خُطبة عيد الفِطر 1445هـ (كنتم خير أُمة)
عبدالعزيز بن محمد
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْن {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ * وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} تَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُون {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أَشْهَدُ أَن لا إِله إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيْكَ لَه، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلعَالَمِيْن، فَبَلَّغَ الرِّسالةَ، وَنَصَحَ الأُمَةَ، وَجَاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَى أَتاهُ اليَقَيْن صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْن.
أَما بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون.
اللهُ أَكْبَر.. اللهُ أَكْبَر.. اللهُ أَكْبَر.. لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَر
اللهُ أَكْبَر.. اللهُ أَكْبَر.. اللهُ أَكْبَرُ كبيراً
أَيُّها المُسْلِمُون: أَمَّةٌ خُلِقَتْ لِتَبْقَى، وهُدِيَتْ لِتَرْقَى، وتُوِّجَتْ لِتَسُود. خَتَمَ اللهُ بِها الأُمَمَ.. أَكْرَمَها بأَكْرَمِ رِسالَةٍ وشَرَّفَها بأَشْرَفِ نَبِيّْ، وجَلَّلَها بأَجَلِّ شَرِيْعَةٍ ورَفَعَها بأَعظَمِ كِتاب { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} * أَمَةٌ لَها شَرِيْعَةٌ رَبَّانِيَّةٌ.. صَافِيَةٌ مَشارِبُها، راقِيَةٌ مَبادِئُها، ظَاهِرَةٌ مَعالِمُها، مُيَسَّرَةٌ أَحْكامُها {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّيْنِ مِنْ حَرَج}
شَرِيْعَةٌ ارتَضاها اللهُ لِعِبادِه.. بِها يُدْرِكُونَ الفَوزَ، وبِها يَنالَونَ النَعِيٍم. مَنْ اسْتَمْسَكَ بِها فَهُوَ على صِراطٍ مُسْتَقِيْم {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
ضَاعَفَ اللهُ لِهذهِ الأُمَةِ أُجَورَها، وأَجْزَلَ لَها جَزاءَها، وأَفاضَ عَلَيْهَا مِنْ فَضْلِه. فَباليَسِيْرِ مِنَ الأَعمالِ، وبالقَلِيلِ مِن الأَعمارِ.. أَدْرَكُ المُؤْمِنُونَ مِنْ هذهِ الأَمَةِ عَظِيْمَ الدَّرَجات. عَن عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَت الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَت النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِن الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ، فَغَضِبَت الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً، قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ) رواه البخاري {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} {إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا}
اللهُ أَكْبَر.. اللهُ أَكْبَر.. اللهُ أَكْبَر.. لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَر
اللهُ أَكْبَر.. اللهُ أَكْبَر.. اللهُ أَكْبَرُ كبيراً
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} هَنِيئاً لَكُمْ أَيْهُا المُسْلِمُون.. أَدْرَكْتُمُ الشَّهْرَ فَصُمْتُم (ومَنْ صَامَ رَمَضانَ إِيْماناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه)
فَقَرُّوا بِمَوْعُودِ اللهِ عَيْناً، وأَحْسِنُوا بِرَبِكُمُ الظَّن، وأَبْشِرُوا بُحسِنِ الجزاءَ {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}
مَنْ أَحْسَنَ في شَهْرِهِ.. فَلْيَحْمَدِ اللهَ ولْيَلْزَمْ طَرِيْقَ الإِحْسان. ومَنْ قَصَّرَ.. فَلْيتَدارَكْ ما بَقِيَ مِنْ حَياتِهِ.. فَإِنَّ الحَياةَ مِيْقاتُ العَمَل {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}
أَيْهُا المُسْلِمُون: أَمَةٌ نَالَتْ شَرَفاً وسُؤْدداً.. حَرِيٌّ بِها أَنْ تَسْتَمْسِكَ بأَسْبابِ الشَّرَفْ. أَمَةٌ نَالَتْ مَجْداً مُؤَثَلاً.. حَرِيٌّ بِها أَنْ تَسْتَبْقِي أَسْبابَ المَجْد.
شَرَفُ الأَمَةِ مَقْرُونٌ بِتَمَسُّكِها بِكِتابِها، وباقْتِدائِها بِرَسُولِها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} كِتابٌ فِيهِ شَرَفُكُم، فِيهِ رِفْعَتُكُمْ، فِيهِ عِزُّكُمْ، فيهِ نَهْضَتُكُم، فِيهِ سَعادَتُكُم في الدُّنيا والآخِرَةِ إنْ استَمسَكْتُم به. أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ كِتابٌ تُدْرِكُونَ بِهِ أَكْرَمَ مَقامٍ بَيْنَ الأُمَم. وتَرْتَقُونَ بِهِ أَشْرَفِ شَاهِقٍ فَوقَ القِمَم.
فِي القُرآنِ أَثْبَتَ اللهُ لهذهِ الأَمَةِ خَيْرِيَّتَها، وأَثْبَتَ لَها فَضْلَها عَلى سَائِرِ الأُمَم {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} يا أَمَةَ مُحَمَّد {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه} (تأَمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وتَنْهَونَ عَن المُنْكَر) شَعِيْرَةٌ تَنْهَضُ بالأَمَةِ إِلى مَقاماتِ الفَضِيْلَة. تَنْتَشِلُ الفَردَ والمُجتَمعَ مِنْ الأَنانِيَّةِ. وتُرفَعُهُ وتَدْفَعُهُ إِلى البَذْلِ والنُّصْحِ والعَطاءِ للبَشَرِيَّة. * شَعِيْرَةُ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَر.. رايَةُ إِصلاحٍ ولِواءُ نُصْح، لا يَتَخلَّقُ بِها إِلا مَنْ طَابَ أَصْلُهُ، وزَكَتْ نَفْسُهُ، وارْتَقَى خُلُقُه. * شَعِيْرةُ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَر.. مَسْلَكُ الرُّحَماءِ، ومَذْهَبُ الكُرَماءَ، ومَنْهَجُ الأَنْبِياءَ {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ..} شَعِيْرَةُ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَر. مَرْكَبُ كَرامَةٍ لا يُنْتَزَعُ مِنْ هذهِ الأُمَةِ أَبداً. كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفرادِ الأَمَةِ لَهُ في مَرْكَبِ الكَرامَةِ مَقام. كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفرادِ الأَمَةِ مُخاطَبٌ بهذه العِبادَةِ ومُكَلَّف. بَيانٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا شُبْهَةَ فيهِ. بَيانٌ يَسْرِيْ في الأُمَةِ عَبْرَ القُرُون. بَيانٌ مُفَصَّلٌ لا لَبْسَ فِيه: «من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» رواه مسلم {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
الآمِرُونَ بالمعروفِ والنَّاهُونَ عَنِ المُنْكَر.. أَخْلَصُ النَّاسِ للنَّاس، وأَنْفَعُ النَّاسِ للنَّاس، وأَرْحَمُ النَّاسِ بالنَّاس. لَيْسُوا مُتَطاوِلِينَ ولا مُتَطَفِلِينَ ولا أَوْصِياءَ، ولا مُتَدَخِّلِيْنَ في خُصُوصِياتِ النَّاس، ولا مُفْسِدِيْنَ لمُتْعَةِ حَياتِهِم، ولا مُكَدِّرِيْنَ لِصَفْوِها.
الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ والنَّاهُونَ عَنِ المُنْكَر.. أَخْلَصُوا لِعبادِ اللهِ وصَدَقُوا النُّصْحِ لَهُم، يَرْجُونَ للنَّاسِ سَعادَةَ الدُّنيا، ويَرْجُونَ لَهُم فَوزَ الآخِرَة.
الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَر. مَفْرِقٌ كُشِفَ بِها زَيْفُ النِفاقِ، ومُزِّقَتْ بِها أَقْنِعَةُ المُنافِقِين {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ}
وَهُوَ وِسامُ شَرَفٍ يَتَوَشَّحُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ومُؤْمِنَة {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
فأَقِيْمُوا هذه الشَّعِيْرَةِ فيكُم، لا تَخْبُو جَذْوتُها، لا يَخْفُتُ صَوتُها، لا تُنَكَّسُ أَلْوِيَتُها. {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} هَلَك قَومٌ أَضاعُوا الأَمْرَ بالمعروفِ والنَّهْيَ عَنِ المُنْكَر {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ *كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}
مُرُوا بِالمعْروفِ وانْهَوا عَنِ المُنْكَرِ.. أَحْيُوا هذهِ الشَّعِيْرَةِ في بُيُوتِكُم، وفي مَجالِسِكُم، وفي أَسْوَاقِكُم، وفي أَنْدِيَتِكُم، وفي مُجْتَمَعاتِكم، وقُولُوا للنَّاسِ حُسْنا {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فَما هَلَكَ قَومٌ رُفِعَ فِيْهم شَأَنُ المُصْلِحين {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} بارك الله لي ولكم بالقرآنِ العظيم..
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون
أيها المسلمون: لَئِنْ تَفَاخَرَتِ الأُممُ بِأَعْيَادِها. فَهَذَا هُوَ عِيْدُنا أَهلَ الإسلام، جاءَ بِشَرِيْعَةٍ إلهيةِ وبهديٍ نَبَوي. لَمْ يَقُم على عُنصُرِيَّةِ، ولا عَلَى جَاهِلِيةٍ، ولا عَلَى حُدُوْدٍ جُغرافية. عيدٌ جاءَ وَيَتَجَدَّدُ كُلَّ عامٍ بَعْدَ أَدَاءِ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ. يُكَبَّرُ فيه اللهُ ويُذْكَر، ويُحمدُ فيه اللهُ ويُشْكَر. فَمَا مِنْ مُسْلِمٍ على وَجْهِ الأَرْضِ إِلا وهذا العيدَ عِيْدُه. فَأَظْهِرُوا في العِيْدِ سُرُورَكُم، ولا تَسْتَجْلِبُوا فيه أَحْزَانِكم.
جَدِّدُوا فيهِ للرَّحِم وَصْلاً. رَسِّخوا فيهِ معاني الأُخُوَّةِ وَأَدُّوْا فِيْهِ حُقُوْقَها. تَعَاهَدُوا في العِيْدِ أَصْحَابَكم، وأَصْلِحُوا فيه شِقاقَكُم، واجمعوا فيه شَتَاتَكُم. فإِن أَهنأ الناسِ عَيْشاً مَنْ جَعَل الصَّفحَ لَه سَجِيَّة.
أَيُّهَا المؤُمنات.. ضَاعَفَ اللهُ لَكُنَّ الأَجْرَ، ورَفَعَ اللهُ لَكُنَّ الدَّرَجَات.. كَمْ بَذَلْتُنَّ في الشَّهْرِ مِن مَعْرُوف، وكَمْ قَدَّمْتُنَّ فيهِ مِنْ إِحسان. مَوائِدُ البُيُوتِ لَكُن شَاهِدَة. واللهُ لا يُضِيْعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَملاً.
أَيُّهَا المؤُمنات.. أَنْتُنَّ أَرْكانُ البُيُوت، أَنْتُنَّ أَعِمِدَةُ الأُسَر، أَنْتُنَّ حَاضِناتُ الجِيْل، أَنْتُنَّ صانِعَاتُ الرِّجال. {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}
ما أَرْوَعَهُنَّ مِنْ نِسْوَة.. (قَانِتَاتٌ): مُطِيْعاتٌ لله. (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ): حَافظَاتٌ لأَنْفُسِهِنَّ، حَافِظاتٌ لأَزواجِهِنَّ. حافِظَاتٌ لأَسْرارِ بُيُوتِهِنَّ. حَافِظَاتٌ لَما يَجِبُ أَنْ يُحفَظْ. حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ.. وهُنَّ في العَلَنِ أَحْفَظ. أَكْرِمْ بِهِنَّ مِنْ طاهِرات.
أَيُّهَا المؤُمنات.. ما اهْتَزَّ رُكْنٌ في الأُسْرَةِ.. أَشَدُّ مِنْ اهْتِزازِ رُكْن المرأَة. صَلاحُ الأَمِ صَلاحٌ للجِيْل. وصَلاحُ البِنْتِ صَلاحٌ للمُجْتَمَع.
مُؤَامَراتٌ تُحاكُ للمرأَةِ المُسْلِمَةِ في كُلِّ حِيْن. يُسْتَهدَفُ فيها حَياؤُها، وتُسْتَهدَفُ فيها حِشْمَتُها، ويُسْتَهدَفُ فيها حِجابُها، ويُسْتَهدَفُ فيها قَرارُها في بَيْتِها، وتُسْتَهدَفُ في خَضَوعِها لأَمرِ رَبها.
تُعْرَضُ عليها الفِتَنُ في أَبها حُلَّة. وتُيَسَرُ لَها أَسْبابِ الغِوايَةِ في أَدْنى طَرِيْق.
تُدْفَعُ إِلى أَسْبابِ الغِوايَةِ دَفْعاً.. تُنَفَّرُ مِنْ قِوامَةِ الرَّجُلِ. وقِوامَةُ الرَجُلِ للمرأَةِ أَكْرَم {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}
تُدْعَى إِلى حُرِّيَةٍ.. تَتَحَرَّرُ فيها من شَرَفِ العُبُودِيَةِ والاستِجابَةِ لأَمْرِ لله. لِتَتحوَّلَ إِلى عابِثَةٍ.. يَسْتَهْوِيها الهَوى، وتَسْتأَسِرُ للشَّهوات. فلا تَزالُ تَنْحدِرُ في سُلَّمِ التَنازلاتِ حتى تَنْحطَّ في قَاعِ الهلَكات.
ومُؤْمِنَةٌ.. أَبْقَى اللهُ لَها نُورَها. لَمْ تَزَلْ مُسْتَمْسِكَةً بِنُورِ اللهِ، تَسْأَلُ اللهَ الثَّبات {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
غَداً فِي مواقِف العَرضِ تَحمَدُ ربَّها {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
ربنا تَقَبل منا إنك أنت السميع العليم..
المرفقات
1712543072_خطبة عيد الفطر 1445هـ ــ كنتم خير أمة.docx