ - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ – إِنَّهُ لا يَضُرُّ النَّاسَ مَعصِيَةٌ خَفِيَّةٌ ، وَلا يُهلَكُ العَامَّةُ بِذَنبٍ بَينَ عَبدٍ وَرَبِّهِ ، وَلا يُؤخَذُونَ بِضِعفٍ بَشَرِيٍّ وَغَفلَةٍ عَابِرَةٍ يَعقُبُهَا صَلاحُ أَمرٍ وَانتِبَاهٌ ، وَلَكِنَّ المُصِيبَةَ كُلَّ المُصِيبَةِ ، أَن يُجمَعَ أَمرُ المُجتَمَعِ عَلَى مُحَارَبَةِ الصَّلاحِ وَالوُقُوفِ في وُجُوهِ المُصلِحِينَ ، وَحِينَئِذٍ فَلا مَنَاصَ مِنَ العُقُوبَةِ الرَّبَّانِيَّةِ ، قَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ "
نَعَم – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - مَا دَامَ أَهلُ القُرَى مُصلِحِينَ ، يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكِرِ وَيُذَكِّرُ بَعضُهُم بَعضًا ، وَيَدعُو كُلٌّ مِنهُمُ الآخَرَ إِلى الخَيرِ وَيُثَبِّتُهُ عَلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، وَيَتَعَاوَنُونَ عَلَى البَرِّ وَالتَّقوَى ، فَهُم في أَمَانٍ مِنَ الهَلاكِ وَالعَذَابِ ، فَإِذَا تَرَكُوا الإِصلاحَ وَلم يَتَنَاهَوا عَنِ المُنكَرِ ، وَكَثُرَ فِيهِمُ الخَبَثُ وَقَادَهُمُ المُفسِدُونَ ، وَكَرِهُوا المُصلِحِينَ وَأَبغَضُوهُم ، أَو أَخرَجُوهُم وَنَفَوهُم ، أَو مَكَرُوا بِهِم وَحَالُوا بَينهُم وَبَينَ الإِصلاحِ ، فَقَد عَرَّضُوا أَنفُسَهُم لأَن تَقَعَ عَلَيهِم سُنَّةُ الإِهلاكِ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ، قَالَ – سُبحَانهُ - : " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَني إِسرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَريَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ . كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ . تَرَى كَثِيرًا مِنهُم يَتَوَلَّونَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَت لَهُم أَنفُسُهُم أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيهِم وَفي العَذَابِ هُم خَالِدُونَ. وَلَو كَانُوا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مَا اتَّخَذُوهُم أَولِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنهُم فَاسِقُونَ " وَعَن زَينَبَ بِنتِ جَحشٍ- رَضِيَ اللهُ عَنهَا - أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيهَا فَزِعًا يَقُولُ : " لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَيلٌ لِلعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقتَرَبَ ، فُتِحَ اليَومَ مِن رَدمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثلُ هَذِهِ " وَحَلَّقَ بَينَ أَصبُعَيهِ الإِبهَامِ وَالَّتي تَلِيهَا ، فَقُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَنَهلِكَ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟! قَالَ : " نَعَم إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَسَبَبٌ آخَرُ مُشَابِهٌ يَشتَرِكُ فِيهِ المُترَفُونَ وَغَيرُهُم ، وَبِهِ يَجلِبُونَ الشَّرَّ لأَنفُسِهِم وَمُجتَمَعَاتِهِم ، ذَلِكُم هُوَ الكُفرُ بِأَنعُمِ اللهِ وَعَدَمُ رِعَايَتِهَا ، وَالتَّلاعُبُ بِهَا وَالغَفلَةُ عَن شُكرِهَا ، وَتَبدِيدُهَا في المُنَافَسَاتِ ، وَالتَّسَابُقُ إِلى ذَلِكَ وَالمُبَاهَاةُ بِهِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بِمَا كَانُوا يَصنَعُونَ " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَكَم أَهلَكنَا مِن قَريَةٍ بَطِرَت مَعِيشَتَهَا فَتِلكَ مَسَاكِنُهُم لم تُسكَنْ مِن بَعدِهِم إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحنُ الوَارِثِينَ . وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهلِكَ القُرَى حَتَّى يَبعَثَ في أُمِّهَا رَسُولاً يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهلِكِي القُرَى إِلاَّ وَأَهلُهَا ظَالِمُونَ " وَقَالَ - تَعَالى - : " لَقَد كَانَ لِسَبَإٍ في مَسكَنِهِم آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِزقِ رَبِّكُم وَاشكُرُوا لَهُ بَلدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ . فَأَعرَضُوا فَأَرسَلنَا عَلَيهِم سَيلَ العَرِمِ وَبَدَّلنَاهُم بِجَنَّتَيهِم جَنَّتَينِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمطٍ وَأَثلٍ وَشَيءٍ مِن سِدرٍ قَلِيلٍ . ذَلِكَ جَزَينَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَل نُجَازِي إِلاَّ الكَفُورَ "
وَمِن أَسَبَابِ التَّغيِيرِ الَّتي يُمَارِسُهَا النَّاسُ فَيُغَيِّرُ اللهُ مَا بِهِم ، أَن تَأخُذَ بِهِمُ الغَفلَةُ عَن سُنَنِ اللهِ ، وَيَمُوتَ إِحسَاسُهُم بِأَسبَابِ إِهلاكِ اللهِ لِمَن قَبَلَهُم وَمَن حَولَهُم ، يَقرَؤُونَ عَن أُمَمٍ بَادَت وَاختَفَت ، وَيَسمَعُونَ عَن دُوَلٍ سَقَطَت وَذَهَبَت ، بَل وَيُشَاهِدُونَ أُنَاسًا مِن حَولِهِم يُتَخَطَّفُونَ وَتُهلِكُهُمُ الحُرُوبُ وَالمَجَاعَاتُ ، وَيَعلَمُونَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ هُوَ الذُّنُوبُ وَالمَعَاصِي وَالإِعرَاضُ عَن أَمرِ اللهِ ، وَهُم مَا يَزَالُونَ في رَغَدٍ وَأَمنٍ وَشِبَعٍ ؛ لِمَا هُم عَلَيهِ مِن بَقِيَّةِ صَلاحٍ وَإِصلاحٍ وَإِيمَانٍ وَسُنَّةٍ ، ثُمَّ يُصِرُّونَ إِلاَّ أَن يَسلُكُوا مَسَالِكَ الظَّالِمِينَ ، وَيَتبَعُوا سُنَنَ الهَالِكِينَ ، وَيُغَيِّرُوا مَا هُم عَلَيهِ مِن عُبُودِيَّةٍ لِرَبِّ العَالَمِينَ ، طَاعَةً لِلشَّيَاطِينِ ، وَتَأَثُّرًا بِالمُفسِدِينَ ، وَسَيرًا وَرَاءَ مَن يَبُثُّونَ الشُّبُهَاتِ في قَنَوَاتِهِمْ ، وَمَيلاً إِلى مُتَّبِعِي الشَّهَوَاتِ وَتَصدِيقًا لِدِعَايَاتِهِم ، فَيَا لَخَسَارَتِهِم " يَومَ يَأتِيهِمُ العَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَم تَكُونُوا أَقسَمتُم مِن قَبلُ مَا لَكُم مِن زَوَالٍ . وَسَكَنتُم في مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم وَتَبَيَّنَ لَكُم كَيفَ فَعَلنَا بِهِم وَضَرَبنَا لَكُمُ الأَمثَالَ "
نَعم ، لَقَد سَكَنُوا في مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنَفُسَهُم وَسَلَكُوا مَسَالِكَهُم ، وَفَعَلُوا فِعلَهُم وَتَخَلَّقُوا بِأَخلاقِهِم ، وَسَارُوا خَلفَ قَنَوَاتِهِم وَانجَرُّوا لِدَعَوَاتِهِم ، وَلَبِسُوا لِبَاسَهُم وَأَخَذُوا عَادَاتِهِم ، وَضَعُفُوا أَمَامَ شُبُهَاتِهِم وَانهَزَمُوا لِشَهَوَاتِهِم ، ظَانِّينَ أَنَّهُم في مَأمَنٍ مَن أَن يُصِيبَهُم مَا أَصَابَ أُولَئِكَ المُعَذَّبِينَ ، غَافِلِينَ عَن أَنَّ السُّنَنَ الرَّبَّانِيَّةَ لا تَتَغَيَّرُ وَلا تَتَبَدَّلُ ، قَالَ – جَلَّ مِن قَائِلٍ - :" فَهَل يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحوِيلاً " وَقَالَ – سُبحَانَهُ – : " أَلَم يَرَوا كَم أَهلَكنَا مِن قَبلِهِم مِن قَرنٍ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ مَا لم نُمَكِّنْ لَكُم وَأَرسَلنَا السَّمَاءَ عَلَيهِم مِدرَارًا وَجَعَلنَا الأَنهَارَ تَجرِي مِن تَحتِهِم فَأَهلَكنَاهُم بِذُنُوبِهِم وَأَنشَأنَا مِن بَعدِهِم قَرنًا آخَرِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ شُكرَ النِّعَمِ وَمِن أَجَلِّهَا نِعمَةُ الإِسلامِ وَالإِيمَانِ وَاتِّبَاعِ السُّنَّةِ ، لَهُوَ السَّبِيلُ الَّذِي لا يَخرُجُ عَنهُ قَومٌ أَو مُجتَمَعٌ أَو دَولَةٌ ، وَيُبتَلُوا بِالسَّيرِ في ضِدِّهِ وَهُوَ الكُفرُ وَالجُحُودُ وَالتَّوَلِّي ، إِلاَّ مَقَتُوا أَنفُسَهُم وَتَعَرَّضُوا لِعَذَابِ اللهِ ، وَنَزَعُوا عَنهُم لِبَاسَ العَافِيَةِ ، فَاتَّقَوا اللهَ وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفرُوهُ ، وَتُوبُوا إِلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ ، قَالَ- تَعَالى - : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " إِن تَكفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنكُم وَلا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكُفرَ وَإِن تَشكُرُوا يَرضَهُ لَكُم وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى ثُمَّ إِلى رَبِّكُم مَرجِعُكُم فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد عَلِمَ أَعدَاءُ اللهِ أَنَّهُم لَن يَستَطِيعُوا الاستِيلاءَ عَلَى المُسلِمِينَ وَقِيَادَتَهُم إِلى مَا يُرِيدُونَهُ بِهِم ، إِلاَّ بِتَغيِيرِ مَا هُم عَلَيهِ مِن تَدَيُّنٍ وَاستِقَامَةٍ وَالتِزَامٍ ، وَنَزعِ مَا يَلُفُّهُم وَيَشرُفُونَ بِهِ مِن سِترٍ وَصِيَانَهٍ وَاحتِشَامٍ ، إِمَامُهُم في ذَلِكَ وَقَائِدُهُم الشَّيطَانُ ، العَدُوُّ الأَوَّلُ لِبَني الإِنسَانِ ، وَلْنَتَأَمَّلَ قَولَ رَبِّنَا – جَلَّ وَعَلا - : " يَا بَني آدَمَ قَد أَنزَلنَا عَلَيكُم لِبَاسًا يُوَارِي سَوآتِكُم وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ ذَلِكَ مِن آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ . يَا بَني آدَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطَانُ كَمَا أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُم هُوَ وَقَبِيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُم إِنَّا جَعَلنَا الشَّيَاطِينَ أَولِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ " إِنَّ ثَمَّةَ تَلازُمًا كَبِيرًا بَينَ السِّترِ وَالاحتِشَامِ وَبَينَ تَقوَى اللهِ وَالإِيمَانِ ، وَمَتَى نُزِعَ اللِّبَاسُ وَتُرِكَ الاحتِشَامُ ، كَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى تَلاشِي التَّقوَى وَانعِدَامِ الإيمَانِ ، وَلِهَذَا فَإِنَّ أَعدَاءَ اللهِ في قَنَوَاتِهِم وَوَسَائِلِ إِعلامِهِم ، مَا زَالُوا وَلَن يَزَالُوا يُحَاوِلُونَ هَدمَ صَرحَ الإِيمَانِ في المُجتَمَعِ بِهَدمِ لَبِنَاتِهِ ، تِلكُم هِيَ الأُسَرُ المُسلِمَةُ المُؤمِنَةُ المُحتَشِمَةُ المُلتَزِمَةُ ، وَعِمَادُهَا المَرأَةُ المُسلِمَةُ التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ ، الَّتي بِصَلاحِهَا تَصلُحُ الأُسرَةُ ، وَبِاستِقَامَتِهَا يَستَقِيمُ أَفرَادُهَا ، وَبِفَسَادِهَا يَتَهَاوَى البُنيَانُ وَيَسقَطُ ، وَيَتَبَدَّدُ الشَّملُ وَتَنفَصِمُ العُرَى . أَجَل – أَيُّهَا الإِخوَةُ - إِنَّ أَعدَاءَ اللهِ وَأَعدَاءَ الفَضِيلَةِ وَرَافِعِي لِوَاءِ الرَّذِيلَةِ ، يَعلَمُونَ أَنَّ أَسهَلَ الوَسَائِلِ لِتَغيِيرِ مُجتَمَعِ المُسلِمِينَ وَتَبدِيلِهِ وَالانحِرَافِ بِهِ ، هُوَ الاِنحِرَافُ بِهَذِهِ المَرأَةِ وَتَغيِيرُ سُلُوكِهَا وَإِخرَاجُهَا مِن بَيتِهَا ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُم لا يَألُونَ جُهدًا لإِفسَادِهَا إِلاَّ بَذَلُوهُ ، وَلا يَترُكُونَ سَبِيلاً لِلمَيلِ بِهَا إِلاَّ سَلَكُوهُ ، يَدعُونَهَا لِلعَمَلِ ، وَيُغرُونَهَا بِالتَّرفِيهِ ، وَيُدَغدِغُونَ مَشَاعِرَهَا بِدَعوَى أَنَّهُم يُرِيدُونَهَا حُرَّةً ، أَو أَنَّهُم سَيَرفَعُونَ الظُّلمَ عَنهَا وَيُعطُونَهَا حُقُوقَهَا المَسلُوبَةَ ، وَاللهُ يَعلَمُ إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ ، وَأَنَّ مُرَادَهُم هُوَ انفِلاتُهَا مِن دِينِهَا ، وَتَحطِيمُهَا لِقِيَمِهَا ، وَتَركُهَا لِبَيتِهَا ، وَتَمَرُّدُهَا عَلَى وَلِيِّهَا ، وَإِهمَالُهَا لِرِسَالِتَهَا ، وَالتِفَاتُهَا عَن أَبنَائِهَا ، لِيَنَالُوا حُرِّيَّتَهُم في التَّلاعُبِ بِجَسَدِهَا ، وَهَتكِ عِرضِهَا وَإِسقَاطِ شَرَفِهَا ، وَعِندَ ذَلِكَ يَسهُلُ عَلَيهِم تَغيِيرُ مُجتَمَعَاتِ المُسلِمِينَ مِنَ التَّدَيُّنِ وَالاحتِشَامِ ، وَإِرجَاعُهَا إِلى الجَاهِلِيَّةِ وَإِيَقاعُهَا في الحَرَامِ ، وَالرَّميُ بها في مُستَنقَعَاتِ الإِجرَامِ وَكَبَائِرِ الآثَامِ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ فَاثبُتُوا ، وَاللهَ اللهَ أَن تَطمَعُوا في الدُّنيَا وَتُضِيعُوا الدِّينَ ، أَو تَخِفُّوا مَعَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ، أَو تَسِيرُوا خَلفَ دِعَايَاتِ المُجرِمِينَ المُفسِدِينَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ . وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ "
المرفقات

غيروا فغير الله عليهم.doc

غيروا فغير الله عليهم.doc

غيروا فغير الله عليهم.pdf

غيروا فغير الله عليهم.pdf

المشاهدات 2003 | التعليقات 4

جزاك الله خيرا


جزاك الله خير يا شيخ عبدالله
خطبة رائعة جدا


خطبة رائعة تمس الواقع أسأل الله العظيم ان يصلح لنا الحال والمآل


سلِمت يمينُك يا شيخ عبدالله ..