خطبة عيد الفطر - 1439هـ

سليمان بن خالد الحربي
1443/09/23 - 2022/04/24 10:48AM

 

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ.

الْحَمْدُ للهِ الْمَحْمُودِ بِلِسَانِ الـمُؤْمِنِينَ، الـمُتَفَضِّلِ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، لَا نُحْصِي نِعَمَهُ،
وَلَا نَعُدُّ آلَاءَهُ، وَلَا نُحِيطُ بِإِحْسَانِهِ، فَلَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَتَبَارَكَ اسْمُهُ، وَتَعَالَى جَدُّهُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ.

لَا يَخِيبُ مَنْ دَعَاهُ، وَلَا يَضِيعُ مَنْ رَجَاهُ، فَسُبْحَانَهُ مِنْ إِلَهٍ، يُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيَرْفَعُ وَيَضَعُ، وَيُغْنِي وَيُفْقِرُ، وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَكُلُّ شَيْءٍ بِيَدِهِ، إِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ خَرَجَ الـمُؤْمِنُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ لِتَعْظِيمِهِ وَتَكْبِيرِهِ، فَمَا أَرْوَعَ جُمُوعَهُمُ الْعَظِيمَةَ وَهِيَ تَخْرُجُ لِعِيدِهَا، مُكَبِّرَةً لِرَبِّهَا سُبْحَانَهُ، مُعَظِّمَةً لِشَعَائِرِهِ! تَتَدَفَّقُ مِنَ الْأَزِقَّةِ وَالطُّرُقِ لِتَحْتَشِدَ فِي مُصَلَّيَاتِهَا؛ فَسُبْحَانَ مَنْ هَدَاهَا إِلَيْهِ! وَسُبْحَانَ مَنْ دَلَّهَا عَلَيْهِ! وَسُبْحَانَ مَنْ سَيَّرَهَا لِتَشْهَدَ صَلَاتَهَا وَتَفْرَحَ بِعِيدِهَا! وَتَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32].

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ شَرَعَ لِأُمَّتِهِ الْأَعْيَادَ الشَّرْعِيَّةَ فَأَغْنَاهَا عَنْ أَعْيَادِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَهَاهَا عَنِ الْأَعْيَادِ الْبِدْعِيَّةِ، وَأَمَرَهَا بِالتَّمَسُّكِ بِالشِّرْعَةِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، فَلَا خَيْرَ إِلَّا أَحَبَّهُ لَنَا وَدَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا كَرِهَهُ لَنَا وَحَذَّرَنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ نَقِيَّةٍ لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى صَحَابَتِهِ الْغُرِّ الـمَيَامِينِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.

اللهُ أَكْبَرُ؛ صَامَ لَهُ الـمُؤْمِنُونَ تَعَبُّدًا وَرِقًّا، اللهُ أَكْبَرُ؛ قَامَ لَهُ الْقَائِمُونَ مَحَبَّةً وَذُلًّا، اللهُ أَكْبَرُ؛ بَذَلَ لَهُ الْمُحْسِنُونَ رَجَاءً وَخَوْفًا، فَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَعْطَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَوْلَانَا، وَللهِ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَللهِ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَللهِ الْحَمْدُ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَثْنَى هُوَ عَلَى نَفْسِهِ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا الـمُؤْمِنُونَ- لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، اتَّقُوه {وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70، 71]، وَاحْمِدُوا رَبَّكُمْ حَيْثُ جَعَلَ لَكُمْ عِيدًا عَظِيمًا وَمَوْسِمًا جَلِيلًا كَرِيمًا يَتَمَيَّزُ عَنْ أَعْيَادِ الكُفَّارِ بِنُورِهِ وَبَهَائِهِ، وَيَخْتَصُّ بِخَيْرِهِ وَمَصَالِحِهِ وَبَرَكَاتِهِ؛ عَيْدٌ عَظِيمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالإِيـمَانِ، قَائِمٌ عَلَى الإِخْلَاصِ وَالتَّمْجِيدِ وَالثَّنَاءِ وَالشُّكْرِ لِلرَّحْمَنِ.

عِيدُنَا -أَهْل الإِسْلَامِ وَالإِيـمَانِ- لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ شَعَائِرِ الشِّرْكِ وَالكُفْرَانِ، عَيدُ الفَرَحِ وَالاسْتِبْشَارِ، عِيدٌ يَـمَلَأُ القُلُوبِ فَرَحًا وَسُرُورًا، وَيَتَلَأْلَأُ فِي الإِفْطَارِ فِيهِ بَهَاءً وَضِيَاءً وَنُورًا، مَقْصِدُهُ الأَجَلُّ الأَكْبَرُ أَنَّـهُمْ يَحْمدُونَ اللهَ عَلَى القِيَامِ بِـمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الصِّيَامِ وَمَا مَنَّ بِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالقِيَامِ، الـمُوصِلَةِ إِلَى دَارِ السَّلَامِ، فَيَشْكُرُونَ اللهَ حَيْثُ وَفَّقَهُمْ لإِتْـمَامِ صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، وَمَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الطَّاعَاتِ فِي لَيَالِيهِ وَأَيَّامِهِ، فَيَغْدُونَ إِلَى صَلَاةِ العِيدِ مُكَبِّرِينَ وَلِرَبِّهِمْ خَاضِعِينَ؛ {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185]، قَدْ فَرَحوا بِإِكْمَالِ صِيَامِهِمْ وَقِيَامِهِمْ، مُسْتَبْشِرِينَ طَالِبِينَ مِنْ رِبِّهِمُ العِتْقَ مِنَ النَّارِ وَالقَبُولَ.

فَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّكُمْ، وَاطْمَعُوا غَايَةَ الطَّمَعِ فِي فَضْلِهِ العَظِيمِ، فَإِنَّهُ فِي هَذَا اليَوْمِ تُعْلَنُ النَّتَائِجُ، وَتُوَزَّعُ الجَوَائِزُ، فَيَفْرَحُ الَّذِينَ جَدُّوا وَاجْتَهَدُوا فِي رَمَضَانَ، سَبَقَ قَوْمٌ فَفَازُوا، وَجَدُّوا فَنَالُوا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الفِطْرِ خَرَجَ النَّاسُ إِلَى الـمَسْجِدِ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِمُ رَبُّهَمُ وَيَقُولُ: «عِبَادِيِ! لِي صُمْتُمْ، وَلِي قُمْتُمُ، ارْجَعُوا مَغْفُورًا لَكُمْ».

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.

أَيُّهَا النَّاسُ! أَدِيـمُوا عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ رَمَضَانَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُعْبَدُ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ، وَبِئْسَ قَوْمٌ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ تَعَالَى إِلَّا فِي رَمَضَانَ!

حَافِظُوا عَلَى الْفَرَائِضِ، وَبَكِّرُوا لِلْمَسَاجِدِ، وَأَدُّوا النَّوَافِلَ، وَلَا تَهْجُرُوا الـمَصَاحِفَ، وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وِرْدُهُ الْيَوْمِيُّ مِنْ الْقُرْآنِ، وَحَظُّهُ اللَّيْلِيُّ مِنَ الصَّلَاةِ، وَقَدْرٌ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْبَذْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَشَيْءٌ مِنَ الصِّيَامِ.

وَإِيَّاكَ أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ رَمَضَانَ .. فَإِنَّهُ الإِفْلَاسُ بَعْدَ الغِنَى، وَالخَرَابُ بَعْدَ البِنَاءِ، فَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كَمَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ-: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ». وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كَمَا فِي "صَحِيحِ مُسْلِم"-: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ».

فَإِيَّاكَ أَنْ تَنْتَكِسَ بَعْدَ رَمَضَانَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ رَمَضَانَ!

اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.

أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ الحِفَاظَ عَلَى الهَوِيَّةِ وَالقِيَمِ الإِسْلَامِيَّةِ مَسْؤُلِيَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ وَأُسَرِيَةٌ وَشَخْصِيَّةٌ، وَإِنَّ الشُّعُوبَ هِيَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى حِمَايِةِ نَشْئِهِ وَمُجْتَمَعِهِ، فَالـمُجْتَمَعُ هُوَ حَارِسُ الفَضِيلَةِ؛ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]. فَقَدِ اسْتَهْدَفَتِ النَّشْءَ الأَفْكَارُ السَّيِّئَةُ مِـمَّا يُلْقِيهُ الإِعْلَامُ الفَاسِدُ وَأَجْهِزَةُ التَّوَاصُلِ، وَمِنْ وَسَاوِسِ النَّفْسِ؛ حَتَّى صَارَ يَسْمَعُ وَيَرَى مِنَ الاِنْحِرَافِ مَا لَمْ يَعْتَدْ عَلَيْهِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَدَيْهِ القُدْرَةُ عَلَى صَدِّهِ أَوْ رَدِّهِ، فَمَا
لَمْ يَكُنِ الـمُجْتَمَعُ وَالأُسْرَةُ عَلَى وَعْيٍّ وَعَلَى قَدْرِ الـمَسْؤُولِيَّةِ، فَإِنَّ النَّتَائِجِ وَخِيمَةٌ مُؤْسِفَةٌ.

وَاعْلَمُوا أَنَّ الأُسْرَةَ هِي أَسَاسُ الـمُجْتَمَعِ، نَوَاةُ بِنَائِهَا الزَّوْجَانِ؛ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرّوم:21]، نَعَم، {أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}، وَلَمْ يَقُلْ: لِتَسْكُنُوا مَعَهَا! فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّوَاجَ وَالأُسْرَةَ سَكَنٌ وَاسْتِقْرَارٌ، وَهَدَأَةٌ وَرَاحَةُ بَالٍ.

وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الـمُشْكِلَاتِ الَّتِي بَدَأَتْ بِغَزْوِ بُيُوتِنَا هُوَ تَفَكُّكُ الأُسْرَةِ بِانْـهِيَارِ العِلَاقَةِ الوِجْدَانِيَّةِ وَالشُّعُورِ بِالانْتِمَاءِ لِلْعَائِلَةِ، فَأَصْبَحَ مَفْهُومُ الأُسْرَةِ فِي نَظَرِ الشَّابِّ وَالفَتَاةِ بَيْتًا يُؤْويَهُمْ لِلنَّوْمِ وَاللُّبْسِ، وَمَكَانًا لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ! بَعِيدًا عَنِ الشُّعُورِ بِـمَنْ فِي البَيْتِ!
فَلَا اجْتِمَاعَ مَعَهُمْ فِي الوَجَبَاتِ، وَلَا حِوَار بِيْنَهُمْ!

وِإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ هَذِهِ الانْهِيَارَاتِ الأُسَرِيَّةِ هِي الانْفِجَارُ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِي لِلأَبِ وَالأُمِّ وَالأَوْلَادِ؛ فَالوَالِدَانِ حَاضِرَانِ غَائِبَانِ، وَكُلٌّ يَرْمِي الـمَسْؤُولِيَّةَ عَلَى الآخَر، وَيُرِيدُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ، وَالأَوْلَادُ مُنْشَغِلُونَ بِهَذِهِ الأَجْهِزَةِ، وَدَخَلُوا عَالَـمًا جَدِيدًا قَدْ
لَا يَعْرِفُ مَدَاهُ الوَالِدَانِ، وَلَا كَيْفِيَةَ التَّعَامُلِ مَعَهُ! بَلْ وَلَا الخَطَرَ الَّذِي يَحُوطُهُ وَيَحْتِفُ بِهِ!

وَقَدْ عَرَفَ أَعْدَاؤنَا أَنَّ تَفَكُّكَ الأُسْرَةِ هُوَ أَسْرَعُ طَرِيقٍ لِضَيَاعِ الهَوِيَّةِ، فَعَمِلُوا عَلَيْهِ، فَبَدَأوا يُزَهِّدُونَ الـمَرْأَةِ بِأَعْظَمِ وَظِيفَةٍ لَـهَا -وَهِيَ تَرْبِيَةُ أَوْلَادِهَا وَرِعَايَتَهِمْ- وَسَعَوا فِي الـمُنَادَاةِ بِـمَا
لَمْ يَسْبِقْ فِي تَارِيخِ الأُمَّةِ الـمُسْلِمَةِ، وَهُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى إِسْقَاطِ الوَلَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي شَرَعَهَا اللهُ وَرَسُولُهُ، لَيْسَ لِأَجْلِ تَسَلُّطِ الأَوْلِيَاءِ، وَإِنَّـمَا لِلْحِفَاظِ عَلَى الـمَرْأَةِ وَحِمَايَتِهَا وَصِيَانَتِهَا؛ حَتَّى صَارَتْ هَذِهِ الوَلَايَةُ مِنْ أَهَمِّ مُقَوِّمَاتِ الـمُجْتَمَعَاتِ الـمُسْلِمَةِ الـمُتَمَاسِكَةِ.

وَرَسُوُلُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُنْشَغِلٌ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ الَّتِي هِيَ مُهَمَّتُهُ الَّتِي أُرْسِلَ بِـهَا، وَمُنْشَغِلٌ بِأُمُورِ النَّاسِ، لَمْ يَشْغَلْهُ يَوْمًا عَنْ بُيوتِ أَزْوَاجِهِ وَلَا أَوْلَادِهِ، فَهُوَ مَعَهُمْ فِي كُلِّ أُمُورِهِمْ، بَلْ وَيُتَابِعُ أَحْوَالَ الـمُتَزَوِّجَاتِ مِنْ بَنَاتِهِ، وَيُلَاطِفُهُمْ وَيُـمَازِحُهُمْ وَيُحَادِثُهُمْ، وَتَأَمَّلَ قَوْلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ- مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُهُمْ خِيَارُهُمْ لِنِسَائِهِمْ»، وَفِي لَفْظٍ للتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: «إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ».  

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِـمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الـمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَظَاهِرِ الْعِيدِ مَا يَحْدُثُ بَيْنَ الأَهْلِ وَالْجِيرَانِ مِنْ صِلَةٍ لِلْأَرَحَام وَتَبَادُلٍ للتَّزَاوُرِ وَالسَّلامِ؛ مِمَّا لَهُ الأَثَرُ الْبَالِغُ عَلَى النُّفُوسِ فِي نَشْرِ الْمَحَبَّةِ وَالأُلْفَةِ وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ الأَقَارِبِ، وَهَذِهِ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد:21]. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كَمَا فِي "صَحِيحِ البُخَارِي": «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ! إِنَّ الْعِيدَ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ.

أَيَّتُهَا الأَخَوَاتُ الشَّرِيفَاتُ، وَالْحَرَائِرُ الْمَصُونَاتُ الْعَفِيفَاتُ، يَا مَنْ أَعَزَّكُنَّ اللهُ بِالدِّينِ، وَشَرَّفَكُنَّ بِالسِّتْرِ وَالْجِلْبَابِ! تَمَسَّكْنَ بِحِجَابِكُنَّ كَمَا تَتَمَسَّكْنَ بِدِينِكُنَّ، فَاللهَ اللهَ فِي حَيَائِكُنَّ وَعَفَافِكُنَّ، وَاعْلَمْنَ أَنَّ الْمَرْأَةَ بِصَلَاحِهَا يَصْلُحُ الْمُجْتَمَعُ، وَبِفَسَادِهَا يُصْبِحُ الْمُجْتَمُعُ فِي تِيهٍ وَسَرَابٍ! فَالْأُمُّ هِيَ الْمُجْتَمَعُ، وَالْأُمُّ هِيَ الْأَسَاسُ، وَهِيَ صَمَّامُ الْأَمَانِ بِإِذْنِ اللهِ.

وَمُعَايِدَةٌ صَادِقَةٌ وَدُعَاءٌ صَادِقٌ لِجُنُودِنَا الـمُرَابِطِينَ فِي جَنُوبِ الْمَمْلَكَةِ، فَإِنَّ مَا يَقُومُونَ بِهِ لَـهُوَ -بِحَمْدِ اللهِ- جِهَادٌ شَرْعِيٌ؛ لِأَنَّهُ دِفَاعٌ عَنْ عَقِيدَتِنَا وَدِينِنَا، وَدِفَاعٌ عَنْ بَلَدِنَا الْإِسْلَامِيِّ الذِي قَامَ وَلا زَالَ عَلَى شَرِيعَةِ اللهِ, وهُوَ نُصْرَةٌ لِإِخْوَانِنَا أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْيَمَنِ.

وَخِتَامًا، فَإِنَّهُ فِي هَذَا اليَوْمِ يَكْتَمِلُ الفَضْلُ بِـمُوَافَقَةِ العِيدِ لِعِيدِ الأُسُبوعِ وَهُوَ يَوْم الجُمُعَةِ، فَهَذَا فَضْلٌ عَظِيمٌ، فَاسْتَغِلُّوا دَقَائِقَهُ وَسَاعَاتَهُ، فَمَنْ صَلَّى صَلَاةَ العِيدِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْهَا فَأَكْثَرَ فَلَهُ رُخْصَةٌ أَنْ لَا يَحْضِرَ الجُمُعَةَ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الظُّهْرِ، وَإِنْ حَضَرَ الجُمُعَةَ فَخَيْرٌ عَلَى خَيْرٍ، وَعِبَادَةٌ مَعَ عِبَادَةٍ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاودَ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عن
رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ».

وَلَكِنْ لَا يُؤَذَّنُ فِي مَسَاجِدِ الجَمَاعَاتِ، بَلِ الأَذَانِ خَاصٌّ بِـمَسَاجِدِ الجُمَعِ فَقَطْ، وَسَتُصَلَّى الجُمُعَةُ فِي الجَوَامِعِ، أَعَادَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى الـمُسْلِمِينَ بِاليُمْنِ وَالإِيـمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنَ الـمُسلِمِينَ صَالِحَ الأَعْمَالِ.

تَقَبَّلَ اللهُ طَاعَتَكُمْ، وَجَعَلَ عِيدَكُمْ سَعِيدًا، وَعَمَلَكُمْ رَشِيدًا، وَأَعَادَ عَلَيْكُمْ رَمَضَانَ أَعْوَامًا عَدِيدَةً وَأَزْمِنَةً مَدِيدَةً بِصِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ وَإِيْـمَانٍ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ الهُدَى وَإِمَامِ الوَرَى, فَقَدْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، اللَّهُمَّ صَلَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيْبِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أجْمَعِينَ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالـمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالـمُشْرِكِينْ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الـمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِكِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاليَهُودِ الـمُعْتَدِينَ وَالنَّصَارَى الـمُحَارِبِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكِ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا .......

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِـمَا يُرْضِيكَ، وَجَنِّبْهُمْ مَعَاصِيكَ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَى التَّائِبِينَ، وَاهْدِ ضَالَّ الـمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ رُدَّهُمْ إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، اللَّهُمْ ارْفَعْ مَا نَزَلَ مِنَ الفِتَنِ ... اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا ...

اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَابُ الرَّحِيمُ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَـمِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِينَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المرفقات

1650797291_خطبة العيد - 1439هـ.docx

المشاهدات 624 | التعليقات 0