خطبة عيد الفطر المبارك
عبدالله بن جابر الزهراني
1433/09/27 - 2012/08/15 17:34PM
(الله أكبر) 9 مرات .
الله أكبر كبيرا والحمد لله حمدا كثيرا وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا ولا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون، الله أكبر كلما هلل المهللون وكبر المكبرون،
الله أكبر ما صام صائم وأفطر، الله أكبر ما تلا قارئ كتاب ربه فتدبر، الله أكبر ما بذل محسن فشكر، وابتلي مبتلا فصبر،
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، الحمد لله وفق من شاء لطاعته فكان سعيهم مشكورا، ثم أجزل لهم العطاء والمثوبة فكان جزاؤهم موفورا، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره إنه كان حليما غفورا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يتم بنعمته الصالحات ويجزل بفضله العطيات، إنه كان لطيفا خبيرا.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى وصام واجتهد في عبادة ربه حتى تفطرت قدماه فكان عبدا شكورا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أما بعد:
أيها المسلمون، إن أعظم نعمة وأجلها نعمة الإسلام، رضيه الله لنا دينا وأتم به علينا النعمة، ارتضاه دينا محكما وتشريعا كاملا صالحا لكل زمان ومكان، منتظما عبادات خالصة وأخلاقا كريمة ومبادئ عالية ومعاملات حسنة، كل ذلك في نظام متكامل مشتمل على الفضيلة بجميع أنواعها وشتى كمالاتها ووسائلها (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الأسلام دينا)، إنه دين اختار الله لتبليغه صفوة خلقه محمد صلى الله عليه وسلم (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم..).
كان الناس قبل مبعثه في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء، مجتمعات متفككة وأهواء متناثرة، تعلق بغير الله جل وعلا حتى أذن الله سبحانه ببزوغ شمس الإسلام فأنقذ الله به البشرية كافة، ودخل في هذا الدين من شرح الله صدره ونور قلبه حتى كان الإسلام لهم حياة بعد موت، وهدى بعد ضلال، ونورا بعد ظلام، وسعادة بعد شقاء، زكت به نفوسهم واجتمعت من أجله قلوبهم (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به فى الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) .
تمسك بالإسلام سلف هذه الأمة وحكموه في شئونهم كلها ثم دعوا إليه حاملين رسالته مجاهدين في سبيله بكل غال ونفيس، عطروا التأريخ بسيرهم وجملوه بأخبارهم وطرزوه بأعمالهم، تأصل هذا الدين في نفوسهم فآثروه على كل شيء، فحقق الله لهم قيادة الأمم ومكن لهم في الأرض وفتح لهم الأسماع والقلوب، فقادوا بالإسلام العالم قرونا طويلة سلكوا فيها في البشرية الصراط المستقيم دخل الناس في الإسلام أفواجا وعلت رايته خفاقة في كل مكان، وفتح الله لهم بصدق الإيمان الممالك والأمصار، وقامت بهم دولة الإسلام ذات الصولة التي لا تبارى والجولة التي لا تجارى والهيبة التي لا تقارع.
أيها المسلمون، إن لكل أمة عيدا يتكرر عليهم في أوقات مخصوصة، يتضمن عقائدهم وعاداتهم ومورثاتهم وتطلعاتهم وآمالهم، تبتهج كل أمة في عيدها، وتفرح باجتماعها، وتقدس له الزمان وتختار له المكان وتلبس له الجديد وتتجمل فيه بالطارف والسريد، وقد جعل الله لكل أمة من الأمم الجاهلية عيدا بقضائه وقدره؛ يقول الله تعالى: (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) وعن أنس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولنا يومان نلعب فيهما فقال النبي : ((لقد أبدلكم الله تعالى بهذين العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى)).
وأعياد الأمم غير الإسلامية أعياد جاهلية ضالة، خالية من المعاني السامية والمصالح العاجلة والآجلة، مجردة من العواطف النبيلة الصادقة، كما قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين).
أما العيد في الإسلام فهو معان عظيمة، ومثل كريمة، ومنافع كبيرة، ومصالح عاجلة وآجلة، والإسلام له عيدان لا ثالث لهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وكلاهما يكونان عقب عبادة عظيمة، وبعد ركن من أركان الإسلام يؤدى كل ركن في أفضل زمان، فعيد الأضحى يعقب الوقوف بعرفات ويكون يوم الحج الأكبر، وعيد الفطر يكون بعد صيام شهر رمضان وقيامه، وبعد اجتهاد في العبادة وتشمير في الطاعة في أيام وليال فاضلة شريفة، وساعات منيفة يضاعف فيها الثواب ويتقي فيها المسلم العقاب، يسابق فيها المسلم الزمن، ويبادر ساعات العمر بصالح العمل، ويستنفذ طاقات بدنه في مرضات ربه حتى إذا بلغت الروح حاجاتها وتحققت أشواقها ونالت هذه الروح غذاءها من العبادة وبدأت النفس تكل، وبدأ العزم يمل، فتح الإسلام للمسلم باب المباح الطيب، وأرخى له زمام الدعة والتمتع بالحلال لتجم القوى، ولتتكامل التربية الروحية والبدنية وليستعد الإنسان إلى أنواع من العبادات الأخرى.
أفراحنا ليست تحللا من قيود الشرع، ولا طياً لبساط العبادة، ولا هدماً لبناء الأعمال، ولكنها أعياد شرعية منضبطة بضوابط الشرع، فلنحذر أن نبارز الله بالعصيان بعد انقضاء شهر رمضان.
أيها المسلمون، لقد رحل عنا رمضان، وطويت سجلاته ودفاتره، وكل منا أدرى بنفسه ما قدم، لكن هل يمن المولى علينا وندرك رمضان القادم؟ أم نكون من الذين يترحم عليهم؟
فيا شهر الصيام فدتك نفسي……تمهل بالرحيل والانتقال
فما أدري إذا ما الحول ولى……وعدت بقابل في خير حال
أتلقاني مع الأحياء حيا……أو أنك تلقني في اللحد بالي
يا خسارة من لم يغفر له في رمضان، يا خسارة من لم يعتق من النار في رمضان، يا خسارة من حرم من فيض الرحيم الرحمن.
عباد الله، إن نهج الهدى لا يتحدد بزمان، وعبادة الرب وطاعته ليست مقصورة على رمضان، بل لا ينقطع مؤمن من صالح العمل إلا بحلول الأجل، فإن في استدامة الطاعة وامتداد زمانها نعيما للصالحين، وقرة أعين الفالحين، يعمرون بها الزمان ويملأون لحظاته بما تسر لهم من خصال الإيمان، التي يثقل بها الميزان، ويتجمل بها الديوان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس من طال عمره وحسن عمله)).
واعلموا رحمكم الله أن لقبول العمل علامات، وللكذب في التوبة والإنابة أمارات، فمن علامة قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها، ومن علامة السيئة السيئة بعدها، فأتبعوا الحسنات بالحسنات تكن علامة على قبولها، وتكميلا لها، وتوطينا للنفس عليها، حتى تصبح من سجاياها وكرم خصالها، وأتبعوا السيئات بالحسنات تكن كفارة لها، ووقاية من خطرها وضررها، (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين).
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن)).
فاتقوا الله عباد الله في سائر أيامكم، وراقبوه في جميع لحظاتكم، وتقربوا إليه بصالح أعمالكم.
واعلموا أن وراءكم صيام أيام قال فيهن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقتضي أنها لو أضيفت إلى شهر رمضان عدلت صيام الدهر كله، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله)) فاحرصوا على صيامها واحرصوا بعدها على صيام الأيام المسنونة عن رسول الله : كصيام الأيام البيض، والاثنين والخميس، وغيرها، واجعلوا من قيامكم ليالي شهر رمضان توطئة لتعودكم على قيام الليالي في بقية الشهور. واجعلوا من قراءتكم لكتاب الله تعالى صباحا ومساء منطلقا للعزم على دوام تلاوته وتدبره وفهمه والعمل به واجعلوا من اعتيادكم الإحسان والبر سببا لاستدامة سائر أعمال الخير التي كنتم عليها حريصين. دوموا على ما تعودتم عليه في هذا الشهر الكريم ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ...
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية:
(الله أكبر) 7مرات،
أيها المسلمون : ما أجمل العيد حينما تكون النفوس صافية من الأحقاد والضغائن، والقلوب سليمة من الغل والحنق للآخرين، إن من أسباب سعادة العبد في هذه الدنيا، أن يجعل قلبه خاليا من الغل والحقد، فإذا طهر قلبه من داء الغل عاش في طمأنينة وسعة بال وراحة نفس وقرة عين، عاش مطمئنا مرتاح البال، منصرفة همومه إلى ما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، ولكن البلاء كل البلاء أن يعيش قلبه مليئا غلا وحسدا وبغضا وكراهية للمسلمين، فيعيش شقياً تعيساً، كلما رأى نعمة تفضل الله بها على بعض عباده ازداد هماً وغماً وحزناً، لا يفرحه إلا النكبات بالعباد، ولا يحزنه إلا الراحة والطمأنينة، ذلك القلب المريض الذي ابتلي بهذه الأدواء الضارة.
إن من نعيم الجنة الذي امتن به عليهم أن طهر قلوبهم من الغل والأحقاد، ونزعه من نفوسهم نزعاً لأن الجنة دار النعيم، ومما ينغص ذلك النعيم مرض القلوب بالغل والحقد يقول الله جل وعلا: (إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم ...)
ولقد أثنى الله على عباده المؤمنين وجعل من صفاتهم التي يحمدون عليها أنهم يدعون الله بإزالة ما في قلوبهم من الغل فقال جل شأنه: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا...) ، وامتن الله على عباده المؤمنين بتأليف قلوبهم و أن تلك النعمة لا تشترى بأموال الدنيا بأسرها فقال سبحانه : (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم .) وقال جل وعلا : (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً).
عباد الله: إن العيد فرصة عظيمة لتصافي النفوس، ونزع الغل والحقد منها، لماذا ينغص الإنسان صفو حياته؟ لماذا يعادي إخوانه وأقرب الناس إليه من أجل دنيا دنيئة لا تستحق ذلك؟، إن من المؤسف والمحزن انتشار العداوات بين الأقارب بين الأخ وأخيه ، والابن وأبيه،
تمضي السنوات وتمر الأعوام وهم لا يزدادون إلا بعداً وكراهية، فإلى متى هذا الحال؟، إن الهجر والقطيعة ليست من صفات المؤمنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، ويعظم إثم القطيعة حينما تكون بين أولي الأرحام فتقطع الأرحام وتحل لعنة الله، يقول الله جل وعلا: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ...) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع).
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة)، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني. فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق.
اللهم طهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، اللهم أعد علينا شهر رمضان أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ونحن في خير وهدى وصلاح وصحة وأمن وإيمان، اللهم تقبل منا أعمالنا واجعلها خالصة لوجهك الكريم، اللهم أصلح أحوال المسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين وأقض الدين عن المدينين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وكل عام وأنتم بخير.
الله أكبر كبيرا والحمد لله حمدا كثيرا وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا ولا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون، الله أكبر كلما هلل المهللون وكبر المكبرون،
الله أكبر ما صام صائم وأفطر، الله أكبر ما تلا قارئ كتاب ربه فتدبر، الله أكبر ما بذل محسن فشكر، وابتلي مبتلا فصبر،
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، الحمد لله وفق من شاء لطاعته فكان سعيهم مشكورا، ثم أجزل لهم العطاء والمثوبة فكان جزاؤهم موفورا، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره إنه كان حليما غفورا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يتم بنعمته الصالحات ويجزل بفضله العطيات، إنه كان لطيفا خبيرا.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى وصام واجتهد في عبادة ربه حتى تفطرت قدماه فكان عبدا شكورا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أما بعد:
أيها المسلمون، إن أعظم نعمة وأجلها نعمة الإسلام، رضيه الله لنا دينا وأتم به علينا النعمة، ارتضاه دينا محكما وتشريعا كاملا صالحا لكل زمان ومكان، منتظما عبادات خالصة وأخلاقا كريمة ومبادئ عالية ومعاملات حسنة، كل ذلك في نظام متكامل مشتمل على الفضيلة بجميع أنواعها وشتى كمالاتها ووسائلها (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الأسلام دينا)، إنه دين اختار الله لتبليغه صفوة خلقه محمد صلى الله عليه وسلم (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم..).
كان الناس قبل مبعثه في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء، مجتمعات متفككة وأهواء متناثرة، تعلق بغير الله جل وعلا حتى أذن الله سبحانه ببزوغ شمس الإسلام فأنقذ الله به البشرية كافة، ودخل في هذا الدين من شرح الله صدره ونور قلبه حتى كان الإسلام لهم حياة بعد موت، وهدى بعد ضلال، ونورا بعد ظلام، وسعادة بعد شقاء، زكت به نفوسهم واجتمعت من أجله قلوبهم (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به فى الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) .
تمسك بالإسلام سلف هذه الأمة وحكموه في شئونهم كلها ثم دعوا إليه حاملين رسالته مجاهدين في سبيله بكل غال ونفيس، عطروا التأريخ بسيرهم وجملوه بأخبارهم وطرزوه بأعمالهم، تأصل هذا الدين في نفوسهم فآثروه على كل شيء، فحقق الله لهم قيادة الأمم ومكن لهم في الأرض وفتح لهم الأسماع والقلوب، فقادوا بالإسلام العالم قرونا طويلة سلكوا فيها في البشرية الصراط المستقيم دخل الناس في الإسلام أفواجا وعلت رايته خفاقة في كل مكان، وفتح الله لهم بصدق الإيمان الممالك والأمصار، وقامت بهم دولة الإسلام ذات الصولة التي لا تبارى والجولة التي لا تجارى والهيبة التي لا تقارع.
أيها المسلمون، إن لكل أمة عيدا يتكرر عليهم في أوقات مخصوصة، يتضمن عقائدهم وعاداتهم ومورثاتهم وتطلعاتهم وآمالهم، تبتهج كل أمة في عيدها، وتفرح باجتماعها، وتقدس له الزمان وتختار له المكان وتلبس له الجديد وتتجمل فيه بالطارف والسريد، وقد جعل الله لكل أمة من الأمم الجاهلية عيدا بقضائه وقدره؛ يقول الله تعالى: (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) وعن أنس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولنا يومان نلعب فيهما فقال النبي : ((لقد أبدلكم الله تعالى بهذين العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى)).
وأعياد الأمم غير الإسلامية أعياد جاهلية ضالة، خالية من المعاني السامية والمصالح العاجلة والآجلة، مجردة من العواطف النبيلة الصادقة، كما قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين).
أما العيد في الإسلام فهو معان عظيمة، ومثل كريمة، ومنافع كبيرة، ومصالح عاجلة وآجلة، والإسلام له عيدان لا ثالث لهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وكلاهما يكونان عقب عبادة عظيمة، وبعد ركن من أركان الإسلام يؤدى كل ركن في أفضل زمان، فعيد الأضحى يعقب الوقوف بعرفات ويكون يوم الحج الأكبر، وعيد الفطر يكون بعد صيام شهر رمضان وقيامه، وبعد اجتهاد في العبادة وتشمير في الطاعة في أيام وليال فاضلة شريفة، وساعات منيفة يضاعف فيها الثواب ويتقي فيها المسلم العقاب، يسابق فيها المسلم الزمن، ويبادر ساعات العمر بصالح العمل، ويستنفذ طاقات بدنه في مرضات ربه حتى إذا بلغت الروح حاجاتها وتحققت أشواقها ونالت هذه الروح غذاءها من العبادة وبدأت النفس تكل، وبدأ العزم يمل، فتح الإسلام للمسلم باب المباح الطيب، وأرخى له زمام الدعة والتمتع بالحلال لتجم القوى، ولتتكامل التربية الروحية والبدنية وليستعد الإنسان إلى أنواع من العبادات الأخرى.
أفراحنا ليست تحللا من قيود الشرع، ولا طياً لبساط العبادة، ولا هدماً لبناء الأعمال، ولكنها أعياد شرعية منضبطة بضوابط الشرع، فلنحذر أن نبارز الله بالعصيان بعد انقضاء شهر رمضان.
أيها المسلمون، لقد رحل عنا رمضان، وطويت سجلاته ودفاتره، وكل منا أدرى بنفسه ما قدم، لكن هل يمن المولى علينا وندرك رمضان القادم؟ أم نكون من الذين يترحم عليهم؟
فيا شهر الصيام فدتك نفسي……تمهل بالرحيل والانتقال
فما أدري إذا ما الحول ولى……وعدت بقابل في خير حال
أتلقاني مع الأحياء حيا……أو أنك تلقني في اللحد بالي
يا خسارة من لم يغفر له في رمضان، يا خسارة من لم يعتق من النار في رمضان، يا خسارة من حرم من فيض الرحيم الرحمن.
عباد الله، إن نهج الهدى لا يتحدد بزمان، وعبادة الرب وطاعته ليست مقصورة على رمضان، بل لا ينقطع مؤمن من صالح العمل إلا بحلول الأجل، فإن في استدامة الطاعة وامتداد زمانها نعيما للصالحين، وقرة أعين الفالحين، يعمرون بها الزمان ويملأون لحظاته بما تسر لهم من خصال الإيمان، التي يثقل بها الميزان، ويتجمل بها الديوان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس من طال عمره وحسن عمله)).
واعلموا رحمكم الله أن لقبول العمل علامات، وللكذب في التوبة والإنابة أمارات، فمن علامة قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها، ومن علامة السيئة السيئة بعدها، فأتبعوا الحسنات بالحسنات تكن علامة على قبولها، وتكميلا لها، وتوطينا للنفس عليها، حتى تصبح من سجاياها وكرم خصالها، وأتبعوا السيئات بالحسنات تكن كفارة لها، ووقاية من خطرها وضررها، (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين).
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن)).
فاتقوا الله عباد الله في سائر أيامكم، وراقبوه في جميع لحظاتكم، وتقربوا إليه بصالح أعمالكم.
واعلموا أن وراءكم صيام أيام قال فيهن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقتضي أنها لو أضيفت إلى شهر رمضان عدلت صيام الدهر كله، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله)) فاحرصوا على صيامها واحرصوا بعدها على صيام الأيام المسنونة عن رسول الله : كصيام الأيام البيض، والاثنين والخميس، وغيرها، واجعلوا من قيامكم ليالي شهر رمضان توطئة لتعودكم على قيام الليالي في بقية الشهور. واجعلوا من قراءتكم لكتاب الله تعالى صباحا ومساء منطلقا للعزم على دوام تلاوته وتدبره وفهمه والعمل به واجعلوا من اعتيادكم الإحسان والبر سببا لاستدامة سائر أعمال الخير التي كنتم عليها حريصين. دوموا على ما تعودتم عليه في هذا الشهر الكريم ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ...
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية:
(الله أكبر) 7مرات،
أيها المسلمون : ما أجمل العيد حينما تكون النفوس صافية من الأحقاد والضغائن، والقلوب سليمة من الغل والحنق للآخرين، إن من أسباب سعادة العبد في هذه الدنيا، أن يجعل قلبه خاليا من الغل والحقد، فإذا طهر قلبه من داء الغل عاش في طمأنينة وسعة بال وراحة نفس وقرة عين، عاش مطمئنا مرتاح البال، منصرفة همومه إلى ما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، ولكن البلاء كل البلاء أن يعيش قلبه مليئا غلا وحسدا وبغضا وكراهية للمسلمين، فيعيش شقياً تعيساً، كلما رأى نعمة تفضل الله بها على بعض عباده ازداد هماً وغماً وحزناً، لا يفرحه إلا النكبات بالعباد، ولا يحزنه إلا الراحة والطمأنينة، ذلك القلب المريض الذي ابتلي بهذه الأدواء الضارة.
إن من نعيم الجنة الذي امتن به عليهم أن طهر قلوبهم من الغل والأحقاد، ونزعه من نفوسهم نزعاً لأن الجنة دار النعيم، ومما ينغص ذلك النعيم مرض القلوب بالغل والحقد يقول الله جل وعلا: (إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم ...)
ولقد أثنى الله على عباده المؤمنين وجعل من صفاتهم التي يحمدون عليها أنهم يدعون الله بإزالة ما في قلوبهم من الغل فقال جل شأنه: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا...) ، وامتن الله على عباده المؤمنين بتأليف قلوبهم و أن تلك النعمة لا تشترى بأموال الدنيا بأسرها فقال سبحانه : (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم .) وقال جل وعلا : (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً).
عباد الله: إن العيد فرصة عظيمة لتصافي النفوس، ونزع الغل والحقد منها، لماذا ينغص الإنسان صفو حياته؟ لماذا يعادي إخوانه وأقرب الناس إليه من أجل دنيا دنيئة لا تستحق ذلك؟، إن من المؤسف والمحزن انتشار العداوات بين الأقارب بين الأخ وأخيه ، والابن وأبيه،
تمضي السنوات وتمر الأعوام وهم لا يزدادون إلا بعداً وكراهية، فإلى متى هذا الحال؟، إن الهجر والقطيعة ليست من صفات المؤمنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، ويعظم إثم القطيعة حينما تكون بين أولي الأرحام فتقطع الأرحام وتحل لعنة الله، يقول الله جل وعلا: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ...) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع).
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة)، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني. فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق.
اللهم طهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، اللهم أعد علينا شهر رمضان أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ونحن في خير وهدى وصلاح وصحة وأمن وإيمان، اللهم تقبل منا أعمالنا واجعلها خالصة لوجهك الكريم، اللهم أصلح أحوال المسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين وأقض الدين عن المدينين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وكل عام وأنتم بخير.