خُطْبَةُ عيدِ الفِطْرِ لِعامِ 1444هـ
عبدالعزيز بن محمد
الحَمْدُ للهِ رب العالمين، تَعَالى جدُّ رَبِّنا، ما اتخذَ صَاحبةً ولا ولداً، حيٌ قيومٌ.. أَحاطَ بكلِّ شيءٍ عِلْماً، وأَحْصى كُلَّ شيءٍ عَدداً، شَهِدَتْ بِوحْدَانِيَّةِ رَبِنا الكَائِناتْ، وخَضَعتْ لِعَظَمَتِهِ عَظَائِمُ المخلوقات {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيراً
وأَشْهدُ أَن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، شَهادةَ حَقٍّ.. قامَ بِها القَلْبُ صِدْقاً، وأَفصَحَ بِها اللسانُ نُطْقاً، واسْتَقَامَتْ لها الجوارحُ وَخَضَعَتْ لها الأَرْكان {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً عَبْدُهُ ورَسُوْلُه، النَّبِيُّ الكريم، أَرْسَلَهُ اللهُ رحمةً للعَالمين، مَن استَجابَ لدعوتِهِ رُحِم. ومَن استَكْبَرَ عنها حُرِم {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} صَلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه وعلى مَنْ تَبِعَهُم بإِحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا اللهَ عِبَادَ الله.. {وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}
أيها المسلمون: الحياةُ ميدانٌ.. فَازَ مَنْ إِلى العَلْيَا عَلا. الحياةُ كنزٌ.. فَازَ مَنْ بَالصَّالحاتِ غَنِم. الحَياةُ مِنْحَةٌ رَبانِيةٌ، وهِبَةٌ إِلهيةٌ، بِها تُعْمَرُ مَنازِلُ الآخِرَة، وبِها تُشْتَرى دارُ النَّعِيم. يُمَتَّعُ المرءُ في الدُّنيا قليلاً، فَيَقْضِي العُمرَ مُوحِداً للهُ، مُسْتَقِيماً على دِينِ الله، مُستَجِيباً لأَمرِ الله، مُسْتَمِتِعاً بما أَحلَّهُ اللهُ لَهُ من الطَّيباتِ، مُنْتَهِياً عَما نَهَاهُ عَنه مِنْ المُحَرَّمَات. فَيَنْقَلِبُ إِلى رَبِهِ أَكْرَمَ مُنْقَلَب، ويَرْجِعُ إِلى رِبِهِ أَكْرَمَ رُجُوع.
لَبِيْبٌ مَنْ أَدْرَكَ هَذِهِ الحقِيْقَةَ فَتَدارَك. فَهو مِنْ حياتِهِ يَتَزوَّدُ لِمَوْتِه، ومِنْ دُنْياهُ يأَخذُ لآخِرَتِه. قَرَنَ إِيمانَهُ بِعَمَلِ الصَّالِحَاتِ، ولا يَقْبَلُ اللهُ إِيماناً مِنْ غَيرِ عَمَل، ولا يَرْفَعُ اللهُ عَملاً ليسَ مَعَهُ إِيمان. قَرِيْنَانِ لا يَفْتَرِقان، إِيمانٌ وعَمَلٌ لِلصَّالِحَات، بِهِما يُدْرِكُ العبدُ الفَوْزَ، وبِهما تُنالُ من اللهِ الرَّحَمات {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا}
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيراً
وما أَشْرَقَ قَلْبٌ.. كَإِشْراقَتِه بالتقوى، وما انْشَرَحَتْ نَفْسٌ.. كانْشِراحِها بالإيمان. يَعْمَلُ المؤْمنُ الطاعَةَ.. يَرْجُو عندَ اللهِ بِرَّها. فَيُدْرِكُ أَثَرَها في الحياةِ أُنْساً وسَعادَةً وسُرُوراً {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} حَياةً مُطْمَئِنة، حَياةً راضِيةً، حَياةً مُنْشَرِحةً، لا تَسَخُطَ فِيْهَا ولا ضَجَر، ولا اعتِراضَ فيها على قَدَر. وفي الآخرة: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
عبادَ الله: شَهْرُ الصيامِ انْقَضَى.. رَحَلَتْ أَيامُهُ وتَوَلَّتْ لَيالِيه، طُوِيَتْ صَحائِفُه وأُثْبِتَتْ أَعمالُه. رَحَلَّ الشَهرُ.. فَما بَقِيَ مِنهُ إِلا الذِكْرَى. فأَينَ يجدُ اليومَ الظَّامئُ ظَمَأَه؟ وأَين يَجدُ اليومَ القائِمُ نَصَبَه؟ وأَينَ يَجدُ اليومَ المُقاومُ شَهوَتَهُ لأَجلِ اللهِ أَلَمَ مُقاوَمَتِه؟
لَحَظاتُ صَبْرٍ رَحَلَتْ.. واللهُ حَفِيْظٌ واللهُ شَهيد، واللهُ شَكُورٌ واللهُ حَمِيْد. أَحصى أَعمالَ عِبادِهِ وحَفِظ، ولَسَوفَ يَومَ العَرْضِ تُعْرَضْ {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}
وكَذا يكونُ العُمْرُ مَقْضِيّاً بَخَيرٍ.. وكَذا يكونُ العَبدُ سَبَّاقَ التِّجارَة.
حَسَناتُكُم هِيَ زادُكُم. هِيَ ذُخْرُكُم لِمَعادِكُم. احفَظُوْهَا لا تَضِيْع، ارْعَوْها لا تُسْلَبْ، احْمَوْها لا تَتَبَدَّد. كُلُّ كَرِيمٍ بِكَرَمِهِ مَمْدُوح، إِلا كَرِيماً جادَ بالحَسَناتِ. كُلُّ سَخِيٍّ بِسَخائِه محمودٌ، إِلا سَخياً بَدَّدَ القُرُباتِ. سَخَاؤُكَ في الحسناتِ عُنوانُ الخَسارَة، فِيْ حَدِيْثٍ قَالَهُ الصَّادِقُ المصْدوْقُ صلى الله عليه وسلم (إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ، وزكاةٍ، ويأَتِيْ وَقَدْ شَتَم هذا، وقذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وَسَفَكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيُعْطَى هذا مِنْ حَسناتِه، وهذا منْ حَسَناتِه، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَاياهُمْ، فَطُرِحَتْ عليهِ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ) رواه مسلم عُدوانٌ عَادَ عَلى العَمَلِ فأَتْلَفَه، وأَتى على الحسَناتِ فَفَرَّقها {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}
طاعَتُكَ لله.. عَمَلٌ يَعْقُبُه سُرُور، وقُرْبَةٌ يَتْلُوها فَرَحْ، و(لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ) رواه البخاري ومسلم وها هُمُ المسلمونَ اليومَ ــ في يومِ الفِطْرِ ــ فَرِحُونَ. أَتَمَّ اللهُ عليهمُ الفضْلَ، وأَعانَهم على إِكمالِ العِدَّةِ. وأَباحَ لَهم مِنْ مُتَعِ الحياةِ ما أَباح {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} وغَداً مَوعِدُ الفَرْحَةِ الكُبْرَى لهُم {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}
* يَومُ العِيدِ.. يَومٌ عَظِيمٌ.. هُوَ يَومُنا أَهلَ الإسلام. فَطُوْبَى لِمَنْ وَافَاهُ العِيْدُ وَهُوَ مِنَ اللهِ قَرِيْبٌ، إِنَّ هَذَا العِيْدَ عِيْدُه. * يَومُ العيِد.. يَومٌ تَتَصافَى فيه النُّفوسُ، وتَتَطَهَرُ فيه القُلُوبُ، وتَبْتَهِجُ فيهِ الأَرْواح. * يَومُ العيِد.. يَومٌ تَطِيْبُ فيه المَجالِسُ، ويَدْنُو فِيهِ المُؤَانِسْ، وتَتَواصَلُ فيه الأرْحام. * يَومُ العيِد.. أَقْرَبُ يَومٍ تَتَهَيَّأُ فيه النُّفوسُ للعَفْوِ، وتَسْتَجِيبُ فيهِ للصَّفحِ، وتَدنوا فيهِ من التَّسامُحِ، وتُقْبِلُ فيه على الإِصْلاح.
وأَكْرَمُ الناسِ مَنْ عَن الناسِ عَفا، وأَرْقاهُم مَنْزِلَةً.. من إِلى الصَّفحِ سَبَقْ. عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنصارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، ويُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
* يَومُ العيِد.. يَومُ مُباسطَةٍ ومُؤانَسَةٍ وانْسِجام.. لا تَكُنْ في يَومِ العيدِ لَوَّاماً، ولا تَكُنْ فيهِ مُسْتَقْصِياً، ولا تَكُنْ في كُل الأُمُوْرِ مُعاتِباً. انْتَقِ مِن الكَلِماتِ أَرْقَاها، ومِنْ المُعامَلَةِ أَزْكاها، حَدِّثْ طِباعَكَ عَلَىَ خَيْرَ الخِصال. ازْرَعَ لِنَفْسِكَ في القُلُوبِ مَوَدَةً.. فالمرءُ يَغْرِسُ فَضْلَهُ بِذَكاءِ. * يَومُ العِيدِ.. يَومُنا أَهلَ الإسلام.. فَأَظْهِرُوا فيهِ فَرَحَكُمْ.. فإِنَّ إِظْهارُ الفَرَحِ في يومِ العيدِ عِبادَة. َاسْتَمْتِعُوا بِما أَحَلَّهُ اللهُ لَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَات، ولا تَسْلُكُوا طَرِيْقَ الغَافِلِيْن. لا تَغْشَوْا مجالسَ المُنْكَر، ولا تُفْسِدُوا مَجَالِسَكم بِالمنْكَرِاتِ، وَكُوْنُوا للهِ مِنَ الشَّاكِرِيْن {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
بارك الله لي ولكم بالقرآن ..
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالميْنَ {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} وأَشْهَدُ أَنْ لا إِله إِلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لَهُ، يَعْلَمْ أَعْمالكم إِنْ تُخْفُوهَا وإِنْ تُبْدُوْهَا، وأَشْهَد أَنَّ محمداً عَبْدُهُ ورسولُه، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وعلى آله وأَصْحَابِه أَجمعين.. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.
أيها المسلمون.. أيها المسلمات.. الرَّجُلُ والمرْأَةُ في شَرِيْعَةِ اللهِ سَوَاء، كُلُّهُم مأَمُورُونَ مُكَلَّفُونَ، وبأَحْكامِ الشريعةِ مُخاطَبونَ، مَنْ أَحْسَنَ مِنْهُمْ فَلَهُ مِن اللهِ وَعدٌ بِالثوابُ، ومَنْ أَسَاءَ.. فَهوُ مُخَوَّفٌ بأَلِيمِ العِقَاب {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}
نَفْسُكَ أَيها المؤْمِنُ.. ونَفْسُكِ أَيَّتُها المؤُمِنةُ.. هِيَ أَوْلى ما يَكُونُ مِنْكَما بالاهتِمام. النَّفْسُ.. إِنْ أُقِيْمَتْ على الحقِّ اسْتَقامَتْ، وإِن أُهمِلَتْ.. رَتَعَتْ في الهَوى وهامَتْ. إِنْ حُمِلَتِ النَّفْسُ على دَربِ الطاعةِ، طاوَعَتْ. وإِنْ أُرْخِيَ لها زِمامُها الحَزْمِ، فَرَّتْ وراوَغَتْ.
والنفسُ كالطفلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ على ** حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم
نَفْسُكَ نَفْسُك، رِبْحُها رِبْحُك، غَبْنُها غَبْنُك، هَلاكُ الناسِ على أَنْفُسِهم، وهلاكُ نَفْسِكَ إِنما يكونُ على نَفْسِك، صَلاحُ الناسِ لأَنْفُسِهِم، وصَلاحُ نَفْسِكَ لِنَفْسِك، نجاةُ نَفسِكَ أَنت مَنْ يَسْعَى إِليه {لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} هِيَ مَشْروعُكَ دُونَ غَيْرِك {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} {وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ} {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} {مَنْ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ} {وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ} ويَومَ القيامةِ لَنْ تُجادِلَ إلا عَن نَفسِك {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}
أَيها المؤْمِنُ، أَيَّتُها المؤُمِنةُ.. زَمَنٌ نَعِيْشُ اليومَ فيه.. زَمَنٌ يَعصِفُ بالفِتَن. مَصاريعُ الشَّهَواتِ واسِعَة، وأَبوابُ الشُبُهاتِ مُشْرَعَة. ودُعاةُ الفِتَنِ لا يَنْتَهُون.
ثَباتُكَ أِيها المؤمنُ، وثَباتُكِ أَيَّتُها المؤْمِنةُ.. فَوزٌ مُحَقَّق، وعَمَلٌ مُوَفَّق، وفَتْحٌ مُبِين. الثَّبَاتُ على العَقِيْدَةِ والمَبَادِئِ والقِيَم.. الكُلُّ يَنْشُدُهُ والكُلُّ يَهْواه. ولَكِنَّهُ.. لا يَكُونُ إِلا لِمَن كانَ لَهُ مِن اللهِ مَدد. لِمَنْ بَذَلَ أَسبابَه، لِمَنْ بالقُرآنِ اسْتَمْسَكَ، لِمَنْ بالسُّنَّةِ اهْتَدى. لِمَنْ بِعَمَلِهِ أَخلَصَ، لِمَنْ إِلى الله التَجأَ {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} شَيْئًا قَلِيلًا!، شَيْئًا قَلِيلًا! {إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} الثباتُ على الدينْ.. صُمودٌ في مواجَهَةِ المُغرِيات، ومُصابَرَةٌ في مواجَهةِ التَّحديات، لا يَشْرفُ بِالثَّباتِ.. مَن انْحَدَرَ في سُلَّمِ التَّنازُلات.
أَيها المؤمِنُ، أَيَّتُها المؤْمِنة.. طَرائِقُ الأَهواءِ شَتَّى، وطَريقُ اللهِ واحد {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
الزَمَوا طَرِيَقَ اللهِ فإِنَّ مَصِيْرَنا إِليه، ولا تَغْتَرُّوا بِمَن انحَرَفِ.. فإِنَّما ذاكَ وابالاً عليه {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّه} {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}
عباد الله قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ في يَوْمِكُمْ هَذَا عِيْدَانِ، يَومُ العِيْدِ وَيَوْمُ الجُمُعَةِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ في عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: "قَدْ اجْتَمَعَ فِيْ يَوْمِكُمْ هَذَا عِيْدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الجُمُعَةِ، وإِنَّا مُجَمِّعُوْن" قَالَ ابنُ بَازٍ رَحِمَه الله : (مَنْ حَضَرَ صَلاة العيدِ سَاغَ لَهُ تَرْكُ الجُمُعَةِ وَيُصَلِّي ظُهْراً فِي بَيْتِهِ أَوْ مَعَ بَعْضِ إِخْوَانِهِ إِذَا كَانوُا قَدْ حَضَرُوا صَلاةَ العِيْدِ، وإِنْ صَلَّى الجُمُعَةِ مَعَ النَّاسِ كَانَ أَفْضَلُ وأَكْمَل) ا.هـ
وَصَلاةُ العِيْدِ كَغَيْرِهَا مِنَ الصَّلَواتِ تُدْرَكُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَمَنْ حَضَرَ لِصَلاةِ العِيْدِ ولَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا رَكْعَةً، فَيَجِبُ عَلَيْهِ حُضُوْرَ الجُمُعَةِ. اللهم احْفَظَ دِيننا، وثَبْتُ قُلوبَنا، واشْرَحْ صُدُورَنا، واختِم بالصالحات أعمالنا.. رَبنا تَقَبل منا..
المرفقات
1681874348_خطبة عيد الفطر 1444هـ.docx