خطبة عيد النحر 1437

عبدالله البصري
1437/12/07 - 2016/09/08 20:17PM
خطبة عيد النحر 1437
الخطبة الأولى :
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
" الحَمدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم يَعدِلُونَ . هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُم تَمتَرُونَ . وَهُوَ اللهُ في السَّمَاوَاتِ وَفي الأَرضِ يَعلَمُ سِرَّكُم وَجَهرَكُم وَيَعلَمُ مَا تَكسِبُونَ " وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ ، وَحُجَّةً عَلَى الخَلقِ أَجمَعِينَ ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الأَمِينِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَالتَّابِعِينَ ، وَمَن تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ وَسَارَ عَلَى نَهجِهِم إِلى يَومِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعدُ ، فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤمِنُونَ " وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّكُمُ في يَومٍ عَظِيمٍ مِن أَيَّامِ اللهِ ، خُتِمَت بِهِ أَيَّامٌ مَعلُومَاتٌ ، وَتَتلُوهُ أَيَّامٌ مَعدُودَاتٌ ، وَكُلُّهَا أَيَّامٌ شَرِيفَةٌ مُنِيفَةٌ ، شُرِعَت لِلمُسلِمِينَ فِيهَا أَعمَالٌ هِيَ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَعظَمِ الطَّاعَاتِ وَأَزكَاهَا عِندَ اللهِ ، مِن حَجِّ بَيتِ اللهِ الحَرَامِ ، وَالوُقُوفِ بِالمَشَاعِرِ العِظَامِ ، وَصَلاةِ العِيدِ وَذَبحِ الهَديِ وَالأَضَاحِي ، وَذِكرِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ – وَالتَّلبِيَةِ ، في أَقوَالٍ وَأَعمَالٍ وَأَنسَاكٍ يَتَجَلَّى فِيهَا تَوحِيدُ اللهِ وَإِفرَادُهُ بِالعِبَادَةِ ، وَالانقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ وَالخُلُوصُ مِنَ الشِّركِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " قُلْ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَرْ "
وَعَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : خَطَبَنَا النَّبيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَومَ النَّحرِ قَالَ : " إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبدَأُ بِهِ في يَومِنَا هَذَا أَن نُصَلِّيَ ، ثُمَّ نَرجِعَ فَنَنحَرَ ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَقَد أَصَابَ سُنَّتَنَا ، وَمَن ذَبَحَ قَبلَ أَن يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحمٌ عَجَّلَهُ لأَهلِهِ لَيسَ مِنَ النُّسُكِ في شَيءٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَعظَمَ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ ثم يَومُ القَرِّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " يَومُ عَرَفَةَ وَيَومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ " أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ – تَعَالى - : " وَاذكُرُوا اللهَ في أَيَّامٍ مَعدُودَاتٍ "
وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَزَادَ غَيرُهُ : " وَذِكرٍ للهِ "
مَا أَجمَلَ المُسلِمِينَ في هَذِهِ الأَيَّامِ العَظِيمَةِ وَهُم يَتَقَرَّبُونَ إِلى اللهِ بِأَعمَالٍ جَلِيلَةٍ يَظهَرُ فِيهَا تَوحِيدُهُم لِرَبِّهِم ، وَتَعظِيمُهُم لأَيَّامِهِ وَأَوَامِرِهِ وَشَعَائِرِهِ وَحُرُمَاتِهِ " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ " " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّنا عَلَى دِينٍ عَظِيمٍ ، هُوَ مِلَّةُ أَبِينَا إِبرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشرِكِينَ ، إِنَّهُ الدِّينُ الَّذِي ارتَضَاهُ اللهُ لَنَا وَأَتَمَّ بِهِ عَلَينَا النِّعمَةَ ، وَلا يَقبَلُ مِن أَحَدٍ دِينًا سِوَاهُ ، قَالَ – تَعَالى - : " اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا "
وَقَالَ – تَعَالى - : " وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ "
وَإِنَّ مِن تَمَامِ نِعمَةِ اللهِ عَلَينَا في بِلادِنَا أَن وَفَّقَنَا لِسُلُوكِ طَرِيقَةِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ، طَرِيقَةِ القُرُونِ المُفَضَّلَةِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ ، مِن أَهلِ الاقتِدَاءِ وَاتِّبَاعِ الأَثَرِ ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتي انحَرَفَت عَنهَا الفِرَقُ الضَّالَّةُ الَّتي أَخبَرَ بها نَبِيُّنَا – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – حَيثُ قَالَ : " افتَرَقَتِ اليَهُودُ عَلَى إِحدَى وَسَبعِينَ فِرقَةً ، فَوَاحِدَةٌ في الجَنَّةِ وَسَبعُونَ في النَّارِ ، وَافتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنتَينِ وَسَبعِينَ فِرقَةً ، فَإِحدَى وَسَبعُونَ في النَّارِ وَوَاحِدَةٌ في الجَنَّةِ ، وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفتَرِقَنَّ أُمَّتي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبعِينَ فِرقَةً ، وَاحِدَةٌ في الجَنَّةِ وَثِنتَانِ وَسَبعُونَ في النَّارِ " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَن هُم ؟ قَالَ : " الجَمَاعَةُ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَفي رِوَايَةٍ عِندَ التِّرمِذِيِّ قَالَ : " مَا أَنَا عَلَيهِ وَأَصحَابي "
نَعَم – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - لَقَد وَفَّقَ اللهُ أَهلَ السُّنَّةِ في هَذِهِ البِلادِ فَثَبَتُوا عَلَى مِثلِ مَا كَانَ عَلَيهِ مُحَمَّدٌ وَأَصحَابُهُ في العِلمِ وَالعَمَلِ وَالاعتِقَادِ ، وَاقتَفَوهُم في الهَديِ وَالسُّلُوكِ وَالأَخلاقِ ، وَمَشَوا عَلَى طَرِيقِ التَّابِعِينَ لهم بِإِحسَانٍ مِن أَئِمَّةِ الدِّينِ المَهدِيِّينَ وَالعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ ، فَكَانُوا أَحرَصَ النَّاسِ عَلَى اتِّبَاعِ الدَّلِيلِ وَأَكثَرَهُم مُوَافَقَةً لِلسُّنَنِ ، بِخِلافِ الفِرَقِ الَّتي انحَرَفَت وَضَلَّت ، فَقَدَّمَتِ العَقلَ عَلَى النَّقلِ ، أَو حَاكَمَتِ الدَّلِيلَ الشَّرعِيَّ بِآرَاءِ الفَلاسِفَةِ ، أَوِ اعتَمَدَت عَلَى الذَّوقِ وَالرُّؤَى المَنَامِيَّةِ ، فَجَعَلَت تَتَخَبَّطُ في الظُّلُمَاتِ قُرُونًا عَدِيدَةً ، قَابِعَةً في الزَّوَايَا ، مُتَأَخِّرَةً عَن مَنَابِرِ القِيَادَةِ وَمَوَاقِعِ الرِّيَادَةِ ، في الحِينِ الَّذِي ظَلَّ فِيهِ مَنهَجُ الحَقِّ مَحفُوظًا عَلَى مَرِّ السِّنِينَ ، تَحقِيقًا لِوَعدِ اللهِ الَّذِي أَخبَرَ بِهِ نَبِيُّهُ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – حَيثُ قَالَ : " لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ ، لا يَضُرُّهُم مَن خَذَلَهُم ، حَتَّى يَأتيَ أَمرُ اللهِ وَهُم كَذَلِكَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مَنهَجَ الحَقِّ الَّذِي عَلَيهِ أَهلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ، بَاقٍ مَحفُوظٌ بِحِفظِ اللهِ لَهُ ، وَلَن يَضُرَّهُ أَن أَصبَحَت فِرَقٌ ضَالَّةٌ في زَمَانِنَا تَدَّعِي أَنَّهَا عَلَيهِ ، أَو تَزعُمُ أَنَّهَا حَمَلَت لِوَاءَهُ فِيمَا مَضَى ، وَأَنَّ اسمَهُ اختُطِفَ مِنهَا مُنذُ قُرُونٍ ، وَتُطَالِبُ في مُؤتَمَرَاتٍ مَشبُوهَةٍ بِاستِردَادِ لَقبِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ، وَتَسعَى لإِخرَاجِ أَهلِ هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ مِنهُ ، غَيرَ أَنَّ هَذِهِ الادِّعَاءَاتِ وَالمُؤَامَرَاتِ وَإِن كَانَت لا تَضُرُّ بِفَضلِ اللهِ ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ عَلَينَا تَذَكُّرَ أَبرَزِ مَعَالِمِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ، وَالتَّذكِيرَ بِأَهَمِّ سِمَاتِهِم وَصِفَاتِهِم ، لِلحَثِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِمَنهَجِهِم وَالسَّيرِ عَلَى طَرِيقَتِهِم ، اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
إِنَّ أَهَمَّ مَا يُمَيِّزُ أَهلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – أَنَّهُم يَتَلَقَّونَ عَقِيدَتَهُم مِن كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، عَلَى مَا كَانَ عَلَيهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَمَا فَهِمُوهُ مِن نُصُوصِ الوَحيَينِ الشَّرِيفَينِ ؛ لا يُقَدِّمُونَ عَلَى ذَلِكَ عَقلاً ولا كَشفًا وَلا ذَوقًا ، وَلا رُؤيَا مَنَامٍ وَلا كَلامَ شَيخٍ أَو وَليٍّ ، وَمِن ثَمَّ فَهُم لا يَنتَسِبُونَ في عَقِيدَتِهِم إِلى شَخصٍ بِعَينِهِ وَلا إِلى فِرقَةٍ بِخُصُوصِهَا ، بَل نِسبَتُهُم إِلى السُّنَّةِ وَالسَّلَفِ ، كَمَا قَالَ إِمَامُهُم وَقَائِدُهُم - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ حِينَ وَصَفَهُم فَقَالَ : " مَا أَنَا عَلَيهِ وَأَصحَابي "
وَكَمَا أَنَّهُم لا يَتَمَيَّزُونَ في أُصُولِ الدِّينِ بِاسمٍ سِوَى السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ، فَهُم كَذَلِكَ في السُّلُوكِ وَتَزكِيَةِ النَّفسِ ، لا يَنتَسِبُونَ إِلى شَخصٍ وَلا إِلى طَرِيقَةٍ ، بَل سُلُوكُهُم وَتَزكِيَتُهُم وَأَخلاقُهُم ، مَصدَرُهَا إِمَامُهُمُ الَّذِي كَانَ خُلُقُهُ القُرآنَ ، وَالقَائِلُ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إنَّما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخلاقِ "
وَلَمَّا كَانَ أَهلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُم لا يَعبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَحدَهُ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، مُقتَدِينَ بِنَبِيِّهِم وَإِمَامِهِم ، لا يَصرِفُونَ شَيئًا مِنَ العِبَادَةِ لِغَيرِ اللهِ ، وَلا يَبتَدِعُونَ عِبَادَاتٍ مِن عِندِ أَنفُسِهِم بِحَسَبِ الأَذوَاقِ وَلا مِن عِندِ غَيرِهِم تَبَعًا لِلأَهوَاءِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُم لا يَدعُونَ إِلاَّ اللهَ ، وَلا يَستَغِيثُونَ بِأَحَدٍ سِوَاهُ ، وَلا يَذبَحُونَ إِلاَّ عَلَى اسمِهِ ، وَلا يَنذُرُونَ لِغَيرِهِ ، وَلا يَقصِدُونَ القُبُورَ لِلتَّبرُّكِ بها أَوِ التَّمَسُّحِ بها أَوِ الطَّوَافِ حَولَهَا ، أَوِ الذَّبحِ عِندَهَا أَو دُعَاءِ أَصحَابِهَا أَوِ الاستِغَاثَةِ بِهِم مِن دُونِ اللهِ ، كَمَا أَنَّهُم لا يَتعبُّدُونَ بِلَطمِ خُدُودٍ أَو شَقِّ نُحُورٍ أَو ظُهُورٍ ، وَلا بِرَقصٍ أَو تَمَايُلٍ أَو غِنَاءٍ وَضَربِ طُبُولٍ .
وَمِن تَعظِيمِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ لِرَبِّهِم وَخَالِقِهِم - عزَّ وجلَّ – أَنَّهُم يُثبِتُونَ جَمِيعَ صِفَاتِهِ الَّتي أَثبَتَهَا لِنَفسِهِ أَو أَثبَتَهَا لَهُ رَسُولُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مِن غَيرِ تَحرِيفٍ وَلا تَعطِيلٍ وَلا تَكيِيفٍ وَلا تَمثِيلٍ ، وَأَمَّا غَيرُهُم فَيَنفُونَ عَنهُ صِفَاتِهِ ، أَو يُثبِتُونَ بَعضًا وَيُؤَوِّلُونَ بَعضًا ، أَو يَزعُمُونَ أَنَّهُ لا دَاخِلَ العَالَمِ وَلا خَارِجَهُ ، أَو أَنَّهُ حَالٌّ في كُلِّ شَيءٍ ، تَعَالى اللهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
أَهلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ – يَا عِبَادَ اللهِ - يَعتَقِدُونَ أَنَّ الإِيمَانَ قَولٌ وَعَمَلٌ ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنقُصُ بِالمَعصِيَةِ ، لا يُخرِجُونَ عَمَلَ الجَوَارِحِ مِنَ الإِيمَانِ كَالمُرجِئَةِ ، وَلا يُكَفِّرُونَ أَهلَ القِبلَةِ بِمُطلَقِ المَعَاصِي وَالكَبَائِرِ كَالخَوَارِجِ ، كَمَا لا يُكَفِّرُونَ مَن خَالَفَهُم مِنَ الفِرَقِ الأُخرَى لِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِم لَهُم ، مَا عَدَا الفِرَقَ الَّتي اجتَمَعَت عَلَى أُصُولٍ كُفرِيَّةٍ ، كَالإِسمَاعِيلِيَّةِ وَالنُّصَيرِيَّةِ ، وَمَعَ هَذَا فَهُم يَتَبَرَّؤُونَ مِنَ الكُفَّارِ وَالمُلحِدِينَ وَالمُشرِكِينَ وَالمُرتَدِّينَ ، وَيُعَادُونَهُم وَيُبغِضُونَهُم ، وَمَعَ كُرهِهِمُ المَعَاصِيَ وَبُغضِهِمُ البِدَعَ إِلاَّ أَنَّهُم يَرفُقُونَ بِأَصحَابِهَا ويُشفِقُونَ عَلَى أَهلِهَا ، وَأَمَّا المُؤمِنُونَ فَإِنَّهُم يُحِبُّونَهُم وَيُوَالُونَهُم وَيَنصُرُونَهُم بِحَسَبِ مَا عِندَهُم مِنَ الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَلِذَلِكَ فَهُم يُحِبُّونَ أَصحَابَ رَسُولِ اللهِ وَيَتَرَضَّونَ عَنهُم ، ويَرَونَ أَنَّهُم عُدُولٌ كُلُّهُم ، وَيَتَقَرَّبُونَ إِلى اللهِ بِحُبِّهِم وَحُبِّ آلِ البَيتِ وَأُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ ، وَيَتَبَرَّؤُونَ مِمَّن يَسُبُّهُم وَيُعَادِيهِم ، أَو يُغَالِي فِيهِم وَيَرفَعُهُم فَوقَ مَنزِلَةِ البَشَرِ أَو يَقُولُ بِعِصمَتِهِم . وَلأَنَّهُم أَهلُ تَوَسُّطٍ وَاعتِدَالٍ في كُلِّ شَيءٍ ، فَإِنَّهُم يَأخُذُونَ في الفِقهِ بِالإِجمَاعِ وَمَا دَلَّ عَلَيهِ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ ، وَيَعتَبِرُونَ أَقوَالَ الصَّحابَةِ والتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِم ، وَيَتَّبِعُونَ أَكَابِرَ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ وَفُقَهَاءَ السُّنَّةِ ، وَهُم أَحرَصُ النَّاسِ عَلَى جَمعِ الكَلِمَةِ وَوَحدَةِ الصَّفِّ ، لا يُمَيِّزُونَ بَينَ طَبَقَاتِ المُجتَمَعِ ، أَو يَجعَلُونَ السِّيَادَةَ لِقَومٍ دُونَ آخَرِينَ ، بَل يَعتَقِدُونَ الأَفضَلِيَّةَ فِيمَن فَضَّلَهُ اللهُ بِقَولِهِ : " إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم "
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى حُبِّهِم لِلاتِّفَاقِ وَبُغضِهِم لِلافتِرَاقِ أَنَّهُم يَرَونَ إِقَامَةَ الجِهَادِ وَالجُمَعِ وَالجَمَاعَاتِ خَلفَ كُلِّ وَليِّ أَمرٍ بَرٍّ أَو فَاجِرٍ ، وَصِحَّةَ الصَّلاةِ خَلفَ أَصحَابِ المَعَاصِي مَا لم تَكُنْ بِدَعًا مُكفِّرَةً .
هَؤُلاءِ هُم أَهلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ، وَهَذِهِ بَعضُ سِمَاتِهِم وَخَصَائِصِهِم ، وَلأَنَّهُم يَقِفُونَ بِالحَقِّ في نُحُورِ الأَعدَاءِ ، وَيَفضَحُونَ بِالعِلمِ أَهلَ الأَهوَاءِ ، فَإِنَّهُم يُوَاجَهُونَ في العَالَمِ اليَومَ عُمُومًا وَفي بِلادِنَا خُصُوصًا بِحَربٍ شَعوَاءَ هَوجَاءَ ، خَطَّطَتهَا عُقُولٌ صِهيَونِيَّةٌ وَصَلِيبِيَّةٌ ، وَتُنَفِّذُهَا أَيدٍ رَافِضِيَّةٌ مَجُوسِيَّةٌ ، وَأُخرَى صُوفِيَّةٌ خُرَافِيَّةٌ بِدعِيَّةٌ ، وَقَد بَدَأَت تِلكُمُ الحَربُ بِتَجفِيفِ المَنَابِعِ السُّنِّيَّةِ وَمُحَاصَرَةِ الدَّعوَةِ وَوَقفِ تَمَدُّدِهَا وَانتِشَارِهَا ، وَرَكُوبِ مَوجَةِ الحُرِّيَّةِ الفِكرِيَّةِ وَالدَّعوَةِ إِلى التَّنوِيرِ المَزعُومِ ، وَالَّذِي تَوَلاَّهُ عَدَدٌ مِنَ المَحسُوبِينَ عَلَى العِلمِ وَطَائِفَةٌ مِنَ الإِعلامِيِّينَ المُنهَزِمِينَ وَالمُثَقَّفِينَ التَّائِهِينَ ، ثم تَلا ذَلِكَ اتِّفَاقُ الصَّلِيبِيِّينَ مَعَ الرَّافِضَةِ المَجُوسِ عَلَى خَنقِ بِلادِ التَّوحِيدِ سِيَاسِيًّا وَعَسكَرِيًّا ، فَأُثِيرَتِ الحُرُوبُ وَالفِتَنُ في العَرَاقِ وَالشَّامِ وَاليَمَنِ ، وَهَا هُمُ اليَومَ يُنَفِّذُونَ مَرحَلَةً أُخرَى مِن مَكرِهِم ، حَيثُ قَصَدُوا عَزلَ بِلادِ التَّوحِيدِ عَنِ العَالَمِ الإِسلامِيِّ ، لَيسَ بِسَحبِ زِمَامِ قِيَادَتِهِ مِن يَدِهَا وَسَلبِهَا مَرجِعِيَّتَهَا الدِّينِيَّةَ وَالعِلمِيَّةَ فَحَسبُ ، وَلَكِنْ بِتَجرِيدِهَا مِن وَصفِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ وَإِخرَاجِهَا مِنهُ ، وَمُحَاصَرَتِهَا بِتَسمِيَتِهَا بِالوَهَّابِيَّةِ ، وَجَعلِ هَذَا الاسمِ مُرَادِفًا لِلتَّشَدُّدِ وَالغُلُوِّ ، وَزَعمِ أَنَّ الغُلُوَّ مَقصُورٌ عَلَيهَا وَلا يُوجَدُ إِلاَّ فِيهَا ، وَادِّعَاءِ أَنَّهَا بِذَلِكَ مَصدَرُ الإِرهَابِ ، وَمِنهَا خَرَجَ مَا يُسَمَّى بِالقَاعِدَةِ وَدَاعِشَ وَالخَوَارِجِ التَّكفِيرِيِّينَ . وَمَهمَا يَكُنْ مِن حَربٍ ظَاهِرَةٍ عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ أَو مَكرٍ بَاطِنٍ بِهِم ، فَإِنَّ مِمَّا يَبعَثُ التَّفَاؤُلَ وَيُطَمئِنُ النُّفُوسَ ، أَنَّ مَنهَجَ السَّلَفِ قَد حُورِبَ قَبلُ مِن قِبَلِ الخَوَارِجِ وَالبَاطِنِيِّينَ ، وَالمُعتَزِلَةِ وَالمُتَكَلِّمِينَ ، وَالتَّتَارِ وَالصَّلِيبِيِّينَ ، وَأَصَابَهُ ضَعفٌ في بَعضِ الأَزمِنَةِ وَالأَمكِنَةِ ، وَلَكِنَّهُ بَقِيَ حَيًّا نَقِيًّا ، وَسَيَبقَى كَذَلِكَ بِأَمرِ اللهِ ، خَاصَّةً في هَذِهِ الأَرضِ الَّتي احتَضَنَت أَطهَرَ البِقَاعِ وَأَشرَفَ المُقَدَّسَاتِ ، وَمِنهَا شَعَّ نُورُ الإِسلامِ وَانطَلَقَت كَتَائِبُ الإِيمَانِ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلْنَكُنْ مَعَهُ بِطَاعَتِهِ وَامتِثَالِ أَمرِهِ ، يَكُنْ مَعَنَا بِتَأيِيدِهِ وَنَصرِهِ ، وَلْنَتَوَكَّلْ عَلَيهِ وَلْنَعتَصِمْ بِهِ ، مُستَحضِرِينَ قَولَهُ : " الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ . فَانقَلَبُوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضلٍ لم يَمسَسْهُم سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضلٍ عَظِيمٍ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
الخطبة الثانية :
الحَمدُ للهِ ذِي الفَضلِ وَالإِنعَامِ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ الأَنَامِ ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحبِهِ الكِرَامِ . اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، اِفرَحُوا بِعِيدِكُم ، وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا ، وَتُوبُوا إِلى رَبِّكُم وَأَنِيبُوا إِلَيهِ وَاعتَصِمُوا بِحَبلِهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ، كُونُوا إِخوَانًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ ، تَعَانَقُوا وَتَصَافَحُوا ، وَتَوَاصَلُوا وَتَسَامَحُوا ، تَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى ، وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِمَّا يُحَاكُ ضِدَّكُم وَيُرَادُ بِهِ تَفرِيقُ صَفِّكُم وَإِيقَاعُ الفِتنَةِ بَينَكُم .
لَقَد خَلَقَ اللهُ الذَّكَرَ وَالأُنثَى لِيُكمِلَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ ، وَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنهُمَا وَظِيفَتَهُ وَمُهِمَّتَهُ ، ثم نَهَى عَن أَن يَتَمَنَّى كُلٌّ مِنهُمَا مَا فُضِّلَ بِهِ على الآخَرِ فَقَالَ : " وَلا تَتَمَنَّوا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكُم عَلَى بَعضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبنَ وَاسأَلُوا اللهَ مِن فَضلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمًا "
وَإِنَّهُ لَعَجِيبٌ أَن يَنسَاقَ مُسلِمُونَ وَمُسلِمَاتٌ لِدَعَوَاتٍ خَبِيثَةٍ لِمُسَاوَاةِ الرَّجُلِ بِالمَرأَةِ ، أَو إِلغَاءِ وِلايَةِ الرَّجُلِ عَلَيهَا ، كَيفَ وَالخَلاَّقُ العَلِيمُ يَقُولُ : " وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالأُنثى "
وَيَقُولُ : " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم "
فَاتَّقُوا اللهَ رِجَالاً وَنِسَاءً ، وَتَمَسَّكُوا بِفِطرَةِ اللهِ وَارضَوا بما قَسَمَهُ اللهُ ، لِيَبقَ كُلٌّ في ثَغرِهِ ، وَلْيُؤَدِّ عَمَلَهُ الَّذِي كُلِّفَ بِهِ وَهَيَّأَهُ اللهُ لَهُ ، وَاحرِصُوا عَلَى تَكوِينِ أُسَرٍ مُتَمَاسِكَةٍ مُتَعَاوِنَةٍ ، تَعمَلُ بِأَمرِ اللهِ وَتَنتَهِي عَمَّا نَهَاهَا عَنهُ ، رَبُّوا أَبنَاءَكُم وَبَنَاتِكُم عَلَى إِقَامَةِ الصَّلاةِ وَحُبِّ الفَضِيلَةِ ، وَجَنِّبُوهُمُ الشَّهَوَاتِ وَمَسَالِكَ الرَّذِيلَةِ ، وَمُرُوا بِالمَعرُوفِ وَتَنَاهَوا عَنِ المُنكَرِ ، فَبِذَلِكَ تُنَالُ رَحمَةُ اللهِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . وَعَدَ اللهُ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدنٍ وَرِضوَانٌ مِنَ اللهِ أَكبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " فَاستَجَابَ لَهُم رَبُّهُم أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنكُم مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى بَعضُكُم مِن بَعضٍ "
المرفقات

خطبة عيد النحر 1437.doc

خطبة عيد النحر 1437.doc

خطبة عيد النحر 1437.pdf

خطبة عيد النحر 1437.pdf

المشاهدات 2193 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا