خطبة عيد الفطر لعام 1437هـ

خالد علي أبا الخيل
1437/10/13 - 2016/07/18 05:25AM
خطبة عيد الفطر لعام 1437هـ
التاريخ: الأربعاء: 1/ شوال /1437 هـ

الحمد لله على إتمام شهر الصيام والصبر، أحمده سبحانه، غسل ذنوب الصائمين كغسل الثوب بماء القدر، فله الحمد إذا رزقنا إتمامه وإكماله، وأنالنا عيد الفطر، أحمده حمدًا جليلًا، وأشكره شكرًا جزيلًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خالق العباد، ومجدد الأعياد، وجامع الناس ليوم المعاد، ومفرح العباد بالأعياد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اجتباه رسولًا، واصطفاه خليلًا، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، وصلاحًا للناس أجمعين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أعظم وأقدر، الله أكرم وأبر.
أيها المسلمون، أيها الصائمون، أيها القائمون، أيها الداعون، أيها الصائمون والصائمات: أبشروا وأملوا، أبشروا واطمعوا، فربنا يبشرنا: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً} [الأحزاب: 47]، وتلكم بشرى أخرى لكم –أيها الصائمون والصائمات- وهي الفرحة الكبرى في الدار الأخرى بعد أن أتممتم الفرحة الأولى، فللصائم (فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)، وأبشروا –أيها المعذورون عن الصيام- لأجل الأمراض والآلام، فـ(إذا مرض العبد أو سافر، كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا).
يا من صام رمضان، يا من قام رمضان، يا من تلا القرآن في رمضان، يا من ساهم في إفطار الصائمين، يا من ابتهل ودعا رب العالمين، يا من أمّ المساجد، يا من هو بين راكع وساجد، أبشر: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ} [المزمل: 20].
ودعنا رمضان، تلك أيام لها فرحة وسرور، ودعنا رمضان بأدمع كالبحور، ودعنا شهر التراويح والتهجد، وألوان الخير والتعبد، وهكذا الأيام لن تدوم على حال، ودوام الحال من المحال، لكن من نافس وسابق، وجاهد ولاحق، فعند الصباح يحمد القوم السُّرى، وإن كانت الأخرى في ركب المتخلفين والإهمال والمتكاسلين، فالعمر باق، وباب الإقبال عند الرب سار، لا تقنط ولا تيأس، فرحمة الباري في سائر الأيام والليالي.
الله أكبر، هل أحيا لأسمعها؟
*** إن كان ذلك يا فوزي ويا طربي


إن مسنا الضر أو ضاقت بنا الحيل
***
فلن يخيب لنا في ربنا أمل

الله في كل خطب حسبنا وكفى
***
إليه نرفع شكوانا ونبتهل

من ذا نلوذ به في كشف كربتنا
***
ومن عليه سوى الرحمن نتصل

خزائن الله تغني كل مفتقر
***
وفي يد الله للسؤال ما سألوا

فافزع إلى الله واقرع باب رحمته
***
فهو الرجاء لمن أعيت به السبل

كم أنقذ الله مضطرًا برحمته؟!
*** وكم أنال ذوي الآمال ما أملوا؟!


أيها المسلمون: الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.
لقد كان رمضان ميدانًا للمنافسة، ومضمارًا للمجاهدة والعبادة، لقد كانت ساعاته حياة وأنس وإشراق، وبر ومسابقة ولحاق.
ترحل الشهر والهفاه وانصرما
***
واختص بالفوز بالجنات من خدما

وأصبح الغافل المسكين منكسرًا
***
مثلي، فيا ويحه يا عظم ما حرم

من فاته الزرع في وقت البدار فما
***
تراه يحصد إلا الهم والندم

لكن الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونسأل الله أن يجعلنا ممن قبل صيامه وقيامه.
بعض الناس لما انتهى موسم رمضان، نقضوا ما أبرموا، وعلى أعقابهم نكصوا، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فعادت حليمة إلى عادتها القديمة، فهجرٌ للصلوات مع الجماعة، وترك لتلاوة القرآن، وانقطاع عن الخير والإحسان، ووداعًا للوتر وصلاة الليل والصيام، ورجع إلى قنواته وفضائياته، وعقوق آبائه وأمهاته، وعكف على المحرمات، وعلى اتباع الشهوات.
إن الواجب أن تستمر النفوس على نهج الهدى والرشاد، ولا يحد عمل بزمن دون زمان، المؤمن دهره كله رمضان، وإرضاء للمنان، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، ولهذا لما قيل لبشر: إن قومًا يتعبدون ويجتهدون في رمضان. فقال: بأس القوم، لا يعرفون الله إلا في رمضان.
وسُئل الشبلي -رحمه الله-: أيها أفضل: رجب أو شعبان؟. فقال: كن ربانيًا، ولا تكن شعبانيًا.
قلت: وكذا لا تكون رمضانيًا، فإن رمضان إذا مات، فرب رمضان حي لا يموت، وكان عمل النبي صلى الله عليه وسلم ديمة: (قل: آمنت بالله. ثم استقم).
أيها الإخوة الفضلاء: العيد مسمى جميل، ومعنى نبيل فيه الحب والإخاء، والبهجة والصفاء، والتضامن والوفاء، العيد عنوان المودة والوئام، وبذل الخير والسلام، وإشعار القوة والالتحام، الأعياد معالم أفراح الأمم، وشعارات اجتماعها وبقائها والقيم، العيد حمد وشكران، وبذل وإحسان، العيد شعيرة إلهية، وسنة نبوية.
أيها الصائمون: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أتدرون أي يوم هذا؟ أتدرون أي شهر هذا؟ إنه يوم الفوز والجوائز، وشهر الفرح والحوافز، يوم الفرح والسعادة، والبشاشة والابتسامة، يوم العيد وما أدراك ما يوم العيد، هو يوم الفرح والسرور بتمام نعمة الصيام والحبور، يوم العفو والتصافح والصفا، تتصافى فيه النفوس وتتسامح، ويسود فيه العفو والصفح وتتمالح، يوم البر والصلة، والتزاور والمحبة، يوم إزالة غوائش القلوب وأمراضها.
إن هذا العيد جاء
***
ناشرًا فينا الإخاء

نازعًا أشجار حقد
***
مصلحًا مهدي الصفاء

ففرحة العيد وروعته، ولبه وشرعته لأجل توطيد العلاقات البشرية، والتواصلات الأسرية، ونبذ الخلافات الزوجية، والمشاكل الداخلية، ونشر الوئام والمحبة بين البرية، مقصد الشريعة من تلك الأعياد، سلامة الصدور والفؤاد، والتراحم والتفاهم والتعاطف، وإذا صحب التهاني الابتسامة ثالثة الأثافي، جمعت الخير الوافي: ألا وهو السلام والمصافحة وإظهار تحية أهل الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم السؤال عن ما أراد، وتبادل التحايا والوداد، دون أن نبتدأ بتحايا محرمة، أو ألفاظ مذمومة، السلام أخا الإسلام يقوي الروابط، ويؤصل الضوابط، وينشر التراحم، ويثبت التلاحم، سبب للتآلف والاتفاق، وإزالة الشقاق والهجر والافتراق، مصيبة ثم مصيبة، أن ترى شخصين، بل جارين، بل أعلى، أخوين، بل أكبر، ابن مع والدين متهاجرين متقاطعين، فليكن العيد مفتاح إزالة الإحن، وتجديد المحبة، والعفو والصفح عما سلف وكان، والتجاوز والتغاضي عن ما بدر في سالف الأزمان، وهكذا العيد جاء ليربي، نُقبل على إخواننا بنفوس صافية، وصدور سليمة، ووجوه باشة، وشفاه مبتسمة، وأيدي مصافحة، ودعوات لطيفة، نخلع المنظار الأسود حينما ترى علاقات تمزقت، وقرابات تقطعت، وعرى تخلخلت، لظنون وريب، وشكوك وأوهام، أو لأجل دنيا زائلة فانية.
أمة القرآن: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر.
علمكم شهر القرآن كيف تقرؤون القرآن، ولذة القرآن، فقرأتم وختمتم، فعيشوا مع القرآن أيامكم، وأسعدوا به أوقاتكم، واعلموا أنه لا نجاح ولا فلاح إلا بالتمسك به وتلاوته وتدبره، والعمل بمحكمه، والتحاكم إليه، وتعظيمه وتوقيره.
متى نرى الحكم في الآفاق قرآنًا
***
والدين يعمر أقطارًا وبلدانًا

الخير في المصحف الهادي ومنهجه
***
ففيه ذخر لدنيانا وأخرانا

ومن المؤسف هجره ونبذه، وعدم العمل بأوامره، تقديم التواصلات الاجتماعية كالنت والواتس على تلاوته، فعودوا لكلام ربكم، وما به صلاح أحوالكم وأمتكم، أن يومكم هذا يوم سعيد، وفرح وعيد، في العيد تتقارب القلوب، وتتلاشى العيوب، العيد يمثل الأخلاق السامية، والآداب العالية، والأمة الراقية، والنفوس الأبية الشامخة، بيد أنه ينبغي لا تطغى الفرحة والسرور على ارتكاب المحظور، ففرح محدود، مضبوط مسرور، فاحذروا الاختلاط بين الرجال والنساء، واحذروا التصوير والغناء، احذروا الإسبال وحلق اللحى، احذروا تضييع الأوقات في السهرات الآثمة، والجلسات الماجنة على القنوات والاختلاطات المحرمة، احذروا تضييع الصلوات، ومصافحة النساء الأجنبيات، وتقبيل المردان والمحارم بشهوة، احذروا إرسال النظرات، وإطلاق الكلمات، احذروا تحديد زيارة القبور في أيام الأعياد والشهور، وكذا عقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، والإساءة إلى الناس، احذروا الظلم بأنواعه، ظلم الزوجات، وظلم العمال والخادمات، وتأخير الرواتب، وأخذ حقوق الآخرين، وازدرائهم واحتقارهم والتكبر عليهم، احذروا أضرار التواصلات الاجتماعية، والمواقع الإباحية والمنتديات الإجرامية.
الأعياد –أيها المسلمون- سنة ماضية، وليس للأمة سوى هذين العيدين: الفطر والأضحى، وما عداهما بدعة نكرى.
أيها الصائمون والصائمات: مضى شهر رمضان بصوره المشرقة، وأعماله المضيئة، والمسلمون بحمد الله في تسابق وتلاحق، هذا يصلي، وهذا يفطّر، وثالث قائم، ورابع يقرأ، فالحمد الله على نعمة الإسلام، والحمد لله الذي هدانا إلى هذا الإسلام، دين التوسط والاعتدال، بعيدًا عن الانحراف والغلو والانجراف، والبدع والأهواء، والتفجير والتكفير، والإتلاف والإفساد والتدمير، دين القوة لا التمييع لمسائله كالولاء والبراء، وتتبع الرخَص فيه، والأهواء والتحريف وتأويل النصوص، دين الجمال والكمال ، دين الأخلاق وجمال الأفعال، ينبذ التطرف ويسحق الوثنية والأصنام، دين اليسر والسماحة، دين العدل في الأحكام وبين الأنام، دين صالح مصلح في جميع الأفعال، الدين به قيام الأفراد والمجتمعات، وقيام الدول والرئاسات، فمن حفظه ساد، ومن ضيعه سقط وباد.
إن شئت أن ترضى لنفسك مذهبًا
***
تنال به زلفى وتنجو من النار

فدن بكتاب الله والسنة التي
***
أتت عن رسول الله من نقل أخبار

هذا وليحذر الكتاب والصحفيون، وغيرهم ممن يتكلم بمسلّمات الدين ومسائله، وشعائره وبشائره، وتوظيفها على حسب الأهواء، وفي الآونة الأخيرة استطالت الألسنة على الكتاب والسنة، وما التواصلات الاجتماعية عنا ببعيد، يتكلم المغرّد ويعلق على ثوابت الدين، وعقده المتين، وهو لم يقرأ سور المئين.
خذوا دينكم ممن تعرفون وتثقون، لا من النت والمجهولين، والتواصلات، تستفتون وتتعلمون، احفظوا أولادكم من الأفكار الدخيلة، والفتن المقيتة، والآراء الهدامة، والعقول المستأجرة، راقبوهم وحذروهم، واقتربوا منهم وناصحوهم، ولينوا بأيديهم ورغبوهم، واصفحوا عنهم وصافحوهم، فمن أعظم أسباب انحرافهم أمرين أساسين: غياب القدوة أمام أبصارهم، فكن قدوة حسنة في كل خير وحسنة، وغفلة المربي، فالتربية والنصح الهادف، والنقاش الهادي يؤدي ثمرته، ويحفظ –بإذن الله- الذرية، فانظر إلى جلسائهم وإلى تواصلاتهم، لا رؤية نقد، وغلظة وشدة ومنع، وإنما تذكير ومراقبة وتربية مباشرة، أو غير مباشرة، ذكروهم بالله وعظموهم أمر الله.
ومما يستنكر: ما حصل من الاعتداء والتفجير القوي حول المسجد النبوي مما أساء إلى كل مسلم، ناهيك أنه في مدينة رسول الله، وجوار مسجد رسول الله، فالحذر الحذر من الأفكار الضالة، والتوجهات المضللة، والفتاوى المغلفة، والواجب الاجتماع والائتلاف، ونبذ التفرق والاختلاف، وصيانة الدماء، وحفظ الأعراض، وجمع الكلمة، وسد الخلل، ومنع عبث العابثين، ودفع أذى المفسدين، والحذر من أعداء الدين، من اليهود والنصارى والرافضة المعتدين، والحوثية الظالمين، وأهل الأهواء المبتدعين.
الخطبة الثانية:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2- 4].
العيد وآثاره، أخلاقه وثماره، ما أجمل الأخلاق في الأعياد، ونحن نردد قول المصطفى لأبي بكر الصديق: (يا أبا بكر: إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا)، ما أجمل التسامح، والعفو والتصافح، والتذكير والتناصح، ما أجمل غسل القلوب قبل غسل الأبدان، ما أجمل نبذ الأحقاد والبغضاء والشحناء والعناد، ما أجمل أن نتذكر {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37]، ونتذكر {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى: 43]، ونتأمل {فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ} [البقرة: 109]، فنرفع الهتاف: صبرنا وعفونا وتسامحنا وغفرنا، نتذكر بعفونا قول رسولنا: (ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد إن الله إلا رفعه)، إلى متى تهاجر الأبوين، والأخوين، والجارين؟ إلى متى الحقد والغل والحسد على كل إنسان؟ أما نقرأ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23]، أما نسمع: (لا يدخل الجنة قاطع)، أما نخاف: (ومن قطعها قطعته)، فتواصلوا وتقاربوا، وتصافحوا واصفحوا، وتغافروا وتغافلوا، تؤجروا وترزقوا، وتهنؤوا وتُرفعوا.
يا من قطع أرحامه، وأخواله وأعمامه، وإخوانه وأخواته: احذر أن تحرم بركة العمر، وتصاب بقوارع الدهر، فواصل واتصل، يا من عق والديه، وعبس وجهه، وأغضب والديه، يا من ابتعد عن والديه، يا من قدم زوجته وولده، وحياته على والديه، يا من أبكى والديه، يا من والده وأمه غير راضيين عنه، أما تعلم أن رضا الله في رضا الوالدين، تدارك ما دام في الزمان فسحة، وبرهما وأدخل السرور عليهما، قبّل رؤوسهما، وشاورهما وأضحكهما، وأعطهما مما أعطاك الله.
يا من أساء إلى جيرانه، وأذاهم بقوله وفعله ولسانه، أما تسمع: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه)؟، أما تقرأ: (يا أبا ذر: إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها وتعهد جيرانك)؟.
فالعيد تتجلى فيه الصور الإسلامية، والأخلاق العالية.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: استقيموا، وعلى عبادتكم لازموا وأقيموا، فمن أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية، واصلوا واستمروا، فالاستمرار على العمل الصالح في الليل والنهار، ومن أسباب ذلك العزيمة الصادقة مع النية الخالصة، وترك العجز والكسل، ومبادرة الأجل، (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف).
هذا ومن علامة الحسنة، عمل حسنة بعد حسنة، ومن تلك الحسنة صيام الست من شوال، فقد جاء فضلها عن الرسول المفضال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال فكأنما صام الدهر كله)، والمرء أمير نفسه إن شاء تابع صيامها، وإن شاء فرقها، والأكمل والأفضل المبادرة، علامة على المسارعة، وأقرب إلى السنة.
ومما ينبغي لفت الانتباه له: أن من عليه قضاء من رمضان كسفر، أو مرض، أو نفاس، أو حيض، المسارعة لإنهائها، وإبراء الذمة، وخوفًا من نسيانها وانتشار الفتور والكسل، ولا يجب القضاء على الفور، أو التتابع في قضائه، فربنا يقول في كتابه: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].
عباد الله: وفي هذا اليوم يذكر، من نسي صدقة الفطر، أو وُكّل فنسي إخراجها، أو لم يعلم بها إلا بعد أيام أنها في سيارته أو مسكنه أنه يجب إخراجها في الحال، ومن تركها متعمدًا أخرجها مع التوبة والاستغفار.
عباد الله: تذكروا وأنتم بهذا الاجتماع الكبير، وفي هذا الجامع الذي جمع الكبير والصغير، وقد تجملتم وتطيبتم، وتهيأتم واغتسلتم، لبستم أحسن الثياب، وأجمل الحلل، وأروع الأطياب، هلا تذكرتم من صلى معكم العام الماضي من الآباء والأبناء، والأصدقاء والأولاد، والجيران والأحفاد، أين ذهبوا؟ وهل لهم منتظر حين ذهبوا؟ اختطفتهم المنايا، وأسرتهم الرزايا، أخذهم هادم اللذات، آخذ البنين والبنات، مفرق الجماعات، فارقوا الأحباب، وأوسدوا التراب، وابتعدوا عن الأصحاب.
كم كنت تعرف ممن صام في سلف
***
من بين أهل وجيران وإخوان

أفناهم الموت واستبقاك بعدهم
***
حيًا، فما أقرب القاصي من الداني

نسأل الله أن يغفر لهم، ويتجاوز عنهم، ويرفع درجاتهم.
سلام على أهل القبور الدوارس
***
كأنهم لم يجلسوا في المجالس

ولم يشربوا من الماء البارد شربة
*** ولم يأكلوا من رطبٍ ويابس


الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.
أيها الناس: وأنتم في رغد سعيد، وأنس مجيد، وفرح حميد، وبين أيديكم الولد والحفيد، وتلبسون الثوب الجديد، وتأكلون ما لذ وطاب من طعام مفيد، تذكروا أيتامًا لا يجدون ابتسامة الأب الحاني، وأيامى لا ينعمون بحنان الزوج الوافي، وأرامل [شتت الأنس ...]، وفقراء لا يجدون السكن الهادي.
تذكروا أسرًا سادها الاختلاف، ونزغات الشيطان، وشتت شملها المخدرات والعدوان، والعنف القاتل للولدان.
تذكروا –رحمكم الله- جموعًا شردتهم الأعداء، وشتت شملهم الطغيان والاستعمار والاعتداء، نساء أيامى، وشيوخ حيارى، وشباب أسارى، حروب طاحنة، وضحايا ميتمة، وصغار لا ذنب لهم ولا رزية، وقنابل مروعة، وحوادث مزعجة.
تذكروا إخوانًا مؤمنين مستضعفين مشردين، وآخرون مأسورين، السماء لحافهم، الأرض فراشهم، الخوف أزعجهم، القلق أرقهم، الجوع أضجرهم.
وأنتم بحمد الله بنعمة أمن وإيمان، وصحة وعافية الأبدان، وأمن في الأوطان، فاحمدوا الرحيم الرحمن.
تذكروا –إخوة الإسلام- وأنتم تنتقلون وفي أنواع المجالس تجلسون، وعلى المراكب تركبون وتذهبون إخوانًا لنا أقعدهم المرض، وحيل بينهم وبين ما يشتهون، فشاركوهم بالبر و الزيارة، والدعاء والابتسامة، وتبادل الأحاديث الودية، دون أخذ الزهور والورود، فليس هذا من شرع الرسول.
تذكروا –إخوان العقيدة- أحوال الأمة وما تعيشه من أحوال عصيبة، وأوقات حالكة، وأزمان متلاطمة، وأعداء متسلطة، وفتن ومحن.
هذا، وأجه إليكِ –أختي في الله- الكلمة التالية:
اتقي الله، وعليكِ بلزوم الحجاب، وستر الوجه، وعدم إظهار المحاجم والبدن بين الرجال الأجانب، لا تخضعين بالقول، لا تتبرجين كتبرج الجاهلية الأولى، فبعض النساء -هدانا الله وإياهن، وجعل الجنة مثواهن- تظهر الأعناق، وتكشف الساق، وتلبس النقاب، وتكشف الحجاب، وتلبس أعبية مطيبة معطرة، مزركشة مزخرفة، وثيابًا ضيقة، وألبسة مفتوحة، وأكمامًا قصيرة، وتجوب الأسواق، وتماكس الرجال، وتتحدث عبر الجوال بين الرجال، تضاحك الأجانب من الرجال.
وكذا احذرن من اللباس القصير الشفاف الرقيق للفتيات الصغيرات.
وينشأ ناشئ الفتيان منا
***
على ما كان عوّده أبوه

احذري الركوب بدون محرم، أو السفر بدون محرم، أو الخضوع بالأقوال للأجانب والرجال.
هذا، ومما ينبغي أن يذكر فيشكر، ويعلم فيظهر: ما تصنعه صانعات الأجيال، وأمهات الرجال، مما عشناه في شهرنا، وتهيئتها للشراب والطعام للصوام عند لحظات الإفطار، فجزاهن الله خير الجزاء، وأصلح لهن الأزواج والأبناء، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
وكذا الرجل بذله ونفقته لأولاده وأهله، {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39].
فيا أيتها الأخت الفاضلة، والدرة المصونة الغالية: حافظي على الصلوات، وأطيعي زوجك بالمعروف والخيرات، وكوني من الذاكرات، الصادقات، الصائمات، المتصدقات، المتسترات، المحتشمات، البارات، القانتات، ربي أولادكِ على الخير والصلاح، وعوديهم حي على الفلاح، وارقي بهم إلى السمو والنجاح.
أيها الدرة المصونة، والجوهرة المكنونة: إن كنتِ أمًا، فأنتِ الأمر الرؤوم، وإن كنتِ أختًا فأنت الأخت الحنون، وإن كنتِ زوجًا فأنتِ الزوج الحصان الودود، النساء شقائق الرجال، وصانعات الأبطال.
الأم مدرسة إن أعددتها
*** أعددت شعبًا طيب الأعراق

فكوني لغيركِ قدوة، ولأهل بيتكِ أسوة، وتأسي بنساء سلف الأمة كعائشة وخديجة وأم سلمة، واحذري التصوير عبر الواتس وسناب، فكم صورة هدمت أسرة؟، والبعض تتساهل بتصويرها، أو تصوير أمهاتها وأخواتها لرؤية الآخرين، فالوسائل التواصلية كالهشيم بالنار انتشارًا.
والله أعلم.
المشاهدات 982 | التعليقات 0