خطبة عيد الفطر 1437ه أهمية التفاؤل في حياة الأمة. (بعد التعديل)
عبد الله بن علي الطريف
1437/09/30 - 2016/07/05 22:35PM
هذه اعادة للخطبة بعد التعديل بعد الأحداث المؤلمة يوم 29
خطبة عيد الفطر 1437هـ أهمية التفاؤل في حياة الأمة. (بعد التعديل)
الحمد لله كثيرا والله أكبر كَبيرًا، وسبحان اللهِ بكرةً وأصيلاً، والحمدُ للهِ وفقَ من شاءَ لطاعتِه فكان سعيُه مشكوراً، ثم أجزلَ لهم العطاءَ والمثوبةَ فكان جزاؤُهم موفورا، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوبُ إليه ونستغفِرُه إنه كان حليماً غفوراً.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُتمُ بنعمتِه الصالحات، ويُجزلُ بفضلِه الهبات إنه كان بعباده لطيفاً خبيراً والصلاةُ والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما ًكثيراً.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد:28]
أيها الإخوة والأخوات: عيدكُم مباركٌ وعيدكُم سعيدٌ وتقبل اللهُ منا ومنكم صالحَ الأعمالِ والحمدُ للهِ أن مدَّ بأعمارِنا حتى أدركنا إتمامَ الشهرِ والعيدَ أعادَه اللهُ علينا وعلى الأمةِ الإسلاميةِ باليمنِ والبركاتِ..
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
أيها الإخوة: العيدُ جزءٌ من نِظامِ أمَّةِ الإسلامِ، يصِلُ ماضيَها بحاضِرِها وقريبَها بِبعيدِها، ويربطُ أفراحَها بشرائعِها وابتهاجَها بشعائرِها، والفرحُ بالعيدِ من سُنَنِ المرسلين، وإظهارُ السرورِ في الأعيادِ من شعائرِ الدينِ، ولقد أظهرَ نبيُّكم محمّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفرحَ والسرورَ بالأعيادِ في شرعِه وفعلِه، وأذِن للمسلمين بأن يفرَحوا، وأقرَّ الفرحين على فرحِهم، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِدُفَّين بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَتَسَجَّى بِثَوبِه وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إلى الجدار، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيْدًا، وهَذَا عِيْدُنَا. وخيرُ الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
العيدُ أيها الأحبة: مظهرٌ من مظاهرِ الدينِ، وشعيرةٌ من شعائرِه المعظمةِ التي تنطوي على حكمٍ عظيمةٍ ومعانٍ جليلةٍ وأسرارٍ بديعةٍ لا تعرفُها الأممُ في شتى أعيادِها.
فالعيد: بمعناه الديني شكرٌ للهِ على تمامِ العبادةِ، لا يقولُها المؤمنُ بلسانِه فحسب، ولكنها تعتلج ُ في سرائرِه رضاً واطمئناناً، وتنبلجُ في علانيتِه فرحاً وابتهاجاً .
والعيد: في معناه الزمني قطعةٌ من الزمنِ خُصْصِتْ لنسيانِ الهمومِ، واطراحِ الكُلفِ، واستجمامِ القوى الجاهدةِ في الحياةِ.
والعيد: في معناه الاجتماعي يومُ الأطفالِ يفيضُ عليهم بالفرحِ والمرحِ.. ويومُ الفقراءِ يلقاهم باليسرِ والسعةِ.. ويومُ الأرحامِ يجمعُها على البرِ والصلةِ.. ويومُ المسلمين يجمعُهم على التسامحِ والتزاورِ.. ويومُ الأصدقاءِ يُجددُ فيهم أواصرَ الحبِ ودواعي القربِ.. ويومُ النفوسِ الكريمةِ تتناسى أضغانَها، فتجتمعُ بعد افتراقٍ، وتتصافى بعد كدرٍ، وتتصافحُ بعد انقباضٍ... ويجتمعُ الناسُ في تواؤمٍ على الطعامِ وهو من شعائرِ الإسلامِ كما قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية: جَمْعُ النَّاسِ لِلطَّعَامِ فِي الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ سُنَّةٌ، وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلامِ الَّتِي سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسلمين، وفي هذا كلِه تجديدٌ للرابطةِ الاجتماعيةِ على أقوى ما تكونُ من الحبِ والوفاءِ و الإخاءِ...
أمّا ما في الأمةِ من مشكلاتٍ وابتلاءاتٍ وهمومٍ وما في النّاسِ من قصورٍ وتقصيرٍ وخطايا فلا ينبغي أن يمنعَ الفرحَ والابتهاجَ، فالابتلاءاتُ والهمومُ من سننِ اللهِ في الخليقةِ كُلِّها، وفي جميعِ أعصارِها وأمصارِها، في مؤمنِها وكافرِها، وصالحِها وفاسدِها علوٌّ وهبوط، وتمكينٌ واستِضعاف... والأيامُ أيامُ اللهِ يداولُها بين الناسِ... وفي عهدِ النبوةِ المطهَّرةِ كان من أذَى الكفارِ ومكرِ المنافقين وعوائقِ الدّعوةِ والبلاءِ على المؤمنين ما لا يخفى، وذلك كلُّه لا يجرُّ أمةَ الإسلامِ إلى اليأسِ والقنوطِ...
فالعيدُ فرحٌ وابتهاجٌ وفرصةٌ كبرَى لتدفّقِ الأمَلِ والانطلاقِ في العمل.
ولقد حاولَ أربابُ الفكرِ الضالِ تكديرَ صفوِنا بما أحدثوا من قتلٍ وتفجيرٍ وإرهابٍ وتخريبٍ في بلادِنا..وجعلوا أداتَه من أبنائِنا الأغرارِ الذينَ غَشِيَتُهم ظُلماتُ الجهلِ والهوى حَتى رَانَتْ عَلى قُلوبِهِم، وَأفْسَدَتْ عُقُولَهُم فَاسْتَحَلُوا دِمَاءَ أَرْحَامِهِم وَأَقارِبِهم، وَقَصَدُوا قَتْلَ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِم.. واستَبَاحَ آخرون الغَدْرَ بِالصَائمينَ فِي خِتَامِ رمضانَ وفي عشرِه المباركة.. وأين كان هذا الغدر.؟ في حَرَمِ المدينةِ النبويةِ، الذي لَعنَ اللهُ تَعالى مَنْ أَحْدثَ فِيها حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا" رواه البخاري ومسلم عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَكيفَ بِحَدثٍ جَمعَ بينَ الغَدْرِ واستِحْلَالِ أَنُفسِ الصَائِمينَ بِقُربِ مسجدِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَروَّعَ المُجاورِين والمُصلِّين. وَلكنَّها القلوبُ الفَاسدةُ إِذَا أُشْرِبتْ الفِتَنَ فَلَا يُسْتَغربُ عَلَى أَصْحابِهَا أَيُّ جُرْمٍ مَهْمَا كَانَ عظيمًا قَبيحًا، ونحن إذ نستنكرُ هذا العمل ونُجَرِّمُه نَسألُ اللهَ تَعالى أَنْ يغفرَ لمن قَضَى من جنودِنَا وأن يجعلَهم من الشهداءِ، ويحفظَ جميعَ رجالَ أمنِنا.. وأنْ يَكْبِتَ المُعْتَدِينَ، وَيَكْفِيَ المُسلمين شَرَّهُم، ويكشفَ لرجالِ أمنِنا خُططَهم ومكرَهم وَيَحفظَ أَولادَ المسلمينَ ممن يُريدُ إِغْواءَهُم وَإِضْلَالَهُم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فأنهم (أي الخوارج) شرٌ على المسلمينَ مِنْ غيرِهم فإنَّهم لم يكنْ أحدٌ شراً على المسلمين منهم لا اليهودَ ولا النصارى فإنهم (أي الخوارج) كانوا مجتَهِدِين في قتلِ كلِ مسلمٍ لم يُوافِقْهم مُسْتَحِلِينَ لدِماءِ المسلمينَ وأَموَالِهم وقتلِ أولادِهم..! مُكَفْرِين لهم، وكانوا متدينينَ بذلِك لِعِظَمِ جَهْلِهم وبِدْعَتِهم الـمُضِلِة. منهاج السنة النبوية (5/ 169)
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
أيها الأحبة: ونحنُ نعيشُ أيامَ العيدِ ولياليهِ الجميلةِ أرى أنه من الواجبِ علينا أن نتحدثَ مع أنفسِنا حديثاً لا تنقصُه الصراحةُ.. حديثُ أملٍ نعمرُ به القلوبَ وحديثُ فألٍ نذكي به النفوسَ.. حديثٌ يُشعلُ في نفوسِنا فتيلَ الجدِ لمستقبلٍ واعدٍ بالخيرِ فقد «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ..» رواه ابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وقال الألباني حسن صحيح. أقول هذا لأننا بحاجةٍ إلى أَنْ نجعلَ من هذا العيدِ فرصةً لدفقِ الأملِ في قلوبٍ أحبطها اليأسُ.. وأحاطَ بها القنوطُ.. وبدت مظاهرُ اليأسِ في صورٍ شتى، منها: سرعةُ تصديقِ كواذبِ الأخبارِ، وروايةِ أضغاثِ الأحلامِ، التي تطلقُها بعضُ وسائلِ الإعلامِ سواءٌ التقليديةِ أو وسائلِ الإعلامِ الحديثِ بما يعرفُ بوسائلِ التواصلِ الاجتماعي، ويتلقفُها من يسمى بالخبراءِ بشئونِ الشرقِ الأوسطِ أو بالمحللين السياسيين وقد تلقفَها هؤلاء من كتاباتٍ في صحفٍ غربيةٍ أو تصريحاتٍ لمسئولين أو غيرِهم وربما أنَّ كثيراً منها أطلقتُه الاستخباراتُ المعاديةُ سواء اليهوديةِ أو الباطنيةِ ويسمونها استراتيجياتٍ ويأخذُها من يسمى بالمحللين السياسيين بالتسليمِ ويبدأون بالتحدثِ عنها بوسائلِهم الخاصةِ وتتلقاها الشعوبُ كأنها مسلماتٌ عن حسنِ نيةٍ، وكأنها وحيٌ من السماءٍ جاء به رسولٌ أمينٌ..
لقد قسموا بلادَنا بين الظالمين ووزعوا مأرزَ الإسلامِ على الباطنيين والمارقين وَكَأَنَّهُم مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ..
وبفعلِهم هذا قتلوا الأملَ في نفوسِ بعضِ المسلمينَ ووأدوا العزةَ فيها.. وأشاعوا الخوفَ وأفقدُونا الثقةَ بمن ولاه اللهُ أمرَنا..
والحقيقةُ أن هذه الأخبارَ إن صحت ما هي إلا أَمَانٍ لأعداءِ الأمةِ تروى على شكلِ أخبارٍ من مصادرَ موهومةٍ تسمى موثوقةٌ..
فيا أمة الإسلام: أبشروا وأمِّلوا ما يسرُكم، فعُمرُ الإسلامِ أطولُ من أعمارِنا، وأفقُ الإسلامِ أوسعُ من أوطانِنا، وليست أمانيَ القومِ وخططِهم التي يشيعون ضربةَ لازبٍ، لا تحولُ ولا تزولُ، وأنها واقعةٌ لا محالةَ..
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
أيها الإخوة والأخوات: لكن في كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم حديثٌ آخرٌ، حديثٌ يُبْهِجُ النفوسَ ويذكي الأملَ وينهضُها للعملِ حديثٌ (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:42] حديثٌ محفوظٌ في تنزيلِه، محفوظةٌ ألفاظُه معلومةٌ معانيه ودلالاتُه وقد تضمنَ هذا الكتابُ المطهرُ أدلةً صريحةً مبشرةً بأن المستقبلَ لهذا الدينِ فضلاً عن شواهدِ التاريخِ والواقعِ الذي نعيشُه الآن.
نعم: لقد وعد سبحانه بأنه سيظهرُ هذا الدينَ وينصرُه "بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ" رغم جهودِ أعدائِه للنيلِ منه والقضاءِ عليه قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:32]
وأكد بأن الباطلَ مهما صالَ وجالَ فأمرُه إلى تبابٍ وخسارٍ بحولِ الله.. وأن العاقبةَ لأهلِ الإسلامِ الصحيحِ أهلِ السنةِ والجماعة، وأن هذا الدينَ سيظهرُ وينتصرُ فقال: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51] ويقول: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ..) [النور:55] وذهب بالتبشيرِ إلى أبعدِ من الوعدِ فجعلَ نصرَ المؤمنين حقاً عليه فقال: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47]
ولم يكتف سبحانه بالالتزامِ بالوعدِ بظهورِ هذا الدينِ وتمكينِ أهلِه.! بل شهد سبحانه وكفى به شهيداً بأنه سيظهرُه ويمكنُه ويوالي نصرَه وأولياءَه ويخذلُ أعداءَه، وشهادتُه سبحانه أكبرُ شهادةٍ على الإطلاقِ يقول: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً) [الفتح:28] فهل توجدُ شهادةٌ أعظمُ من هذه الشهادةِ وأكبر؟ وفي الحديث قَالَ اللهُ تَعَالَى: "يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ" رواه مسلم.
وَيَقُولُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ".رواه أحمد عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وإسناده صحيح على شرط مسلم.
ومثلما وعدَ اللهُ رسولَه بالنصرِ، وعدَ أتباعَه به ما استقاموا على دينِه وسنتِه، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النور:٥٥].
وتوعد الكافرين بالخسارةِ والحسرةِ والهزيمةِ في الدنيا وجهنمَ في الآخرةِ إن لم يسلموا يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال:36]
والمطلعُ على تاريخِ الأمةِ وتقلبَاتِها منذ ظهورِ الإسلامِ إلى يومِنا هذا يرى أن المسلمين حصروا في الخندقِ وبعد سُنيّاتٍ فتحوا مكةَ.. وسقطت بغدادُ ، ثم بعد نحوِ قرنين فُتِحت القسطنطينيةُ والله عز وجل لا يَعْجَلُ لعجلتِنا، ولا تتحوّلُ سننُه لأهوائِنا، فسُننُ اللهِ لاتحابي أحداً، ولنتذكرْ في هذا العيدِ ما أبْقَى اللهُ لنا من خيرٍ، وما تَطَوَّلَ بهِ علينا من فضلٍ.
ونحن نقولُ: لئن حلت بنا محنٌ فقد أبقى اللهُ لنا منحاً، ولئن أصابتنا نقمٌ فقد أبقى الله لنا نعماً "وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها"، ونحن أحوجُ ما نكونُ إلى أملٍ يدفعُ إلى عملٍ، ولا يَنْصبُ همُنا لما يخططون ويتمنون لينصبْ همُنا إلى إصلاحِ أنفسِنا ومن تحتِ أيدينا وننظرْ إلى أي مدىً تقدمنا بطاعةِ اللهِ.. وماذا قدمنا لديننا من دعوةٍ كَثُرَتْ سُبُلُها وأسهلُها الدعاء.. كذلك نحن بحاجةٍ إلى فألٍ ينتجُ إنجازاً، أما المهمومُ المحزونُ فهو غارقٌ في آلامِه، متعثرٌ في أحزانِه مدفونٌ في همومِ يومِه، لا يرجو خيراً ولا يأتي بخيرٍ (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21]
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
أيتها الإخوة والأخوات: للمرأةِ دورٌ بارزٌ في إنهاضِ المجتمعِ وتطويرِه، وزيادةِ معارفِ المرأةِ وتربيتِها على الخيرِ له أثرٌ كبيرٌ في أخلاقِ الأجيالِ.
فالطفلُ الذي يرى أمَّه مقبلةً على معالي الأمورِ من اكتسابٍ للعلومِ والمعارفِ، والاشتغالِ بما يفيدُ الأولادَ والأمةَ... غيرُ الطفلِ الذي يرى أمَّه مقبلةً على مجردِ المتعِ الدنيويةِ والمظاهرِ الوقتيةِ وسفاسفِ الأمورِ...
وخلاصةُ القول التربيةُ: أمٌّ فاضلةٌ وزوجةٌ صالحةٌ. وفي الجملةِ فإن تربيةَ المرأةِ تعني تربيةَ المجتمعِ بأكملِه لأنَ دورَها في بناءِ الأمةِ كبيرٌ وكما قال شاعرُ العربِ:
الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها****أعدتَ شعباً طيبَ الأعراقِ
ورحم الله من قال: مَن علَّم (رجلاً) فقد علَّم فرداً، ومَن علَّم (امرأة) فقد علَّم شعبا.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
ومِن مظاهرِ الإحسانِ بعد رمضانَ استدامةُ العَبدِ على النَّهجِ المستقيمِ ومداومَةُ الطاعةِ وإتباعُ الحسنةِ الحسنةَ، فذلك من قَبولِ الطاعَات.
واعلموا وفقني اللهُ وإياكم أن أَعْرَاضَ الْفُتُورِ وَالتَّثَاقُلِ عَنِ الطَّاعَاتِ بَعْدَ رَمَضَانَ تُصِيبُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ يَنْصَرِفُ لِلْمَعَاصِي مِنْ ضِيقِ مَا يَجِدُ مِنِ انْصِرَافِهِ عَنِ الطَّاعَاتِ.!
وَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضْبِطَ نَفْسَهُ فِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ بَعْدَ رَمَضَانَ، فَلَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَلْيُبَكِّرْ إِلَى الـمَسْجِدِ فِي كُلِّ فَرِيضَةٍ، وَلَا يَتْرُكْ فِيهِ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ وَالْوِتْرَ وَسُنَّةَ الضُّحَى، وَلَا يَهْجُرِ الْقُرْآنَ، بَلْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ مَا تَيَسَّرَ، حَتَّى يُجَاوِزَ أَيَّامَ الْفُتُورِ، وسيجد بعد ذلك نفسه نَشِيطًا فِي الطَّاعَةِ كَمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ.
ومن السنةِ أن من أتى من طريقٍ فالسنةُ أن يرجعَ مع طريقٍ آخرَ ليشهدَ له الطريقان.. تقبَّل الله منَّا ومِنكم الصيامَ والقيامَ وسائرَ الطاعات.
اللهم إن هؤلاء عبادُك قد جاءوا يريدون رحمتَك ويخشون عذابَك، ويأملون بأعطياتِك اللهم لا تردُهم خائبين ولا عن جنابِك مطرودين واكتب لهم من الخيرِ أضعافَ ما يأملون واجعلهم أسعدَ خلقِك بك.. اللهم تقبل منا الصيامَ والقيامَ وأعد علينا رمضان أعواماً عديدةً وأزمنةً مديدةً ونحن وأمتُنا وبلادُنا بحياةٍ سعيدةٍ.. اللهم ادفع عنا وعن بلادنا كيد الأشرار، واحفظ بلادنا أمنة مطمئنة واحفظ ولاة أمرنا وجنودنا في الداخل والثغور واجزهم عنا خير الجزاء وألف بين قلوبنا وزدنا وحدة ومحبة وتعاونا ياكريم..
خطبة عيد الفطر 1437هـ أهمية التفاؤل في حياة الأمة. (بعد التعديل)
الحمد لله كثيرا والله أكبر كَبيرًا، وسبحان اللهِ بكرةً وأصيلاً، والحمدُ للهِ وفقَ من شاءَ لطاعتِه فكان سعيُه مشكوراً، ثم أجزلَ لهم العطاءَ والمثوبةَ فكان جزاؤُهم موفورا، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوبُ إليه ونستغفِرُه إنه كان حليماً غفوراً.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُتمُ بنعمتِه الصالحات، ويُجزلُ بفضلِه الهبات إنه كان بعباده لطيفاً خبيراً والصلاةُ والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما ًكثيراً.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد:28]
أيها الإخوة والأخوات: عيدكُم مباركٌ وعيدكُم سعيدٌ وتقبل اللهُ منا ومنكم صالحَ الأعمالِ والحمدُ للهِ أن مدَّ بأعمارِنا حتى أدركنا إتمامَ الشهرِ والعيدَ أعادَه اللهُ علينا وعلى الأمةِ الإسلاميةِ باليمنِ والبركاتِ..
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
أيها الإخوة: العيدُ جزءٌ من نِظامِ أمَّةِ الإسلامِ، يصِلُ ماضيَها بحاضِرِها وقريبَها بِبعيدِها، ويربطُ أفراحَها بشرائعِها وابتهاجَها بشعائرِها، والفرحُ بالعيدِ من سُنَنِ المرسلين، وإظهارُ السرورِ في الأعيادِ من شعائرِ الدينِ، ولقد أظهرَ نبيُّكم محمّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفرحَ والسرورَ بالأعيادِ في شرعِه وفعلِه، وأذِن للمسلمين بأن يفرَحوا، وأقرَّ الفرحين على فرحِهم، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِدُفَّين بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَتَسَجَّى بِثَوبِه وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إلى الجدار، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيْدًا، وهَذَا عِيْدُنَا. وخيرُ الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
العيدُ أيها الأحبة: مظهرٌ من مظاهرِ الدينِ، وشعيرةٌ من شعائرِه المعظمةِ التي تنطوي على حكمٍ عظيمةٍ ومعانٍ جليلةٍ وأسرارٍ بديعةٍ لا تعرفُها الأممُ في شتى أعيادِها.
فالعيد: بمعناه الديني شكرٌ للهِ على تمامِ العبادةِ، لا يقولُها المؤمنُ بلسانِه فحسب، ولكنها تعتلج ُ في سرائرِه رضاً واطمئناناً، وتنبلجُ في علانيتِه فرحاً وابتهاجاً .
والعيد: في معناه الزمني قطعةٌ من الزمنِ خُصْصِتْ لنسيانِ الهمومِ، واطراحِ الكُلفِ، واستجمامِ القوى الجاهدةِ في الحياةِ.
والعيد: في معناه الاجتماعي يومُ الأطفالِ يفيضُ عليهم بالفرحِ والمرحِ.. ويومُ الفقراءِ يلقاهم باليسرِ والسعةِ.. ويومُ الأرحامِ يجمعُها على البرِ والصلةِ.. ويومُ المسلمين يجمعُهم على التسامحِ والتزاورِ.. ويومُ الأصدقاءِ يُجددُ فيهم أواصرَ الحبِ ودواعي القربِ.. ويومُ النفوسِ الكريمةِ تتناسى أضغانَها، فتجتمعُ بعد افتراقٍ، وتتصافى بعد كدرٍ، وتتصافحُ بعد انقباضٍ... ويجتمعُ الناسُ في تواؤمٍ على الطعامِ وهو من شعائرِ الإسلامِ كما قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية: جَمْعُ النَّاسِ لِلطَّعَامِ فِي الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ سُنَّةٌ، وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلامِ الَّتِي سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسلمين، وفي هذا كلِه تجديدٌ للرابطةِ الاجتماعيةِ على أقوى ما تكونُ من الحبِ والوفاءِ و الإخاءِ...
أمّا ما في الأمةِ من مشكلاتٍ وابتلاءاتٍ وهمومٍ وما في النّاسِ من قصورٍ وتقصيرٍ وخطايا فلا ينبغي أن يمنعَ الفرحَ والابتهاجَ، فالابتلاءاتُ والهمومُ من سننِ اللهِ في الخليقةِ كُلِّها، وفي جميعِ أعصارِها وأمصارِها، في مؤمنِها وكافرِها، وصالحِها وفاسدِها علوٌّ وهبوط، وتمكينٌ واستِضعاف... والأيامُ أيامُ اللهِ يداولُها بين الناسِ... وفي عهدِ النبوةِ المطهَّرةِ كان من أذَى الكفارِ ومكرِ المنافقين وعوائقِ الدّعوةِ والبلاءِ على المؤمنين ما لا يخفى، وذلك كلُّه لا يجرُّ أمةَ الإسلامِ إلى اليأسِ والقنوطِ...
فالعيدُ فرحٌ وابتهاجٌ وفرصةٌ كبرَى لتدفّقِ الأمَلِ والانطلاقِ في العمل.
ولقد حاولَ أربابُ الفكرِ الضالِ تكديرَ صفوِنا بما أحدثوا من قتلٍ وتفجيرٍ وإرهابٍ وتخريبٍ في بلادِنا..وجعلوا أداتَه من أبنائِنا الأغرارِ الذينَ غَشِيَتُهم ظُلماتُ الجهلِ والهوى حَتى رَانَتْ عَلى قُلوبِهِم، وَأفْسَدَتْ عُقُولَهُم فَاسْتَحَلُوا دِمَاءَ أَرْحَامِهِم وَأَقارِبِهم، وَقَصَدُوا قَتْلَ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِم.. واستَبَاحَ آخرون الغَدْرَ بِالصَائمينَ فِي خِتَامِ رمضانَ وفي عشرِه المباركة.. وأين كان هذا الغدر.؟ في حَرَمِ المدينةِ النبويةِ، الذي لَعنَ اللهُ تَعالى مَنْ أَحْدثَ فِيها حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا" رواه البخاري ومسلم عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَكيفَ بِحَدثٍ جَمعَ بينَ الغَدْرِ واستِحْلَالِ أَنُفسِ الصَائِمينَ بِقُربِ مسجدِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَروَّعَ المُجاورِين والمُصلِّين. وَلكنَّها القلوبُ الفَاسدةُ إِذَا أُشْرِبتْ الفِتَنَ فَلَا يُسْتَغربُ عَلَى أَصْحابِهَا أَيُّ جُرْمٍ مَهْمَا كَانَ عظيمًا قَبيحًا، ونحن إذ نستنكرُ هذا العمل ونُجَرِّمُه نَسألُ اللهَ تَعالى أَنْ يغفرَ لمن قَضَى من جنودِنَا وأن يجعلَهم من الشهداءِ، ويحفظَ جميعَ رجالَ أمنِنا.. وأنْ يَكْبِتَ المُعْتَدِينَ، وَيَكْفِيَ المُسلمين شَرَّهُم، ويكشفَ لرجالِ أمنِنا خُططَهم ومكرَهم وَيَحفظَ أَولادَ المسلمينَ ممن يُريدُ إِغْواءَهُم وَإِضْلَالَهُم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فأنهم (أي الخوارج) شرٌ على المسلمينَ مِنْ غيرِهم فإنَّهم لم يكنْ أحدٌ شراً على المسلمين منهم لا اليهودَ ولا النصارى فإنهم (أي الخوارج) كانوا مجتَهِدِين في قتلِ كلِ مسلمٍ لم يُوافِقْهم مُسْتَحِلِينَ لدِماءِ المسلمينَ وأَموَالِهم وقتلِ أولادِهم..! مُكَفْرِين لهم، وكانوا متدينينَ بذلِك لِعِظَمِ جَهْلِهم وبِدْعَتِهم الـمُضِلِة. منهاج السنة النبوية (5/ 169)
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
أيها الأحبة: ونحنُ نعيشُ أيامَ العيدِ ولياليهِ الجميلةِ أرى أنه من الواجبِ علينا أن نتحدثَ مع أنفسِنا حديثاً لا تنقصُه الصراحةُ.. حديثُ أملٍ نعمرُ به القلوبَ وحديثُ فألٍ نذكي به النفوسَ.. حديثٌ يُشعلُ في نفوسِنا فتيلَ الجدِ لمستقبلٍ واعدٍ بالخيرِ فقد «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ..» رواه ابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وقال الألباني حسن صحيح. أقول هذا لأننا بحاجةٍ إلى أَنْ نجعلَ من هذا العيدِ فرصةً لدفقِ الأملِ في قلوبٍ أحبطها اليأسُ.. وأحاطَ بها القنوطُ.. وبدت مظاهرُ اليأسِ في صورٍ شتى، منها: سرعةُ تصديقِ كواذبِ الأخبارِ، وروايةِ أضغاثِ الأحلامِ، التي تطلقُها بعضُ وسائلِ الإعلامِ سواءٌ التقليديةِ أو وسائلِ الإعلامِ الحديثِ بما يعرفُ بوسائلِ التواصلِ الاجتماعي، ويتلقفُها من يسمى بالخبراءِ بشئونِ الشرقِ الأوسطِ أو بالمحللين السياسيين وقد تلقفَها هؤلاء من كتاباتٍ في صحفٍ غربيةٍ أو تصريحاتٍ لمسئولين أو غيرِهم وربما أنَّ كثيراً منها أطلقتُه الاستخباراتُ المعاديةُ سواء اليهوديةِ أو الباطنيةِ ويسمونها استراتيجياتٍ ويأخذُها من يسمى بالمحللين السياسيين بالتسليمِ ويبدأون بالتحدثِ عنها بوسائلِهم الخاصةِ وتتلقاها الشعوبُ كأنها مسلماتٌ عن حسنِ نيةٍ، وكأنها وحيٌ من السماءٍ جاء به رسولٌ أمينٌ..
لقد قسموا بلادَنا بين الظالمين ووزعوا مأرزَ الإسلامِ على الباطنيين والمارقين وَكَأَنَّهُم مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ..
وبفعلِهم هذا قتلوا الأملَ في نفوسِ بعضِ المسلمينَ ووأدوا العزةَ فيها.. وأشاعوا الخوفَ وأفقدُونا الثقةَ بمن ولاه اللهُ أمرَنا..
والحقيقةُ أن هذه الأخبارَ إن صحت ما هي إلا أَمَانٍ لأعداءِ الأمةِ تروى على شكلِ أخبارٍ من مصادرَ موهومةٍ تسمى موثوقةٌ..
فيا أمة الإسلام: أبشروا وأمِّلوا ما يسرُكم، فعُمرُ الإسلامِ أطولُ من أعمارِنا، وأفقُ الإسلامِ أوسعُ من أوطانِنا، وليست أمانيَ القومِ وخططِهم التي يشيعون ضربةَ لازبٍ، لا تحولُ ولا تزولُ، وأنها واقعةٌ لا محالةَ..
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
أيها الإخوة والأخوات: لكن في كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم حديثٌ آخرٌ، حديثٌ يُبْهِجُ النفوسَ ويذكي الأملَ وينهضُها للعملِ حديثٌ (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:42] حديثٌ محفوظٌ في تنزيلِه، محفوظةٌ ألفاظُه معلومةٌ معانيه ودلالاتُه وقد تضمنَ هذا الكتابُ المطهرُ أدلةً صريحةً مبشرةً بأن المستقبلَ لهذا الدينِ فضلاً عن شواهدِ التاريخِ والواقعِ الذي نعيشُه الآن.
نعم: لقد وعد سبحانه بأنه سيظهرُ هذا الدينَ وينصرُه "بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ" رغم جهودِ أعدائِه للنيلِ منه والقضاءِ عليه قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:32]
وأكد بأن الباطلَ مهما صالَ وجالَ فأمرُه إلى تبابٍ وخسارٍ بحولِ الله.. وأن العاقبةَ لأهلِ الإسلامِ الصحيحِ أهلِ السنةِ والجماعة، وأن هذا الدينَ سيظهرُ وينتصرُ فقال: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51] ويقول: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ..) [النور:55] وذهب بالتبشيرِ إلى أبعدِ من الوعدِ فجعلَ نصرَ المؤمنين حقاً عليه فقال: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47]
ولم يكتف سبحانه بالالتزامِ بالوعدِ بظهورِ هذا الدينِ وتمكينِ أهلِه.! بل شهد سبحانه وكفى به شهيداً بأنه سيظهرُه ويمكنُه ويوالي نصرَه وأولياءَه ويخذلُ أعداءَه، وشهادتُه سبحانه أكبرُ شهادةٍ على الإطلاقِ يقول: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً) [الفتح:28] فهل توجدُ شهادةٌ أعظمُ من هذه الشهادةِ وأكبر؟ وفي الحديث قَالَ اللهُ تَعَالَى: "يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ" رواه مسلم.
وَيَقُولُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ".رواه أحمد عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وإسناده صحيح على شرط مسلم.
ومثلما وعدَ اللهُ رسولَه بالنصرِ، وعدَ أتباعَه به ما استقاموا على دينِه وسنتِه، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النور:٥٥].
وتوعد الكافرين بالخسارةِ والحسرةِ والهزيمةِ في الدنيا وجهنمَ في الآخرةِ إن لم يسلموا يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال:36]
والمطلعُ على تاريخِ الأمةِ وتقلبَاتِها منذ ظهورِ الإسلامِ إلى يومِنا هذا يرى أن المسلمين حصروا في الخندقِ وبعد سُنيّاتٍ فتحوا مكةَ.. وسقطت بغدادُ ، ثم بعد نحوِ قرنين فُتِحت القسطنطينيةُ والله عز وجل لا يَعْجَلُ لعجلتِنا، ولا تتحوّلُ سننُه لأهوائِنا، فسُننُ اللهِ لاتحابي أحداً، ولنتذكرْ في هذا العيدِ ما أبْقَى اللهُ لنا من خيرٍ، وما تَطَوَّلَ بهِ علينا من فضلٍ.
ونحن نقولُ: لئن حلت بنا محنٌ فقد أبقى اللهُ لنا منحاً، ولئن أصابتنا نقمٌ فقد أبقى الله لنا نعماً "وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها"، ونحن أحوجُ ما نكونُ إلى أملٍ يدفعُ إلى عملٍ، ولا يَنْصبُ همُنا لما يخططون ويتمنون لينصبْ همُنا إلى إصلاحِ أنفسِنا ومن تحتِ أيدينا وننظرْ إلى أي مدىً تقدمنا بطاعةِ اللهِ.. وماذا قدمنا لديننا من دعوةٍ كَثُرَتْ سُبُلُها وأسهلُها الدعاء.. كذلك نحن بحاجةٍ إلى فألٍ ينتجُ إنجازاً، أما المهمومُ المحزونُ فهو غارقٌ في آلامِه، متعثرٌ في أحزانِه مدفونٌ في همومِ يومِه، لا يرجو خيراً ولا يأتي بخيرٍ (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21]
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
أيتها الإخوة والأخوات: للمرأةِ دورٌ بارزٌ في إنهاضِ المجتمعِ وتطويرِه، وزيادةِ معارفِ المرأةِ وتربيتِها على الخيرِ له أثرٌ كبيرٌ في أخلاقِ الأجيالِ.
فالطفلُ الذي يرى أمَّه مقبلةً على معالي الأمورِ من اكتسابٍ للعلومِ والمعارفِ، والاشتغالِ بما يفيدُ الأولادَ والأمةَ... غيرُ الطفلِ الذي يرى أمَّه مقبلةً على مجردِ المتعِ الدنيويةِ والمظاهرِ الوقتيةِ وسفاسفِ الأمورِ...
وخلاصةُ القول التربيةُ: أمٌّ فاضلةٌ وزوجةٌ صالحةٌ. وفي الجملةِ فإن تربيةَ المرأةِ تعني تربيةَ المجتمعِ بأكملِه لأنَ دورَها في بناءِ الأمةِ كبيرٌ وكما قال شاعرُ العربِ:
الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها****أعدتَ شعباً طيبَ الأعراقِ
ورحم الله من قال: مَن علَّم (رجلاً) فقد علَّم فرداً، ومَن علَّم (امرأة) فقد علَّم شعبا.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
ومِن مظاهرِ الإحسانِ بعد رمضانَ استدامةُ العَبدِ على النَّهجِ المستقيمِ ومداومَةُ الطاعةِ وإتباعُ الحسنةِ الحسنةَ، فذلك من قَبولِ الطاعَات.
واعلموا وفقني اللهُ وإياكم أن أَعْرَاضَ الْفُتُورِ وَالتَّثَاقُلِ عَنِ الطَّاعَاتِ بَعْدَ رَمَضَانَ تُصِيبُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ يَنْصَرِفُ لِلْمَعَاصِي مِنْ ضِيقِ مَا يَجِدُ مِنِ انْصِرَافِهِ عَنِ الطَّاعَاتِ.!
وَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضْبِطَ نَفْسَهُ فِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ بَعْدَ رَمَضَانَ، فَلَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَلْيُبَكِّرْ إِلَى الـمَسْجِدِ فِي كُلِّ فَرِيضَةٍ، وَلَا يَتْرُكْ فِيهِ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ وَالْوِتْرَ وَسُنَّةَ الضُّحَى، وَلَا يَهْجُرِ الْقُرْآنَ، بَلْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ مَا تَيَسَّرَ، حَتَّى يُجَاوِزَ أَيَّامَ الْفُتُورِ، وسيجد بعد ذلك نفسه نَشِيطًا فِي الطَّاعَةِ كَمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ.
ومن السنةِ أن من أتى من طريقٍ فالسنةُ أن يرجعَ مع طريقٍ آخرَ ليشهدَ له الطريقان.. تقبَّل الله منَّا ومِنكم الصيامَ والقيامَ وسائرَ الطاعات.
اللهم إن هؤلاء عبادُك قد جاءوا يريدون رحمتَك ويخشون عذابَك، ويأملون بأعطياتِك اللهم لا تردُهم خائبين ولا عن جنابِك مطرودين واكتب لهم من الخيرِ أضعافَ ما يأملون واجعلهم أسعدَ خلقِك بك.. اللهم تقبل منا الصيامَ والقيامَ وأعد علينا رمضان أعواماً عديدةً وأزمنةً مديدةً ونحن وأمتُنا وبلادُنا بحياةٍ سعيدةٍ.. اللهم ادفع عنا وعن بلادنا كيد الأشرار، واحفظ بلادنا أمنة مطمئنة واحفظ ولاة أمرنا وجنودنا في الداخل والثغور واجزهم عنا خير الجزاء وألف بين قلوبنا وزدنا وحدة ومحبة وتعاونا ياكريم..