خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1434هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1434/09/27 - 2013/08/04 14:45PM
[size=+0]
خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1434هـ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّين .
اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَر .
أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ , وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً .
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونُ : احْمَدُوا اللهَ وَاشْكُرُوهُ كَمَا مَنَّ عَلَيْكُمْ بِإِتْمَامِ صِيَامِ هَذَا الشَّهْرِ وَقِيَامِهِ وَادْعُوا اللهَ بَالْقَبُولِ , وَأَبْشِرُوا بِالْخَيْرِ الْعَظِيمِ وَالثَّوَابِ الْجَزِيلِ مِنَ الرَّبِّ الْكَرِيمِ , فَإِنَّكُمْ قُمْتُمُ بعَمَلٍ جَلِيلٍ , فَقَدْ صُمْتُمْ شَهْرَاً كَامِلاً فِي أَيَّامٍ طِوَالٍ شَدِيدَةِ الْحَرِّ , فَقَاسَيْتُمُ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ , وَتَرَكْتُمُ الْمَلَذَّاتِ وَلَمْ تَنْسَاقُوا خَلْفَ الشَّهَواتِ , كُلُّ ذَلِكَ تُرِيدُونَ مَا عِنْدَ اللهِ , فَأَبْشِرُوا فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
عِبَادَ اللهِ : إِنَّكُمْ عَلَى دِينٍ عَظِيمٍ , وَمِلَّةٍ قَوِيمَةٍ , مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيم , إِنَّهُ دِينٌ لا يَقْبَلُ اللهُ سِوَاهُ (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) , إِنَّهُ دِينٌ أَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ , شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ وَإِقَامُ الصَّلاةِ وَإيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَالْحَجُّ , إِنَّنَا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَنُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ .
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ أَعْظَمَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحِيد , وَأَعْظَمَ مَا نَهَى عِنْهُ الشِّرْك , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) فَالتَّوْحِيدُ : هُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ , وَالإِقْرَارُ لَهُ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ الرَّازِقُ الْمَالِكُ الْمُدَبِّرُ لِمَلَكُوتِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ , وَأَنَّ لَهُ الأَسْمَاءَ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى , فَهُوَ الرَّبُّ الْعَظِيمُ الْغِنِيُّ الْحَمِيدُ , وَمَنْ سِوَاهُ مَخْلُوقٌ ضَعِيفٌ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعَاً , وَلا يَدْفَعُ عَنْهَا شَرَّاً وَلا ضَرَّاً , قَالَ اللهُ تَعَالَى ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا )
وَأَمَّا الشِّرْكُ فَهُوَ دَعْوَةُ غَيْرِ اللهِ مَعَهُ ! أَوْ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ اللهِ لِمَخْلُوقٍ كَائِنَاً مَنْ كَانَ . وَالشَّرْكُ خَطِيرٌ جِدَاً عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُوَحِّدُ , لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ فِي الْعِبَادَةِ أَفْسَدَهَا , كَمَا أَنَّ الْحَدَثَ إِذَا خَالَطَ الطَّهَارَةَ أَبْطَلَهَا قَالَ اللهُ تَعَالَى ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
وَتَكَاثَرَتِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مُحَذِّرَةً مِنَ الشِّرْكِ ! وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشِّرْكَ يَعُودُ , فَيَقَعُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ (لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا .
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أُمَّةَ الإِسْلامِ : إِنَّ السُّنَّةَ هِيَ جَمِيعُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ عَقِيدَةٍ وَعَمَلٍ , وَاتِّبَاعُهَا مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ , وَالْفَلاحِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ قَالَ اللهُ تَعَالَى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
وَأَمَّا الْبِدْعَةُ : فَهِيَ الإِحْدَاثُ فِي الدِّينِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ عَقِيدَةٍ أَوْ عَمَلٍ . وَكَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْذِيرُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنَ الْبِدَعَ وَمِنَ الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ , مَعَ أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ وَأَعْلَمُ الأُمَّةِ , فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ ـ يَعْنِي يَوْمَ الْجُمْعَةِ ـ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلاَ صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ( أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ , وَخَيْرَ الْهُدَىْ هُدَىْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم , وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا , وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّنَا فِي عَصْرٍ قَدْ كَثُرَتْ أَحْدَاثُهُ وَعَظُمَ خَطَرُهُ وَتَطَايَرَ شَرَرُهُ , إِنَّ الأَحْدَاثَ تَعْصِفُ بِالأُمَّةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ , فَلا يَكَادُ بَلَدٌ مِنْ بِلادِ الإِسْلامِ إِلَّا وَفِيهِ فِتْنَةٌ وَمِحْنَةٌ , فَكَمْ أُرِيقَتْ مِنْ دِمَاء , وَكَمْ مُزِّقَتْ مِنْ أَشْلاء , وَكَمْ حَصَلَ مِنْ بَلاء !!! حَتَّى صَارَ الْمُسْلِمُونَ أُلْعُوبَةً فِي أَيْدِي الْغَرْبِ وَالشَّرْقِ يَتَقَاسَمُونَ مُسْتَقْبَلَنَا وَيُخَطِّطُونَ لِمَذْبَحِنَا , وَنَحْنُ لا نَمْلِكُ لِأَنْفُسِنَا حَوْلاً وَلا قُوَّة !
فَأَيْنَ الْعِرَاقُ وأَفْغَانِسَتَانُ وَأَيْنَ فِلَسْطِينُ وَالشِّيشَان ؟ وَمَاذَا يَحْدُثُ فِي بِلادِ مِصْرَ وَالْيَمَن , وَكَمْ شُرِّدَ وَذُبِحَ فِي بُورْمَا وَأَرَاكَان ؟ بَلْ أَيْنَ هِيَ بِلادُ الشَّامِ ؟ وَهَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا حَيٌّ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ ؟ وَمَاذَا نَقُولُ فِي الدِّمَارِ الَّذِي حَلَّ بِهَا وَالْخَرَابِ الذِي عَمَّ مُدُنَهَا وَقُرَاهَا ؟ بُيُوتٌ هُدِّمَتْ عَلَى رُؤُوسِ أَهْلِهَا , وَصَوَارِيخُ وَقَنابِلُ قُذِفَتْ عَلَى شَعْبِهَا !
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أُمَّةَ الإِسْلامِ : إِنَّ مَا يَحْدُثُ لَيْسَ أَمْرَاً عَفْوِيَّاً وَقَعَ بَعْدَ أَنْ أَحْرَقَ رَجُلٌ نَفْسَهُ , أَوْ حِينَ خَرَجَتْ مَجْمُوعَةٌ تُطَالِبُ بِوَظِيفَةٍ , أَوْ حِينَ حَصَلَ ظُلْمٌ مِنْ مَلِكٍ أَوْ خَلِيفَةٍ !!! إِنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَعِيَ أَنَّ هَذِهِ الأَحْدَاثَ رُسِمَتْ فِي مَعَاهِدِ الْغَرْبِ عَلَى الْوَرَقِ قَبْلَ أَنْ تُنَفَّذَ عَلَى أَرْضِ الْوَاقِعِ ! إِنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ هَذَا مُخَطَّطٌ نَصْرَانِيٌّ يَهِودِيٌّ صَفَوِيٌّ لِإِضْعَافِ الْمُسْلِمِينَ السَّنَّةِ وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَإِشْغَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ حَتَّى لا تَقُومَ لَهُمْ قَائِمَةٌ وَلا تَرْتَفِعَ لَهُمْ رَايَةٌ , وَحَتَّى يَتَمَكَّنَ الْمُنَافِقُونَ وَالصَّفَوِيُّونَ الْمَجُوسُ مِنَ السَّيْطَرَةِ عَلَى الْعَالَمِ الإِسْلامِيِّ وَهَدْمِ دِينِهِ وَسَلْبِ خَيْرَاتِهِ!
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا أَنَّ نَعُودَ عَوْدَةً صَادِقَةً إِلَى دِينِنَا وَنَلْجَأَ لَجُوءَاً حَقِيقِيَّاً إِلَى رَبِّنَا , فَنَتَمَسَّكَ بِدِينِهِ , وَنَقُومَ بِالْوَاجِبَاتِ وَنَتَجَنَّبَ الْمُحَرَّمَاتِ , وَنُوقِنَ أَنَّ مَا يَحْدُثُ هُوَ بِسَبَبِ تَقْصِيرِنَا , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير) , وَقَالَ اللهُ تَعَالىَ (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْفَظُ لَنَا اللهُ بِهِ دِينَنَا وَأَمْنَنَا الْعُلَمَاءَ وَالْحُكَّامَ الْمُسْلِمِينَ , فَبِالْعُلْمَاءِ يَحْفَظُ اللهُ الدِّينَ , وَبِالْحُكَّامِ يَحْفَظُ اللهُ الأَمْنَ , وَهَذَا أَمْرٌ يَغْفُلُ عَنْهُ الْكَثِيرُ وَلا يَفْهَمُهُ إِلَّا الْقَلِيلُ .
إِنَّ مَنْزِلَةَ الْعُلَمَاءِ عَظِيمَةٌ فِي دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَهُمْ خُلَفَاءُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ , وَهُمُ الذِينَ حَازُوا مِيرَاثَهُ , فَحَمَلُوا الْعِلْمَ وَأَرْشَدُوا النَّاسَ لِمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ , وَلِذَا كَانَ احْتِرَامُهُمْ وَتَقْدِيرُهُمْ وَأَخْذُ الْعِلْمِ عَنْهُمْ وَاجِباً يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى مُثْنِيَاً عَلَيْهِمْ رَافِعَاً لِشَأْنِهِمْ ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
وَإِنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ حَقَاً , وَيَنْدَى لَهُ الْجَبِينُ صَدْقاً أَنَّهُ قَدْ صَارَ بَعْضُ النَّاسِ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْعُلَمَاءِ وَيَقْدَحُونَ فِيهِمْ بِمَا لا يَنْبَغِي مِنْ مِسْلِمٍ يَرْجُو اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ . قَدَحُوا فِيهِمْ بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ مُقَصِّرُونَ فِي الدَّعْوَةِ أَوْ فِي إِنْكَارِ الْمُنْكَرَاتِ , أَوْ أَنَّهُمْ عُلَمَاءُ السَّلاطِينِ , أَوْ أَنَّهُمْ مُدَاهِنُونَ لِلْحُكَّامِ , إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْلِمُ القَلْبَ , وَيَحْزَنُ لَهُ كُلُّ الْعَاقِلُ !!! إن هَذَا الكَلامُ قَوْلُ مُتَخَرِّصٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى جُهُودِ الْعُلَمَاءِ الْعَظِيمَةِ فِي تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَتَوْجِيهِ الأُمَّةِ وَإِنْكَارِ الْمُنْكَرَاتِ , وَدَرْءِ الْفِتَنِ وَالشُّبُهَاتِ , بَلْ هُوَ مَغْرُورٌ مِسْكِينٌ قَدْ صَارَ مَطِيَّةً لِلشَّيْطَانِ , وَبُوقاً لِدُعَاةِ الْفِتْنَةِ , وَأَدَاةً لِلْغَرْبِ لِزَرْعِ الْفِتْنَةِ فِي الْبِلادِ .
فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا خَوْفُ رَبِّنَا , وَحِفْظُ أَلْسنِتِنَا , وَاحْتِرامُ عُلَمَائِنَا , وَالدَّعَاءُ لَهُمْ بِظَهْرِ الْغَيْبِ بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ , ثُمَّ الذَّبُّ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ مِمَّنْ يَنَالُ مِنْهُمْ مِنَ الْجُهَّالِ وَالْمُغْرِضِينَ .
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أُمَّةَ الْعَقِيدَةِ : إِنَّهُ لا بُدَّ لِكُلِّ بَلَدٍ مِنْ حَاكِمٍ وَلا بُدَّ لِلْحَاكِمِ مِنْ احْتِرَامٍ وَطَاعَةٍ بِالْمَعْرُوفِ وَإَلّا صَارَتِ البِلادُ ضَائِعَةً لا خِطَامَ لَها وَلازِمَام , وَلذلك جاءت الأدلة بأنه لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَمُوتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِوَلِيِّ أَمْرِهِ , فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَلَمَّا كَانَ الْحَاكِمُ قَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ تَقْصِيرٌ وَخَطَأٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ وَكُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ , جَاءَتِ النُّصُوصُ بِالصَّبْرِ عَلَى جُورِهِ وَبِتَحَمُّلِ ظُلْمِهِ , دَرْءَاً لِمَفْسَدِةِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ التِي تَجْعَلُ الْبِلادَ عُرْضَةً لِلدِّمَارِ وَالضَّعْفِ , فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَنْ كَرِهَ مِنْ أمِيرِهِ شَيْئاً فَلْيَصْبِرْ ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلطَانِ شِبْراً مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ) متفقٌ عَلَيْهِ .
أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاحْذَرُوا الْفِتَنَ وَلا تَكُونُوا وَقُودَاً لَهَا , وَاحْذَرُوا الْجَرْيَ وَرَاءَ السُّفَهَاءِ , بَلْ وَخُذُو عَلَى أَيْدِيهِمْ وَنَاصِحُوهُمْ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ , وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ , وَنَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ , أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ لا نَبِيَّ بَعْدَهُ .
اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُسْلِمَاتِ : إِنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ سَلَفُنَا الصَّالِحُ , وَهُمُ الَّذِينَ نَقَلُوا لَنَا الْمِلَّةَ وَأَوْصَلُوا لَنَا الشَّرِيعَةَ , فَاحْتِرَامُهُمْ وَاجِبٌ وَاتِّبَاعُهُمْ دِينٌ , وَالذَّبُّ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ .
وَقَدْ وُجِدَ قَدِيمَاً وَحَدِيثَاً فِئَةٌ ضَالَّةٌ تَنْتَسِبُ إِلَى الإِسْلامِ وَتَدَّعِي الإِيمَانَ , يَزْعُمُونَ كَذِبَا وَزُورَاً مَحَبَّتَهُمْ لآلِ الْبَيْتِ , ثُمْ هُمْ يَقْدَحُونَ فِي بَقِيَّةِ صَحَابَةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلا يَكَادُونُ يَفْتَرُونَ عَنْ سَبِّهِمْ وَالتَّنْقِيصِ مِنْ قَدْرِهِمْ !!! وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا خَطَرٌ عَظِيمٌ وَخَطَأٌ جَسِيمٌ , لِأَنَّ الْقَدْحَ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لَيْسَ قَدْحاً فِيهِمْ فَقَطْ , بَلْ هُوَ قَدْحٌ فِي اللهِ وَفِي رَسُولِهِ وَفِي كِتَابِهِ وَفِي دِينِهِ !!!
فهو قَدْحٌ فِي اللهِ حَيْثُ اخْتَارَهُمْ لِصُحْبَةِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ , وَقَدْحٌ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُهُ , وَقَدْحٌ فِي الْقُرْآنِ لِأَهَمِّ حَمَلَتِهِ , وَقَدْحٌ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّهُمْ نَقَلَتُهُ !
فَصَارَ الْهَدَفُ الْحَقِيقِيُّ لِهَذِهِ الْفِئَةِ الْمُنْحَرِفَةِ وَتِلْكَ الْجَمَاعَةِ الضَّالَّةِ هَدْمَ الإِسْلامِ وَصَرْفَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمِ الصَّوابِ , فَالْوَاجِبُ الْخَوْفُ مِنْهُمْ وَالْحَذَرُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ شَرِّهِمْ لِأَنَّ لَهُمْ جُهُودَاً كَبِيرَةً فِي نَشْرِ مَذْهَبِهِم الْبَاطِلِ بَيْنَ النَّاسِ , نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّهُمْ .
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيَّتُهَا الْمُسْلِمَات : إِنَّكُنَّ مَأْمُورَاتٌ كَالرِّجَالِ بِالطَّاعَاتِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْفَواحِشِ وَالْمُحَرَّمَاتِ , فَإِذَا فَعَلْتُنَّ ذَلِكَ فَأَبْشِرْنَ بِجَنَّةٍ عَرْضُهَا الأَرْضُ وَالسَّمَواتُ .
فَأَكْثِرْنَ الصَّدَقَةَ تَقِيكُنَّ النَّارَ بَإِذْنِ اللهِ , فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ الصَّحَابِيَاتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ فَقَالَ (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ) فَقُلْنَ : وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ (تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه .
فَاتَّقِي اللهَ يَامُسْلِمَةُ وَاحْفَظِي لِسَانَكِ مِنَ اللَّعْنِ وَالسَّبِّ وَالتَّسَخُّطِ عَلَى الأَوْلادِ وَالْجِيرَانِ وَالأَقْارِبِ , وَاتَّقِي اللهَ وَاعْرِفِي لِلزَّوْجِ قَدْرَهُ , وَاحْفَظِي لَهُ حَقَّهُ , فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا : ادْخُلِى الْجَنَّةَ مِنْ أَىِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ لِغَيْرِهِ .
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُسْلِمَات : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَامَ رَمْضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّال كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
فَيَجُوزُ صِيَامُهَا مُتَفِرَّقَةً وَمُجْتَمِعَةً , مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ , لَكِنَّ الأَفْضَلَ أَنْ تَكُونَ مُتَتَابِعَةً وَتَكُونَ مُبَاشَرَةً بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ , يَعْنِي يَبْدَأُ الصِّيَامُ مِنْ يَوْمِ غَدٍ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذَا يَوْمُ عِيدِكُمْ فَافْرَحُوا بِنِعْمَةِ رَبِّكُمْ وَهَنِّئُوا بَعْضَكُمْ وَصِلُوا أَرْحَامِكُمْ وَزُورُا أَقَارِبَكُمْ , وَانْشُرُوا الأُلْفَةَ وَالْخَيْرَ بَيْنَكُمْ.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ وَالْقُرْآنَ , وَأَعِنَّا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَجَنِّبْنَا كُلَّ شَرٍّ وَوَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ , اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُوْرِنَا وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ وِلايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمَينَ , اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ ، اللَّهُمَّ وَفِّقْه وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَسَدِّدْهُمْ وَأَعِنْهُمْ ، وَاجْعَلْهُما مُبارَكِيْنَ مُوَفَّقِيْنَ لِكُلِّ خَيْرٍ وَصَلاحٍ . اللَّهُمَّ كُنْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَان , اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِأَهْلِ سُورِيَا فَرَجَاً وَمَخْرَجَا ، اللَّهُمَّ احْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ وَآمِنْ رَوْعَاتِهِمْ ، اللَّهُمَّ وَاكْشِفْ عَنْهُمُ الْبَلاءَ ،يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَام , اللَّهُمَّ كُنْ لِإِخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي فِلَسْطِينَ وَفِي الْعِرَاقِ وَفِي أَرَاكَانَ وَفِي كُلِّ مَكَان , اللَّهُمَّ وَاحْقِنْ دِمَاءَ إِخْوَانِناَ فِي مِصْرَ وَهَيِّئْ لَهُمْ قِيَادَةً صَالِحَةً , اللَّهُمَّ مَنْ كَادَهُمْ فَكِدْهُ وَمَنْ أَرَادَهُمْ بِشَرٍّ أَوْ سُوءٍ أَوْ فِتْنَةٍ فَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ , وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرَاً عَلَيْهِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ , اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَعْدَاءِ الدِّينِ فِي أَيِّ مَكَان , سُبْحَانَكَ رَبَّنَا رَبَّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
[/size]
المرفقات

خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1434هـ.doc

خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1434هـ.doc

المشاهدات 4290 | التعليقات 5

بارك الله فيك ياشيخ.وكتب لك اﻷجروالمثوبة.


شيخ محمد الشرافي خطبة جامعة لمناسبة جامعة أقمت فيها حجتك على من حضر ولعلك تبرء أمام الله تعالى بقولك الحق وصدعك به وتوضيحك له
أرجو الله أن يجعل لها القبول والنفع


لله درك ياشيخ محمد الشرافي أحسنت وأفدت


جزاك الله كل خير ونفع بعلمك
خطب رائعة علمية مفيدة


جزاكم الله عنا وعن الخطباء خير الجزاء