خطبة عيد الفطر 1436
عبدالله البصري
1436/09/25 - 2015/07/12 15:26PM
خطبة عيد الفطر 1436
الخطبة الأولى :
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ ، اللهُ أَكبرُ كَبِيرًا ، وَالحَمدُ للهِ كَثِيرًا ، وَسُبحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأَصِيلاً ، الحَمدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِلإِسلامِ ، وَجَعَلَنَا مِن خَيرِ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلأَنَامِ ، بَلَّغَنَا شَهرَ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ ، وَوَفَّقَنَا بِفَضلِهِ لِلتَّمَامِ ، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي بَيَّنَ الحَلالَ وَالحَرَامَ ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ البَرَرَةِ الكِرَامِ ، اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَن مِثلُنَا اليَومَ ؟!
أَتمَمنَا شَهرَنَا ، وَأَدرَكنَا عِيدَنَا ، وَتَرَاصَّت صُفُوفُنَا ، وَحَضَرنَا لِشُهُودِ الصَّلاةِ وَالدُّعَاءِ وَالخَيرِ ، في أَمنٍ في الأَوطَانِ ، وَعَافِيَةٍ في الأَبدَانِ ، وَسَكِينَةٍ وَاطمِئنَانٍ ، فَلِلهِ الحَمدُ عَلَى مَا وَفَّقَ إِلَيهِ ، وَلَهُ الشُّكرُ عَلَى مَا أَعَانَ عَلَيهِ ، لَهُ الحَمدُ عَلَى الصِّيَامِ ، وَلَهُ الحَمدُ عَلَى القِيَامِ ، وَلَهُ الحَمدُ عَلَى البَذلِ وَالإِحسَانِ ، وَلَهُ الحَمدُ عَلَى الذِّكرِ وَالقُرآنِ ، للهِ الحَمدُ كُلَّمَا قَبِلَ صَلاتَنَا وَصِيَامَنَا ، وَلَهُ الحَمدُ كُلَّمَا أَجَابَ دُعَاءَنَا وَحَقَّقَ سُؤلَنَا ، وَلَهُ الحَمدُ قَبلَ ذَلِكَ وَبَعدَهُ عَلَى مَا هَدَانَا " وَمَا كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَنْ هَدَانَا اللهُ " وَنَسأَلُهُ المَزِيدَ مِن فَضلِهِ بِشُكرِهِ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِن جُحُودِ نِعمَتِهِ وَكُفرِهِ ، فَهُوَ الَّذِي وَعَدَ مَن شَكَرَ وَاتَّقَى بِالبَرَكَةِ وَالزِّيَادَةِ ، وَأَوعَدَ مَن كَفَرَ وَكَذَّبَ بِالأَخذِ وَالعَذَابِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بما كَانُوا يَكسِبُونَ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ :" وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ " اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ أَجَلَّ نِعمَةٍ وَأَكبرَ مِنحَةٍ ، أَن يُهدَى العَبدُ لِلتَّوحِيِدِ الخَالِصِ ، وَأَن يُوَفَّقَ لاتِّبَاعِ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ ، أَجَل ـ أَيُّهَا المُوَحِّدُونَ ـ إِنَّ سَلامَةَ الدِّينِ وَصِحَّةَ المُعتَقَدِ ، وَالاهتِدَاءَ لِلسُّنَّةِ وَالتَّقَلُّبَ في نَعِيمِ الاتِّبَاعِ ، لَهُوَ خَيرُ مَا اكتَسَبَهُ العَبدُ في دُنيَاهُ وَادَّخَرَهُ لأُخرَاهُ " فَمَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى ، وَهُوَ الحَيَاةُ وَالفَلاحُ عَلَى طُولِ المَدَى ، وَمَا بَعدَهُ إِلاَّ الضَّلالُ وَالهَزِيمَةُ وَالرَّدَى ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَمَاذَا بَعدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصرَفُونَ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقَى . وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا "
وَقَال ـ تَعَالى ـ : " وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرًا "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهوَاءَهُم بَعدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلمِ مَالَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ "
مَا أَعرَضَ أَحَدٌ عَن هُدَى اللهِ في قَدِيمٍ وَلا حَدِيثٍ ، إِلاَّ زُيِّنَ لَهُ عَمَلُ الشَّرِّ وَصُدَّ عَن سَبِيلِ الحَقِّ ، بِهَذَا جَرَت سُنَّةُ اللهِ في المُعرِضِينَ عَن هُدَاهُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ . وَإِنَّهُم لَيَصُدُّونَهُم عَنِ السَّبِيلِ وَيَحسَبُونَ أَنَّهُم مُهتَدُونَ "
نَعَم ـ أَيُّهَا المُوَحِّدُونَ ـ إِنَّ سُنَّةَ اللهِ عَامَّةٌ يَسرِي حُكمُهَا عَلَى جَمِيعِ خَلقِهِ دُونَ مُحَابَاةٍ وَلا تَميِيزٍ ، وَلا وَاللهِ لَيسَ بَينَ اللهِ وَبَينَ أَحَدٍ مِن خَلقِهِ وَاسِطَةٌ ، وَلا يَخرُجُ أَحَدٌ في هَذَا الكُونِ عَن سُنَّتِهِ في حُصُولِ المُسَبَّبَاتِ وَالنَّتَائِجِ مَتى وُجِدَتِ الأَسبَابُ وَالمُقَدِّمَاتُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحوِيلاً "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَكُفَّارُكُم خَيرٌ مِن أُولَئِكُم أَم لَكُم بَرَاءَةٌ في الزُّبُرِ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَلَقَد أَهلَكنَا أَشيَاعَكُم فَهَل مِن مُدَّكِرٍ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " قَد خَلَت مِن قَبلِكُم سُنَنٌ فَسِيرُوا في الأَرضِ فَانظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذَّبِينَ "
أَجَل ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ لَيسَ كُفَّارُ المُتَأَخِّرِينَ خَيرًا مِن كُفَّارِ المُتَقَدِّمِينَ ، وَكَمَا أُهلِكَ أُولَئِكَ بِكُفرِهِم ، فَسَيَلحَقُ بِهِم هَؤُلاءِ بِطُغيَانِهِم وَلَو بَعدَ حِينٍ ، وَحَتى وَإِن تَشَابَهَت أَسبَابُ الهَلاكِ في دَولَتَينِ أَو أُمَّتَينِ ، فَأُهلِكَت هَذِهِ وَأُرجِئَت تِلكَ ؛ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَوَانِعَ عَارِضَةٍ ، أَو إِملاءٌ وَإِمهَالٌ مِنَ اللهِ ؛ لِيَأخُذَ الظَّالِمَ شَرَّ أَخذٍ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " لَيسَ بِأَمَانِيِّكُم وَلا أَمَانِيِّ أَهلِ الكِتَابِ مَن يَعمَلْ سُوءًا يُجزَ بِهِ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلَادِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المِهَادُ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَلا يَحسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُملِي لَهُم خَيرٌ لأَنفُسِهِم إِنَّمَا نُملِي لَهُم لِيَزدَادُوا إِثمًا وَلَهُم عَذَابٌ مُهِينٌ "
وَفي الصَّحِيحَينِ عَن أَبي مُوسَى ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ يُملِي لِلظَّالِمِ ، فَإِذَا أَخَذَهُ لم يُفلِتْهُ " ثُمَّ قَرَأَ : " وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ، حِينَ يَرَى النَّاسُ دُوَلاً تَكَبَّرَت وَتَجَبَّرَت ، وَسَعَت في الأَرضِ فَسَادًا وَتَعَاظَمَت ، وَمَكَرَت بِالمُسلِمِينَ فَقَتَلَت وَشَرَّدَت ، وَابتُلِيَت بها الأُمَّةُ عُقُودًا وَسَنَوَاتٍ تَطَاوَلَت ، يَظُنُّ بَعضُ مَن لم يَفقَهْ سُنَنَ اللهِ وَلم يَقرَأْ كِتَابَهُ ، أَنْ لا مَفَرَّ مِن مَكرِ هَؤُلاءِ وَلا وَزَرَ ، وَيَنسَى الجَاهِلُ أَو يَتَنَاسَى أَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ ، وَأَنَّ سُنَّةَ اللهِ قَد مَضَت في ابتِلاءِ عِبَادِهِ وَامتِحَانِهِم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ ؛ لِيَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ مَن يَصبِرُ في حَالِ الضِّيقِ وَالشِّدَّةِ ، وَمَن يَشكُرُ في حَالِ الرَّخَاءِ وَالنِّعمَةِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَنَبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لَتُبلَوُنَّ في أَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذِينَ أَشرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَلَنَبلُوَنَّكُم حَتَّى نَعلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُم وَالصَّابِرِينَ وَنَبلُوَ أَخبَارَكُم "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ . وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ . أَم حَسِبَ الَّذِينَ يَعمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسبِقُونَا سَاءَ مَا يَحكُمُونَ "
نَعَم ـ أَيُّهَا المُوَحِّدُونَ ـ إِنَّ المَرجِعَ وَالمَصِيرَ إِلى العَزِيزِ الخَبِيرِ ، وَأَمَّا مَا يَجرِي في هَذِهِ الدَّارِ فَإِنَّمَا هُوَ ابتِلاءٌ وَاختِبَارٌ ، وَلا يَعدُو ما يُصِيبُ المُسلِمِينَ مِن المُعتَدِينَ أَن يَكُونَ أَذًى فَحَسبُ " وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُم كَيدُهُم شَيئًا إِنَّ اللهَ بما يَعمَلُونَ مُحِيطٌ "
إِنَّ المُؤمِنَ يَعلَمُ أَنَّ الصِّرَاعَ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ سُنَّةٌ مِن سُنَنِ اللهِ في خَلقِهِ إِلى أَن تَقُومَ السَّاعَةُ ، غَيرَ أَنَّهُ مُطمَئِنٌّ في حَالِ سَرَّائِهِ وَضَرَّائِهِ غَايَةَ الاطمِئنَانِ ؛ لأَنَّهُ مُؤمِنٌ بِاللهِ مُتَوَكِّلٌ عَلَيهِ ، مُوقِنٌ بِأَنَّ الأَمرَ كُلَّهُ للهِ ، وَأَنَّهُ ـ تَعَالى ـ مُدَبِّرُ الكَونِ وَمُصَرِّفُ الأَحوالِ ، وَأَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ ، وَأَنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُعلٍ كَلِمَتَهُ ، حَافِظٌ أَولَيَاءَهُ مُهلِكٌ أَعدَاءَهُ ، وَلا يَحِيقُ المَكرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهلِهِ " وَسَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ " اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في عَالَمٍ يَعُجُّ بِفِتَنٍ مُظلِمَةٍ ، كَانَت مِنَّا بَعِيدًا وَكُنَّا نَسمَعُ بها ، ثم مَا زَالَت حَتى أَحَاطَت بِنَا وَأَصَابَنَا بَعضُهَا ، فَإِنَّهُ لا سَبِيلَ إِلى الهِدَايَةِ إِلى أَقوَمِ السُّبُلِ إِلاَّ بِالمُجَاهَدَةِ " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا " كَيفَ يُرِيدُ النَّجَاةَ مَن لا عِلمَ لَدَيهِ يُبَصِّرُهُ ، وَلا عَمَلَ صَالِحًا يُخَلِّصُهُ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لا خَلاصَ إِلاَّ بِالإِخلاصِ ، وَلا نَجَاةَ إِلاَّ بِطَوِيلِ مُنَاجَاةٍ ، اِلزَمُوا الجَمَاعَةَ وَانبُذُوا الفُرقَةَ " وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا " " وَلا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَاصبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " عَلَيكُم بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُم وَالفُرقَةَ ؛ فَإِنَّ الشَّيطَانَ مَعَ الوَاحِدِ ، وَهُوَ مِنَ الاثنَينِ أَبعَدُ ، مَن أَرَادَ بُحبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلزَمِ الجَمَاعَةَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
لَيسَ أَمرٌ أَوجَبَ في هَذِهِ المَرحَلَةِ مِنَ التَّشَاوُرِ وَالتَّحَاوُرِ ، وَالرِّفقِ وَالأَنَاةِ ، وَالصَّبرِ وَالحِكمَةِ ، وَنَبذِ التَّعَصُّبِ لِلرَأيِ وَتَركِ الاعتِدَادِ بِالنَّفسِ . لَيسَ في الاختِلافِ وَالتَّنَازُعِ إِلاَّ تَأجِيجُ الفِتَنِ وَتعقِيدُ الأُمُورِ ، وَمَا اختَلَفَ قَومٌ إِلاَّ وَأَصبَحُوا فَوضَى لا سَرَاةَ لَهُم ، وَلا سَرَاةَ إِذَا سَادَ الجُهَّالُ وَقَلِيلُو العِلمِ وَالخِبرَةِ ، مُنَابَذَةُ الوُلاةِ مُفسِدَةٌ لِلدُّنيَا ، وَمُخَالَفَةُ العُلَمَاءِ مُفسِدَةٌ لِلدِّينِ ، وَالاتِّجَاهُ الصَّحِيحُ أَن يُرَدَّ الأَمرُ إِلى أَهلِهِ ، وَأَن يَترُكَ كُلُّ امرِئٍ مَا لا يَعنِيهِ " وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم وَلَولا فَضلُ اللهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ لاتَّبَعتُمُ الشَّيطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً "
إِنَّنَا في زَمَنٍ غَيَّرَ الأَعدَاءُ فِيهِ خِطَطَهُم وَاختَلَفَ مَكرُهُم ، وَقَصَدُوا إِلى نَقلَ المَعرَكَةِ وَالحُرُوبِ لِتَكُونَ بَينَنَا وَبِأَسلِحَتِنَا ، وَعَلَى أَيدِي الجُهَّالِ مِن أَبنَائِنَا وَإِخوَتِنَا ، مُرِيدِينَ نَشرَ الفَوضَى في دِيَارِنَا وَزَعزَعَةَ أَمنِنَا وَتَفرِيقَ صُفُوفِنَا ، بَل وَالمَزِيدَ مِن سَفكِ دِمَائِنَا وَتضيِيقِ أَرزَاقِنَا بِالإِيقَاعِ بَينَنَا وَبَينَ وُلاتِنَا ، وَمَا هَذِهِ المَعَارِكُ الكَلامِيَّةُ وَالجَدَلُ في وَسَائِلِ الإِعلامِ ، وَالشَّائِعَاتُ وَالأَرَاجِيفُ التي تَعُجُّ بها بَرَامِجُ التَّوَاصُلِ ، إِلاَّ جُزءٌ مِن كَيدٍ كُبَّارٍ وَمَكرٍ سَيِّئٍ ، يُقصَدُ مِنهُ إِشعَالُ حُرُوبٍ طَائِفِيَّةٍ وَإِيقَادُ مَعَارِكَ دَاخِلِيَّةٍ ، فَثِقُوا بِاللهِ رَبِّكُم وَأَحسِنُوا الظَّنَّ بِهِ ، وَجَانِبُوا الخَوضَ في الفِتَنِ ، فَيَكفِي الأُمَّةَ تَفَرُّقًا وَإِرَاقَةَ دِمَاءٍ وَيُتمًا وَبُؤسًا وَفَقرًا وَتَشرِيدًا ، وَالعَاقِلُ مَنِ اعتَبَرَ بِغَيرِهِ ، وَمَن تَعَجَّلَ شَيئًا قَبلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرمَانِهِ " وَمَا النَّصرُ إِلاَّ مِن عِندِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ " " إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُم وَإِن يَخذُلْكُم فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِن بَعدِهِ " وَلا وَاللهِ لا يَنصُرُ اللهُ إِلاَّ مَن يَنصُرُهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم " فَانصُرُوا رَبَّكُم بِالمُحَافَظَةِ عَلَى الفَرَائِضِ وَالإِكثَارِ مِنَ النَّوَافِلِ ، وَأَحسِنُوا إِلى الخَلقِ وَتَابِعُوا الصَّدَقَاتِ ، فَإِنَّ صَنَائِعَ المَعرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ ، وَالدُّعَاءَ الدُّعَاءَ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ القَدَرَ وَيَرفَعُ البَلاءَ ، وَمُرُوا بِالمَعرُوفِ وَانهُوا عَنِ المُنكَرِ ؛ فَإِنَّ ذلك سَبَبٌ فِي حِفظِ اللهِ لِلبِلادِ وَالعِبَادِ " وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ " وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الخَوضِ في الدِّمَاءِ أَوِ التَّهيِيجِ عَلَى ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ أَمرَ الدِّمَاءِ عَظِيمٌ ، وَالخَطبَ بِسَفكِهَا جَسِيمٌ " وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِنًا إِلاَّ خَطَأً " " وَمَن يَقتُلْ مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيهِ وَلَعنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " وَ" لَن يَزَالَ المُؤمِنُ في فُسحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لم يُصِبٍ دَمًا حَرَامًا " و" المُؤمِنُ مَن أَمِنَهُ النَّاسُ , وَالمُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ السُّوءَ " و" لا يَدخُلُ الجَنَّةَ عَبدٌ لا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ "
وَأَمَّا الحُوثِيُّونَ المُعتَدُونَ ، وَالصَّفوِيُّونَ الحَاقِدُونَ ، وَالخَوَارِجُ المُتَمَرِّدُونَ ، وَالمُستَهزِئُونَ بِالدِّينِ مِنَ المُمَثِّلِينَ ، فَهُم جَمِيعًا مَخذُولُونَ " " وَلَو يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنهُم وَلَكِنْ لِيَبلُوَ بَعضَكُم بِبَعضٍ " " وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيرُ المَاكِرِينَ " " وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعسًا لَهُم وَأَضَلَّ أَعمَالَهُم . ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحبَطَ أَعمَالَهُم . أَفَلَم يَسِيرُوا في الأَرضِ فَيَنظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم دَمَّرَ اللهُ عَلَيهِم وَلِلكَافِرِينَ أَمثَالُهَا . ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَولى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الكَافِرِينَ لا مَولى لَهُم " اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ . اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ .
الخطبة الثانية :
الحَمدُ للهِ أَوَّلاً وَآخِرًا ، وَالشُّكرُ لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، خَلَقَ فَسَوَّى ، وَقَدَّرَ فَهَدَى ، لا مَانِعَ لِمَا وَهَبَ , وَلا مُعطِيَ لِمَا سَلَبَ ، طَاعَتُهُ أَفضَلُ مُكتَسَبٍ , وَتَقوَاهُ أَعلَى نَسَبٍ ، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَرجُو بها النَّجَاةَ مِن عِقَابِهِ ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحمدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ أَكمَلُ النَّاسِ عَمَلاً في ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَزوَاجِهِ وَأَصحَابِهِ . اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم ، وَاهنَؤُوا بِعِيدِكُم ، وَأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم ، تَسَامَحُوا وَتَصَافَحُوا ، وَتَجَمَّلوا وَافرَحُوا ، وَالبَسُوا وَكُلُوا وَاشرَبُوا ، وَلا تُسرِفُوا وَلا تُبَذِّرُوا ، وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ .
العِيدُ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَرحَةٌ وَبَهجَةٌ ، وَبَذلٌ وَعَطَاءٌ وَسَخَاءٌ ؛ فَمَن أَحَبَّ أَن يُسامَحَ فَلْيُسامِحْ ، وَمَن أَحَبَّ أَن يُقبَلَ فَلْيَتَجَمَّلْ وَلْيَتَحَمَّلْ ، مَن زَادَ حُبُّهُ لِنَفسِهِ ازدَادَ كُرهُ النَّاسِ لَهُ ، وَمَن تَكَبَّرَ دُفِعَ ، وَمَن تَوَاضَعَ رُفِعَ ، وَ" المُؤمِنُ يَألَفُ وَيُؤلَفُ ، وَلا خَيرَ فِيمَن لا يَألَفُ وَلا يُؤلَفُ ، وَخَيرُ النَّاسِ أَنفَعُهُم لِلنَّاسِ "
لا يَسعَدُ بِالعِيدِ مَن عَقَّ وَالِدَيهِ أَو قَطَعَ رَحِمَهُ ، أَو حَسَدَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ ، وَلَيسَ العِيدُ لِخَائِنٍ أَو غَشَّاشٍ ، أو سَاعٍ بِالفَسَادِ بَينَ العِبَادِ . اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمَاتُ ، أَنتُنَّ الأُمَّهَاتُ وَالزَّوجَاتُ ، وَالأَخَوَاتُ وَالبَنَاتُ ، تَلِدنَ الرِّجَالَ ، وَتُرَبِّينَ الأَبطَالَ ، وَتُخَرِّجنَ الأَجيَالَ ، فَاتَّقِينَ اللهَ وَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي في قَلبِهِ مَرَضٌ ، أَطِعنَ الآبَاءَ وَالأَزوَاجَ ، وَاحذَرنَ الخِصَامَ وَاللِّجَاجَ ، لا تَجحَدنَ نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُنَّ بِالتَّبَرُّجِ وَالسُّفُورِ ، أَو بِفِعلِ مَا يَدعُو إِلَيهِ أَهلُ الفِسقِ وَالفُجُورِ ، قَرنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى ، احفَظنَ الفُرُوجَ وَلا تُكثِرنَ الخُرُوجَ ، أَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ ، تَصَدَّقنَ وَأَكثِرنَ الاستِغفَارَ ، وَاتَّقِينَ بِذَلِكَ مِنَ عَذَابِ النَّارِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِن مَظَاهِرِ الإِحسَانِ بَعدَ رَمَضَانَ استِدَامَةَ العَبدِ العَمَلَ وَاستِقَامَتَهَ عَلَى الطَّاعَةِ ، وَإِتبَاعَ الحَسَنَةِ الحَسَنَةَ ، وَقَد نَدَبَنَا نَبِيُّنَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِأَن نُتبِعَ رَمَضَانَ بِسِتٍّ مِن شَوَّالٍ ؛ فَمَن فَعَلَ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهرَ كُلَّهُ . تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنكُمُ الصِّيَامَ وَالقِيَامَ ، وَبَارَكَ في الطَّاعَاتِ والصَّالِحَاتِ ، وَأَجَابَ الدُّعَاءَ وَحَقَّقَ الرَّجَاءَ .
المرفقات
خطبة عيد الفطر 1436.doc
خطبة عيد الفطر 1436.doc
خطبة عيد الفطر 1436.pdf
خطبة عيد الفطر 1436.pdf
المشاهدات 6240 | التعليقات 3
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
جزاك الله خيرا ياشيخ عبدالله ونفع الله بعلمك وفقهك وجعلك الله مسددا و سيفا مسلتا على اهل الباطل
د. زاهر بن محمد الشهري
جزاك الله خيراً ياشيخ عبدالله.. خطبة جميلة ومحكمة.
تعديل التعليق