خطبة عيد الفطر 1435هـ: العيد .. هو الحُب
محمد الأحمد
1435/09/30 - 2014/07/27 20:03PM
خطبة عيد الفطر 1435هـ:
العيد .. هو الحُب
هشام بن صالح الذكير
العيد .. هو الحُب
هشام بن صالح الذكير
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدِ الله فلا مضل الله ومن يضلل فلا هادي له وأشهد الله إله إلا الله وحده لا شريك الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صَلِّ محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله! خلق الخلق فأحصاهم عدداً، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً.
الله أكبر! عنت الوجوه لعظمته، عز سلطانه، وعم إحسانه.
الله أكبر! كلما ذكره الذاكرون، الله أكبر! عدد ما هلل المهللون، وكبَّر المكبرون، وسبح المسبحون.
اللهم أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً..
قال جل في علاه: " ولتكلموا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ".
أيها المؤمنون والمؤمنات:
(الحب) كلمة تتراقصها حروفها في القلوب، فلطالما غنَّى فيه الأدباء، ودوَّن فيه الشعراء والحكماء.
العيد .. ميدان رحب للحديث عن ( الحب )، ففي العيد تبتهج النفوس، وتطرَبُ القلوب، ويجد المرء في نفسه انجذاباً نحو الأفراح، فإذا لم نتكلم في العيد عن الحب .. فمتى يكون الكلام عن الحب ؟!
بل إن الحب الحقيقي عيدٌ يتكرر كل لحظة..
والحب ليس له تفسيرٌ أوضحُ من لفظه، فالحب هو الحب، لفظٌ جميلٌ ولطيفٌ وخفيف.
معاشر المؤمنين والمؤمنات:
إن أعلى درجات (الحب) بمعناه الشمولي هو تلك المحبة التي قامت عليها السموات والأرض، إنها محبة مَنْ جُبِلَت القلوب على حبِّه وتأليهه، إنها سر شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله.
فالنفسُ مفطورةٌ على حُبِّ مَنْ أحسن إليها، والله تعالى يقول (( وما بكم من نعمةٍ فمن الله)).
إنه حُبَّ الله جَلَّ في علاه ..
ومحبة الله لعبده صفة من صفات الله عز وجل كما يليق بجلاله سبحانه، نؤمن بها بلا تكييف ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تمثيل.
قال الله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام: ( وألقيت عليك محبةً مني * ولتصنع على عيني )، وفي الصحيحين عن أبي هريرة س عن النبي صلى الله عليه وسلم" إذا أحبَّ الله العبد دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبَّه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضَع له القبول في الأرض ".
بمحبة الله ورسوله يذوق المرء حلاوة الإيمان، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود بالكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف في النار ".
ومن أحبَّ شيئاً أكثر من ذكره .. فالله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
لقد ضرب صحابةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أروعَ الأمثلة بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري في صحيحه في قصة صلح الحديبية، لمّا قدم عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ مفاوضاً للنبيّ صلى الله عليه وسلم من طرف قريش وحلفائها ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنَيْهِ، قَالَ: فَوَالله مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ.
فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، وَالله لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَالله إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ( صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) مُحَمَّدًا.
أيها المؤمنون والمؤمنات:
قد لا يكون للواحد منا كثيرُ صلاةٍ وصدقاتٍ وطاعاتٍ، ولكنه بالمحبة يبلغ مبلغاً عظيماً، دونكم هذه البشارة التي رواها لنا الإمام الترمذي بسنده إلى الصحابي الجليل: أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ يا رسولَ اللهِ متى قيامُ السَّاعةِ ؟ فقامَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إلى الصَّلاةِ فلمَّا قَضى صلاتَه قالَ أينَ السَّائلُ عن قيامِ السَّاعةِ فقالَ الرَّجلُ أنا يا رسولَ اللَّهِ قالَ ما أعددتَ لَها قالَ يا رسولَ اللهِ ما أعددتُ لَها كبيرَ صلاةٍ ولا صومٍ إلَّا أنِّي أحبُّ اللَّهَ ورسولَه فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المرءُ معَ من أحبَّ وأنتَ معَ مَن أحببتَ. فما رأيتُ فرحَ المسلمونَ بعدَ الإسلامِ فرحَهم بِهذا.
والحديث صححه الألباني.
ولسائل أن يقول كيف أحب الله ورسوله ؟
فالجواب: هو بتطبيق الآية التي سماها بعض السلف بآية المحنة، وهي قول تعالى (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )).
فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأوامره ونواهيه هي الامتحان لمحبة العبد لله عز وجل.
بالحب.. يسعى المرء إلى الصلح مع ذي الخصومة؛ امتثالاً لأمره تعالى: "والصلح خير وأُحضِرت الأنفس الشح وإن تُحسنوا وتتقوا فإنَّ الله كانَ بما تعملون خبيراً".
وبالحب يَكظِمُ المرءُ غيظَهُ ويعفو عن الناس؛ لأن الله تعالى يقول: " والكاظمين والغيظ العافين عن الناس والله يُحب المحسنين ".
وبالحب .. يجيب المسلمُ - وهو على فراشه- مناديَ الصلاة حين: يقول حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة خير من النوم.
وبالحب يصبر المؤمن على المصائب والبلايا؛ امتثالاً لقوله تعالى: ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ).
وبالحب يعاشِر الرجل زوجته بالمعروف؛ لأن الله تعالى يقول: (( وعاشروهنَّ بالمعروف )).
ومما يجلب محبة الله لعبده قراءةُ القرآن بتدبر، والتقربُ إليه بالنوافل، ودوامُ ذكره على كل حالٍ، وإيثار محابه على محاب النفس وشهواتها، وانكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى.
عيدنا أهل الإسلام عيد حب وصَفاءٍ ونقاءٍ .. هو حبٌّ لله ورسوله وللمؤمنين
فـ" إذا غُرِسَت شجرة المحبة في القلب، وسُقِيَت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب أثمرت أنواع الثمار، وآتت أكلها كل حينٍ بإذن ربها، أصلها ثابتٌ في قرار القلب، وفرعُها متصلٌ بسدرة المنتهى، لا يزال سعيُ المحب صاعداً إلى حبيبه لا يحجبه دونه شيء (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) ".
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم.
[ الخطبة الثانية ]:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
معاشر المؤمنات الطاهرات ..
روى الترمذي من حديث أنس رضي الله قال: قيل يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة. قيل من الرجال؟ قال أبوها.
لقد كانت تلك ( المرأة ) برجاحة عقلها، وحسن تدبيرها، واهتمامها= أحبَّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
فأيُّ إكرامٌ للمرأة في الإسلام أكثرُ من هذا ؟
إن للمرأة قدرةً عجيبةً في خَلْق الحب في الحياة الزوجية، فلا غرو أن كانت المرأة الصالحة هي خير متاع الدنيا.
صورة من الحب المتبادل بين الزوجين، وحسن الاستماع والإنصات، فقد جاء في الصحيحين أن عائشة رضي الله ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم قصة الإحدى عشرة امرأة اللاتي تعاهدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مستمعاً لحديثها دون مقاطعة، ثم قالت عائشة: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " فأنا خيرٌ لك من أبي زرع لأم زرع ".
ذلك الحب يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم وقتاً للعب المباح مع زوجه، مع انشغاله صلى الله عليه وسلم بتبليغ الرسالة الإلهية، فقد حفظت لنا كتب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفرٍ مع أصحابه. تقول عائشة: فقال لأصحابِه تقدَّموا فتقدَّموا. ثم قال تعالَيْ أُسابقُكِ فسابقتُه فسبقتُه على رجلي، فلما كان بعد خرجتُ معه في سفرٍ فقال لأصحابِه تقدَّموا ثم قال تعالَيْ أُسابقُكِ ونسيتُ الذي كان وقد حمَلتُ اللحمَ فقلتُ وكيف أُسابقُكَ يا رسولَ اللهِ وأنا على هذه الحالِ فقال لَتفعَلِنَّ فسابقتُه فسبقَني فقال هذه بتلكِ السَّبقةِ. صححه الألباني.
هذا الحب من ديننا وشريعتنا، فالإسلام جاء بالحب، وجاء بإعلان الحب فقد عقد الإمام البخاري في صحيحه باباً قال فيه: [ باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار" أنتم أحب الناس إليَّ " ]
وثمة حب مسروقٌ من قبل أهل الفساد، حيث روجوا لحبٍّ وغرامٍ وعشق بين شابٍ وفتاة لا علاقة شرعية بينهما، وهو ليس من الإسلام في شيء، بل هو طريق الهلاك والعياذ بالله.
يا صغير العيد .. ويا أُنسَه وبهجته:
قد يجعل الله على يديك حُبَّاً شديداً بين والديك، فقد خاطَب الله أباك حين قال: " وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهنَّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ". نقل ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس س أنه قال: هو أن يَعْطف عليها، فيُرزقَ منها ولدًا ويكونَ في ذلك الولدِ خيرٌ كثير ".
يا صغيري .. لا يراك أحداً إلا قَبَّل على رأسك أو جبينك، ولعل ذلك لطهارة قلبك، فلم يجر عليك قلمٌ التكليف، فأنت تسير على هذه الأرض بلا ذنوب، فانشأ على طاعة الله ومرضاته كي تكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظله إلا ظله.
يا أهل سوريا .. نحبكم،
ويا أهل غزة .. نحبكم.
يا أهل العراق .. نحبكم.
ويا أهل بورما، والصومال، ومسلمي الصين شرقاً، وأوربا غرباً= نحبكم ..
إلى كل من شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .. نرسل لك رسالةَ حبٍّ في هذا العيد.
قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ".
إلى كل مسلمين متشاحنين .. تحابَّوا.
قال رسولكم صلى الله عليه وسلم: " دبَّ إليْكم داءُ الأممِ قبلَكم الحسدُ والبغضاءُ هيَ الحالقةُ لا أقولُ تحلقُ الشَّعرَ ولَكن تحلِقُ الدِّينَ والَّذي نفسي بيدِهِ لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا أفلا أنبِّئُكم بما يثبِّتُ ذلِكَ لَكم ؟ أفشوا السَّلامَ بينَكم ".
اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك.
اللهم وفقنا لنصرة إخواننا المجاهدين ..
اللهم عليك بالكائدين والمنافقين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ..
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله! خلق الخلق فأحصاهم عدداً، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً.
الله أكبر! عنت الوجوه لعظمته، عز سلطانه، وعم إحسانه.
الله أكبر! كلما ذكره الذاكرون، الله أكبر! عدد ما هلل المهللون، وكبَّر المكبرون، وسبح المسبحون.
اللهم أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً..
قال جل في علاه: " ولتكلموا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ".
أيها المؤمنون والمؤمنات:
(الحب) كلمة تتراقصها حروفها في القلوب، فلطالما غنَّى فيه الأدباء، ودوَّن فيه الشعراء والحكماء.
العيد .. ميدان رحب للحديث عن ( الحب )، ففي العيد تبتهج النفوس، وتطرَبُ القلوب، ويجد المرء في نفسه انجذاباً نحو الأفراح، فإذا لم نتكلم في العيد عن الحب .. فمتى يكون الكلام عن الحب ؟!
بل إن الحب الحقيقي عيدٌ يتكرر كل لحظة..
والحب ليس له تفسيرٌ أوضحُ من لفظه، فالحب هو الحب، لفظٌ جميلٌ ولطيفٌ وخفيف.
معاشر المؤمنين والمؤمنات:
إن أعلى درجات (الحب) بمعناه الشمولي هو تلك المحبة التي قامت عليها السموات والأرض، إنها محبة مَنْ جُبِلَت القلوب على حبِّه وتأليهه، إنها سر شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله.
فالنفسُ مفطورةٌ على حُبِّ مَنْ أحسن إليها، والله تعالى يقول (( وما بكم من نعمةٍ فمن الله)).
إنه حُبَّ الله جَلَّ في علاه ..
ومحبة الله لعبده صفة من صفات الله عز وجل كما يليق بجلاله سبحانه، نؤمن بها بلا تكييف ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تمثيل.
قال الله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام: ( وألقيت عليك محبةً مني * ولتصنع على عيني )، وفي الصحيحين عن أبي هريرة س عن النبي صلى الله عليه وسلم" إذا أحبَّ الله العبد دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبَّه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضَع له القبول في الأرض ".
بمحبة الله ورسوله يذوق المرء حلاوة الإيمان، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود بالكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف في النار ".
ومن أحبَّ شيئاً أكثر من ذكره .. فالله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
لقد ضرب صحابةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أروعَ الأمثلة بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري في صحيحه في قصة صلح الحديبية، لمّا قدم عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ مفاوضاً للنبيّ صلى الله عليه وسلم من طرف قريش وحلفائها ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنَيْهِ، قَالَ: فَوَالله مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ.
فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، وَالله لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَالله إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ( صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) مُحَمَّدًا.
أيها المؤمنون والمؤمنات:
قد لا يكون للواحد منا كثيرُ صلاةٍ وصدقاتٍ وطاعاتٍ، ولكنه بالمحبة يبلغ مبلغاً عظيماً، دونكم هذه البشارة التي رواها لنا الإمام الترمذي بسنده إلى الصحابي الجليل: أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ يا رسولَ اللهِ متى قيامُ السَّاعةِ ؟ فقامَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إلى الصَّلاةِ فلمَّا قَضى صلاتَه قالَ أينَ السَّائلُ عن قيامِ السَّاعةِ فقالَ الرَّجلُ أنا يا رسولَ اللَّهِ قالَ ما أعددتَ لَها قالَ يا رسولَ اللهِ ما أعددتُ لَها كبيرَ صلاةٍ ولا صومٍ إلَّا أنِّي أحبُّ اللَّهَ ورسولَه فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المرءُ معَ من أحبَّ وأنتَ معَ مَن أحببتَ. فما رأيتُ فرحَ المسلمونَ بعدَ الإسلامِ فرحَهم بِهذا.
والحديث صححه الألباني.
ولسائل أن يقول كيف أحب الله ورسوله ؟
فالجواب: هو بتطبيق الآية التي سماها بعض السلف بآية المحنة، وهي قول تعالى (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )).
فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأوامره ونواهيه هي الامتحان لمحبة العبد لله عز وجل.
بالحب.. يسعى المرء إلى الصلح مع ذي الخصومة؛ امتثالاً لأمره تعالى: "والصلح خير وأُحضِرت الأنفس الشح وإن تُحسنوا وتتقوا فإنَّ الله كانَ بما تعملون خبيراً".
وبالحب يَكظِمُ المرءُ غيظَهُ ويعفو عن الناس؛ لأن الله تعالى يقول: " والكاظمين والغيظ العافين عن الناس والله يُحب المحسنين ".
وبالحب .. يجيب المسلمُ - وهو على فراشه- مناديَ الصلاة حين: يقول حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة خير من النوم.
وبالحب يصبر المؤمن على المصائب والبلايا؛ امتثالاً لقوله تعالى: ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ).
وبالحب يعاشِر الرجل زوجته بالمعروف؛ لأن الله تعالى يقول: (( وعاشروهنَّ بالمعروف )).
ومما يجلب محبة الله لعبده قراءةُ القرآن بتدبر، والتقربُ إليه بالنوافل، ودوامُ ذكره على كل حالٍ، وإيثار محابه على محاب النفس وشهواتها، وانكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى.
عيدنا أهل الإسلام عيد حب وصَفاءٍ ونقاءٍ .. هو حبٌّ لله ورسوله وللمؤمنين
فـ" إذا غُرِسَت شجرة المحبة في القلب، وسُقِيَت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب أثمرت أنواع الثمار، وآتت أكلها كل حينٍ بإذن ربها، أصلها ثابتٌ في قرار القلب، وفرعُها متصلٌ بسدرة المنتهى، لا يزال سعيُ المحب صاعداً إلى حبيبه لا يحجبه دونه شيء (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) ".
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم.
[ الخطبة الثانية ]:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
معاشر المؤمنات الطاهرات ..
روى الترمذي من حديث أنس رضي الله قال: قيل يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة. قيل من الرجال؟ قال أبوها.
لقد كانت تلك ( المرأة ) برجاحة عقلها، وحسن تدبيرها، واهتمامها= أحبَّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
فأيُّ إكرامٌ للمرأة في الإسلام أكثرُ من هذا ؟
إن للمرأة قدرةً عجيبةً في خَلْق الحب في الحياة الزوجية، فلا غرو أن كانت المرأة الصالحة هي خير متاع الدنيا.
صورة من الحب المتبادل بين الزوجين، وحسن الاستماع والإنصات، فقد جاء في الصحيحين أن عائشة رضي الله ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم قصة الإحدى عشرة امرأة اللاتي تعاهدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مستمعاً لحديثها دون مقاطعة، ثم قالت عائشة: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " فأنا خيرٌ لك من أبي زرع لأم زرع ".
ذلك الحب يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم وقتاً للعب المباح مع زوجه، مع انشغاله صلى الله عليه وسلم بتبليغ الرسالة الإلهية، فقد حفظت لنا كتب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفرٍ مع أصحابه. تقول عائشة: فقال لأصحابِه تقدَّموا فتقدَّموا. ثم قال تعالَيْ أُسابقُكِ فسابقتُه فسبقتُه على رجلي، فلما كان بعد خرجتُ معه في سفرٍ فقال لأصحابِه تقدَّموا ثم قال تعالَيْ أُسابقُكِ ونسيتُ الذي كان وقد حمَلتُ اللحمَ فقلتُ وكيف أُسابقُكَ يا رسولَ اللهِ وأنا على هذه الحالِ فقال لَتفعَلِنَّ فسابقتُه فسبقَني فقال هذه بتلكِ السَّبقةِ. صححه الألباني.
هذا الحب من ديننا وشريعتنا، فالإسلام جاء بالحب، وجاء بإعلان الحب فقد عقد الإمام البخاري في صحيحه باباً قال فيه: [ باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار" أنتم أحب الناس إليَّ " ]
وثمة حب مسروقٌ من قبل أهل الفساد، حيث روجوا لحبٍّ وغرامٍ وعشق بين شابٍ وفتاة لا علاقة شرعية بينهما، وهو ليس من الإسلام في شيء، بل هو طريق الهلاك والعياذ بالله.
يا صغير العيد .. ويا أُنسَه وبهجته:
قد يجعل الله على يديك حُبَّاً شديداً بين والديك، فقد خاطَب الله أباك حين قال: " وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهنَّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ". نقل ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس س أنه قال: هو أن يَعْطف عليها، فيُرزقَ منها ولدًا ويكونَ في ذلك الولدِ خيرٌ كثير ".
يا صغيري .. لا يراك أحداً إلا قَبَّل على رأسك أو جبينك، ولعل ذلك لطهارة قلبك، فلم يجر عليك قلمٌ التكليف، فأنت تسير على هذه الأرض بلا ذنوب، فانشأ على طاعة الله ومرضاته كي تكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظله إلا ظله.
يا أهل سوريا .. نحبكم،
ويا أهل غزة .. نحبكم.
يا أهل العراق .. نحبكم.
ويا أهل بورما، والصومال، ومسلمي الصين شرقاً، وأوربا غرباً= نحبكم ..
إلى كل من شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .. نرسل لك رسالةَ حبٍّ في هذا العيد.
قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ".
إلى كل مسلمين متشاحنين .. تحابَّوا.
قال رسولكم صلى الله عليه وسلم: " دبَّ إليْكم داءُ الأممِ قبلَكم الحسدُ والبغضاءُ هيَ الحالقةُ لا أقولُ تحلقُ الشَّعرَ ولَكن تحلِقُ الدِّينَ والَّذي نفسي بيدِهِ لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا أفلا أنبِّئُكم بما يثبِّتُ ذلِكَ لَكم ؟ أفشوا السَّلامَ بينَكم ".
اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك.
اللهم وفقنا لنصرة إخواننا المجاهدين ..
اللهم عليك بالكائدين والمنافقين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ..
المرفقات
الخطبة كاملة - العيد والحب.doc
الخطبة كاملة - العيد والحب.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق