خطبة عيد الفطر 1437هـ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ

عبدالله حمود الحبيشي
1437/09/28 - 2016/07/03 01:27AM
خطبة عيد الفطر 1437هـ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ *

الحمد لله وأكبِّره تكبيرًا، والله أكبر وأذكره ذكرًا كثيرًا،
والحمد لله عددَ ما رفع الصائمون إلى الله من دعوات ، والله أكبر ما تقرَّبوا إلى مولاهم بالعبادات؛ صلواتٍ وصيامًا وصدقات، أحمدُه سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، والعزَّةُ لله ولرسوله وللمؤمنين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله خاتمُ النبيين وإمام المرسلين ورحمةُ الله للعالمين، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين أقاموا الدين، وجاهدوا في الله حقَّ جهاده صابرين مُخبتين مُحتسبين، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أما بعد: فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله وأطيعوه، وعظِّموا أمره ولا تعصُوه؛ فمن اتقى اللهَ حسُن توكُّله على ربه فيما نابَه، وحسُن رِضاه بما آتاه، وحسُن زهدُه فيما فاتَه.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
أيها المسلمون: عيدُكم مُبارك، وتقبَّل الله صيامَكم وقيامَكم، وصلواتِكم وصدقاتِكم، وجميعَ طاعاتكم، وكما فرِحتم بصيامكم، فافرحوا بفِطركم، فلصائم فرحتان: فرحة عند فِطره، وفرحة بلقاء ربه.. فافرحوا وابتهِجوا ، وانشروا السعادةَ فيمن حولكم، فحقكم أن تفرحوا بعيدكم وتبتهِجوا بهذا اليوم يوم الزينةِ والسرور، ومن حقِّ أهل الإسلام في يوم بهجتهم أن يسمعوا كلامًا جميلاً، وحديثًا مُبهِجًا، وأن يرقُبوا آمالاً عِراضًا ومُستقبلاً زاهرًا لهم ولدينهم ولأمتهم . بشرنا الله بنصر المسلمين وتمكينهم وبالفوز والفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
وقد يقول القائل : إن المسلمين اليوم يعيشون مِحَنًا ورزايَا، وفتنًا وبلايا، لهم في كل أرضٍ أرملةٌ وقتيل، وفي كل ركنٍ بكاءٌ وعَويل، وفي كل صِقعٍ مُطارَدٌ وأسير، صورٌ من الذلِّ والهوان ، دماءٌ وأشلاء، وتسلُّطٌ من الأعداء، وكأن الناظرَ لا يرى دماءً سوى دمائنا، ولا جراحًا سوى جراحاتِنا .
ثم يقول هذا القائل: هل بعد هذه الأحزان من أفراح؟! وهل بعد هذه المضائق من مخارج؟! وهل وراء هذه الآلام من آمال؟! ومتى يلُوحُ نورُ الإصلاح؟!
فيأتي الجواب من أهل الإيمان الراسخ ، واليقين الثابت .. الفرحين بعيدهم المستبشرين بنصر ربهم : نعم، ثم نعم .. نعم والله إن دين الله منصور .. وإن أهل الإيمان هم الغالبون .. فاهنأوا بعيدكم، وابتهِجوا بأفراحكم، وهل يكون انتظار الفرج إلا في الأزمات؟! وهل يُطلَبُ حسنُ الظن إلا في المُلِمَّات؟! يقول ربكم في الحديث القدسي "أنا عند ظنِّ عبدي بي فليظنَّ بي ما شاء".
تقع الشدائد والمصائب ، ويتحزب أهل الباطل ، ويعظم سلطانهم ، فتزيغ الأبصار ، وتبلغ القلوب الحناجر ، وتُزلزل الأمة زلزالا شديدا، وتَكثر الظنون ، ويقول أهل البوار والخسران ، والظن السيء (مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) فيرجعون عن إيمانهم ، وينتكسون على أعقابهم ، فلا مقام لهم مع أهل الإيمان .
أما أهل الإيمان بالله فيقولون (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)
وصدق والله ظنهم ، وحسن إيمانهم (فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) لأن دين الله منصور ، وأهله هم الغالبون (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) ..

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
معاشر المسلمين: ما الذي يجعلنا نتفاءل وبأي شيء نفرح وما هي المبشرات ..
نتفاءل لأننا مأمورون شرعا بالتفاؤل .. وكيف لا نتفاءل ونحن نقرأ في كتاب ربنا قوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا استَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِم أَمْنَاً يَعبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) .
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتي سَيَبلُغُ مُلكُهَا مَا زُوِيَ لي مِنهَا، وَأُعطِيتُ الكَنزَينِ الأَحمَرَ وَالأَبيَضَ) .
ويقول عليه الصلاة والسلام (ليبلغنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدَرٍ ولا وبَرٍ إلَّا أدخلَهُ اللهُ هذا الدِّينَ ، بعِزِّ عزيزٍ، أو بذلِّ ذليلٍ ، عزًّا يعزُّ اللهُ به الإسلامَ ، وذلًّا يذِلُّ اللهُ به الكفرَ).
وينقل لنا عليه الصلاة والسلام البشارة ويؤكدها لنا فيقول (بشِّرْ هذهِ الأُمَّةَ بالتَّيسيرِ ، والسَّناءِ والرِّفعةِ بالدِّينِ ، والتَّمكينِ في البلادِ ، والنَّصرِ).
ويُقسم صل الله عليه وسلم قَسَمَ صِدْقٍ لا يكذب "وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".
إِنَّهُ عَهدٌ مِنَ اللهِ وَهُوَ لا يُخلِفُ المِيعَادِ، وَضَمَانٌ مِنَ الرَّحمَنِ وَهُوَ خَيرٌ حَافِظًا، أَن يَمتَدَّ سُلطَانُ الإِسلامِ حَتى يَحكُمَ العَالَمَ بِأَسرِهِ، وَأَن تَظَلَّ أُمَّتُهُ بَاقِيَةً وَلَو كَادَ لها كُلُّ مَن في الأَرضِ أَو مَكَرُوا بها، لا تُستَأصَلُ وَلا تُجتَثُّ، وَلا يَخمُدُ لها نُورٌ، وَلا يَسقُطُ لها ذِكرٌ.
وَهَا هِيَ أُمَّةُ الإِسلامِ مُنذُ خَمسَةَ عَشَرَ قَرنًا تَتَصَدَّى لِلنَّوَائِبِ وَلا تُبَالي بِالنَّكَبَاتِ، يُحَارِبُهَا عَرَبُ الجَزِيرَةِ وَيَتَحَزَّبُونَ ضِدَّهَا، ثم مَا يَلبَثُونَ أَن يَدخُلُوا في دِينِ اللهِ أَفوَاجًا، وَيُنَاوِئُهَا الفُرسُ وَيُنَاصِبُونَهَا العِدَاءَ، ثم لا تَزَالُ بهم حَتى تَقضِيَ عَلَيهِم في سُنَيَّاتٍ مَعدُودَةٍ، فَلا تَقُومُ لهم بَعدَهَا قَائِمَةٌ، وَلا يَظهَرُ لهم مُلكٌ، ثم يُسَلَّطُ عَلَيهَا التَّتَرُ وَالمَغُولُ حَتى كَادُوا يُبِيدُونَهَا، فَتَنتَفِضُ عَلَيهِم، وَتُقَاوِمُ مَدَّهُم، وَتُوقِفُ زَحفَهُم.
ثم مَا تَزَالُ بَعدُ مَعَ الرُّومِ في شَدٍّ وَجَذبٍ، تَغلِبُهُم حِينَ يَقوَى في أَفرَادِهَا الدِّينِ، وَيَملأُ قُلُوبَهُمُ اليَقِينُ، وَيَنَالُونَ مِنهَا حِينَ تَضعُفُ وَتَنسَى، تَغفُو عَن كَيدِهِم قَلِيلاً وَلَكِنَّهَا لا تَمُوتُ، وَتَضعُفُ أَمَامَهُم يَسِيرًا وَلَكِنَّهَا لا تَزُولُ، وَمَا يَزَالُ اللهُ يَبعَثُ فِيهَا مُصلِحِينَ مُجَدِّدِينَ، يَنفُخُونَ الرُّوحَ في جَسَدِهَا فَتَصحُو، وَيُعَالِجُونَهَا فتَتَعَافى، وَيَرعَونَهَا فتُشَفى.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
وبرغم ما يحيط بنا من جروح وقروح فالبشائرُ تلوح، وأعدادُ العائدين إلى الله لا تحصى، وأفواجُ الداخلين في دين الله لا تحصر، والوعي يتنامى، وها هو الإسلام الآن بدأ يتململ في أوروبا وأمريكا .. وتدبروا معي هذه المقولات الغربية .
أوردت مجلة التايم الأمريكية الخبر التالي: وستشرق شمس الإسلام من جديد، ولكنها في هذه المرة لا تشرق من المشرق كالعادة، وإنما ستشرق في هذه المرة من الغرب.
أما جريدة الصانداي تلغراف البريطانية فتقول: إن سكان العالم من غير المسلمين بدؤوا يتطلعون إلى الإسلام، وبدؤوا يقرؤون عن الإسلام، فعرفوا من خلال اطلاعهم أن الإسلام هو الدين الوحيد الأسمى الذي يمكن أن يُتبع، وهو الدين الوحيد القادر على حل كل مشاكل البشرية.
وعرضت مجلة لودينا الفرنسية دراسة قام بها متخصصون تقول: مستقبل نظام العالم سيكون دينيًا، وسيسود النظام الإسلامي على الرغم من ضعفه الحالي؛ لأنه الدين الوحيد الذي يمتلك قوة شمولية هائلة".
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" قبل أعوام مقالاً ذكرت فيه أن بعض الخبراء الأمريكيين يقدّرون عدد الأمريكيين الذين يعتنقون الإسلام سنويًّا بخمسة وعشرين ألف شخص، وأن عدد الذين يدخلون دين الله يوميًا تضاعف أربع مرات بعد أحداث 11 سبتمبر، وذكر رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكي: إن أكثر من 24 ألف أمريكي قد اعتنقوا الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو أعلى مستوى تحقق في الولايات المتحدة منذ أن دخلها الإسلام.
وفي قلب أوروبا بدأت المآذن تناطح أبراج الكنائس، وصوتُ الأذان خمس مرات في تلك البلاد خيرُ شاهد على أن الإسلام يكسب كل يوم أرضًا جديدة وأتباعًا.
قبل أشهر قليلة يقول أحد الدعاة في الدنمارك : أن نسبة الداخلين في الإسلام من الدنماركيين بعد الحملات الإعلامية المسيئة للإسلام ارتفعت لتصل إلى أكثر من 30% عن الفترة السابقة.
قبل ما يقرب من سنة نشر موقع الجزيرة نت دراسة أمريكية تقول الإسلام الأسرع انتشارا بالعالم .
قبل أيام وفي صربيا التي اقامت أكبر مذبحة للمسلمين أجتمع في ساحة واحدة فقط عشرون ألف للصلاة .
ويكفي أن نعلم أنه قد بلـغ عدد المساجد في أمريكا أكثر من ثلاثة آلاف مسجد ، وتحتضن إيطاليا وحدها مائة وعشرين مسجدًا.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
عباد الله .. التفاؤل والمبشرات تدعونا لمزيد من العمل وبذل الجهد والعزم والأجتهاد .. ورأسُ التفاؤل الاتصالُ بالعليِّ الأعلى، فالصلاة تفاؤل، وذكرُ الله تفاؤل، والدعاءُ تفاؤل، يُحيطُ بذلك حُسنُ الظن بالله -عز شأنُه-: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) .
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله ما تقرَّب العبادُ إلى ربهم بالفرائض، وتحبَّبوا إليه بالمندوب، والله أكبر يقبَلُ التوبةَ عن عباده ويغفرُ الذنوب، والحمد لله هدانا للإيمان وأكرمَنا بالسُنَّة والقرآن، أحمدُه سبحانه وأشكره على كريم الفضل وجزيل الإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فيما خلق وقدَّر، ولا مُنازِعَ له فيما حكَمَ ودبَّر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله المبعوث للأبيض والأسود والأحمر والأصفر، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وبشَّر وأنذَر، وعلى آله السادة الغُرَر، وأصحابه ذوي السلوك الأطهر، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ممن صلَّى وصامَ وحجَّ اعتمَر، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أما بعد: أَيَّتُهَا المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ، أَيَّتُهَا الصَّائِمَةُ الْقَائِمَةُ: إِنَّ الْحَمَلَاتِ المَسْعُورَةَ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ وَحِجَابِهَا وَنِقَابِهَا وَمَا خَصَّهَا اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ السَّتْرِ وَالْحَيَاءِ وَالْعَفَافِ يِزْدَادُ أَوَارُهَا، وَيَتَفَنَّنُ مَرْضَى الْقُلُوبِ فِي إِشْعَالِهَا، وَيُحَاصِرُونَ الْفَتَاةَ المُسْلِمَةَ بِالمَقَالَاتِ وَالرِّوَايَاتِ وَالمُسَلْسَلَاتِ وَالْحِوَارَاتِ وَغَيْرِهَا، وَيَسْتَأْجِرُونَ لِهَذِهِ المُهِمَّةِ الْقَذِرَةِ عَمَائِمَ وَلِحًى تَشْتَرِي بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهَا ثَمَنًا قَلِيلًا؛ لِإِقْنَاعِ المُسْلِمَةِ بِأَنَّ أَحْكَامَ دِينِهَا مُجَرَّدُ عَادَاتٍ لَا تَمُتُّ إِلَى الْإِسْلَامِ بِصِلَةٍ؛ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ الْفَتَاةَ المُسْلِمَةَ يَهُمُّهَا أَمْرُ دِينِهَا، وَلَا تُرِيدُ إِغْضَابَ رَبِّهَا، وَلَا مُخَالَفَةَ نَبِيِّهَا؛ وَلِذَا يُهَوِّنُونَ عَلَيْهَا الْوُقُوعَ فِي الْمُحَرَّمِ بِهَذِهِ الْحِيَلِ الشَّيْطَانِيَّةِ.
وَإِنَّهُ لَيَجِبُ عَلَى كُلِّ فَتَاةٍ مُؤْمِنَةٍ أَنْ تَرُدَّ الْأَعَادِيَ مِنْ مَرْضَى الْقُلُوبِ عَنْ دِينِهَا، وَأَنْ تَذُبَّ عَنْ حِجَابِهَا وَعَفَافِهَا، وَأَنْ تُلْقِمَ أَعْدَاءَ اللهِ تَعَالَى أَحْجَارًا تَرُدُّهُمْ عَنْ غَيِّهِمْ. فَإِذَا مَا خَرَجَ مُفْسِدٌ يَدْعُو لِهَذَا الِانْحِرَافِ رَدَّ قَوْلَهُ مِئَاتُ الْفَتَيَاتِ بَلْ أُلُوفٌ وَمَلَايِينُ؛ لِيَعْلَمَ الْأَعْدَاءُ أَنَّ سُور المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ حَصِينٌ، وَأَنَّ دِرْعَهَا مَنِيعٌ، وَأَنَّ دِينَهَا مَتِينٌ، فَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَى حِمَاهَا.
يَجِبُ أَنْ يَنْتَشِرَ بَيْنَ الْفَتَيَاتِ المُسْلِمَاتِ ثَقَافَةُ رَدِّ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِهِ، وَدَحْضِهِ بِالْحَقِّ، وَلَا تَحْتَقِرِ الْفَتَاةُ كَلِمَاتٍ تُلْقِيهَا، أَوْ أَسْطُرًا تَخُطُّهَا فِي الذَّبِّ عَنْ دِينِهَا وَعَفَافِهَا؛ فَلَعَلَّ اللهَ تَعَالَى يُوجِبُ لَهَا بِهَا رِضَاهُ سُبْحَانَهُ. وَلْتَحْذَرْ مِنْ تَأْيِيدِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فِي بَاطِلِهِمْ وَلَوْ أَحَاطُوهُ بِزُخْرُفِ الْقَوْلِ؛ فَإِنَّ المُؤَيِّدَ لِلْبَاطِلِ وَالرَّاضِي بِهِ كَالدَّاعِي إِلَيْهِ. وَرُبَّمَا أَوْجَبَ سَخَطَ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهَا مَوْقِفٌ تَقِفُهُ، أَوْ رَأْيٌ تُبْدِيهِ، وَلَكِنَّهُ مُعَارِضٌ لِشَرْعِ اللهِ تَعَالَى، مُوجِبٌ لِغَضَبِهِ.
حَفِظَ اللهُ تَعَالَى فَتَيَاتِ المُسْلِمِينَ وَنِسَاءَهُمْ، وَجَعَلَهُنَّ أَنْصَارًا لِدِينِهِ، حِرَابًا فِي صُدُورِ أَعْدَائِهِ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله-، واهنأوا بعيدكم، وأصلِحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسولَه إن كنتم مؤمنين، فالعيدُ فرحةٌ وبهجة، فمن أحبَّ أن يُسامِحَه الناس فليُسامِحهم، والأُلفة دليل حُسن الخلق، التهنئةُ الصادقة والابتهاجُ الحق لمن قبِل الله صيامَه وقيامَه وحسُنت نيَّتُه وصلُح عملُه، تهنئةٌ وبهجةٌ لمن حسُن خُلُقه وطابَت سريرتُه.
ومن مظاهر الإحسان بعد رمضان: استدامةُ العبد على نهج الطاعة والاستقامة، وإتباعِ الحسنةِ الحسنة، وقد ندبَكم نبيُّكم محمد -صلى الله عليه وسلم- لأَن تُتبِعوا رمضان بستٍّ من شوال؛ فمن فعل فكأنما صام الدهر كلَّه.
تقبَّل الله منا ومنكم الصيامَ والقيام وسائر الطاعات والأعمال الصالحات.
ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم، فقال -عزَّ قائلاً عليمًا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .


*جمعت من ثلاث خطب
خطبة عيد الفطر 1432 للشيخ ابن حميد
خطبة عيد الفطر 1437 للشيخ ابراهيم الحقيل
خطبة عيد الفطر 1424 للشيخ علي محمد
فجزاهم الله خيرا
المشاهدات 1894 | التعليقات 0