خطبة عيد الفطر 1444ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ ، اَلْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ، وسُبْحَانَ اَللَّهِ بِكُرَةً وَأَصِيلاً ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ اَللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلِلَّهِ اَلْحَمْدِ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا صَلَّى مُؤْمِنٌ وَأَنَابَ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا رَجَعَ مُذْنِبٌ وَتَابَ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا عَادَ اَلْعِيدُ وَآبَ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا كَبَّرَ اَلْمُكَبِّرُونَ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا اِسْتَغْفَرَ اَلْمُسْتَغْفِرُونَ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا صَامَ اَلصَّائِمُونَ ، كَبِّرُوا اَللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا .
عِبَادَ اَللَّهِ : اِعْلَمُوا أَنَّ هَذَا اَلْيَوْمَ هُوَ يَوْمُ عِيدٍ لَنَا نَحْنُ مَعَاشِرَ اَلْمُسْلِمِينَ ، خَتَمَ اَللَّهُ بِهِ شَهْرَ اَلصِّيَامِ ، وَافْتَتَحَ بِهِ أشَهْرَ اَلْحَجِّ إِلَى بَيْتِهِ اَلْحَرَامِ ، وَأَحَلَّ اَللَّهُ - تَعَالَى - فِيهِ اَلطَّعَامَ ، وَحَرَّمَ فِيهِ اَلصِّيَامَ ، فَتَوَجَّهُوا إِلَى رَبِّكُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ ، وَطَلَبِ حَوَائِجَكُمْ مِنْهُ ، فَقَدْ قِيلَ : لَا كَبِيرَ مَعَ اِسْتِغْفَارِ ، وَلَا صَغِيرَ مَعَ إِصْرَارٍ ، عِيدٌ اِمْتَلَأَتْ اَلْقُلُوبُ بِهِ فَرَحًا وَسُرُورًا ، وَازْدَانَتْ بِهِ اَلْأَرْضُ بَهْجَةً وَنُورَاً ؛ لِأَنَّهُ اَلْيَوْمُ اَلَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ اَلْمُسْلِمُونَ إِلَى مُصَلَّاهُمْ لِرَبِّهِمْ حَامِدِينَ مُعَظَّمِينَ ، وَبِنِعْمَتِهِ بِإِتْمَامِ اَلصِّيَامِ وَالْقِيَامِ مُغْتَبِطِينَ ، وَلِخَيْرِهِ وَثَوَابِهِ مُتَمَنِّينَ . وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يُعِينُكُمْ وَيُنْقِذُكُمْ مِنْ اَلْقَبْرِ وَظُلْمَتِهِ وَضِيقِهِ وَوَحْشَتِهِ إِلَّا اَلْعَمَلُ اَلصَّالِحُ ، وَاحْذَرُوا مِمَّا حَذَّرَكُمْ اَللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ فِي اَلْيَوْمِ اَلَّذِي يَجْمَعُ اَللَّهُ فِيهِ اَلْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ ، وَيَضَعُ فِيهِ اَلْمَوَازِينَ ، فَمَنْ ثَقُلَتْ فَقَدْ نَجَحَ ، وَمَنْ خَفَّتْ فَقَدْ خَسِرَ ، قَالَ - تَعَالَى - : ( وَوُضِعَ اَلْكِتَابُ فَتَرَى اَلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا اَلْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) ، فَلِنُقَدِّمْ طَاعَةَ اَللَّهِ عَلَى هَوَانَا وَدُنْيَانَا .
عِبَادَ اَللَّهِ : إِنَّ اَللَّهَ شَرَعَ لَنَا ثَلَاثَةً مِنْ اَلْأَعْيَادِ ، عِيدَ اَلْأُسْبُوعِ وَهُوَ يَوْمُ اَلْجُمْعَةِ ، وَعِيدَ اَلْفِطْرِ ، وَعِيدَ اَلْأَضْحَى ، فَنَشْكُرُ رَبَّنَا عَلَى نِعْمَةِ هَذَا اَلدِّينِ ، فَهُوَ دِينُ اَلْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ، فَلنَتَمَسَّك بِهِ ، وَنَسْلُكْ هَدْيَهُ ؛ لِنَهْتَدِيَ وَنَسْعَدَ ، لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : ( فَإِمَّا يَأْتِينَكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمِنْ اِتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ) ، وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا اَلْيَوْمَ فُرْصَةٌ لِنَتَآلَف وَنَتَنَاصَحَ وَنَتَعَاوَنَ عَلَى اَلْحَقِّ ، وَنَبْتَعِد عَمَّا يُفَرِّقُ بَيْنَنَا ، وَنُعَالِجْ أَمْرَاضَنَا اَلِاجْتِمَاعِيَّةَ ، وَنُوَجِّهْ اَلنِّيَّةَ اَلْخَالِصَةَ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي إِصْلَاحِ دِينِنَا وَمُجْتَمَعِنَا ؛ لِنَنَالَ بِذَلِكَ اَلْفَلَّاحَ وَالنَّجَاحَ فِي اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَلِلصَّائِمِ فِيمَا مَضَى فَرْحَتَانِ يَفْرَحَهُمَا ، فَيَفْرَحُ اَلْإِنْسَانُ بِفِطْرِهِ ، وَيَفْرَحُ بِاتِّبَاعِ طَاعَةِ اَللَّهِ وَرَسُولِهِ .
عِبَادَ اَللَّهِ :يَسْعَى اَلْإِنْسَانُ فِي تَكْبِيرِهِ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ إِلَى اَلتَّكْبِيرِ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ ، وَتَتَصَافَحَ فِيهِ اَلْقُلُوبُ مَعَ اَلْأَيْدِي ، فَنَفْرَحُ بِعِيدِنَا عِنْدَمَا نَتَعَاطَفُ وَنَتَرَاحَمُ ، فَالْمُؤْمِنُونَ فِي تَوَادِّهِمْ كَالْجَسَدِ اَلْوَاحِدِ ، وَتَنْشَرِحُ صُدُورُنَا فِي هَذَا اَلْيَوْمِ بِصَلَاتِنَا ، وَطَاعَتِنَا ، وَاسْتِقَامَتِنَا ، وَلَا نَنْسَى فِي هَذَا اَلْيَوْمِ صِلَةَ أَرْحَامِنَا ؛ فَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ اَلْإِيمَانِ ، وَسَبَبٌ لِلْبَسْطِ فِي اَلْعُمُرِ وَالرِّزْقِ ؛ لِقَوْلِ اَلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : ( مِنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، أَوْ يُنْسَأْ لَهُ فِي أَثَرِهِ ، فَليَصِلْ رَحِمَهُ ) . وَقَدْ أَمَرَنَا اَللَّهُ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِنَا وَبِالتَّسَامُحِ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ خَاصَّةً ، وَفِي سَائِرِ أَيَّامِنَا بِشَكْلٍ عَامٍّ ، وَيَحْرِصُ اَلْمُسْلِمُ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ عَلَى إِدْخَالِ اَلسُّرُورِ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ ، فَالْعِيدُ مُنَاسِبَةٌ لِتَصْفِيَةِ اَلْقُلُوبِ ، وَنَقَاءِ اَلْخَوَاطِرِ ، فَلَا يَحُلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهَجُرَ أَخَاهُ اَلْمُسْلِمَ ، وَخَيْرُهُمَا اَلَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ ، فَلِنَغْتَنِم اَلْعِيدَ لِنُجَدِّدَ اَلْمَحَبَّةَ وَالْمُسَامَحَةَ بَيْنَنَا ، وَنَزِيلَ مَا عَلِقَ بِقُلُوبِنَا مِنْ اَلْعَتَبِ وَالْهِجْرَانِ لِبَعْضِنَا ،
عِبَادَ اَللَّهِ : اِجْعَلُوا عِيدَكُمْ يَوْمَ فَرَحٍ ، وَاتِّفَاقٍ ، وَسَعَادَةٍ ، وَحُبٍّ ، وَتَسَامُحٍ ، وَتَوَادٍ ، وَتَعَاوُنٍ ، وَصْلَةٍ ، وَالتَخَلُّقٍ بِأَخْلَاقِ اَلْإِسْلَامِ ، وَلْنَحْرِصُ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ عَلَى اَلْإِكْثَارِ مِنْ اَلدُّعَاءِ بِأَنْ يَتَقَبَّلَ اَللَّهُ صِيَامَنَا ، وَقِيَامَنَا ، وَسَائِرَ عِبَادَاتِنَا اَلَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَلِنُحَافِظْ عَلَى اَلِاسْتِمْرَارِ بِالْأَعْمَالِ اَلصَّالِحَةِ وَالتَّوْبَةِ بَعْدَ رَمَضَانَ ، فَنَسْأَلُ اَللَّهَ أَنْ نَكُونَ مِنْ اَلْمَقْبُولِينَ ،وَأَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ لِي وَلَكُمْ ، فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورْ اَلرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ اَلثَّانِيَةُ
اَللَّهَ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلِلَّهِ اَلْحَمْدُ ، اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي اَسْتَحَمَدْ بِفَضْلِهِ ، وَرَضِيَ اَلْحَمْدَ شُكْرًا مِنْ خَلقِهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنُؤْمِنُ بِهِ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ ، وَنَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ .
:قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾
أَيَّتُهَا اَلنِّسَاءُ: إِنَّ عَلَيْكُنَّ أَنْ تَتَّقِينَ اَللَّهَ فِي أَنْفُسِكُنَّ ، وَأَنْ تَحَفَظْنَ حُدُودَهُ ، وَتَرْعِينَ حُقُوقَ اَلْأَزْوَاجِ وَالْأَوْلَادِ ، فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ " .
أَيَّتُهَا اَلنِّسَاءُ : لَا يَغْرَنَّكُنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ اَلنِّسَاءِ مِنْ اَلْخُرُوجِ منَ البَيتِ بِالتَّبَرُّجِ وَالطَّيِّبِ وَكَشَفِ اَلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ أَوْ وَضْعِ سَتْرٍ رَقِيقٍ لَا يَسْتُرُ فَلَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ : " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ اَلنَّارِ لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ" ، وَذَكَرَ : " نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ اَلْبُخْتِ اَلْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ اَلْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا " .
أَيَّتُهَا اَلنِّسَاءُ : وَإِذَا مَشَيْتِنَّ فِعْلِيكَنَّ بِالسِّكِّينَةِ وَلَا تُزَاحَمْنَ اَلرِّجَالَ وَلَا تَرفَعْنَ أَصْوَاتَكُنَّ ، وَلَا تُلبَسْنَ بَنَاتَكُنَّ أَلْبِسَةً مَكْرُوهَةً ، وَلَا تَتَشَبَّهَنَ بِالرِّجَالِ فَإِنَّ اَلنَّبِيَّ لَعَنَ اَلْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ اَلنِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَقَالَ لِلنِّسَاءِ : "رِأَيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ اَلنَّارِ لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اَللَّعْن وَتَكْفُرْنَ اَلْعَشِيرَ "نسألُ اللهَ لنا الهدايةَ جميعاً .
اَللَّهُمَّ إِنَّ عِبَادَكَ خَرَجُوا إِلَى هَذَا اَلْمَكَانِ يَرْجُونَ ثَوَابَكَ وَفَضْلَكَ وَيَخَافُونَ عَذَابَكَ ، اَللَّهُمَّ حَقَّقَ لَنَا مَا نَرْجُو وَأَمّنّا مِمَّا نَخَافُ ، اَللَّهُمَّ تَقْبَلَ مِنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ، اَللَّهُمَّ اُنْصُرْنَا عَلَى عَدُوِّنَا وَاجْمَعْ كَلِمَتَنَا عَلَى اَلْحَقِّ ، وَيَسرِّنَا لِلْيُسْرَى ، وَجَنْبنَا اَلْعُسْرِىْ ، وَاغْفِرْ لَنَا فِي اَلْآخِرَةِ وَالْأَوْلَى إِنَّكَ جَوَادُ كِرِيمٍ .