خطبة: عيدُ الفطرِ "عيدُ جبرِ الخواطر"
وليد بن محمد العباد
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة: عيدُ الفطرِ عيدُ جبرِ الخواطر
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعمالِنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورسولُه. اللهُ أكبرُ كبيرًا والحمدُ للهِ كثيرًا وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلًا وصلى اللهُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ تسليمًا كثيرًا. أمّا بعدُ أيّها المؤمنون
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصيّةُ اللهِ للأوّلينَ والآخِرين (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) فتقوى اللهِ طريقُ السّعادةِ وطوقُ النّجاة، وسبيلُ الفوزِ بجنّةٍ عرضُها الأرضُ والسّموات، وهي خيرُ الزّادِ ليومِ المعاد، فتزوّدوا منها اليومَ فالسّفرُ بعيد، والواصلونَ إمّا شقيٌّ أو سعيد، إِذا أنتَ لم تَرْحَلْ بزادٍ مِن التّقَى * ولاقيْتَ بعدَ الموتِ مَن قد تزوّدَا. نَدِمْتَ على أنْ لا تكونَ كمثلِه * وأنّك لم تُرصِدْ كما كانَ أَرْصَدَا. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، تَمسَّكوا بدينِكم، ففيهِ فلاحُكم وسعادتُكم، واعلموا أنَّ عمودَ الدّينِ الصّلاة، مَن حافظَ عليها فقد أَفلحَ وأَنجح، ومَن تَركَها فقد خابَ وخسِر، صوموا شهرَ رمضان، وأدُّوا زكاةَ أموالِكم طيّبةً بها نفوسُكم، وحُجّوا بيتَ اللهِ الحرام، واجتهدوا بعدَ ذلكَ في التّزوّدِ مِن النّوافلِ والمسابقةِ إلى الخيراتِ، مخلصينَ العملَ للهِ، متّبعينَ لسنّةِ رسولِ اللهِ، مجتنبينَ للبدعِ والمخالفات. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ
أُمَّةَ الإِسلامِ، إِنَّكُم في يَومٍ مُبَارَكٍ، يَومِ عِيدٍ وَفَرحَةٍ وَبَهجَةٍ، فقد صمتم شهرَكم، وأطعتم ربَّكم، فحُقَّ لكم اليومَ أنْ تفرحوا بالعيد، وتَلبسوا الجديد، فافرحوا فاليومَ عيد، وابتسموا فاليومَ عيد، وافسحوا لأهليكم فاليومَ عيد، واستمتعوا بما أباحَ اللهُ لكم فاليومَ عيد، وتصافحوا وتصالحوا وتسامحوا فاليومَ عيد، أَدْخِلوا السّرورَ على قلوبِ بعضِكم فاليومَ عيد، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخلُه على مسلم. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ
فما أجملَ جبرَ الخواطرِ في ذلك اليومِ السّعيد، وما أسعدَ مَن يَجبرُ الخواطرَ فكلُّ أيّامِه عيد، فاجبروا خواطرَ بعضِكم فاليومَ عيد، ولْيكنْ عيدُكم عيدَ جَبْرِ الخواطر، فجبرُ الخواطرِ خلقٌ نبيلٌ وأدبٌ رفيع، يَدلُّ على سموِّ نفسٍ وعظمةِ قلبٍ وسلامةِ صدرٍ ورجاحةِ عقل، يقولُ سفيانُ الثّوريُّ رحمَه الله: ما رأيتُ عبادةً أجلَّ وأعظمَ مِن جبرِ الخواطر. جَبْرُ الخواطرِ ذاك دَأْبُ أولي النّهي * وتَرَى الجهولَ بكسرِها يَتمتّعُ. فاجعلْ لسانَك بلسمًا فيه الشّفا * لا مِشرطًا يُدمِي القلوبَ ويُوجعُ. فاجبروا الخواطرَ ولا تَجرَحوها، وراعوا المشاعرَ ولا تُرهقوها، واكسبوا القلوبَ ولا تَكسروها، إنّ القلوبَ إذا تَنافرَ وُدُّها * مثلَ الزّجاجةِ كسرُها لا يُجبرُ. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ
فاجبروا قلوبَ مَن تُحبّون، اجبروا قلوبَ آبائِكم وأمّهاتِكم، اجبروا قلوبَ أزواجِكم وزوجاتِكم، اجبروا قلوبَ أبنائِكم وبناتِكم، اجبروا قلوبَ إخوانِكم وأخواتِكم، اجبروا قلوبَ أقاربِكم وأحبابِكم وجيرانِكم، اجبروا قلوبَ كلِّ مَن تَلْقون، عَبّروا لهم عن جميلِ مشاعرِكم، ولِينوا لهم وتَلطّفوا معهم، وأسعدوهم بالكلمةِ الطّيبةِ واللمسةِ الحانية، والمعاشرةِ بالمعروف، والتّغاضي وحسنِ الظّنِّ والتماسِ الأعذار، وحفظِ الوُدِّ وعدمِ نسيانِ الفضلِ بينَكم، اجبروا القلوبَ لعلَّ اللهَ يَجبرُ قلوبَكم، فهو الجبّارُ جلَّ جلالُه، يَجبرُ الفقرَ بالغنى والمرضَ بالصّحةِ والبلاءَ بالعافيةِ واليأسَ بالأملِ، ويَجبرُكم بكلِّ ما تُحبّونَ، ويَرزقُكم مِن حيثُ لا تَحتسبون. اللهُ أكبرُ كبيرًا والحمدُ للهِ كثيرًا وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلًا، فاستغفروا ربَّكم ثمّ توبوا إليه إنّه كانَ غفورًا رحيمًا.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما أمَر، وأشكرُه وقد تَأَذَّنَ بالزّيادةِ لمن شكر، اللهُ أكبرُ كبيرًا والحمدُ للهِ كثيرًا وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلًا وصلى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ أيّها المؤمنون
لقد أكرمَكم اللهُ بختامِ شهرِ التّقوى لعلّكم تتّقون، فاتّقوا اللهَ في أنفسِكم بطاعتِه وفعلِ أوامرِه واجتنابِ نواهيه، اتّقوا اللهَ في آبائِكم وأمّهاتِكم بطاعتِهم وبرِّهم والإحسانِ إليهم، اتقوا اللهَ في أولادِكم فأدِّبُوهم بآدابِ الإسلام، فكلُّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيّتِه. اتقوا اللهَ في نسائِكم وبناتِكم، واستوصوا بهنَّ خيرًا، وأحسنوا تربيتَهُنَّ حتى يكنَّ لكم من النّارِ سِتْرًا، اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ
أيّتها المؤمناتُ العفيفات، تَمَسَّكْنَ بالدّينِ والفضيلةِ والسّترِ والحجابِ والحياء، وصاحِبْنَ الصّالحات، واحْذَرْنَ المُخبّبينَ والمُخبّبات، والْزمنَ بيوتَكنَّ فأنتنَّ فيها الملكاتُ المباركاتُ المكرّمات، مِن الأمّهاتِ والزّوجاتِ والبناتِ والأخوات، أيّها الشّبابُ والفتيات، حافظوا على الصّلاةِ وتَحلّوا بمكارمِ الأخلاق، واحذروا مواقعَ التّواصلِ وما فيها مِن الشّهواتِ والشّبهات، أَقِرُّوا أعينَ والدَيْكم بصلاحِكم وبجدِّكم واجتهادِكم، وأَسعدوهم بزواجِكم واستقرارِكم، فلا أَقَرَّ لأعينِ الوالدَيْنِ مِن رؤيةِ أولادِهم صالحين، ورؤيةِ أحفادِهم مِن البناتِ والبنين. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ
أيّها المؤمنونَ والمؤمنات، أَحِبُّوا لإخوانِكم ما تُحبُّونَ لأنفسِكم، وأَطيبُوا الكلامَ وأفشوا السّلامَ وصِلوا الأرحام، وغاروا على محارمِكم واحفظوا عوراتِكم وغُضّوا أبصارَكم، ولا تَحاسدوا ولا تَباغضوا ولا تَدابروا، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ
أيّها المؤمنونَ، استقيموا على العملِ الصّالحِ بعدَ رمضان، بالمداومةِ على الصّلاةِ والصّيامِ والصّدقةِ وتلاوةِ القرآن، وسائرِ أعمالِ البِرِّ والإحسان، ومِن ذلك صيامُ سِتٍّ مِن شوّال، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: مَنْ صامَ رمضانَ ثمّ أتبعَه ستًّا مِن شوّال، كانَ كصيامِ الدّهر. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ
اللهمّ اجعلْنا في هذا اليومِ من المقبولينَ الفائزين، وأَعدْه علينا ونحن بأحسنِ حالٍ مِن الدّنيا والدّين، اللهمّ اجعلْ اجتماعَنا هذا اجتماعًا مرحومًا وتفرّقَنا مِن بعدِه تفرّقًا معصومًا ولا تجعلْ فينا ولا مِن بينِنا شقيًّا ولا محرومًا، اللهمّ انصرْ دينَك وكتابَك وسنّةَ نبيِّك وعبادَك المؤمنين، اللهمّ أصلحْ ولاةَ أمورِنا وارزقْهم البطانةَ الصّالحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمّ ارحمْ موتانا واشفِ مرضانا واختمْ بالصّالحاتِ أعمالَنا وبالسّعادةِ آجالَنا وبلغْنا فيما يرضيك آمالَنا، وأدخلْنا الجنّةَ وقِنَا عذابَ الجحيم، ووالدِينا وأهلِينا والمسلمين، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين. عيدُكم مبارك، وتَقبّلَ اللهُ طاعتَكم، وكلُّ عامٍ وأنتم بخير. اللهُ أكبرُ كبيرًا والحمدُ للهِ كثيرًا وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلًا وصلى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ تسليمًا كثيرًا.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض الجمعة 1/ 10/ 1444هـ