خطبة عيد الفطر المبارك عام 1437هـ

مبارك العشوان
1437/09/29 - 2016/07/04 06:23AM
{ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا }، اللهُ أكبَرُ كَبِيرا، والحمْدُ للهِ كثيرا، وسُبحانَ اللهِ بُكرةً وأصيلاً، وَصَلَّى اللهُ على نَبِيِّنَا محمدٍ وآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْما كَثِيراً.
أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ تَعَالَى أيُّها النَّاسُ حقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلا وأنتمْ مُسلِمُون. اشْكُرُوا ربَّكُم تَبَارَكَ وتَعَالى عَلى مَا أَسْبَغَ مِنَ النِّعَمِ، وَدَفَعَ مِنَ النِقَم، هَدَانَا لِلِإسَلام، وَمنَّ علينا بِالصِّيامِ، والقِيَام، يَسَّرَ القرآن لِلذِّكْرِ، وَأَجْزَلَ لِقَارِئِهِ الأَجْر، ثُمَّ بَلَّغَنَا هذا اليومَ المُباركَ؛ فَهَنِيْئاً لَكُمْ عِيدَكُم، وَفَرَحَكُمْ وَسُرُوْرَكُم.
جَاءَ فِي البخاري: ( لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ ). يَفْرَحُ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ رَبِّهِ حِيْنَ أَمَرَهُ بِالصِّيامِ فَصَام، وَحِيْنَ أَمَرَهُ بِالْفِطْرِ فَأَفْطَر، وَالفَرْحَةُ العُظْمَى يَوْمَ يَلْقَى اللهَ جَلَّ وَعَلاَ، فَيُجَازِيْهِ الجزَاءَ الأَوْفَى، يَفْرَحُ عِنَدَمَا يُدْعَى مِنْ بَابِ الرَّيَّانُ في الجَنَّةِ.
أيُّها المسلمونَ: لِيَكُنْ هذا اليومُ المباركُ صَفَاءً لِقُلُوْبِنَا، وَعَفَوًا عَنْ إِخْوَانِنِا، فَاللهُ تَعَالى عَفْوٌ يُحِبُّ العَفْوَ، وَيَأْمُرُ بِهِ، مَنْ كَانَ قَاطِعاً لِرَحِم، أَوْ هَاجِراً لِمُسْلم، أوْ عَالِماً بِمُتَهَاجِرَينِ؛ جَاءَكُمُ العِيدُ؛ { فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } اُنْبُذُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ أَحْقَاداً يَتَوَارثُها جِيْلٌ بَعْدَ جِيْل، تَرَفَّعُوا عَنْ أُمُورٍ جَاهِلِيَّةٍ يَرْوِيْهَا الأَجْدَادُ لِلأَحْفَاد، حَذَّرَ منها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ( أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ...) الحديث رواه مسلم.
سَلِّمْ أَخِي عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لمَ ْتَعْرِفْ، اِبْتَسِمْ في وَجْهِ أَخِيْكَ فَهِيَ لَكَ صَدَقَة، وَالكَلِمَةُ الطَّيِبَةُ صَدَقة، اُبْذُلِ الهَدِيَّةَ وَلَوْ كَانَت يَسِيْرَةً، أَحْسِنْ إِلى وَالِدَيْكَ، صِلْ رَحِمَكَ، أَكْرِمْ جَارَك، كُفَّ عَنِ النَّاسِ أَذَاك، احفَظْ حُقُوقَ الناس، نَفِّسْ فِي هَذا العِيدِ كُرْبَةَ مَكْرُوب، يَسِّرْ فِيْهِ عَلى مُعْسِر، عُدِ المرْضَى وَوَاسِهِم، تَلَمَّسْ طُرَقَ الخَيرِ تُوَفَّقْ لها.
اَللَّهُ أكْبَرُ اَللَّهُ أكْبَرُ لا إِلَهَ إلا الله، و اَللَّهُ أكبرُ اَللَّهُ أكْبَرُ وَلِلَّهِ الحَمْد
عَبادَ الله: بَلَّغَنَا اللهُ هذا اليومَ؛ وَنَحْنُ فِي أَمْنٍ وَأَمَان، وَرَغَدٍ مِنَ العَيْشِ وَاطْمِئْنَان؛ وَالنَّاسُ مِنْ حَوْلِنَا يُتَخَطَّفُون، فَقْرٌ وَجُوْعٌ، حُرُوبٌ وَقَتْلٌ وَتَشْرِيْدٌ. وَتَسَلُّطُ حُكَّامٍ ظَلَمَة؛ فَلْتُقَدِّرُوا هَذِهِ النِّعمة، وَلَاَ تَنْسَوا مَنْ فَقَدَهَا مِنْ يَدٍ عَوْنِ تَمُدُّونَهَا، وَدَعْوَةٍ صَادِقَةٍ لله تَرْفَعُونَهَا؛ أَنْ يُفَرِّجَ هَمَّهُم، وَيَكْشِفَ ضُّرَهُم.
عبادَ اللهِ: الأمنُ ضرورةٌ مِنْ ضَرُوراتِ الحياة، وَلَيسَ مِنْ فَرْدٍ ولا مُجْتَمَعٍ، ولا دَوْلَةٍ؛ إِلا وَيَسعَى حَثِيثاً إِلَيه؛ وَلَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالى الأمْنَ في الإيمان: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }الأنعام 82
السَّعَادةُ والعِزُّ والغَلَبَةُ في طَاعَةِ اللهِ ورسوله، والشَّقَاءُ والذُّلُّ والخَسَارُ في مَعْصِيَتِه:{ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ، كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } المجادلة 20-21
أَيْقِنُوا بِهذا، وَرَبُّوا عَليهِ أولادَكُم، عِزُّ المسلمِ لَيسَ في مَنصِبٍ يَتَوَلاه، أو مَالٍ يَكْتَسِبُه، أو قصورٍ يَسْكُنُهَا، أوَ مرَاكِبَ فَارِهَةٍ، ومَلَابِسَ فَاخِرَةٍ.
لَيْسََ العِزُّ في قَبِيلَةٍ يَنْتَسِبُ إليها، أو جِنْسِيَّةٍ يَنْتَمِي لها، أو جَاهٍ يُحَصِّلُه.
إِسْلامُ المسلمِ هُوَ عِزُّهُ، فَلْيَسْتَمْسِكْ بِهِ، وَلْيَعَضَّ بِالنَّواجِذْ عَلَيهِ، وَلْيَثْبُتُوا عليه، وَلْيُظْهِرُوهُ وَلْيَدْعُوا إليه.
عَلِّمُوا أولادَكُم أنَّ أدنى مُسْلمٍ سِناً أو مَكَانَةً، هُوَ أَعَزُّ وَأكَرَمُ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ وَلَو كَانَ مَلِكاً؛ أَعَزَّ المُسْلمَ إسلامُه، وَأَذَلَّ الكَافرَ كُفْرُه؛ يقولُ عُمَرُ رضيَ اللهُ عنه: ( إِنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَلَنْ نَلْتَمِسَ الْعِزَّ بِغَيْرِهِ )
اَللَّهُ أكْبَرُ اَللَّهُ أكْبَرُ لا إِلَهَ إلا الله، و اَللَّهُ أكبرُ اَللَّهُ أكْبَرُ وَلِلَّهِ الحَمْد.
عبادَ الله: احذَرُوا دُعَاةَ الضَّلالِ وَالفِتْنَة، شَرُّ الْخَلِيقَةِ: ( قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ) ضَالُّونَ مُضِلُّون، بَاغُونَ مُعتَدُون؛ يَتَظَاهَرُونَ بالدِّينِ، وَهُم مِنْ أَبْعَدِ الناسِ عنه؛ يَدَّعُونَ أَنَّهُم على الهُدى والنَّاسُ كُلُّ النَّاسِ على ضَلال، اتَّخَذُوا لَهُم رُؤْوساً جُهَّالاً فَسَأَلُوهُم فَأَفْتَوا بِغَيرِ عِلْمٍ؛ فَحَلَّلُوا وَحَرَّمُوا، وَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ـ نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الضَّلال ـ .
َيأْمُرُ اللهُ تعالى بِسُؤَالِ العُلمَاءِ؛ فَيُكَفِّرُونَ العُلَمَاءَ وَيَسْأَلُونَ الجُهَّال، يَأمرُ اللهُ بِطَاعَةِ وُلاةِ الأمْرِ؛ فَيُكَفِّرُونَهُم وَيَخْرُجُونَ عليهِم، وَيَأْمُرُ تعالى بِالوَسَطِيَّةِ؛ فَيُجَانِبُونَهَا، وَيَأخُذُونَ بِالغُلُوِّ والتَشَدُّدِ، فَيُفْسِدُونَ وَلا يُصْلِحُونَ، وَيَهْدِمُونَ وَلا يَبْنُون، مَنْ خَالَفَهُم جَعَلُوهُ عَدُوَّا، وَكَفَّرُوهُ، واستَحَلُّوا دَمَهُ وَمَالَه، يَقُولُ الرَّجُلُ لا إلهَ إلا اللهُ فَيَقْتُلُونَهُ وَيُكَبِّرُون، حَتَّى قالَ قَائِلُهُم: ابدَأ بِأَقرَبِ النَّاسِ إليكَ فاقْتُلْه، قَتَلَوا إِخْوانَهُم وَأبناءَ عُمُومَتِهِم، بل قَتَلُوا وَالِدَيْهِم؛ عِياذاً بالله.
أَلا فَتَنَبَّهُوا أيُّها الناس؛ تَنَبَّهُوا أيُّها الآباء، تَنَبَّهُوا أيُّها المعلمون، أيُّها المربُّون، تنبهوا لِفَلَذَاتِ أكْبَادِكُم، حَذِّرُوهُم وَحَصِّنُوهُم وَتَابِعُوهُم.
اِلتَفُّوا أيُّها الناسُ حَولَ عُلَمَائِكُم وَحُكَّامِكُم، فَأُمُّةُ الإسلامِ اليومَ بِأَمَسِّ الحاجةِ إلى اجتِمَاعِ الكَلِمَةِ، وَوَحْدِةِ الصَّفِّ ضِدَّ مَنْ يَكِيدُ لِدِينها وأمْنِها.
اِلْزَمُوا وَصِيَّةَ نبِيِّكُم صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ تُفْلِحُوا:
( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ... ) أخرجه الترمذي.
اَللَّهُ أكْبَرُ اَللَّهُ أكْبَرُ لا إِلَهَ إلا الله، و اَللَّهُ أكبرُ اَللَّهُ أكْبَرُ وَلِلَّهِ الحَمْد.
بَارَكَ اللهُ لي وَلَكُمْ في القُرآنِ العظيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فيهِ مِنَ الآيِ والذِّكْرِ الحَكِيمِ، وأقولُ ما تسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكمْ مِنْ كُلِّ ذَنبٍ فاستغفروهُ إنهُ هُوَ الغفورُ الرحيم.


الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ كثيرا، واللهُ أَكْبَرُ كبيرا، وسُبحانَ اللهِ بُكْرَةً وأصِيلا.
أما بعدُ: فَاجْعَلُوا عِيدَكُم أيُّها الناسُ عيدَ شُكْرٍ؛ فَشُكْرُ النِّعَمِ حِفْظٌ لها، ونَيْلٌ للمزيدِِ عليها: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } إبراهيم 7 لا تَجْعلُوا العيدَ، مُبَرِّراً لارتِكَابِ المُخَالفاتِ الشَّرعِية؛ سَوَاءً فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّباسِ والزينةِ، للرجالِ والنساءِ، أو مَا يتعلقُ بالأغاني وسماعِها، أو الْكِبْرِ والتَّعالِي على النَّاس، أو ما يتعلقُ بالتبذيرِ والإسراف.
اَللَّهُ أكْبَرُ اَللَّهُ أكْبَرُ لا إِلَهَ إلا الله، و اَللَّهُ أكبرُ اَللَّهُ أكْبَرُ وَلِلَّهِ الحَمْد.
عبادَ الله:إنَّ مِنْ أعظَمِ الشُّكْرِ: دَوَامُ الطَّاعَةِ، وهُو هَديُ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلم، كانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ: ويقولُ: ( أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا ) رواهُ البُخاري. وتُسْئَلُ عَنْهُ الصِّدِّيقَةُ رَضيَ اللهُ عنها: فتقولُ: ( كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً ) رواهُ البخاريُّ ومُسْلِم.
ثُمَّ تَأَسَّى بِهِ صَحْبُهُ الكِرَامُ؛ فَكَانُوا إذا عَمِلُوا عَمَلاً أَثْبَتُوه، وإذا بَلَغَتْهُمُ السُّنَّةُ لَزِمُوهَا، حَتىَ حُفِظَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهُم: ( مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ ) فرَضِيَ اللهُ عنهم ورضُوا عنهُ، وَجَمَعَنا بَهِم في جَنَّتِه.
اسْتَمِرُّوا رَحِمَكُمُ اللهُ على الإحْسَانِ، والزَمُوا طاعَةَ الرَّحمن، وَسَلُوهُ تعالى القَبُولَ والغُفران، وَلَئِنِ انْقَضَى رَمَضَانُ فقد رَبَّى النفوسَ على حُبِّ الطاعاتِ، والصَّبرِ عليها، وكُرْهِ المعاصي، والصَّبرِ عنها، ولا يَحْسُنُ بِمُسْلمٍ أنْ يرجِعَ بنفسهِ إلى الوَرَاءِ، وأنْ يَرُدَّهَا بَعْدَ اليقظةِ إلى الغفلةِ، وبعدَ الخيرِ إلى الشَّر، فقد تَعَوَّذَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ( مِنَ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ ) أخرجهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الألبَاني أَي: النُّقْصَانِ بعدَ الزيادة.
خَرَجْتَ أخِي المسلمُ مِنْ شَهْرِكَ بِصَحَائِفَ بِيْضَاءَ إنْ شَاءَ الله؛ فَلا تُسَوِّدْهَا بِالمعَاصِي، احْرِصْ غايةَ الحرصِ أنْ يَبْقَى لِرَمَضَانَ أثرٌ في حَيَاتِكَ، وأن تَكُونَ بعدهُ خيراً مِنْكَ قَبْلَه، لا تزهدْ في القُرُبَاتِ، لا تَتَجَرَّأْ على المحرماتِ لانْقِضَاءِ شَهْرٍ، أو مَوْسِمٍ مِنَ الْمَواسِم؛ يَقُولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: أبَى قَومٌ المُدَاوَمَةَ؛ واللهِ مَا المُؤْمِنُ بالذِي يَعْمَلُ الشَّهْرَ أو الشَّهْرَينِ أو عَامًا أَو عَامَينِ، لاَ وَاللهِ مَا جُعِلَ لِعَمَلِ المُؤْمِنِ أَجَلٌ دُونَ المَوتِ ) ثُمَّ قَرأَ قَولَ الحَقِّ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } الحجر 99
وقال بعضُ السلفِ: ليسَ لعملِ المسلمِ غايةٌ دُونَ الموت.
عبادَ الله: جَاءتِ النُّصُوصُ بِالحثِّ على القيامِ في رَمضَانَ أوفي غَيرِهِ، وأثْنَى اللهُ تعالى على أهلِهِ، وَوَعَدَهُم عَظِيمَ الجزاءِ فقال سبحانه: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }السجدة 16ـ 17
وهكذا جَاءتِ النُّصُوصُ بِالحثِّ على الصيامِ في غَيرِ رَمَضَانَ، وَمِنْ ذلكَ صِيامُ سِتَةِ أيامٍ من شوال، قالَ فيها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ) رواهُ مُسلم.
صُمْ هذِهِ الأيَّامَ إذا قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ مِنْ رَمَضَان.
وهكَذَا قِرَاءَةُ القُرآن وَتَرْتِيْلُه؛ جَاءَ الحثُّ عليها: في أحَادِيثَ كَثِيرَة؛ مِنْهَا قولُه صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ ( الم ) حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ ) رواهُ الترمذيُّ وصححهُ الألباني. فرَتِّبُوا لأنفُسِكُمْ حِزْباً يَومِيَّا لا تُفَرِّطُونَ فيه، واحْذَرُوا أنْ تهجُرُوهُ بَعْدَ رَمَضَان.
اَللَّهُ أكْبَرُ اَللَّهُ أكْبَرُ لا إِلَهَ إلا الله، و اَللَّهُ أكبرُ اَللَّهُ أكْبَرُ وَلِلَّهِ الحَمْد.
أيَّتُها المرأةُ المُسلمة: كُوني داعِيةً إلى اللهِ في بَيْتِكِ، داعيةً لِزَوجِكِ وأولادِك، لإخوانِكِ وأخواتِك، كُوني قدوةً صالحةً، مُرَبِّيَةً بِأفعالِكِ قَبَلَ أقوالِك.
قَدِّري مَسؤولِيَّتَكِ تُجَاهَ زَوجِك وأبنائِك، قُومي بِحَقِّ اللهِ فيهم، قُومي على رِعَايةِ دِينِهِم وأخلاقِهم، رَبَّي أولادَكِ على حُبِّ وَطَاعَةِ اللهِ ورسوله، وعلى الاعتزازِ بِدِينِهم وتعظِيمِ حُرُمَاتِه، رَبِّيهِم على حُسْنِ الخُلق، على العِفَّةِ والحياءِ، على نَبذِ العاداتِ السَّيِّئةِ، والأفعالِ القَبِيحَة، على نبذِ الفَاحِشِ مِنَ القولِ والفِعلِ واللِّباسِ والبُعد عن أهلِه.
احذَرِي التَّبَرُّجَ والسُّفُورَ، وكَثْرَةَ الخروجِ إلى الأسواقِ، من غير حَاجَةٍ فإنَّ أبْغَضَ البِقَاعِ إلى اللهِ الأسْواقُ؛ وهِيَ مَنْشَؤُ كَثِيرٍ مِنَ الفِتَن.
احْفَظِي لِسَانَكِ مِنَ الغِيبةِ والنميمةِ، والقِيلِ والقَالِ، واجعلي نُصْبَ عينيكِ: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ق 18
أحْسِنِي إلى جِيرانِك، واحذَرِي أذاهُم بِأقوالِكِ أو أفعالِك.
أيَّتُها المسلمة: يقولُ أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه: ( خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا ) رواه مسلم فاتَّقي اللهَ تعالى وقد جَعَلَكِ مَخْدُومَةً لا خَادِمَة، اِقْتَفِي سُنَّةَ رسولِ الله صلى اللهُ عليهِ وسلم، فَهَذا تَعَامُلُهُ مَعَ الخَدَم: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }. ثمَّ عليكِ تعليمَ الخامةِ أمُورَ دِينِها من طَهَارَةٍ وصِيَامٍ وحَجٍّ وغَيرِهَا فَإِنَّكِ مأجورةٌ على ذلك.
اَللَّهُ أكْبَرُ اَللَّهُ أكْبَرُ لا إِلَهَ إلا الله، و اَللَّهُ أكبرُ اَللَّهُ أكْبَرُ وَلِلَّهِ الحَمْد.
عِبَادَ الله: مَن أفطرَ يوماً أو أيَّاماً من رمضانَ لِعُذرِ شرعيٍ؛ فَعَلَيهِ القضاءُ بِعَدَدِ الأيَّامِ التي أفْطَرَهَا، وَليسَ لهُ أنْ يُؤَخِّرَهُ إلى رمضانَ الثَّاني مِنْ غَيرِ عُذْر.
فَإِنْ كَانَ أفطرَ لِمَرَضٍ لا يُرجى زَوَالُهُ بِشَهَادَةِ الأطباءِ الثِّقَاتِ؛ فَلا يلزَمُهُ الصَّومُ ولا القضاءُ، وَعَلَيهِ أنْ يُطْعِمَ عن كُلِّ يومٍ أَفْطَرَهُ مِسْكيناً، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قُوتِ البَلَدِ، وَهُوَ مَا يُقَارِبُ الكِيلُو وَنِصْف.
وَهكذا الشيخُ الكبيرُ والعجوزُ الكبيرةُ اللذانِ لا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوم؛ يُطْعِمَانِ بَدَلَ الصَّيام، أمَّا كَيْفِيَّةُ الإطعامِ: فَإنْ شاءَ أخرَجَها كُلَّ يومٍ بيومِهِ، و إن شاءَ أخَّرَهَا في نِهَايَةِ الشَّهرِ وأخرَجَهَا كامِلَة.
عبادَ الله: وَقَدْ عَلِمْتُم وُجُوبَ إِخَرَاجِ زكاةِ الفِطْرِ قَبْلَ صلاةِ العيدِ، فَلْتَعْلَمُوا أنَّ مَنْ أَخَّرَهَا مُتَعَمِّداً فَُهُوَ آثِمٌ وَعَلَيهِ التَّوبَةُ والاسْتِغَفَارُ، وَقَضَاؤُهَا بِحَيْثُ يُخْرِجُهَا قَضَاءًا، فَإِنْ كانَ أَخَّرَهَا، نَاسِيًا فَلا إَثْمَ عليهِ، وإنَّمَا عليهِ قَضَاؤُهَا.
اَللَّهُ أكْبَرُ اَللَّهُ أكْبَرُ لا إِلَهَ إلا الله، و اَللَّهُ أكبرُ اَللَّهُ أكْبَرُ وَلِلَّهِ الحَمْد.
اللهمَّ اجعلنا هُداةً مُهتدين، غَيرَ ضَالِّينَ ولا مُضِلِّين، اللهمَّ اهدِنا لأَحْسَنِ الأخلاقِ والأعمالِ لا يَهدِي لأَحْسَنِهَا إلا أنتَ واصْرِفْ عنَّا سَيِّئَهَا لايَصْرِفُ عنَّا سَيِّئَهَا إلا أنتَ، اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِين، واجعلْ هذا البلدَ آمِناً مُطْمَئِناً وسائِرَ بِلادِ المُسلمين.
اللهم أصلِحْ أَئِمَّتَنَا وولاةَ أَمْرِنَا، اللهم وَفِّقْ ولاةَ أمرِنا لما تُحِبُّ وتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِم لِلْبِرِّ والتقوى، اللهم وفِّقْهُم لهداكَ، واجعل عَمَلَهُم في رِضاك.
اللهم انصُرِ المجاهدينَ في سبيلِكَ في كلِّ مكان، اللهم انصر جُنُودَنَا المرابطينَ، اللهم ثَبِّتْ أقدامَهم، وسَدِّدْ رَمْيَهُم، وانصُرهم على عدوِّكَ وعدوِّهم.
اللهم تَقَبَّلْ مِنَّا إنكَ أنتَ السميعُ العليم، واغفِر لنا إنكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيم.
عبادَ الله: صلوا وسلموا على مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بالصلاةِ والسلامِ عليهِ؛ فقالَ سبُحانهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلى آلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلى آلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
عبادَ الله: اذكُروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُركُم، واشكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُم وَلَذِكْرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ مَا تَصْنَعُون.
المشاهدات 1367 | التعليقات 0