خطبة عيد الفطر المبارك 1439هـ

أحمد بن عبدالله الحزيمي
1439/09/27 - 2018/06/11 09:19AM

الركعة الأولى: تكبيرة الاحرام ثم يستفتح ثم ست تكبيرات

الركعة الثانية: تكبيرة الانتقال ثم خمس تكبيرات

 خطبة عيد الفطر المبارك 1439هـ

 الحمدُ للهِ المُبدِئِ المُعِيدِ، الفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ، مَنَّ علينا بصِيامِ رَمضانَ وإِدراكِ العِيدِ، وأَمهَلَ عِبادَهُ لِيتُوبُوا إليهِ ووَعدَهُم سُبحَانَه بالجنَّةِ والمَزِيدِ. أحمَدُه وأَشكُرُهُ وأَشهدُ أَن لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ، وأَشهَدُ أَنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ الكِرامِ والتابِعينَ لَهُم بإِحسانٍ إلى يَومِ الوَعدِ والوَعِيدِ.

اللهُ أَكْبَرُ مَا صَامَ المسلمونَ شَهرَ رَمضانَ.. اللهُ أَكْبَرُ مَا أَحْيَوْا لَيْلَهُ بالقِيامِ.

اللهُ أَكْبَرُ مَا أَخرَجُوا زَكاةَ فِطْرِهِمْ طَيبةً بِها نُفُوسُهُمْ.. اللهُ أَكْبَرُ ما اجتَمعُوا في عِيدِ الفِطرِ يَشكُرونَ اللهَ علَى مَا هَداهُم للإسلامِ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمدُ.

أمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم ـ أَيُّها النَّاسُ ـ ونفسِي بِتَقوَى اللهِ عزَّ وجَلَّ, فاتَّقُوهُ واجعَلُوا التَّقوَى شِعَارَكُم في الليلِ والنَّهارِ، في السِّرِّ والعَلانِيةِ، في السَّفرِ والحَضَرِ، في الشَّبابِ والمَشِيبِ، في أَنفسِكُم وأَهلِيكُم والنَّاسِ أَجمعينَ.

لاحِظُو -أيهَا المسلمونَ- أنَّ الأَمرَ بالتَّقوَى والتَّذكيرَ بها مَعنَا في كُلِّ أَحوَالِنَا في يَومِ صَومِنَا وفي يَومِ عِيدِنَا لا مَنَاصَ مِن التذكيرِ بهَا؛ لماذا؟ لأنَّ التَّقوَى فَلاحٌ في الدُّنيَا والآخِرَةِ {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}.

أبشِروا أَيهَا الصَّائِمونَ! أَبشِروا أيهَا القَائِمونَ! أبشِرُوا أيهَا التَّالُونَ لكِتابِ ربِّكُم والخَاتِمُونَ، أَبشِروا أيهَا البَاذِلُونَ والمنفِقُونَ، أبشِرُوا أيهَا الذَّاكِرونَ والدَّاعونَ، أبشِرُوا أيهَا المُعتمِرونَ، أبشِروا أيهَا المعتَكِفونَ، أَبشِروا أيهَا الفَائِزونَ برمضانَ أَبشِرُوا جميعاً بالفَضلِ مِنَ اللهِ، أبشِرُوا برَوحٍ ورَيحانٍ ورَبٍّ غَيرِ غَضبَانٍ، لقَدْ وَعَدَكُمُ الكَرِيمُ وقَولُهُ حَقٌّ ووعدُهُ حَقٌّ، وَعَدَكُمْ بالمغفِرَةِ والرِّضوانِ والعِتقِ مِن النِّيرانِ، فمَا أَعظَمَ حَظَّ الفَائِزِينَ اليومَ! هَنِيئاً لكُم ما قَدَّمتُمْ لآخِرتِكُم اليومَ تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُم اليومَ تُوزَّعُ الجَوائِزُ، ويُكَرَّمُ الفَائِزُ.

أسألُ اللهَ تَعَالى أنْ يَجعلَنَا جَمِيعاً ووالِدِينَا مِن الفَائِزِينَ، مِن الْمُعْتَقِينَ مِنَ النَّيرانِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إلهَ إلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمدُ.

اليومُ أيهَا المسلمونَ يَومُ فَرَحٍ وسَعادَةٍ, يَومُ أُنْسٍ وبَهجَةٍ فافرَحُوا واسعَدُوا بَيومِكُمْ, فإنَّ فَرَحَكُمْ بهَذَا اليَومِ عِبادةٌ تُؤجَرُونَ عَليهَا.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، ولِلَّهِ الْحَمْدُ.

عبادَ اللهِ: إنَّ علينَا جميعًا أنْ نَتَوجَّهَ إِلَى الْمَوْلَى سبحانَهُ وتعالى بالشُّكرِ على أنْ وفَّقَنَا للصَّلاةِ والصِّيامِ وقِرَاءةِ القُرآنِ والقِيامِ وسَائرِ الأعمالِ، وخَتَمَ لنَا شَهرَ رَمضَانَ بعيدِ الفِطرِ المبَاركِ لِيُدْخِلَ البَهجةَ والفَرَحَ إلى النُّفُوسِ معَ ما يَدِّخِرُهُ لعبادِهِ الصالحينَ مِنْ أجرٍ وثَوابٍ يَومَ القيامةِ في جَنَّاتٍ ونَهَرٍ في مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقتَدرٍ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، ولِلَّهِ الْحَمْدُ.

الْعِيدُ -أَيُّهَا الْإخْوَةُ- مُنَاسَبَةٌ طَيِّبَةٌ لِتَصْفِيَةِ الْقُلُوبِ وَإِزَالَةِ الشَّوَائِبِ عَنِ النُّفُوسِ وَتَنْقِيَةِ الْخَوَاطِرِ مِمَّا عَلَقَ بِهَا مِنْ بَغْضَاءٍ أَوْ شَحْنَاءٍ، وَلْنَتَذَكَّرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَلْنَغْتَنِمْ هَذِهِ الْفُرْصَةَ، وَلْتُجَدَّدُ الْمَحَبَّةُ، وَتَحلُّ الْمُسامَحَةُ وَالْعَفْوُ مَحَلَّ الْعَتَبِ وَالْهُجْرَانِ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ، مِنَ الْأقاربِ وَالْأصدقاءِ وَالْجِيرَانِ.

عِبَادَ اللهِ... لَا تَجْعَلُوا شيئًا يُكَدِّرُ عَلَيكُمْ سَعَادَةَ هَذَا الْعِيدِ وَبَهْجَتَهُ، لَا تَتَذَكَّرُوا الْأحْزَانَ وَالْآلاَمَ، لَا تَجْعَلُوا حَديثَ الْكُرَةِ والتَّعَصُّبِ الرِّيَاضِيِّ يَسْلُبُ مِنْكُمْ فَرْحَتَهُ، لَا يَكُنْ لِلَّوْمِ وَالْعَتَبِ وَالْمُشَاحَنَاتِ والمُلاسَنَاتِ سَبِيلٌ للنَّيْلِ مِنْ هَذِهِ الْفَرْحَةِ، لَا تَسْمَحُوا للشَّائِعَاتِ الْمُغْرِضَةِ أَوِ اللَّهَثِ وَراءَ الْأَخْبَارِ وَالْأَحْدَاثِ أَوْ حَديثِ الْهُزءِ والسُّخْرِيَةِ أَنْ يُنْقِصَ عَلَيْكُمْ بَهْجَتَهُ. لَا تَجْتَرَّ الْمَشَاكِلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، بلِ اصْنَعِ الْفَرْحَةَ وَالْبَهْجَةَ لَكَ وَلِغَيْرِكَ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إله إلا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمدُ.

عبادَ اللهِ، إنَّ أعظمَ نعمةٍ مَنَّ اللهُ بها علَى عَبادِهِ هدايتُهُمْ للإسلامِ، فتِلكَ أَعظمُ النِّعَمِ والمِنَنِ، يقولُ سُبحانَهُ {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.

أيُّها المسلِمُ، اعْرِفْ قَدْرَ هذهِ النِّعمَةِ، واقْدُرْهَا حَقَّ قَدْرِهَا، واشْكُرِ اللهَ عليهَا قَائمًا وقَاعِدًا وفي كُلِّ لَحظَاتِ حَياتِكَ، اشكُرِ اللهَ على هَذهِ النِّعمَةِ أَنْ شَرَحَ صَدرَكَ للإسلامِ، ومَنَّ عَليكَ بقَبولِهِ والعَمَلِ بهِ.

أُمَّةَ الإسلامِ.. هَذهِ الأمَّةُ المحمَّديَّةُ هِيَ الأمَّةُ المرحومَةُ، هيَ الأمَّةُ المعصُومةُ، هيَ الأمَّةُ المنصورَةُ، هيَ الأمةُ التي حُفِظَ لَهَا دِينُهَا، "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُم كَذَلِكَ" رواه مسلمٌ.

اختارَها اللهُ لتكونَ خيرَ أمَّةٍ أُخرِجَتْ للناسِ، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} اختارَهَا اللهُ فجَعَلَهَا أُمَّةً وَسَطًا عَدْلًا خِيارًا، شاهدةً على الأُمَمِ بأنَّ أنبياءَهُمْ قدْ بلَّغُوهُمْ رِسَالاتِ اللهِ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} اختَارَ اللهُ لَهَا سَيِّدَ الأوَّلينَ والآخِرِينَ وخَاتَمَ الأنبياءِ والمرسَلِينَ، أَفضَلَ خَلقِ اللهِ؛ لِيكُونَ رَسولًا لهذهِ الأمَّةِ، لِيُبَلِّغَهمْ رِسَالاتِ اللهِ، اخَتارَ لَهَا القُرآنَ العَظِيمَ كَلامَهُ جلَّ وعلا، هذا الكتابُ العظِيمُ والذِّكرُ الحَكِيمُ الذي لا يأتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَينَ يَدَيهِ ولا مِنْ خلفِهِ، تنزيلٌ منْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. فهوَ سَبَبُ هِدَايةِ الأمَّةِ وسَبَبُ صَلاحِهَا.

عبادَ اللهِ.. دِينُكُمْ لا يُشبِهُهُ دِينٌ، وشَرِيعتُكُمْ ليسَ كَمِثلِهَا شَرِيعةٌ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا}.

وإذا كانتْ كُلُّ أمةٍ تفاخرُ بأنظِمَتِهَا وتَعتَزُّ بمبَادئِهَا مِنْ دِيمقرَاطِيَّةٍ واشتِرَاكيةٍ ورَأسمَاليةٍ، فإنَّنا -نحنُ المسلمينَ- مُطالبونَ بالاعتِزَازِ بدِينِنَا؛ لأنَّهُ شَرعُ ربِّنَا، قالَ تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمدُ.

عبادَ اللهِ: وصفَ اللهُ تعالى قيامَ المنَافقينَ للصلاةِ بأنهُمْ {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} في حِينِ أنَّ عَائشةَ رضي اللهُ عنها كما في البخَاريِّ وَصفَتْ قِيامَهُ للصلاةِ بأنَّه "إذَا أَذَّنَ المُؤذِّنُ وَثَبَ".

الصلاةُ -يا عبادَ اللهِ- قُرَّةُ عُيونِ المؤمِنينَ، وبَهجَةُ نُفوسِ الموحِّدِينَ، إنَّهَا الصلاةُ رُكنُ الدِّينِ وعَمُودُهُ، آخِرُ مَا يَفقِدُ العَبدُ مِن دِينِهِ، فَليسَ بعد ضَياعِهَا والتفريطِ فيها إِسلامٌ، هي أَولُ مَا يُسأَلُ عَنه العَبدُ يومَ القِيامةِ، فإنْ قُبِلَتْ قُبِلَ سَائِرُ العَملِ، وإلاَّ رُدَّ سَائِرُهُ.

حافِظُوا على صَلاتِكُم واحفَظُوهَا، حَافظُوا عليهَا جَماعةً، وأدُّوهَا في وَقتِهَا في المسجدِ، واعتَنُوا بِهَا، ولْتَكُنْ مِن أَهمِّ أُمورِكُم، فإنَّ عَلامةَ حُبِّ الإسلامِ العِنايةُ بهذه الصَّلواتِ والاهتمامُ بِهَا.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمدُ.

عبادَ اللهِ: المحَافظةُ على النِّعمةِ أَمرٌ يَجبُ أَن يُدرِكَهُ كلُّ أَحدٍ, بل لا بدَّ أن يُربَّى عليهِ حتى الصِّغَار, إننا يَجبُ أن نُعِيرَ هذا الموضوعَ اهتِمَاماً بَالغاً؛ وذلك بأَنْ لا نَشترِي مِن هذِه النِّعَمِ إلاَّ قَدرَ حَاجَتِنَا فقط، وأَن نُحاوِلَ قَدرَ الإِمكانِ الابتعادَ عَن سُلُوكيَّاتِ التخمةِ وإدمَانِ الشراءِ والتَّرفِ, وأنه مَتى زَاد شَيءٌ مِنها فإنَّ مجَالاتِ تَصرِيفِ هذَا الفَائضِ مِن الطعامِ يكونُ عَبرَ الجَمعياتِ الخَيريةِ المتخصِّصَةِ في هذا المجالِ، وكذا إلى الحَيواناتِ والطُّيورِ بل حتى الحَشراتِ, أهمُّ أَمرٍ نَحتاجُ التَّأكيدَ عليهِ والتَّذكِيرَ به أَن يَتَكَوَّنَ لدَى كُلِّ وَاحدٍ منَّا قَناعةٌ شَخصيَّةٌ وحِرصٌ دَاخلِيٌّ دَائِمٌ ووَعيٌ تَامٌّ بهذَا الأَمرِ, إننَا لَو استَطعنَا أَن نَزرعَ في نُفُوسِنَا هذا الشيءَ لأَمكَنَ تَفادِي رَمْيَ مِئاتِ الأَطنانِ من الطَعامِ والتي تُرْمَى مَع أَكوامِ النِّفايَاتِ؛ ففي دِراسةٍ بَحثيَّةٍ تَبيَّنَ أنَّ أربعينَ بالمائةِ مِن نِفَاياتِ الخَليجِ هِيَ مِن بَقايَا الأَطعمَةِ.

أَخِي الكَريمُ: عَوِّدْ نَفسكَ مَثلاً أَنْ تَجعَلَ بقَايا الخُبزِ والحَلوياتِ في مَكانٍ تَجْمَعُهُ لِتقُومَ بإيصالها إلى أَصحابِ المواشِي، وكذا بَقيَّةَ النِّعمِ تَخلَّصْ منها بطريقةٍ مناسبةٍ كالتَّصدُّقِ به على بعضِ المحتاجينَ من الأُسَرِ والعَمالةِ أو ضَعْهَا في مكانٍ قَريبٍ مِن بَيتكَ تَعتادُهُ الطيورُ والحشراتُ.

ولا تَحتقِرْ هذَا العَمَلَ فقدْ قَالَ أشرفُ الخَلْقِ صلى اللهُ عليه وسلم: "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ" متفقٌ عليهِ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمدُ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْعِيدِ السَّعِيدِ، وَأَعَادَهُ اللهُ عَلَينَا وَعَلَيكُمْ بِالْعُمُرِ الْمَزِيدِ لِلْأَمَدِ الْبَعيدِ. أَقَوْلُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ كثيرًا، واللهُ أَكْبَرُ كبيرًا؛ الحمدُ للهِ أَفْرَحنَا بالعيدِ، ورَزقنَا الجديدَ، ومتَّعَنا بالعَيشِ الرَّغِيدِ؛ فلَهُ الحمدُ لا نُحصِي ثَناءً عليهِ كما أَثنَى هوَ على نفسِهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ؛ جعلَ العِيدَ مِنْ شعائرِهِ المعظمةِ. وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عَبدُهُ ورسولُهُ؛ صلَّى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ إلى يومِ الدينِ. أما بعدُ:

 أمَّةَ الإسلامِ: تفكَّروا في نِعَمِ اللهِ عليكُم الظَّاهرةِ والباطنةِ، فكلَّما تذكَّرَ العِبادُ نِعَمَ اللهِ ازدَادُوا شُكرًا للهِ. تَذكَّروا نِعمَةَ الإسلامِ أَعظمَ النِّعَمِ، وتَحكيمَ الشريعةِ وتَطبِيقَها. تذكَّروا أَمنَكُم واستِقرَارَكُم. تذكَّرُوا ارتِبَاطَ قِيادتِكُم معَ مُواطِنِيها. تذكَّروا هذِه النِّعَمَ، وتفكَّروا في حَالِ أَقوامٍ سُلِبُوهَا.

يَطلُّ عليكُم يومُ العِيدِ وأنتُم في نِعمةٍ وفرَحٍ وسُرُورٍ، وهُناكَ فِئاتٌ مِن المسلمينَ يُعانُونَ الأَمَرَّين؛ مِن تَقتِيلٍ وتَشرِيدٍ وتَدمِيرٍ وسَفكٍ للدمَاءِ وانتهَاكٍ للأعراضِ ونَهبٍ للأموالِ، يَعيشونَ حَياةَ شقاءٍ وعَناءٍ، نسألُ اللهَ أَن يفرِّجَ كَربَ كلِّ مَكروبٍ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمدُ.

مَرَّ الإمامُ الشَّافعيُّ رحمه اللهُ في صباحِ يومٍ على شَبابٍ يَلعبونَ الشِّطْرَنْجَ, فمرَّ عَليهم عَصراً فإذا هُم مَا زَالوا يَلعبونَ فقالَ: إنَّي لأَبْغَضُ المرءَ يَنشغِلُ بأمرٍ لا يَنفَعُهُ في دِينِهِ ولا دُنيَاهُ.

أيها الشبابُ:

عندَما تَسمعُ أو تَقرأُ سِيرةَ الناجِحينَ من المُبدِعينَ ورجالِ الأعمَالِ ممَّن تُذكَرُ أسماؤُهمْ أوْ تُشَاهَدُ صُورُهُمْ فاعلمْ أنَّهم لمْ يُولَدُوا هكذا إنَّما جاءَ هذَا الإِنجازُ بعدَ جُهدٍ جَهِيدٍ وصَبرٍ كَبيرٍ وحِفظٍ للوقتِ مِنْ أنْ يَسرِقَهُ غَيرُهمْ، نَعمْ لقد تَركُوا المُتعَةَ قليلًا وتَوسَّدُوا العَناءَ بُرهَةً حتى تَحقَّقَ بفَضْلِ اللهِ مُرَادُهُمْ. صَاروا قِمَماً تُروَى قِصَصُهُم ويُستَشهَدُ بكِفَاحِهِمْ.

لقد ثَبتَ بالتَّجربةِ أنَّ المبادرةَ هِي خَطُّ النجاحِ الأولِ, فلولا المبادرةُ لجَلَسَ الناسُ يفكِّرونَ ويتشَاورونَ ويُكثِرونَ الاستخارةَ, المبادرةُ تعني قَطعَ الشكِّ, تَركَ الوَهَنِ وكَسرَ الخَوفِ.

أيها الشابُّ: دَعِ المُتعةَ والراحةَ قليلاً، تَوَسَّدِ العَنَاءَ والتعبَ بُرهةً، واجْعلْ مِن العَزيمةِ والصَّبرِ اللامتنَاهِي زَادَكَ بعدَ عَونِ اللهِ وتَوفِيقِهِ، بَادِرْ إِذَنْ, فالفُرَصُ في هذا البلدِ الكبيرِ في كلِّ شَيءٍ لا تُحَدُّ ولا تُعَدُّ.

يقولُ أحدُ الحكماءِ: مَنْ كانتْ بدايتُهُ مُحرِقةً كانتْ نهايتُهُ مُشْرِقَةً، نَعمْ أيُّها الشابُّ، وَقتُ البِناءِ والتَّشيِيدِ فيهِ تَعبٌ، فيهِ مَشقَّةٌ لكنْ في النهايةِ يحمدُ القومُ السُّرَى، وسَتُصفِّقُ لكَ الجماهيرُ ويَدعو لكَ الجَمعُ الغَفِيرُ.

فهَّلا بَادَرْتَ الآنَ؟

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمدُ.

أيها الأخواتُ الكريماتُ: لا أَظُنُّ دِيناً مِن الأديانِ احتَفَى بالمرأةِ -أُمًّا وزَوجةً وأختاً وبِنتاً- كهذا الدينِ القويمِ.

يا فتاةَ الإسلامِ: كُونِي كمَا أَرادَكِ اللهُ وكما أَرادَ لَكِ رَسُولُ اللهِ، لا كما يُرِيدُه دُعاةُ الفِتنةِ وسُعاةُ التبرُّجِ والاختلاطِ، فأنتِ فينا مُربِّيةُ الأجيالِ وصَانِعةُ الرجالِ وغَارسةُ الفضائلِ وكريمِ الخِصَالِ وبانيةُ الأممِ والأمجادِ.

اليومَ نَحنُ بحاجةٍ لأمٍّ حَانيةٍ على أولادِهَا، تُربِّيهِمْ على الإيمانِ والتقوى ومعالي الأمورِ، تُجاهِدُ نفسَهَا على أمرِهِم بالصلاةِ، نحن بحاجَةٍ إلى زوجةٍ عَطُوفٍ مُتودِّدَةٍ إلى زَوجِهَا تُكرِمُهُ إذا حضَرَ وتَحفَظُهُ إذا غابَ، تُعينُهُ إذَا أَقبلَ على الخيرِ وتُثْنِيهِ عَنِ الشَّرِّ إذَا تَوجَّهَ إِليهِ.

تَأَمَّلِي -أختِي الكريمةُ- قولَه عليه الصلاةُ والسلامُ: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا»، فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» رواه الترمذيُّ. باللهِ عَليكُنَّ مَا أحوالُ نِسائِنَا اليومَ وهُنَّ في سِباقٍ مَحمومٍ لرَفعِ ثِيابَهُنَّ لدرجةٍ لا تُصدَّقُ بدَافِعِ تَتبُّعِ المَوضَةِ زَعمُوا!

اسْأَلُوا اللهَ دائماً أن يُحبِّبَ لَكُنَّ ولبنَاتِكُنَّ السّترَ والحِشمةَ وألا يَنجَرِفنَ وراءَ الموضَةِ فإذا كانَ هذا حالُ النساءِ في تَغييرِ لِباسهنَّ بهذه السرعةِ فإنَّ أخوفَ مَا نخافُهُ أن يَنجَرِفْنَ أيضا في قَادمِ الأيامِ لِمَا هو أَشنَعُ مِن ذَلكَ.

عِبَادَ اللَّهِ.. يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَشْكُرِ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرِ النَّاسَ" أخرجه أبو داودَ. ففِي بَلَدِنَا هَذَا أَبْدَعَ أَبْنَاؤُهُ فِي أيَّامِ هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ عَبْرَ إِقَامَةِ أَعْمَالٍ خَيْرِيَّةٍ وَمَشَارِيعَ نَوْعِيَّةٍ، وَبَرامِجَ تَطَوُّعِيَّةٍ، جُهُودٌ كَبِيرَةٌ وَأَعْمَالٌ جَلِيلَةٌ يَرَاهَا الْجَمِيعُ؛ فَقدْ أَطْعَمُوا الْجَائِعَ، وَأَحْسَنُوا لِلْفَقِيرِ، وَفَطَّرُوا الصَّائِمَ، وَعَلَّمُوا الْجَاهِلَ وَاعْتَنَوْا بِكِتَابِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا.. كُلُّ الشُّكْرِ وَبالِغِ التَّقْدِيرِ وَخَالِصِ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِفِينَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَاتِ الْخَيْرِيَّةِ وَالْعَامِلِينَ مَعَهُمْ "جَمْعِيَّةُ سَوَاعِد - مَكْتَبُ الدَّعْوَةِ - جَمْعِيَّةُ الْبَرِّ - جَمْعِيَّةُ تَحْفِيظِ الْقُرَآنِ - جَمْعِيَّةُ حَيَاةٍ - وَالْمَرَاكِزُ الرَّمَضَانِيَّةُ الشَّبَابِيَّةُ". وَيَبْقَى دَوْرُكُمْ أَيُّهَا الْكُرَمَاءُ فِي اسْتِمْرَارِ الدَّعْمِ والْمُؤَازَرةِ، فَمَشَارِيعُهُمْ قَائِمَةٌ بَعْدَ اللهِ عَلَى أَمْثَالِكُمْ.

إِنْ نَنْسَى فَلَا نَنْسَى أئِمَّةَ الْمَسَاجِدِ الذينَ اجْتَهَدُوا فِي إقَامَةِ الصَّلَوَاتِ وَاعْتَنَوْا بِبُيُوتِ رَبِّهِمْ، وَكَمْ يُفْرِحُنَا -وَاللهِ- أَنْ نَرَى بَعْضَ الْمَسَاجِدِ قَدْ امْتَلَأَتْ بِالْمُصَلِّينَ خَلْفَ شَبَابٍ حُفَّاظٍ حَبَاهُمُ اللهِ حُسْنَ الصَّوْتِ وَجَوْدَةَ الْقِرَاءَةِ، وَلَا نَنْسَى إِخْوَتَنَا فِي الْجِهَاتِ الْأَمْنِيَّةِ وَالْقِطَاعَاتِ الْخَدَمِيَّةِ فَجُهُودُهُمْ كَبِيرَةٌ وَأَعْمَالُهُمْ مَشْهُودَةٌ، فَلِلْجَمِيعِ الشُّكرُ وَالدُّعَاءُ.

أَيُّهَا الْمُسلِمُونَ... أُذَكِّرُكُمْ جَمِيعًا وَأَحُثُّ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ عَلَى صِيَامِ سِتَّةِ أيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، فَفِي الْحَديثِ الصَّحِيحِ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" رواه مسلمٌ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، تَقَبَّلَ اللهُ طَاعَاتِكُم وَصَالِحَ أَعْمَالِكُمْ، وَقَبِلَ صِيَامَكُمْ وَقيامَكُمْ وصَدَقَاتِكُمْ وَدُعَاءَكُمْ، وَضَاعَفَ حَسَنَاتِكُمْ، وَجَعَلَ عِيدَكُمْ مُبَارَكًا وَأيَّامَكُمْ أيامَ سَعَادَةٍ وَهَنَاءٍ وَفَضْلٍ وَإحْسَانٍ، وَأَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَرَكَاتِ هَذَا الْعِيدِ، وَجَعَلَنَا فِي الْقِيَامَةِ مِنَ الآمِنِينَ، وَحَشَرَنَا تَحْتَ لِوَاءِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ.

اللَّهُمَّ إنَّا خَرَجْنَا الْيَوْمَ إِلَيكَ نَرْجُوَ ثَوابَكَ وَنَرْجُو فَضْلَكَ ونخافُ عَذَابَكَ، اللَّهُمَّ حَقِّقْ لَنَا مَا نَرْجُو، وَأَمِّنَّا مِمَّا نخافُ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى عَدُوِّنَا وَاجْمَعْ كَلِمَتَنَا عَلَى الْحَقِّ، وَاحْفَظْ بِلادَنَا مِنْ كلِّ مَكْرُوهٍ وَوَفِّقْ قِيَادَتَنَا لِكُلِّ خَيْرٍ واجعلْ بلَدَنَا سَبَّاقاً لكلِّ خَيرٍ في أَمرِ دِينِه ودُنياهُ إِنَّكَ جَوَادٌ كَرِيمٌ, وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ علَى عَبدِهِ ورَسولِهِ محمدٍ وعلَى آلِه وصَحبِهِ أجمعينَ.

 

المرفقات

عيد-الفطر-المبارك-1439-2

عيد-الفطر-المبارك-1439-2

المشاهدات 1802 | التعليقات 0