خطبة عيد الفطر المبارك 1438

أحمد بن عبدالله الحزيمي
1438/09/27 - 2017/06/22 03:24AM
الركعة الأولى: تكبيرة الإحرام ثم يستفتح ثم ست تكبيرات
الركعة الثانية: تكبيرة الانتقال ثم خمس تكبيرات
خطبة العيد 1/ 10/1438هـ
الْحَمْدُ للَهِ الَّذِي أَكَمَلَ لَنَا الدِّينَ. وَأَتَمَّ عَلَينَا النِّعْمَةَ، وَجَعَلَ أمُّتَنَا خَيْرَ أُمَّةٍ، وَبَعَثَ فِينَا رَسُولًا مِنَّا يَتْلُو عَلَينَا آياتِهِ وَيُزَكِّينَا وَيُعَلِّمُنَا الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ الْجَمَّةِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً تَكُونُ لِمَنِ اعْتَصَمَ بِهَا خَيْرَ عِصْمَةٍ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ لِلْعَالَمِينَ رَحْمَةً، وَفَرَضَ عَلَيهِ بَيَانَ مَا أَنْزَلَ إِلَيْنَا. فَأَوْضَحَ لَنَا كُلَّ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلهِ وَأَصْحَابِهِ صَلاةً تَكُونُ لَنَا نُورًا مِنْ كُلِّ ظُلْمَةٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. أَمَّا بَعدُ:
فَأُوصِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّها خَيْرُ الزَّادِ لِيَوْمِ الْمَعَادِ، وَتَقَلَّلُوا مِنَ الدُّنْيا وَتَخَفَّفُوا مِنْ أَحْمَالِهَا وَأثْقَالِهَا، فَإِنَّما هِيَ إِلَى فَنَاءٍ وَنَفَادٍ، {يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، ولِلَّهِ الْحَمْدُ.
اللهُ أَكْبَرُ قُولُوهَا بِلَا وَجَلٍ، وَزَيِّنُوا الْقَلْبَ مِنْ مَغْزَى مَعَانِيِهَا..
اللهُ أكْبَرُ مَا أَحْلَى النِّدَاءَ بِهَا كَأَنَّه الرَّيُّ فِي الْأَرْواحِ يُحْييهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. عِيدُكُمْ مُبَارَكٌ، وَتَقَبَّلَ اللهُ صِيَامَكُمْ وَقيامَكُمْ، وَصَلَوَاتِكُمْ وَصَدَقَاتِكُمْ، وَجَمِيعَ طَاعَاتِكُمْ، وَكَمَا فَرِحْتُمْ بِصِيَامِكُمْ، فَافْرَحُوا بِفِطْرِكُمْ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانَ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ بَلِقَاءِ رَبِّهِ، أَدَّيْتُم فَرْضَكُمْ، وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ، صُمْتُمْ وَقَرَأْتُمْ وَتَصَدَّقْتُمْ، فهَنِيئًا لَكُمْ مَا قَدَّمْتُمْ. افْرَحُوا وَابْتَهِجُوا وَاسْعَدُوا، وَانْشُرُوا السَّعَادَةَ وَالْبَهْجَةَ فِيمَنْ حَوْلَكُمْ، إِنَّ حَقَّكُمْ أَنْ تَفْرَحُوا بَعِيدِكُمْ وَتَبْتَهِجُوا بِهَذَا الْيَوْمِ. يَوْمُ الزِّينَةِ وَالسُّرُورِ، وَمِنْ حَقِّ أهْلِ الْإِسْلامِ فِي يَوْمِ بَهْجَتِهِمْ أَنْ يَسْمَعُوا كَلاَمًا جَمِيلًا، وَحَدِيثًا مُبْهِجًا، وَأَنْ يَرْقُبُوا آمالًا عِرَاضًا وَمُسْتَقْبَلًا زَاهِرًا، لَهُمْ ولِدِينِهِمْ وَلََأُمَّتِهِمْ.
أَيُّ فَرَحٍ أَعْظَمُ مِنْ فَرَحِ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ أَطَاعَ رَبَّهُ بِمَا شَرَعَ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} نَعَمْ حُقَّ لَكُمْ وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ أَدْرَكَ هَذَا الْعِيدَ السَّعِيدَ، أَنْ يَفْرَحَ وَيُسَرَّ وَيَبْتَهِجَ، وَمَنْ أَحَقُّ مِنكُمُ الْيَوْمَ بِالْفَرَحِ وَأوْلَى بِالسُّرُورِ؛ بُلِّغْتُمْ رَمَضانَ، فَصُمْتُمْ نَهَارَهُ أَدَاءً لِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلامِ، وَقُمْتُمْ شَيئًا مِنْ لَيْلِهِ تَنَفُّلًا وَقَرَأْتُمُ الْقُرْآنَ، وَذَكَرْتُمْ رَبَّكُمْ وَدَعَوْتُمْ وَرَجَوْتُمْ، وَفَطَّرْتُم ُالصَّائِمِينَ وَزَكَّيْتُمْ وَتَصَدَّقْتُمْ، وَمِنْكُمْ مَنْ زَارَ الْبَيْتَ الْحَرامَ وَاعْتَمَرَ، وَمَنْ لَزِمَ الطَّاعَةَ وَاعْتَكَفَ، وَهَا أَنْتُمْ قَدْ أَكْمَلْتُمُ الْعِدَّةَ وَكَبَّرْتُمُ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَشَكَرْتُمُوهُ، فَهَنِيئًا لَكُمْ مَا قَدَّمْتُمْ وَأَسْلَفْتُمْ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنْكُمْ مَا عَمِلْتُمْ وَأَخْلَصْتُمْ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، ولِلَّهِ الْحَمْدُ.
أُمَّةَ الْإِسْلامِ... عِيدُنَا عِيدُ صِلَةٍ وَمَوَدَّةٍ؛ودِينُنَا دِينُ لُحْمَةٍ وقُرْبَةٍ، فَفِي الْعِيدِ يَلْتَقِي الْأهْلُ وَالْأَحْبابُ وَالْأَصْحَابُ يَلْتَقِي ذَوُو الْأَرْحَامِ؛ الْكَبِيرُ يَحْنُو عَلَى الصَّغِيرِ، وَالصَّغِيرُ يَحْتَرِمُ الْكَبِيرَ، الْجَارُ يَزُورُ جَارَهُ، وَتَرَاهُمْ فِي الطُّرُقََاتِ وَقَدِ ارْتَسَمَتِ الْبَهْجَةُ وَالْفَرْحَةُ عَلَى قَسَمَاتِ وُجُوهِهِمْ، ذَابَتِ الْخِلاَفَاتُ وَانْمَحَتِ الْخُصُومَاتُ، وَحَلَّ الْحُبُّ وَالْمَوَدَّةُ. يَوْمُ عِيدِ الْفِطْرِ يَوْمٌ تَكْثُرُ فِيهِ الزِّيارَاتُ، فَكُنْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ مِمَّنْ يُبَادِرُ بِزِيارَةِ إِخْوَانِهِ وَأَحْبَابِهِ وَجِيرَانِهِوَأَقَارِبِهِ اِبْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلَا تَنْسَ الْمَرْضَى وَكِبَارَ السِّنِّ فَإِنَّ سَعَادَتَهُمْ غَامِرَةٌ بِزِيارَتِكُمْ لَهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِتَنَالُوا الْأَجْرَ الْعَظِيمَ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا" رواه الترمذيُّ.
الْعِيدُ -أَيُّهَا الْإخْوَةُ- مُنَاسَبَةٌ طَيِّبَةٌ لِتَصْفِيَةِ الْقُلُوبِ وَإِزَالَةِ الشَّوَائِبِ عَنِ النُّفُوسِ وَتَنْقِيَةِ الْخَوَاطِرِ مِمَّا عَلَقَ بِهَا مِنْ بَغْضَاءٍ أَوْ شَحْنَاءٍ، وَلْنَتَذَكَّرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَوْلَهُ: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَفِي رِوايَةٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: "فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ" صَحَّحَهُ الألبانيُّ... وَاسْتَمِعْ إِلَى حَديثٍ تقْشَعِرُّ مِنْه الْجُلُودُ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً، فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ.
فَلْنَغْتَنِمْ هَذِهِ الْفُرْصَةَ، وَلََتُجَدَّدُ الْمَحَبَّةُ، وَتَحُلُّ الْمُسامَحَةُ وَالْعَفْوُ مَحَلَّ الْعَتَبِ وَالْهُجْرَانِ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ، مِنَ الْأقاربِ وَالْأصدقاءِ وَالْجِيرَانِ.
عِبَادَ اللهِ... لَا تَجْعَلُوا شيئًا يُكَدِّرُ عَلَيكُمْ سَعَادَةَ هَذَا الْعِيدِ وَبَهْجَتَهُ، لَا تَتَذَكَّرُوا الْأحْزَانَ وَالْآلاَمَ، لَا تَجْعَلُوا حَديثَ الْكُرَةِ والتَّعَصُّبِ الرِّيَاضِيِّ يَسْلُبُ مِنْكُمْ فَرْحَتَهُ، لَا يَكُنْ لِلَّوْمِ وَالْعَتَبِ وَالْمُشَاحَنَاتِ والمُلاسَنَاتِ سَبِيلٌ للنَّيْلِ مِنْ هَذِهِ الْفَرْحَةِ، لَا تَسْمَحُوا للشَّائِعَاتِ الْمُغْرِضَةِ أَوِ اللَّهَثِ وَراءَ الْأَخْبَارِ وَالْأَحْدَاثِ أَوْ حَديثِ الْهُزءِ والسُّخْرِيَةِ أَنْ يُنْقِصَ عَلَيْكُمْ بَهْجَتَهُ. لَا تَجْتَرَّ الْمَشَاكِلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، بلِ اصْنَعِ الْفَرْحَةَ وَالْبَهْجَةَ لَكَ وَلِغَيْرِكَ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، ولِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَوْصَى اللهُ عِيسَى عليه السلامُ بالَّصلاةِ وَهُوَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا.لَكُمْ أَنْ تَتَخَيَّلُوا وَلِيدًا فِي مَهْدِهِ يَقُولُ: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ}, يَتْرُكُ إبراهيمُ عليهِ السلامُ أهْلَهُ فِي صَحْرَاءَ قَاحِلَةٍ، ثُمَّ يَقُولُ{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ}!إِنَّهَا الصَّلاَةُ يا عِبَادَ اللَّهِ.
يَأْتِي مُوسى عليهِ السلامُ لِمَوْعِدٍ لَا تَتَخَيَّلِ الْعُقُولُ عَظَمَتَهُ،فَيَتَلَقَّ أَعْظَمَ أَمْرَيْنِ: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}! إِنَّهَا الصَّلاَةُ، سُلَيْمَانُ عليه السلامُ يَضْرِبُ أَعْنَاقَ جِيَادِهِ الْحِسَانِ، لِأَنَّهَا أَشْغَلَتْهُ عَنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ! إِنَّهَا الصَّلاَةُ، يُشْغِلُ الكفارُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ فَيَدْعُوا عَلَيهِمْ دُعَاءً مُرْعِبًا فيقولُ: "مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاَةِ"!.
هَذِهِ هِي الصَّلاَةُ -يا عَبْدَ اللهِ - وَإِنَّهَا لكَذَلِكَ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِماذا لَا تَكُونُ؟ وَهِي الصِّلَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، نُورٌ فِي الْوَجْهِ وَالْقلبِ، وَصَلاَحٌ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ، تَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ وَتُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ، وَتَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكِرِ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، ولِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا نَتَذَاكَرُ بِهِ وَنَشْكُرُهُ وَلَا نَكْفُرُهُ، وَيَشْكُرُهُ جميعُ أهْلِ الْإِسْلامِ: مَا أَنَعَمَ اللهُ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْبِلادِ -بِلادِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ- مِنْ نِعْمَةِ التَّوْحِيدِ وَالْوِحْدَةِ، وَإقامَةِ الشَّرْعِ، وَبَسْطِ الْأَمْنِ، وَرَخَاءِ الْعَيْشِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ التَقَلُّبَاتِ السِّيَاسِيَّةِ، وَالْحُروبِ الْأَهْلِيَّةِ،والتحزُّبَاتِ الطَّائِفِيَّةِ. كَانَتْ بِلادُكُمْ مُمَزَّقَةً سِياسِيًّا وَتارِيخِيًّا وأَمْنِيًّا، كَانَ بَلَدًا مُتَنَاحِرًا يَعِيشُ عَلَى هَامِشِ التَّارِيخِ، ثُمَّ أَصْبَحَ بَيْتَ اللهِ الْحَرامَ، وَدَارَ الْمُسْلِمِينَ، انْتَقَلَ مِنَ الْفَوْضَى الضَّارِبةِ، وَالضَّيَاعِ الْمُمَزّقِ، وَالْجَهْلِ الْحالِكِ، وَالْمَرَضِ الْمُنْتَشِرِ، وَالْخَوْفِ الْمُهْلِكِ، إِلَى الْأَمْنِ وَالْاِسْتِقْرارِ، وَالْوِحْدَةِ وَالنِّظَامِ، وَالتَّوْحِيدِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَالْعِلْمِ وَالصِّحَّةِ، وَسَلاَمَةِ الْفِكْرِ والتحضُّرِ.فللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
نعم له الحمدُ سبحانه على الأمنِ في الأوطانِ,وَوِحْدَةِ الصَّفِّ واجْتِمَاعِ الكَلِمَةِ,فَقَدْ بَايَعْنَا وَلِيَّ عهْدِ خَادِمِ الحَرَمَينِ الشَّرِيفِينِ على الكِتَابِ والسُّنَّةِ وعلى السَّمعِ والطَّاعَةِ بالمَعْرُوفِ
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا ونائبه وأعوانه لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بهم للبرِّ والتقوى، ولما فيه صلاحُ العباد والبلاد يا حي يا قيوم.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، ولِلَّهِ الْحَمْدُ.
أُمَّةَ الْإِسْلامِ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ سِمَاتِ الْمُسْلِمِ، التَّفَاؤُلُ وَحُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ، وَالتَّفَاؤُلُ عبادةٌ عَظِيمةٌ، وَطَاعَةٌ نَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللهِ تَعَالَى وَلَوْ فِي أَحْلَكِ الظُّروفِ، وَهَذَا نَبِيُّ اللهِ يَعْقُوبُ، وَهُوَ فِي قِمَّةِ التَّفَاؤُلِ مَعَ شِدَّةِ الْمُصِيبَةِ، وَهَوْلِ الْفَاجِعَةِ، فَقَدْ فَقَدَ ابْنَهُ يُوسُفَ عليهِ السلامُ، ثُمَّ مَضَتْ سَنَوَاتٌ عَلَى فَقْدِهِ وَغِيَابِهِ عَنْه، ثُمَّ يَفْقِدُ ابْنَهُ الْمَحْبُوبَ الْآخَرَ، فَمَا شُعُورُ أَبٍ يَفْقِدُ أعَزَّ اثْنَينِ مِنْ أَبْنَائِهِ؟ وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَلَهُ شَأْنٌ آخَرُ، حَيْثُ لَا تَزِيدُهُ المصَائِبُ إلَّا أَمَلًا،{يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} قَالَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ الْمَلِيئةَ بِالْأَمَلِ وَالتَّفَاؤُلِ، وَهُوَ لَا يَزَالُ يَرْجُو عَوْدَةَ يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ، الَّذِي مَضَى عَلَى غِيَابِهِ سَنَواتٌ طَوِيلَةٌ، اِنْقَطَعَتْ فِيهَا أَخْبَارُهُ، وَانْدَثَرَتْ فِيهَا آثَارُهُ.
وَهَذَا إمَامُنَا وَحَبِيبُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضَرَبَ أَعْظَمَ الْأَمْثِلَةَ في التَّفَاؤُلِ، فَهَذَا خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَأْتِي شَاكِيًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِيظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ لَقُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةَ الْأََذَى وَالْحِصَارِ، فَقالَ:أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ فقَالَ:"وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" رواه البخاريُّ.
عِنْدَمَا تَنْظُرُ إِلَى وَاقِعِ أُمَّةِ الْإِسْلامِ الْيَوْمَ تَجِدُ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةً وَفَجَائِعَ عَظِيمَةً تُحِيطُ بِهَا فهذِه فِلَسْطِينُ، وَالْعِرَاقُ والشَّامُ وَالْيَمَنُ وَبُورْمَا كُلُّهَا تَشْكِي حَالَهَا وَتَنْدُبُ حَظَّهَا. وَهُنَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّفَاؤُلُ حَاضِرًا. وَالثِّقَةُ بِنَصْرِ اللهِ تَعَالَى قَرِيبًا، مَعَ بَذْلِ الْأَسْبَابِ كَالْدُّعَاءِ وَالدَّعْمِ الْمَادِّيِّ وَالْإعْلاَمِيِّ عَبْرَ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ، وَأَمَّا عَلَى مُسْتَوَاكَ الشَّخْصِيِّ فَاحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ سَيْطَرَةِ مَشَاعِرِ النَّقْصِ وَالْإِحْبَاطِ فِي حَيَاتِكَ. أَوْ الْخَوْفِ الدَّائِمِ مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ. وَتَشَاؤُمِكَ مِنْ ذَلِكَ. سَواءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِكَ وَعَافِيَتِكَ. أَوْ فِي مُسْتَقْبَلِ أَبْنَائِكَ. أَوْ مَا سَيَئُولُ إِلَيهِ مُجْتَمَعُكَ. أَوْ التَّفْكِيرِ بِأَنَّ الْحَظَّ السَّيِّءَ حَلِيفُكَ دَائِمَا. أَوْ النَّظَرِ إِلَى مَا عِندَ الآخَرِينَ. بِدَافِعِ الْحَسَدِ أَوِ الْجَشَعِ أَوِ الطَّمَعِ.
وَأَخِيرًا.. لِنَحْذَرَ مِنْ إشَاعَةِ رُوحِ التَّشَاؤُمِ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَبَثِّ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا تَثْبِيطُ الْعَزَائِمِ، وَنَشْرُ الْخَوْفِ وَالْهَلَعِ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْأَخْبَارِ الْحَزِينَةِ،"وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ".
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْعِيدِ السَّعِيدِ، وَأَعَادَهُ اللهُ عَلَينَا وَعَلَيكُمْ بِالْعُمَرِ الْمَزِيدِ لِلْأَمَدِ الْبَعيدِ. أَقَوْلُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيولَكُمْ.

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَاللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا؛ أَفْرَحَنَا بِالْعِيدِ، وَرَزَقَنَا الْجَدِيدَ، وَمَتَّعَنَا بِالْعَيْشِ الرَّغيدِ؛ فَلَهُ الْحَمْدُ لَا نُحْصِي ثَناءً عَلَيهِ كَمَا أَثْنَى هُوَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ الْعِيدَ مِنْ شَعَائِرِهِ الْمُعَظَّمَةِ {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلهِ وَأَصْحَابِهِ وأتبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ولِلَّهِ الْحَمْدُ.
مِنَ الشَّبَابِ يَنْشَأُ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ، وَالْجُنُودُ الْمُجَاهِدُونَ، وَالصُّنَّاعُ الْمُحْتَرِفُونَ، إِذَا صَلُحُوا سَعِدَتْ بِهِمْ أُمَّتُهُمْ، وَقَرَّتْ بِهِمْ أَعْيُنُ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَامْتَدَّ نَفْعُهُمْ وَحَسُنَتْ عَاقِبَتُهُمْ.
أَيُّهَا الشَّبَابُ: إِنَّ الْجَرْيَ وَراءَ الشَّهَوَاتِ وَالْعَوَاطِفِ، وَحُبَّ الرَّاحَةِ وَإِيثَارَ اللَّذَّةِ هُوَ الَّذِي يُسْقِطُ الْهِمَمَ، وَيُفْتِرُ الْعَزَائِمَ، فَكَمْ مِنْ فِتْيَانٍ يَتَسَاوونَ فِي نَبَاهَةِ الذِّهْنِ وَذَكاءِ الْعَقْلِ، وَقُوَّةِ الْبَصِيرَةِ، وَلَكِنْ قَوِيُّ الْإِرَادَةِ فِيهِمْ، وَعَالِي الْهِمَّةِ، هُوَ النَّاجِحُ وَالْمُتَفَوِّقُ، يَجِدُ مَا لَا يَجِدُونَ، وَيَبْلُغُ مِنَ الْمَحَامِدِ وَالْمَرَاتِبِ مَا لَا يَبْلُغُونَ.
يا شَبَابَ الأمَّةِ: يا تُرى مَا كَانَ يَشْغَلُ بَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَهُوَ صَبِيٌّ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ؟ إِنَّه مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ قِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعَدَّ يَوْمًا وَضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلاَةِ اللَّيْلِ فَدَعَا لَهُ:"اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"، وَصَارَ بِهَذَا الدُّعَاءِ-الَّذِي نَالَهُ وَهُوَ صَبِيٌّ-حَبْرَ الْأُمَّةِ وَتُرْجُمَانَ الْقُرْآنِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ولِلَّهِ الْحَمْدُ.
أيَّتُهَا الْمُؤْمِنَاتُ.. أَنْتُنَّ حَاضِنَاتُ الْأَجْيَالِ، وَمَصَانِعُ الرِّجَالِ؛ فَكَمْ نُصِرَتِ الْأُمَّةُ بِتَرْبِيَةِ أُمٍّ؟! وَكَمْ عَزَّتْ بِوَعْيِهَا؟! أَلَا فَلْيَكُنْ لَكِ مَشْرُوعُ عُمُرٍ بِإِعْدَادِ جِيلٍ يَخْدِمُ الْأُمَّةَ وَيَرْفَعُ شَأْنَهَا. وَلْتَعْلَمِي أَنَّ إفْسَادَ الْمَرْأَةِ سَبِيلٌ قَوِيُّ الْمَفْعُولِ يَسْلُكُهُ الْعُدَاةُ فِي تَغْرِيبِ الْمُجْتَمَعِ وَإِضْعافِ تَدَيُّنِهِ؛ إِذْ مَا مِنْ فِتْنَةٍ أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّساءِ؛ فَكُونِي سَدًّا مَنِيعًا لَهُمْ بِالْوَعْيِ وَالْحِشْمَةِ وَالْقُدْوَةِ وَالدَّعْوَةِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالنَّأْيِ عَنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ الْأجَانِبِ.
أَيُّهَا الأَخَوَاتُ الْكَرِيمَاتُ.. إِنَّ الْأَمَلَ مَعْقُودٌ عَلَيكِ فِي تَرْبِيَةِ جِيلٍ صَالِحٍ يَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَنْهَضُ بِأُمَّتِهِ، فَكُونِي أُمًّا تَصْنَعُ أُمَّةً؛ فَإِنَّ إمَامَ أهْلِ السُّنَّةِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ نَشَأَ يَتِيمًا فَصَنَعَتْهُ أُمُّهُ بِرِعايَةِ اللهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ، فَصَارَ أُمَّةً فِي رَجُلٍ، يَذْكُرُ التَّارِيخُ أَنَّ أُمَّ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ قَالَتْ لِسُفْيَانَ وَهُوَ صَغِيرٌ:"اذْهبْ، فَاطْلُبِ العِلْمَ، حَتَّى أَعُولَكَ بِمِغْزَلِي، فَإِذَا كَتَبتَ عِدَّةَ عَشْرَةِ أَحَادِيْثَ، فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ فِي نَفْسِكَ زِيَادَةً، فَاتَّبِعْهُ، وَإِلاَّ فَلاَ تَتَعَنَّ"؛ فَكَانَ سُفْيانُ كَمَا أَرَادَاتْ وَرَبَّتْ.
وَمَنْ مِنَّا لَا يَعْرِفُ إمَامَ الدُّنْيا أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ؟! فَكُلُّ عِلْمِهِ وَجِهَادِهِ وَنَفْعِهِ لِلْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ طُوَالَ الْقُرُونِ فَلأُمِّهِ الَّتِي رَبَّتْهُ وَأَدَّبَتْهُ وَقَامَتْ عَلَيهِ مِثْلُ أَجْرِهِ؛ لِأَنَّهَا صَنَعَتْهُ إمَامًا، وَلَمْ تَتْرُكْهُ عَابِثًا.
وَكَانَتْ أُمُّ الشَّافِعِيِّ تَلْتَقِطُ الْأَوْرَاقَ التَّالِفَةَ لَهُ لِيَكْتُبَ عَلَى قَفَاهَا دُرُوسَهُ، وَمَا رَدَّهَا الْفَقْرُ عَنْ صُنْعِ إمَامٍ مِنْ أَكْبَرِ أئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَكَثِيرٌ مِنْ عُظَمَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ صَنَعَتْهُمْ نِساءٌ مِنْ أُمَّهَاتٍ وَأَخَوَاتٍ وَقَرِيبَاتٍ.
أخَوَاتِي الْكَرِيمَاتُ.. أَبْنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَيْكُمْ؛ فَكُنَّ لَهُمْ قُلُوبًا حَانِيَةً وَنُفُوسًا رَقِيقَةً، فَالْبَيْتُ الَّذِي تَعْلُو فِيهِ أَصْوَاتُ النِّزَاعِ وَتَحْتَدِمُ فِي جَنَبَاتِهِ مَظَاهِرُ الْخُصُومَةِ وَالشِّقَاقِ لَيْسَ مُهَيَّأً لِلتَّرْبِيَةِ وَاسْتِقْرَارِ النُّفُوسِ، بَلْ قَدْ يَهْرُبُ أَبْنَاءُ ذَلِكَ الْبَيْتِ مِنْ هَذَا الْجَوِّ الْمَشْحُونِ إِلَى مَنْ يُؤْويهِمْ، وَقَدْ يَحْتَضِنُهُمْ رُفَقَاءُ سُوءٍ وَقُرَنَاءُ شَرٍّ، أَوْ أَصْحَابُ فِكْرٍ ضَالٍّ أَوْ مُنْحَرِفٍ، وَتَسْهُلُ لَهُ بَعْدَ ذلكَ طُرُقُ الْغُوَايَةِ لِيُصْبِحَ مُجْرِمًا مُحْتَرِفًا، كَيْفَ لَا؟! وَقَدْ فَقَدَ الرِّعَايَةَ والنُّصْحَ والتَّوْجِيهَ مِنْ أَبَوَيْهِ، غَابَ عَنْهُ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقِ الْهُدَى وَالنُّورِ.
أَسْأَلُوا اللهَ دَائِمًا الْهِدَايَةَ وَالصَّلاَحَ لِأَوْلاَدِكُمْ وَأَنْ يَحْفَظَهُمْ مِنْ مَسَالِكِ الشُّبُهَاتِ، وَنَوَازِعِ الشَّهَوَاتِ، وَأَنْ يُحَبِّبَ لِلْبِنَاتِ السِّتْرَ وَالْحِشْمَةَ وَأَلَا يَنْجَرِفْنَ وَراءَ الْمَوضَةِ الَّتِي تُفْضِي إِلَى لِبْسِ الْعُرْيِ وَالْبَذَخِ فِي الْمَالِ وَالتَّسَاهُلِ فِي الْحُرُمَاتِ.
عِبَادَ اللَّهِ.. يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لَا يَشْكُرِ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرِ النَّاسَ" أخرجه أبو داودَ. ففِي بَلَدِنَا هَذَا أَبْدَعَ أَبْنَاؤُهُ فِي أيَّامِ هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ عَبِرَ إِقَامَةِ أَعْمَالٍ خَيْرِيَّةٍ وَمَشَارِيعَ نَوْعِيَّةٍ، وَبَرامِجَ تَطَوُّعِيَّةٍ، جُهُودٌ كَبِيرَةٌ وَأَعْمَالٌ جَلِيلَةٌ يَرَاهَا الْجَمِيعُ؛ فَقدْ أَطْعَمُوا الْجَائِعَ، وَأَحْسَنُوا لِلْفَقِيرِ، وَفَطَّرُوا الصَّائِمَ، وَعَلَّمُوا الْجَاهِلَ وَاعْتَنَوْا بِكِتَابِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا.. كُلُّ الشُّكْرِ وَبالِغِ التَّقْدِيرِ وَخَالِصِ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِفِينَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَاتِ الْخَيْرِيَّةِ وَالْعَامِلِينَ مَعَهُمْ . وَيَبْقَى دَوْرُكُمْ أَيُّهَا الْكُرَمَاءُ فِي اسْتِمْرَارِ الدَّعْمِ والْمُؤَازَرةِ، فَمَشَارِيعُهُمْ قَائِمَةٌ بَعْدَ اللهِ عَلَى أَمْثَالِكُمْ.
إِنْ نَنْسَى فَلَا نَنْسَى أئِمَّةَ الْمَسَاجِدِ الذينَ اجْتَهَدُوا فِي إقَامَةِ الصَّلَوَاتِ وَاعْتَنَوْا بِبُيُوتِ رَبِّهِمْ، وَكَمْ يُفْرِحُنَا -وَاللهِ- أَنْ نَرَى بَعْضَ الْمَسَاجِدِ قَدْ امْتَلَأَتْ بِالْمُصَلِّينَ خَلْفَ شَبَابٍ حُفَّاظٍ حَبَاهُمُ اللهِ حُسْنَ الصَّوْتِ وَجَوْدَةَ الْقِرَاءَةِ، وَلَا نَنْسَى إِخْوَتَنَا فِي الْجِهَاتِ الْأَمْنِيَّةِ وَالْقِطَاعَاتِ الْخَدَمِيَّةِ فَجُهُودُهُمْ كَبِيرَةٌ وَأَعْمَالُهُمْ مَشْهُودَةٌ، فَلِلْجَمِيعِ الشُّكرُ وَالدُّعَاءُ.
أَيُّهَا الْمُسلِمُونَ... أُذَكِّرُكُمْ جَمِيعًا وَأَحُثُّ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ عَلَى صِيَامِ سِتَّةِ أيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، فَفِي الْحَديثِ الصَّحِيحِ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" رواه مسلمٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، تَقَبَّلَ اللهُ طَاعَاتِكُم وَصَالِحَ أَعْمَالِكُمْ، وَقَبِلَ صِيَامَكُمْ وَقيامَكُمْ وصَدَقَاتِكُمْ وَدُعَاءَكُمْ، وَضَاعَفَ حَسَنَاتِكُمْ، وَجَعَلَ عِيدَكُمْ مُبَارَكًا وَأيَّامَكُمْ أيامَ سَعَادَةٍ وَهَنَاءٍ وَفَضْلٍ وَإحْسَانٍ، وَأَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَرَكََاتِ هَذَا الْعِيدِ، وَجَعَلَنَا فِي الْقِيَامَةِ مِنَ الآمِنِينَ، وَحَشَرَنَا تَحْتَ لِوَاءِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ.
اللَّهُمَّ إنَّا خَرَجْنَا الْيَوْمَ إِلَيكَ نَرْجُوَ ثَوابَكَ وَنَرْجُو فَضْلَكَ ونخافُ عَذَابَكَ، اللَّهُمَّ حَقِّقْ لَنَا مَا نَرْجُو، وَأَمِّنَّا مِمَّا نخافُ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى عَدُوِّنَا وَاجْمَعْ كَلِمَتَنَا عَلَى الْحَقِّ، وَاحْفَظْ بِلادَنَا مِنْ كلِّ مَكْرُوهٍ وَوَفِّقْ قِيَادَتَنَا لِكُلِّ خَيْرٍ إِنَّكَ جَوَادٌ كَرِيمٌ...
أَلَا وَصَلُّوا -عِبَادَاللَّهِ- عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ أَجْمَعِينَ وَرَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلهِ الْأَطْهَارِ وَصَحَابَتِهِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ وَالْأَنْصَارِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَبَقِيَّةِ الصَّحْبِ وَالتَّابِعِينَ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
المرفقات

خطبة العيد 1438.....docx

خطبة العيد 1438.....docx

المشاهدات 1143 | التعليقات 0