خطبة عيد الفطر 1438هـ

الشفق الشفق
1438/09/29 - 2017/06/24 22:05PM
خطبة عيد الفطر 1438 هـ (جمعتها من عدة خطب للشيوخ فضلاء )
الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ؛ هَدَانَا لِلْإِيمَانِ، وَعَلَّمَنَا الْقُرْآنَ، وَبَلَّغَنَا رَمَضَانَ، فَصُمْنَا مَعَ الصَّائِمِينَ، وَقُمْنَا مَعَ الْقَائِمِينَ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ التَّائِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ؛ فَهُوَ الرَّبُّ الْكَرِيمُ، الْبَرُّ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ عَظِيمُ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، وَاسِعُ الْمُلْكِ وَالْعَطَاءِ، كَثِيرُ الْعَفْوِ وَالْإِحْسَانِ، يَجْزِي عَلَى قَلِيلٍ كَثِيرًا، وَيَجْبُرُ قَلْبًا كَسِيرًا، وَيُجِيرُ خَائِفًا ضَعِيفًا، وَيَقْضِي شَأْنًا عَظِيمًا ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ دَائِمَ التَّعَلُّقِ بِاللَّهِ تَعَالَى، يُكْثِرُ حَمْدَهُ وَشُكْرَهُ، وَلَا يَغْفُلُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَيُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ، وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ، وَيَخَافُ عَذَابَهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَالْهَجُوا فِي خِتَامِ الشَّهْرِ الْكَرِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ، وَسَلُوهُ قَبُولَ الْأَعْمَالِ؛ فَإِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَى الْقَبُولِ لَا عَلَى كَثْرَةِ الْعَمَلِ، فَمَنْ قُبِلَ مِنْهُ نُجِّيَ وَفَازَ، وَمَنْ رُدَّ عَمَلُهُ خَسِرَ وَخَابَ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا النَّاسُ: أَزِفَ شَهْرُ التَّقْوَى، وَرَبُّنَا سُبْحَانَهُ يَجِبُ أَنْ يُتَّقَى فِي كُلِّ حِينٍ، بَيْدَ أَنَّ فَرْضَ الصِّيَامِ قَدْ عُلِّلَ بِالتَّقْوَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ . وَقَبُولُ الْعَمَلِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى حُصُولِ التَّقْوَى كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾، وَفِي تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الطَّيِّبَةِ مَعَانٍ كَرِيمَةٌ؛ فَهِيَ تُفِيدُ قَصْرَ الْقَبُولِ بِلَفْظِ (إِنَّمَا) عَلَى الْمُتَّقِينَ، وَالْقَصْرُ نَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ؛ أَيْ: أَنَّ التَّقْوَى هِيَ سَبَبُ الْقَبُولِ، فَإِنْ وُجِدَتْ كَانَ الْقَبُولُ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدِ انْتَفَى الْقَبُولُ.
وَفِيهَا تَوْجِيهٌ لِمَنْ فَسَدَتْ نِيَّتُهُ فِي عَمَلِهِ فَكَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُبَادِرَ فِي إِصْلَاحِ قَلْبِهِ، وَإِخْلَاصِ عَمَلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَالتَّقْوَى تَنْبُعُ مِنَ الْقُلُوبِ؛ وَلِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالتَّقْوَى الَّتِي اعْتُبِرَتْ سَبَبًا لِقَبُولِ الْعَمَلِ تَتَضَمَّنُ خَشْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَإِخْلَاصَ الْعَمَلِ لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ سُبْحَانَهُ، وَاتِّبَاعَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهِيَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَعَانِي الْفَضِيلَةِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الرَّذِيلَةِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، ولِلَّهِ الْحَمْدُ.
يا عباد الله : أَوْصَى اللهُ عِيسَى عليه السلامُ بالَّصلاةِ وَهُوَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا.لَكُمْ أَنْ تَتَخَيَّلُوا وَلِيدًا فِي مَهْدِهِ يَقُولُ: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ}, يَتْرُكُ إبراهيمُ عليهِ السلامُ أهْلَهُ فِي صَحْرَاءَ قَاحِلَةٍ، ثُمَّ يَقُولُ{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ}!إِنَّهَا الصَّلاَةُ يا عِبَادَ اللَّهِ.
يَأْتِي مُوسى عليهِ السلامُ لِمَوْعِدٍ لَا تَتَخَيَّلِ الْعُقُولُ عَظَمَتَهُ ، فَيَتَلَقَّ أَعْظَمَ أَمْرَيْنِ: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}! إِنَّهَا الصَّلاَةُ، سُلَيْمَانُ عليه السلامُ يَضْرِبُ أَعْنَاقَ جِيَادِهِ الْحِسَانِ، لِأَنَّهَا أَشْغَلَتْهُ عَنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ! إِنَّهَا الصَّلاَةُ، يُشْغِلُ الكفارُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ فَيَدْعُوا عَلَيهِمْ دُعَاءً مُرْعِبًا فيقولُ: "مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاَةِ"!.
هَذِهِ هِي الصَّلاَةُ -يا عَبْدَ اللهِ - وَإِنَّهَا لكَذَلِكَ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِماذا لَا تَكُونُ؟ وَهِي الصِّلَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، نُورٌ فِي الْوَجْهِ وَالْقلبِ، وَصَلاَحٌ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ، تَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ وَتُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ، وَتَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكِرِ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجّلَّ يَقُولُ (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) , فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ تَأْدِيبٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَلْأُمَّةِ أَنَّهُ إِذَا حَدَثَ أَمْرٌ عَامٌ يَتَضَمَّنُ خَوفاً أَوْ أَمْناً فِإِنَّهُ يُرَدُّ إَلَى أَهْلِهِ مِنَ العُلَمَاءِ وَوُلَاةِ الأَمْر, وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُدْلِي بِدَلْوِهِ فِيه, بَلْ يُتْرَكُ الأَمْرُ لِأَهْلِ الاخْتِصَاصِ وَيَشْتَغِلُ المرْءُ بِمَا يُصْلِحُ دِيَنَهُ وَدُنْيَاه.
وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللهِ نَعِيشُ فِي ظِلِّ دَوْلَةِ حَكِيمَةٍ كَانَ لَهَا وَلِلهِ الحَمْدُ مَوَاقِفُ قَويَّةٌ فِي خِدْمَةِ الإِسْلَامِ وَقَضَايَا الْمُسْلِمِينَ, وَكَانَ لِلْمَلِكِ سَلْمَانَ حَفِظَهُ اللهُ قَرَارَاتٌ صَائِبَةٌ مُسَدَّدَةٌ وَللهِ الحَمْدُ وَالْمِنَّةُ, كَعَاصِفَةِ الحَزْمِ التِي حَفِظَ اللهُ بِهَا البِلَادُ مِنَ عُدْوَانِ الحُوثِيْيِنَ الحَاقِدِينَ , وَكَذَلِكَ مَا حَصَلَ مِنَ التَّحَاُلفِ الإِسْلَامِي الكَبِيرِ, فَالنَّصِيحَةُ أَنَّ الْمَرْءَ يَشْتَغِلُ بِمَا يَعْنِيه وَيَتْرُكُ مَا لَا يَعْنِيهِ , مِنَ كَلَامٍ قَدْ يَنْدَمْ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدُ, أَوْ يَجْرَحُ إِخْوَانَهُ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا لَا ذَنْبَ وَلَا يَدَ لَهُمْ فِيمَا يَدُورُ حَوْلَه.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
تابع الجميع مَا حَصَلَ قَبْلَ أيام من دَعْوَةِ الْمَلِكِ سَلْمَاَنَ حَفِظَهُ اللهُ لِبَيْعِةِ الْأَمِيرِ مُحَمَّدِ بِنْ سَلْمَانَ وَلِيَّاً لِلْعَهْدِ.
فَنَقُولُ : إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعَاً أَنْ نُبَايِعَ, لِأِنَّ هَذِهِ بَيْعَةُ شَرْعِيَةٌ يُوجِبُهَا عَلَيْنَا دِينُنَا , ثُمَّ مَنْ دُعِيَ بِعَيْنِهِ فَيجبُ أَنْ يَذْهَبَ لِيُبَايِعَ فِي الْمَكَانِ الذِي دُعِيَ فِيهِ لِلْبَيْعَةِ, وَمَنْ لَمْ يُدْعَ بِعَيْنِهِ فَيَجِبُ أَنْ نَعْتَقِدَ بِيْعَتَنَا لِوَلِيِّ الْعَهْدِ بِذَلِكَ, وَلا يَحِلُ أَنْ نُخَالِفَ ذَلِكَ, قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْذَرَ مِنْ تَشْوِيشِ الْأَعْدَاءِ وَمُحَاوَلَتِهِمُ الاصْطِيَادَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَجْوَاءِ وَزَرْعِ الْفُرْقَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ أَوْ تَشْكِيكِهِمْ فِي وُلاةِ الْأَمْرِ.
وَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا الْحِرْصَ أَشَدَّ الْحِرْصِ عَلَى تَمَاسُكِ دَوْلَتَنَا وَتَلاحُمِ مُجْتَمَعِنَا, لِأَنَّنَا بِذَلِكَ نَحْفَظُ دِينَنَا وَأَمْنَنَا.
أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْفَظَ وُلاةَ أَمْرِنَا وَأَنْ يُسَدِّدَ خُطَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَأَنْ يَأْخُذَ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْحَقِّ, كَمَا نَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْزِيَ الْأَمِيرَ مُحَمَّدَ بْنَ نَايِفَ خَيْرَاً عَلَى مَا قَدَّمَ , وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ الْأَمِيرَ مُحَمَّدَ بْنَ سَلْمَانَ خَيْرَ خَلَفٍ لِخَيْرِ سَلَفٍ
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ولِلَّهِ الْحَمْدُ
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَاللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا؛ أَفْرَحَنَا بِالْعِيدِ، وَرَزَقَنَا الْجَدِيدَ، وَمَتَّعَنَا بِالْعَيْشِ الرَّغيدِ؛ فَلَهُ الْحَمْدُ لَا نُحْصِي ثَناءً عَلَيهِ كَمَا أَثْنَى هُوَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ الْعِيدَ مِنْ شَعَائِرِهِ الْمُعَظَّمَةِ {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلهِ وَأَصْحَابِهِ وأتبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ولِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا يَوْمُ عِيدِكُمْ، وَهُوَ يَوْمُ فَرَحٍ وَحُبُورٍ وَسُرُورٍ، وَيَوْمُ شُكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، فَافْرَحُوا بِعِيدِكُمْ بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ، وَبَرُّوا وَالِدِيكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَأَكْرِمُوا جِيرَانَكُمْ، وَأَدْخِلُوا الْبَهْجَةَ وَالسُّرُورَ عَلَى نِسَائِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ، وَلاَ تَنْسَوا إِخْوَانَكُمْ المُضْطَهَدِينَ فِي دِينِهِمْ، المُشَرَّدِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ، أَكْرِمُوهُمْ بِعَطَائِكُمْ، وَخُصُّوهُمْ بِدُعَائِكُمْ؛ فَلَهُمْ حَقٌ عَلَيكُمْ فَأَدُّوهُ إِلَيهِمْ.
أَيُّهَا الأَخَوَاتُ الْكَرِيمَاتُ.. إِنَّ الْأَمَلَ مَعْقُودٌ عَلَيكِ فِي تَرْبِيَةِ جِيلٍ صَالِحٍ يَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَنْهَضُ بِأُمَّتِهِ، فَكُونِي أُمًّا تَصْنَعُ أُمَّةً؛ فَإِنَّ إمَامَ أهْلِ السُّنَّةِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ نَشَأَ يَتِيمًا فَصَنَعَتْهُ أُمُّهُ بِرِعايَةِ اللهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ، فَصَارَ أُمَّةً فِي رَجُلٍ،
وَمَنْ مِنَّا لَا يَعْرِفُ إمَامَ الدُّنْيا أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ؟! فَكُلُّ عِلْمِهِ وَجِهَادِهِ وَنَفْعِهِ لِلْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ طُوَالَ الْقُرُونِ فَلأُمِّهِ الَّتِي رَبَّتْهُ وَأَدَّبَتْهُ وَقَامَتْ عَلَيهِ مِثْلُ أَجْرِهِ؛ لِأَنَّهَا صَنَعَتْهُ إمَامًا، وَلَمْ تَتْرُكْهُ عَابِثًا.
يَذْكُرُ التَّارِيخُ أَنَّ أُمَّ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ قَالَتْ لِسُفْيَانَ وَهُوَ صَغِيرٌ:"اذْهبْ، فَاطْلُبِ العِلْمَ، حَتَّى أَعُولَكَ بِمِغْزَلِي، فَكَانَ سُفْيانُ كَمَا أَرَادَاتْ وَرَبَّتْ.
وَكَانَتْ أُمُّ الشَّافِعِيِّ تَلْتَقِطُ الْأَوْرَاقَ التَّالِفَةَ لَهُ لِيَكْتُبَ عَلَى قَفَاهَا دُرُوسَهُ، وَمَا رَدَّهَا الْفَقْرُ عَنْ صُنْعِ إمَامٍ مِنْ أَكْبَرِ أئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَكَثِيرٌ مِنْ عُظَمَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ صَنَعَتْهُمْ نِساءٌ مِنْ أُمَّهَاتٍ وَأَخَوَاتٍ وَقَرِيبَاتٍ.
أخَوَاتِي الْكَرِيمَاتُ.. أَبْنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَيْكُمْ؛ فَكُنَّ لَهُمْ قُلُوبًا حَانِيَةً وَنُفُوسًا رَقِيقَةً، فَالْبَيْتُ الَّذِي تَعْلُو فِيهِ أَصْوَاتُ النِّزَاعِ وَتَحْتَدِمُ فِي جَنَبَاتِهِ مَظَاهِرُ الْخُصُومَةِ وَالشِّقَاقِ لَيْسَ مُهَيَّأً لِلتَّرْبِيَةِ وَاسْتِقْرَارِ النُّفُوسِ، بَلْ قَدْ يَهْرُبُ أَبْنَاءُ ذَلِكَ الْبَيْتِ مِنْ هَذَا الْجَوِّ الْمَشْحُونِ إِلَى مَنْ يُؤْويهِمْ، وَقَدْ يَحْتَضِنُهُمْ رُفَقَاءُ سُوءٍ وَقُرَنَاءُ شَرٍّ، أَوْ أَصْحَابُ فِكْرٍ ضَالٍّ أَوْ مُنْحَرِفٍ، وَتَسْهُلُ لَهُ بَعْدَ ذلكَ طُرُقُ الْغُوَايَةِ لِيُصْبِحَ مُجْرِمًا مُحْتَرِفًا، كَيْفَ لَا؟! وَقَدْ فَقَدَ الرِّعَايَةَ والنُّصْحَ والتَّوْجِيهَ مِنْ أَبَوَيْهِ، غَابَ عَنْهُ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقِ الْهُدَى وَالنُّورِ.
أَسْأَلُوا اللهَ دَائِمًا الْهِدَايَةَ وَالصَّلاَحَ لِأَوْلاَدِكُمْ وَأَنْ يَحْفَظَهُمْ مِنْ مَسَالِكِ الشُّبُهَاتِ، وَنَوَازِعِ الشَّهَوَاتِ، وَأَنْ يُحَبِّبَ لِلْبِنَاتِ السِّتْرَ وَالْحِشْمَةَ وَأَلَا يَنْجَرِفْنَ وَراءَ الْمَوضَةِ الَّتِي تُفْضِي إِلَى لِبْسِ الْعُرْيِ وَالْبَذَخِ فِي الْمَالِ وَالتَّسَاهُلِ فِي الْحُرُمَاتِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ولِلَّهِ الْحَمْدُ
عِبَادَ اللَّهِ.. يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لَا يَشْكُرِ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرِ النَّاسَ" أخرجه أبو داودَ. ففِي بَلَدِنَا هَذَا أَبْدَعَ أَبْنَاؤُهُ فِي أيَّامِ الشَّهْرِ الْكَرِيمِ عَبِرَ إِقَامَةِ أَعْمَالٍ خَيْرِيَّةٍ وَمَشَارِيعَ نَوْعِيَّةٍ، وَبَرامِجَ تَطَوُّعِيَّةٍ، جُهُودٌ كَبِيرَةٌ وَأَعْمَالٌ جَلِيلَةٌ يَرَاهَا الْجَمِيعُ؛ فَقدْ أَطْعَمُوا الْجَائِعَ، وَأَحْسَنُوا لِلْفَقِيرِ، وَفَطَّرُوا الصَّائِمَ، وَعَلَّمُوا الْجَاهِلَ وَاعْتَنَوْا بِكِتَابِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا.. كُلُّ الشُّكْرِ وَبالِغِ التَّقْدِيرِ وَخَالِصِ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِفِينَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَاتِ الْخَيْرِيَّةِ وَالْعَامِلِينَ مَعَهُمْ . وَيَبْقَى دَوْرُكُمْ أَيُّهَا الْكُرَمَاءُ فِي اسْتِمْرَارِ الدَّعْمِ والْمُؤَازَرةِ، فَمَشَارِيعُهُمْ قَائِمَةٌ بَعْدَ اللهِ عَلَى أَمْثَالِكُمْ.
إِنْ نَنْسَى فَلَا نَنْسَى أئِمَّةَ الْمَسَاجِدِ الذينَ اجْتَهَدُوا فِي إقَامَةِ الصَّلَوَاتِ وَاعْتَنَوْا بِبُيُوتِ رَبِّهِمْ، وَكَمْ يُفْرِحُنَا -وَاللهِ- أَنْ نَرَى بَعْضَ الْمَسَاجِدِ قَدْ امْتَلَأَتْ بِالْمُصَلِّينَ خَلْفَ شَبَابٍ حُفَّاظٍ حَبَاهُمُ اللهِ حُسْنَ الصَّوْتِ وَجَوْدَةَ الْقِرَاءَةِ، وَلَا نَنْسَى إِخْوَتَنَا فِي الْجِهَاتِ الْأَمْنِيَّةِ وَالْقِطَاعَاتِ الْخَدَمِيَّةِ فَجُهُودُهُمْ كَبِيرَةٌ وَأَعْمَالُهُمْ مَشْهُودَةٌ، فَلِلْجَمِيعِ الشُّكرُ وَالدُّعَاءُ.
أَيُّهَا الْمُسلِمُونَ... أُذَكِّرُكُمْ جَمِيعًا وَأَحُثُّ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ عَلَى صِيَامِ سِتَّةِ أيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، فَفِي الْحَديثِ الصَّحِيحِ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" رواه مسلمٌ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
اللَّهُمَّ إنَّا خَرَجْنَا الْيَوْمَ إِلَيكَ نَرْجُوَ ثَوابَكَ وَنَرْجُو فَضْلَكَ ونخافُ عَذَابَكَ، اللَّهُمَّ حَقِّقْ لَنَا مَا نَرْجُو، وَأَمِّنَّا مِمَّا نخافُ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى عَدُوِّنَا وَاجْمَعْ كَلِمَتَنَا عَلَى الْحَقِّ، وَاحْفَظْ بِلادَنَا مِنْ كلِّ مَكْرُوهٍ وَوَفِّقْ قِيَادَتَنَا لِكُلِّ خَيْرٍ إِنَّكَ جَوَادٌ كَرِيمٌ...
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِين
المشاهدات 881 | التعليقات 0