خطبة عيد الفطر المبارك
د. زاهر بن محمد الشهري
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ بَلَّغَنَا رَمَضَانَ، وَوَفَّقَنَا لِلصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَجَعَلَنَا مِنْ خَيْرٍ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ نصح لأمته، فعَلَّمها مَا يَنْفَعُها، وَحَذَّرَها مِمَّا يَضُرُّها، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ...أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى حَقَّ التَّقْوَى، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون)
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: عظموا الله عز وجل حق عظمته، واقدروه حق قدره، فقد أراكم ولا يزال يريكم من آياته ما فيه العبر، وما ظهرت به لكم من أسمائه عز وجل وصفاته الدالة على جلاله وكبريائه ما فيه المزدجر، فالمؤمن المُتدبِّر يرى بعيدَ الأثر، ويرى تقليبَه عز وجل لموازينِ القضاءِ والقدرِ، في حِكمةٍ ورحمةٍ يجري بها حُكمُه في سائر البشر، فها نحن في زمن كورونا الذي أصاب الله تعالى به الناس، وفي كل حين يظهر لهم على لون، ليدُلَّ على القادرِ الجبَّار، والواحدِ القهَّار، فلا عظيمَ إلا المهيمنُ الجبَّار، ولا قويَّ إلا اللهُ العليُّ الغفار (أولم يرو أنَّ اللهَ الذي خلَقَهم هو أشدُّ منهم قوة)
ومع ذلك لا يزال الناس في غفلة عما يراد منهم، يقول الله عز وجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فالزموا التوبة – يا عباد الله - صباحاً ومساء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "يا أيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إلى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ، فَإنِّي أَتُوبُ في اليَّومِ مائةَ مَرَّةٍ"
ألا فلنراجع أنفسنا، ولنأخذ على يد السفهاء منا، قبل أن تنزل بنا عقوبة ربنا عز وجل، وإن الناس إذا أنكروا المنكر، وعملوا الصالحات لم يضرهم فسق الفاسقين، وإنما المصيبة في السكوت والرضا، وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد
أيها المسلمون: اعْلَمُوا أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ", فَقِيلَ: مَنْ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ)، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: "الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ"
فَاللهَ أَللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ اُثْبُتُوا عَلَى دِينِكُمْ، وَاستمسكوا بالعقيدة الصحيحة الصافية، وَأكثروا من الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وحافظوا على أركان الإسلام وحققوا أركان الإيمان، فلا نجاة للعبد عند الله عز وجل إلا يتحقيقها والثبات عليها، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» وقال صلى الله عليه وسلم في الإيمان: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»
فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، وَلا يَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ الْهَالِكِينَ، (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه)
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد
أيها المسلمون: لقد أمرنا الله عز وجل بآداب وأخلاق بها صلاح النفس وصيانة المجتمع، ومن أظهرها وأولاها في يومنا هذا؛ صلة الأرحام، فصِلَتُهُمْ بَرَكَةٌ فِي الأَرْزَاقِ، وَمَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ، وَتَوْفِيقٌ فِي الْحَيَاةِ، قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ, وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" رواه اَلْبُخَارِيّ، فَاجْعَلُوا عِيدَكُمْ هَذَا مُنْطَلَقَاً لِوَأْدِ الْقَطِيعَةِ، وَطَيِّ صَحِيفَةِ الشِّقَاقِ وَالنِّزَاعِ، فَمِنْ بَشَاشَةٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلِينٍ فِي الْمُعَامَلَةِ, إِلَى صِلَةٍ لِمَنْ قَطَعَكَ وَإِحْسَانٍ لِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
وَأَعْظَمُ الرَّحِمِ وَالِدَاكَ, فَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَرَنَ طَاعَتَهُمَا بِطَاعَتِهِ، وَحَقَّهُمَا بِحَقِّهِ، فَقَالَ:(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ولا عيد لمن عقَّ والدَيه فحُرِم الرّضَا في هذا اليومِ المبارَك.
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ لا نَبِيَّ بَعْدَهُ.
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد
أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ: مَنْ أَرَادَتِ الْكَرَامَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالسَّعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ؛ فَعَلَيْهَا أَنْ تُحَصِّنَ نَفْسَهَا وَذُرِّيَّتَهَا بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَنْ تُحَافِظَ عَلَى عِفَّتِهَا وَحِجَابِهَا وَلَوْ ضَلَّ أَكْثَرُ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِطَاعَةِ الْبَشَرِ، وَإِنَّ الْفَوْزَ الْحَقِيقِيَّ يَكُونُ حِينَ الْقُدُومِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، وَلَا سَلَامَةَ لِلْقَلْبِ إِلَّا بِاسْتِسْلَامِهِ الْكَامِلِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ بِاتِّبَاعِ شَرْعِهِ كُلِّهِ، وَعَدَمِ الِانْتِقَاءِ مِنْهُ؛ فَإِنَّ الِانْتِقَاءَ مِنَ الشَّرْعِ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الَّذِينَ يُفَرِّقُونَ دِينَهُمْ؛ فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ مَا يَهْوَوْنَ، وَيَرْفُضُونَ مَا لَا يَهْوَوْنَ (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)
فَاتَّقِي اللهَ يَا مُسْلِمَةُ وَاحْفَظِي حقوق الله تعالى، وَاعْرِفِي لِلزَّوْجِ قَدْرَهُ، وَاحْفَظِي لَهُ حَقَّهُ، فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا : ادْخُلِى الْجَنَّةَ مِنْ أَىِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ لِغَيْرِهِ.
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: افْرَحُوا بِعِيدِكُمْ بَعْدَ تَمَامِ شَهْرِكُمْ، وَهَنِّئُوا بَعْضَكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامِكُمْ، وَزُورُا أَقَارِبَكُمْ، وَانْشُرُوا الأُلْفَةَ وَالْخَيْرَ بَيْنَكُمْ، وتوكلوا على الله ربكم، وافعلوا الأسباب وخذوا بالتدابير الاحترازية والوقائية، وذلك بالتباعد وترك المصافحة، والبعد عن التجمعات حماية لكم ولذويكم.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ وسائر الأعمال
اللهم أَعِنَّا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَجَنِّبْنَا كُلَّ شَرٍّ وَوَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُوْرِنَا وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ وِلايَةَ المسْلِمِينَ فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمَينَ
اللَّهُمَّ وَفِّقْ ولي أمرنا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَة
اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود، اللهم أنزل السكينة في قلوبهم، وثبت أقدامهم، واحفظهم من كيد الأعداء.
اللَّهُمَّ كُنْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ, اللَّهُمَّ احْفَظِ إِخْوَانَنَا المسْلِمِينَ فِي بِلَادِ فِلَسْطِينَ وَاكْفِهِمْ شِرَّ اليَهُودِ المحْتِلِّينَ وَظُلْمِهِمْ وَاعْتِدَائِهِمْ, اللَّهُمَّ احْفَظِ المسْجِدَ الأَقَصَى مِنْ عَدِوِّكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
المرفقات
1620681075_خطبة عيد الفطر.doc
1620681201_خطبة عيد الفطر.pdf