خطبة عيد الفطر المبارك العفو والتسامح والمحافظة على الصلاة

مجمد شراحيلي
1437/09/30 - 2016/07/05 19:46PM
هذه خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1437هـ جمعتها من أكثر من خطبة وأضفت ورتبت حسب الحاجة

لأول مرة أخطب عيد الفطر في الجامع أسأل الله أن يفتح علينا وعليكم ويتقبل منا ومنكم وينفع بها .

أرحب بملاحظاتكم وآرائكم .

خطبة عيد الفطر المبارك 1437ه


الخطبة الأولى :
الحَمدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَقَدَّرَ فَهَدَى ، وَأَخرَجَ المَرعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحوَى . أَضحَكَ وَأَبكَى ، وَأَمَاتَ وَأَحيَا ، وَأَسعَدَ وَأَشقَى ، خَفَضَ وَرَفَعَ ، وَأَعطَى وَمَنَعَ ، وأَعَزَّ وَأَذَلَّ ، وَهَدَى وَأَضَلَّ ، فَسُبحَانَهُ عَدَدَ خَلقِهِ ، وَسُبحَانَهُ رِضَا نَفسِهِ ، وَسُبحَانَهُ زِنَةَ عَرشِهِ ، وَسُبحَانَهُ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ " لَهُ الحَمدُ في الأُولى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الحُكمُ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ " اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
اللهُ أَكبَرُ مِلءَ السَّمعِ رَدَّدَهَا
في مَسمَعِ البِيدِ ذَاكَ الذَّرُّ وَالحَجَرُ
اللهُ أَكبَرُ مَا أَحلَى النِّدَاءَ بها
كَأَنَّهُ الرِّيُّ في الأَروَاحِ يَنتَشِرُ
أَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، شَهَادَةً أَرجُو بها النَّجاةَ يَومَ أَلقَاهُ ، يَومَ يُبَعثَرُ مَا في القُبُورِ ، وَيُحَصَّلُ مَا في الصُّدُورِ .
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم – أَيُّهَا النَّاسُ – وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ، عَظِّمُوهُ بِإِسلامِ النُّفُوسِ إِلَيهِ ، وَأَجِلُّوا أَمرَهُ بِامتِثَالِهِ ، وَنَهيَهُ بِاجتِنَابِهِ ، وَحُكمَهُ بِالرِّضَا بِهِ ، فَإِنَّكُم في قَبضَتِهِ وَإِلَيهِ صَائِرُونَ " وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ "
هنيئا لكم يامن صُمتُم لله مُخلِصِينَ ، وَقُمتُم بَينَ يَدَيهِ خَاشِعِينَ ، وَزَكَّيتُمُ امتِثَالاً لأَمرِهِ ، وَتَصَدَّقتُم ابتِغَاءَ وَجهِهِ ، وَقَرَأتُم كِتَابَهُ طَلَبَ الإِثَابَةَ ، وَدَعَوتُم رَجَاءَ الإِجَابَةَ ، وَفَطَّرتُمُ الصَّائِمِينَ تَعَبُّدًا ، وَنَوَّعتُم أَعمَالَ الخَيرِ تَزَوُّدًا ،فهذا يوم الجوائز يوم العتق من النيران يوم الرضوان من الربّ الرحيم الرحمن , فَدَاوِمُوا العَمَلَ الصَّالِحَ مَا بَقِيتُم ؛ فَإِنَّ أَحَبَّ العَمَلِ إِلى اللهِ وَأَنفَعُهُ لِلعَبدِ أَدوَمُهُ " وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينَ " " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم تُوعَدُونَ "
اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
عِبَادَ اللهِ: هَا هُوَ الْعِيدُ يَعُودُ، وَيُطِلُّ عَلَى الأُمَّةِ، وَيَكْسُو الْمُسْلِمَ الْيَوْمَ فَرْحَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "للصَّائِمِ فرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ"، فَيُعَبِّرُ عَنْهَا الْمُؤْمِنُ بِاحْتِفَالِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْـمُبْهِجِ.
جاء العيد فاستنار له وجه النبي  وهو منير .. وابتسم له ثغره فرحاً بيوم الجوائز الكبير .. أشرقت شمس يوم العيد فأشرق وجهه  فرحاً وبشراً حاديه قولُ ربه سبحانه
 قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمّا يَجْمَعُونَ  .
فرح بالعيد قولاً وفعلاً  ، مع أن مكة حينها كانت في يد الكفار أسيرة ، واليهود والمنافقون حول المدينة كالمستديرة .. وقد قتل من أحبابه وأصحابه جموعٌ غفيرة .. ومع هذا كله لم يمنعه ذا ولا ذا من أن يفرح بالعيد ويظهر الشعائر الصغيرة والكبيرة .
فيا صائمون فلتهلل وجوهكم بشراً ، ولتفض فرحاً وحمداً وثناءاً وشكراً .
فرحاً بفضل الله ورحمته ، فرحاً بالهدى يوم أن ضلت أمواجٌ من البشر عن شريعته ، فرحاً يوم أن هدانا واجتبانا على ملته  هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ مّلّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ  .
فرحاً بإتمام الصيام وإكمال عِدته (( للصائم فرحتان فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه )) ، وفرحاً بألوان عطاياه ونعمته  وَإِن تَعُدّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَآ  .
اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .

خلق الله الرحمَ، وشقَقَ لها اسمًا من اسمِه، ووعَد ربُّنا جلّ وعلا بوصلِ مَن وصلَها، ومَن وصَله الرحيمُ وصلَه كلُّ خير ولم يقطَعه أحد، ومن بَتَره الجبّار لم يُعلِه بشرٌ وعاشَ في كَمَد، (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ) [الحج:18] .
والله يُبقي أثرَ واصلِ الرّحم طويلاً، فلا يضمحِلّ سريعًا كما يضمحِلّ أثر قاطعِ الرّحم، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((قال الله للرّحم: أما ترضينَ أن أصلَ من وصلك وأن أقطعَ من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك)) متفق عليه، ((والرحمُ معلّقة بالعرش تقول: مَن وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله.
وقطيعة الرّحم مِن كبائر الذّنوب، متوَعَّد صاحبُها باللّعنةِ والثبور، قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ أَوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىا أَبْصَـارَهُمْ) [محمد:22، 23]. التدابرُ بين ذوِي القربَى مؤذِنٌ بزوالِ النِّعمة وسوءِ العاقبةِ وتعجيل العقوبة، قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يدخل الجنّةَ قاطع)) رواه البخاري، قال ابن حجَر: "القاطعُ للرّحم منقطِعٌ مِن رحمة الله".
عقوبتُها معجَّلة في الدّنيا قبلَ الآخرة، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن ذنبٍ أجدر أن يعجِّل الله لصاحبِه العقوبةَ في الدّنيا مع ما يدَّخره له في الآخرة من البغي ـ أي: الظلم ـ وقطيعة الرحم)) رواه الترمذي. وهي سببٌ للذلّة والصّغار والضّعفِ والتفرّق، مجلبة للهمّ والغمّ
وكذلك قطيعة المسلم لأخيه المسلم إثمها كبير وذنبها عظيم وخطر الهجران والقطيعة على المجتمع المسلم جسيم .
فيا مسلمون : أعيدوا للعيد بهجته ، وارسموا على الوجوه صدقاً فرحته ، وكما لبستم من الثياب جديداً ، فلتلبس القلوب من الحياة عهداً جديداً .
لله يوم أن نرى فرحة العيد تدوي في حاراتنا ، وتنير بيوتنا وتجمع شملنا ، وتلم شتاتنا ، وتصل قاطعنا ، وتصلح هاجرنا ، يا متقاطعين اليوم يومُ العفو والتصافح ، والتعافي والتسامح ، يا متهاجرين اليوم يوم السلام والتزاور وترك التجافي والتكابر .
كفى أقولها من على منبر العيد وأثنيها ، كفى .. أفرحوا أحبابكم بفرحة العيد ولم شمل قطع سنين عدداً ، ماذا تنتظرون لا صلاة ترفع ، ولا دعاء لكم يعرض على الله ويُسمع ، يقول الله لملائكته (( انظروا هذين حتى يصطلحا )) .
حتى ولو كنت مظلوماً صل فالله أوصل ، وابتغ وجه ربك فالله أعلى وأجل ، فدُنيا تخاصمتم عليها هي وربي أحقر وأقل . ومازاد الله عبدا بعفوٍ إلّا رفعة وخيرهما الذي يبدأ بالسلام .
كفى على الهجران البقاء ، وتذكروا أن عند الله الملتقى .
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.
لما طعنَ عمرُ- رضيَ اللهُ عنهُ- احتملَهُ الصحابةُ حتى أدخلوهُ منزلَهُ مغمًى عليهِ، فلما أفاقَ قالَ ابنُ عباسٍ- رضيَ اللهُ عنهما: الصلاةَ يا أميرَ المؤمنينَ، ففتحَ عينيْهِ فقالَ: أصلى الناسُ ؟ قلنَا: نعمْ، ثمَّ بادرَهمْ وألمُ الموتِ يقرصُهُ وقالَ: أما إنَّهُ لا حظَّ في الإسلامِ لأحدٍ تركَ الصلاةَ، فصلى وجرحُه يثعبُ دمًا.
قرةُ عيونِ المؤمنينَ، وبهجةُ نفوسِ الموحدينَ. إنَّها الصلاةُ، ركنُ الدينِ وعمودُهُ، آخرُ ما يفقدُ العبدُ منْ دينِهِ، فليسَ بعدَ ضياعِهَا والتفريطِ فيها إسلامٌ، هيَ أولُ ما يسألُ عنهُ العبدُ يومَ القيامةِ، فإنْ قبلتْ قبلَ سائرُ العملِ، وإلا ردَّ سائرُهُ.
الصلاةُ فرضتْ في أشرفِ مقامٍ وأرفعِ مكانٍ، هيَ فواتحُ الخيرِ وخواتمُهُ، مفروضةٌ في اليومِ والليلةِ خمسُ مراتٍ، يفتتحُ المسلمُ بالصلاةِ نهارَهُ ويختمُ بها يومَهُ.
لمْ يفترضِ اللهُ على عبادِهِ بعدَ توحيدِهِ فريضةً أعظمَ منَ الصلاةِ.
هيَ أولُ ما فرضَ، وهيَ آخرُ ما أوصى بِهِ النبيُّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- أمتَهُ وهوَ على فراشِ الموتِ مناديًا: « الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ » أخرجه أحمد في "المسند" وصححه الألباني
يُشغلُ الكفارُ رسولَ اللهِ عليهِ السلامُ عنْ صلاةِ العصرِ فيدعوا عليهمْ دعاءً مرعبًا: « شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، مَلَأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» ، أَوْ: «حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا » رواه الإمام أحمد والطبراني.
أيُّها المسلمونَ، إنَّ التفريطَ في أمرِ الصلاةِ منْ أعظمِ أسبابِ البلاءِ والشقاءِ، ضَنكٌ دنيويٌّ وعذابٌ برزخيٌّ وعِقابٌ أخرويٌّ، { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا }[مريم:59].
شبابَ الإسلامِ، يا أصحابَ القوَّةِ والفُتوَّةِ، هذا ابنُ أمِّ مكتومٍ الرجلُ الأعمى رضيَ اللهُ عنهُ وأرضاهُ يُقبلُ على رسولِ اللهِ، فيقولُ: « يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ» رواهُ مسلمٌ.
أيُّها المسلمونَ، اتقوا اللهَ في أبنائِكمْ وقرّةِ عيونِكمْ، فإنَّهم أمانةٌ في أعناقِكمْ. مرُوهمْ بالمحافظةِ على الصلواتِ وحضورِ الجُمَعِ والجماعاتِ، رغِّبوهمْ ورهبوهُمْ، وشجّعوهُمْ بالحوافزِ والجوائزِ، نشِّئوهمْ على حبِّ الآخرةِ، وكونوا لهمْ قدوةً صالحةً، { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }[طه:132] يقولُ رسولُ الهدى : « مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ » أخرجَهُ أحمدٌ وحسنه الألباني.
ومنَ الناسِ منْ يصلونَ ولهمْ أزواجٌ وأولادٌ وقرابةٌ لا يصلونَ؛ فلا يأمرونَهمْ بها، ولا ينهونَهمْ عنْ تركها، ولا يشددُونَ عليهمْ فيها كما يشددُونَ عليهمْ في أمورِ الدنيا منْ دراسةٍ أوْ مالٍ أوْ وظيفةٍ ونحوِها، وهمْ في سلطانِهم وتحتَ ولايتِهمْ؛ فهؤلاءِ قدْ غشُّوا رعيتَهمْ، ولمْ يؤدُّوا أمانتَهمْ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» رواهُ مسلمٌ.
هذهِ هيَ الصلاةُ- يا عبدَ اللهِ- وإنَّها لكذلكَ وأكثرَ منْ ذلكَ، ولماذا لا تكونُ كذلكَ ؟ وهيَ الصلةُ بينَ العبدِ وربِّهِ. لذةٌ ومناجاةٌ تتقاصرُ دونَها جميعُ الملذاتِ، نورٌ في الوجهِ والقلبِ، وصلاحٌ للبدنِ والروحِ، ترفعُ الدرجاتِ وتكفرُ السيئاتِ، وتنهى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }[البقرة:153].
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.
أقول قولي هذا ..
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلهِ الرَّبِّ الْكَرِيمِ الرَّحِيمِ الْحَلِيمِ الْعَظِيمِ؛ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَاهُ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَاهُ، الْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ مَا الْأَرْضُ وَمَا عَلَيْهَا إِلَّا ذَرَّةٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَمَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلَّا كَسَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ؛ وَلِذَا أَعْطَاهَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَمْ تَزِنْ عِنْدَهُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ فَتَحَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ بِالْقُرْآنِ، فَفَتَحُوا بِهِ الْأَمْصَارَ وَالْبُلْدَانَ، وَسَاحُوا يُبَلِّغُونَ دِينَ اللهِ -تَعَالَى- فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَلَمْ تُقْعِدْهُمْ شَهْوَةٌ، وَلَمْ تُوقِفْهُمْ قُوَّةٌ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيُهَا المُسلمونَ: إِنَّ الحقَ قويٌ لكونهِ حقًا ولو كانَ حَمَلتُه ضِعافًا، وهو يَدحضُ الباطلَ ولو كانَ الباطلُ منتَفِشًا بالعلو، مُنتَشيًا بالقوة. وَلنْ يَضيرَ الحقَ أو يُلغيَهُ حَملاتُ أَهلِ البَاطلِ المُتتابعةِ عليهِ، كما لنْ يَقضيَ على الحقِ تَصرُفاتُ أهلِ الغلوِ والتكفيرِ بغير حقٍ، وأربابِ التفجيرِ والتخريبِ في بلادِ المسلمين، أُولئكَ الأغرارُ الذينَ غَشِيَتُهم ظُلماتُ الجهلِ والهوى حَتى رَانَتْ عَلى قُلوبِهِم، وَأفْسَدَتْ عُقُولَهُم فَاسْتَحَلُوا دِمَاءَ أَرْحَامِهِم وَأَقارِبَهُم، وَقَصَدُوا قَتْلَ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِم، ثُمَّ استَبَاحُوا الغَدْرَ بِالصَائمينَ فِي خِتَامِ رمضانَ، في حَرَمِ المدينةِ النبويةِ، وَقدْ لَعنَ اللهُ تَعالى مَنْ أَحْدثَ فِيها حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا؛ فَكيفَ بِحَدثٍ جَمعَ الغَدْرَ واستِحْلَالَ أَنُفسِ الصَائِمينَ بِقُربِ حرمِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَروَّعَ المُجاورِين والمُصلِّين.
وَلكنَّها القلوبُ الفَاسدةُ إِذَا أُشْرِبتْ الفِتَنَ فَلَا يُسْتَغربُ عَلَى أَصْحابِهَا أَيُّ جُرْمٍ مَهْمَا كَانَ عظيمًا قَبيحًا، نَسألُ اللهَ تَعالى أنْ يَكْبِتَهُم، وَيَكْفِيَ المُسلمين شَرَّهُم، وَيَحفظَ أَولادَ المسلمينَ ممن يُريدُ إِغْواءَهُم وَإِضْلَالَهُم.
أَيَّتُهَا المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ : خطب النبي صلّى الله عليه وسلّم العيد ثمّ تقدّم للنساء قائلا :
يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ" فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَ تَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ،.. إلى آخر الحديث . معاشر النساء : معاشر النساء أجبن نداء الله لكن حيث قال (((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (الأحزاب : 33 ) إنها آية عظيمة جامعة , لو تأملتها المرأة وعملت بها لحازت خير الدنيا والآخرة .
أَيَّتُهَا المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ : لا يغرنّك ما يفعله بعض النساء من كثرة الخروج بدون حاجة وسفور وتبرج واختلاط فلقد قال النبي : ((صنفان من أهل النار لم أرهما بعد))، وذكر: (( نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها )).
أَيَّتُهَا المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ، أَيَّتُهَا الصَّائِمَةُ الْقَائِمَةُ: إِنَّ الْحَمَلَاتِ المَسْعُورَةَ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ وَحِجَابِهَا وَنِقَابِهَا وَمَا خَصَّهَا اللهُ -تَعَالَى- بِهِ مِنَ السَّتْرِ وَالْحَيَاءِ وَالْعَفَافِ يِزْدَادُ أَوَارُهَا، وَيَتَفَنَّنُ مَرْضَى الْقُلُوبِ فِي إِشْعَالِهَا، وَيُحَاصِرُونَ الْفَتَاةَ المُسْلِمَةَ بِالمَقَالَاتِ وَالْقِصَصِ وَالرِّوَايَاتِ وَالمُسَلْسَلَاتِ وَالْحِوَارَاتِ وَغَيْرِهَا.
وَإِنَّهُ لَيَجِبُ عَلَى كُلِّ فَتَاةٍ مُؤْمِنَةٍ أَنْ تَرُدَّ الْأَعَادِيَ مِنْ مَرْضَى الْقُلُوبِ عَنْ دِينِهَا، وَأَنْ تَذُبَّ عَنْ حِجَابِهَا وَعَفَافِهَا، وَأَنْ تُلْقِمَ أَعْدَاءَ اللهِ -تَعَالَى- أَحْجَارًا تَرُدُّهُمْ عَنْ غَيِّهِمْ. فَإِذَا مَا خَرَجَ مُفْسِدٌ يَدْعُو لِهَذَا الِانْحِرَافِ رَدَّ قَوْلَهُ مِئَاتُ الْفَتَيَاتِ بَلْ أُلُوفٌ وَمَلَايِينُ؛ لِيَعْلَمَ الْأَعْدَاءُ أَنَّ سُور المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ حَصِينٌ، وَأَنَّ دِرْعَهَا مَنِيعٌ، وَأَنَّ دِينَهَا مَتِينٌ، فَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَى حِمَاهَا.
يَجِبُ أَنْ يَنْتَشِرَ بَيْنَ الْفَتَيَاتِ المُسْلِمَاتِ ثَقَافَةُ رَدِّ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِهِ، وَدَحْضِهِ بِالْحَقِّ، وَلَا تَحْتَقِرِ الْفَتَاةُ كَلِمَاتٍ تُلْقِيهَا، أَوْ أَسْطُرًا تَخُطُّهَا فِي الذَّبِّ عَنْ دِينِهَا وَعَفَافِهَا؛ فَلَعَلَّ اللهَ -تَعَالَى- يُوجِبُ لَهَا بِهَا رِضَاهُ سُبْحَانَهُ.
وَلْتَحْذَرْ مِنْ تَأْيِيدِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فِي بَاطِلِهِمْ وَلَوْ أَحَاطُوهُ بِزُخْرُفِ الْقَوْلِ؛ فَإِنَّ المُؤَيِّدَ لِلْبَاطِلِ وَالرَّاضِي بِهِ كَالدَّاعِي إِلَيْهِ. وَرُبَّمَا أَوْجَبَ سَخَطَ اللهِ -تَعَالَى- عَلَيْهَا مَوْقِفٌ تَقِفُهُ، أَوْ رَأْيٌ تُبْدِيهِ، وَلَكِنَّهُ مُعَارِضٌ لِشَرْعِ اللهِ -تَعَالَى-، مُوجِبٌ لِغَضَبِهِ. حَفِظَ اللهُ -تَعَالَى- فَتَيَاتِ المُسْلِمِينَ وَنِسَاءَهُمْ، وَجَعَلَهُنَّ أَنْصَارًا لِدِينِهِ، حِرَابًا فِي صُدُورِ أَعْدَائِهِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: الْيَوْمَ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ يَوْمُ الْفَرَحِ بِأَدَاءِ الصِّيَامِ، فَلْنُظْهِرِ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ فِيهِ، وَلْنَنْشُرِ الْبَهْجَةَ بِهِ فِي بُيُوتِنَا وَأُسَرِنَا وَمُجْتَمَعِنَا؛ فَإِنَّ الْفَرَحَ بِهِ مِنْ شَعَائِرِهِ. لِنَبَرَّ فِي عِيدِنَا وَالِدِينَا، وَلْنَصِلْ أَرْحَامَنَا، وَلْنُكْرِمْ جِيرَانَنَا، وَلْنَلْتَزِمْ فِي فَرَحِنَا بِشَرْعِ رَبِّنَا، فَلَا نُجَاوِزْ ذَلِكَ إِلَى المُنْكَرَاتِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ لِفَرَحِ الْعِيدِ، مُوجِبٌ لِسَخَطِ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ، مُنَافٍ لِشُكْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَلْنَتَذَكَّرْ فِي عِيدِنَا إِخْوَةً لَنَا تَسَلَّطَتْ عَلَيْهِمْ قُوَى الشَّرِّ وَالطُّغْيَانِ فَأَخْرَجَتْهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَسَلَبَتْهُمْ أَمْنَهُمْ وَرَاحَتَهُمْ، فَهُمْ بَيْنَ قَتِيلٍ وَشَرِيدٍ وَطَرِيدٍ وَأَسِيرٍ، فَرَّجَ اللهُ -تَعَالَى- كَرْبَهُمْ، وَخَذَلَ أَعْدَاءَهُمْ. فَلْنَخُصَّهُمْ فِي عِيدِنَا بِمُوَاسَاتِهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ.
وَلْنُتْبِعْ رَمَضَانَ بِصِيَامِ سِتَةِ أَيَامٍ مِنْ شَوَالَ، فَإِنَّ مَنْ صَامَهَا مَعَ رَمَضَانَ كَانَ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ؛ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَحِيحِ.
أَعَادَهُ اللهُ عَلَينَا وَعَلَيكُمْ وَعَلَى المُسْلِمِينَ بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَا وَمِنْكُمْ وَمِنَ المُسْلِمِينَ صَالِحَ الأَعْمَالِ.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
المشاهدات 1303 | التعليقات 0