خطبة عيد الأضحي 1433هـ محمد الشرافي

فهد موفي الودعاني
1433/12/07 - 2012/10/23 08:42AM
خُطْبَةُ عِيدِ الأَضْحَى لِعَامِ 1433 هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ !
اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ !
اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ !
الْحَمْدُ للهِ كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُون , الْحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا مَشَى عَلَى الأَرْضِ وَدَرَج , وَالْحَمْدُ للهِ الذِي بِيَدِهِ مَفَاتِيحُ الْفَرَج , اللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيراً وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا ! أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شرِيكَ لَه , خَلَقَ فَسَوَّىَ وَقَدَّرَ فَهَدَى وَجَعَلَ الزَّوْجَينِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ! وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , بَلَّغَ الرِّسَالَةَ , وَأَدَّى الأَمَانَةَ , وَنَصَحَ الأُمَّةَ , وَكَشَفَ اللهُ بِهِ الْغُمَّةَ , وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيْرًا .
أَمَّا بَعْدُ : فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ احْمَدُوا اللهَ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ التِي لا تُحْصَى , فَإِنَّهُ بِالشُّكْرِ تَدُومُ النِّعَم !
إِنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ , وَهُوَ خَيْرُ أَيَّامِ السَّنَةِ عَلَى الإِطْلاق , وَذَلِكَ لِمَا يَجْتَمِعُ فِيهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ التِي لا تَكُونُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الأَيَّامِ أَبَدًا , فَفِي مَشَاعِرِ الْحَجِّ : الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ ، وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ , وَالنَّحْرُ ، وَالْحَلْقُ ، وَطَوَافُ الإِفَاضَةِ ! وَفِي الْبُلْدَانِ : ذَبْحُ الأَضَاحِي وَصَلاةُ الْعِيدِ ! عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ الْجَمَرَاتِ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ (أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟) قَالُوا : يَوْمُ النَّحْرِ , قَالَ (فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟) قَالُوا : الْبَلَدُ الْحَرَامُ , قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟) قَالُوا : الشَّهْرُ الْحَرَامُ !!! قَالَ (هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ , فَدِمَاؤُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ وَأَعْرَاضُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ , كَحُرْمَةِ هَذَا الْبَلَدِ فِي هَذَا الْيَوْمِ) ثُمَّ قَالَ (هَلْ بَلَّغْتُ ؟) قَالُوا : نَعَمْ ! فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (اللَّهُمَّ اشْهَدْ) ثُمَّ وَدَّعَ النَّاسَ , فَقَالُوا : هَذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ) رواه ابنُ ماجه وصححهُ الألبانيُ
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَكَذَا وَدَّعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ , وَخَتَمَ رِسَالَتَهُ فِي تِلْكَ الْبِقَاعِ كَمَا بَدَأَهَا مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً !
إِنَّهَا رِسَالَةٌ خَالِدَةٌ جَاءَتْ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ! إِنَّهَا رِسَالَةٌ جَاءَتْ بِطَمْسِ الْوَثَنِيِّةِ وَإِزَالَةِ أَوْضَارِ الْجَاهِلِيَّة ! إِنَّهُ نُورٌ جَاءَ لِتَحْرِيرِ الْعِبَادِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ وَتَوْجِيهِهِمْ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّ الْعِبَاد !
جَاءَ بِالتَّوْحِيدِ الذِي هُوَ حَقُّ اللهِ عَلَى الْعَبِيدِ , فَفِي مَكَّةَ فِي بِدَايَةِ دَعْوَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ (اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ) [رواهُ البخاريُ] , وَفِي الْمَدِينَةِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ قَالَ (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا مِنَ الشَّرْك [متفق عليه]
حَذَّرَ مِنَ الشِّرْكِ كُلِّهِ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ وَدَقِيقِهِ وَجَلِيلِه , يَأْتِيهِ رَجُلٌ فَيَقُولُ لَهُ : مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ ! فَيَرُدُّ عَلَيْهِ وَيَقُولُ ( أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدَّاً ؟ بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحَدْه ) [رواهُ أحمدُ وصححهُ الألبانيُ]
عَلَّمَ النَّاسَ أَسْمَاءَ اللهِ وَصِفَاتِهِ , وَأَخْبَرَهُمْ بِحُقُوقِ اللهِ وَوَاجِبَاتِهِ !
أَمَرَ بِصَالِحِ الأَعْمَالِ وَحَثَّ عَلَى جَمِيلِ الْخِلال : أَمَرَوَيَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ , وَرَغَّبَ فِي الصِّدْقِ وَالْعَفَافِ !!! وَأَمَرَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الأَرْحَامِ وَالإِحْسَانِ إِلَى الْمَرْأَةِ وَالْيَتِيمِ وَالْفَقِير ! وَنَهَى عَنِ الظُّلْمِ وَالْجُورِ وَالْكَذِبِ وَالْغِشِّ وَالزُّورِ وَالْخُمُورِ وَالنَّوْحِ وَالتَّصَاوِيرِ وَالتَّبَرُجِ وَالْغِنَاءِ , وَنَهَى عَنِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ لِلرِّجَال !
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أُمَّةَ الإِسْلام : إِنَّكُمْ عَلَى دِينٍ عَظِيمٍ هُوَ مِلَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم , إِنَّهُ الدِّينُ الذِي طَلَبَهُ اللهُ مِنَّا وَارْتَضَاهُ لَنَا قاَلَ اللهُ تَعَالَى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) ,,, إِنَّهُ الدِّينُ الذِي لا يَقْبَلُ اللهُ دِينَاً سِوَاهُ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين)
إِنَّهُ الدِّينُ الذِي جَاءَ بِالأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالاحْتِرَامِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ , فَلا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلا أَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ إِلَّا بِالإِيمَان والْتَّقوَى , الناَّسُ مِنْ آدَمَ , وَآدَمُ مِنْ تُرَاب , قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) وَقَالَ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) .
إِنَّهُ الدِّينُ الذِي جَاءَ بِاحْتِرَامِ الكَبِيرِ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي سِنِّهِ أَوْ عِلْمِهِ أَوْ مَنْزِلَتِهِ , إِنَّهُ جَاءَ بِالرَّحْمَةِ بِالصَّغِيرِ فِي عُمُرِهِ أَوْ مَكَانَتِهِ ! قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا , وَيَرْحَمَ صَغِيرَنَا ! وَيَعْرِفَ لِعَالِمِنَا حَقَّه) [رواه أحمد وحسنه الألباني]
إِنَّهُ جَاءَ بِحَقِّ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ وَالْخَادِمِ , قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) [متفق عليه] ,,, وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ) [متفق عليه]
فَهَلْ رَأَى النَّاسُ أَجْمَعُونَ دِينَاً أَحْسَنَ مِنْ دِينِنَا أَوْ مِلَّةً خَيْرَاً مِنْ مِلِّتِنَا ؟
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّكُمْ عَلَى دِينٍ جَاءَ بِالْعَدْلِ حَتَّى مَعَ الأَعْدَاءِ ! أَلَمْ يَقُلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) ؟ أَلَمْ يَقُلْ سُبْحَانَهُ (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ؟
إِنَّهُ دِينٌ جَاءَ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الأَوْلادِ , وَالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) وَقَالَ بِأَبي هُوَ وَأُمِّي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كَانَتْ لَهُ اِمْرَأَتَانِ , فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا , جَاءَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ) [رواه الخمسة وقال ابن حجر : وسنده صحيح]
إِنَّهُ دِينٌ جَاءَ بِحَقِّ الرَّاعِي وَحَقِّ الرَّعِيَّة : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ)[رواه مسلم] وَقَالَ فِي حَقِّ الرَّعِيِّةِ (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئَاً فَشَقَّ عَلَيَهْمِ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئَاً فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِه)[رواه مسلم]
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَمَّةَ الإِسْلامِ : إِنَّهُ الدِّينُ الذِي جَاءَ بِإِكْرَامِ الضَّيْفِ وَإِعْزَازِهِ , وَإِكْرَامِ الْجَارِ وَتَحمُّلِ أَذَاهُ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ , وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ , وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)[متفق عليه]
إِنَّهُ دِينُ الرِّفْقِ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ حَتَّى بِالْحَيَوَانِ , فَكَيْفَ بِالإِنْسَانِ ؟ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين)
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ , فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ , ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ , فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي ! فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ , قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا ؟ فَقَالَ (فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ )[رواه البخاري] وقال (عُذِّبَتْ اِمْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ , فَدَخَلْتِ اَلنَّارَ فِيهَا , لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا , وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا , تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ اَلْأَرْضِ) [متفق عليه]
فَأَيْنَ مَنْ يَزْعُمُونَ الْمَدَنِيَّةَ وَالإِنْسَانِيِّةَ , وَالرِّفْقَ بِالْحَيَوَانِ , ثُمَّ هُمْ يَقْتُلُونَ الأَبْرِيَاءَ وَيَتَآمَرُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي الْخَفَاءِ ! أَيْنَ هُمْ مِنْ مَحَاسِنِ دِينِنَا وَأَيْنَ ذَهَبَتْ عُقُولُهُمْ مِنْ أَنْوَارِ شَرِيعَتِنَا ؟ قَالَ اللهُ تَعَالَى (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) فَاللَّهُمَّ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِك يَا حَيُّ يَا قَيْوم !
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , الْحَمْدُ للهِ حَمْدَاً كَثِيرَاً طَيِّبَاً مُبَارَكَاً فِيهِ !
اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ !
اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ !
اللهُ أَكْبَرُ !
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) وَإِنَّ الأُضْحِيَةَ مِمَّا جَعَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا , فَنَذْبَحُ أَضَاحِيَنَا تَقَرُّبَاً إِلَى رَبِّنَا وَتَعَبُّدَاً لَهُ , واقْتِدَاءً بِنَبِيَّيْهِ الْكَرِيمَيْنِ مُحَمَّدٍ وَأَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ !
أَيَّهُا الْمُسْلِمُونَ : اذْبَحُوا أَضَاحِيَكُمْ عَلَى اسْمِ اللهِ ,قَائِلِينَ : بِاسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ , اللَّهُمَّ هذَا مِنْكَ وَلَكَ , اللَّهُمَّ عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِي , أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , بِحَسْبِ الأُضْحِيَةِ وَمَنْ هِيَ لَهُ !
وَاعْلَمُوا أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ ذَبْحِ الأَضَاحِي بَعْدَ صَلاةِ العِيدِ , فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَشَاتُهُ شَاةُ لَحْمٍ , يُطْعِمُهَا أَهْلَهُ , وَيَذْبَحُ أُخْرَى مَكَانَهَا , ثُمَّ إِنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ لِحِلِّ الذَّبِيحَةِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ) مُتَفَقٌ عَلَيْهِ
فَمَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ جَهْلاً أَوْ نِسْيَانَاً أَوْ عَمْدَاً فَذَبِيحَتُهُ حَرَامٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ أُخْرَى مَكَانَهَا .
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِكَ , وَتَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ , وَتُهْدِيَ لِمَنْ شِئْتَ مِنْ أَقَارِبِكَ وَجِيرَانِكَ , وَلَيْسَ هُنَاكَ تَحْدِيدٌ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ , وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ : إِنَّهُ يَأْكُلُ ثُلُثَهَا وَيَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهَا وَيُهْدِي ثُلُثَهَا , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ !
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّهُ قَدْ تَوَافَقَ فِي يَوْمِنَا هَذَا عِيدَانِ : عِيدُ الأَضْحَى وَالْجُمْعَةُ , وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعِيدَ فِي يَوْمِ جُمْعَةٍ ثُمَّ رَخَّصَ فِيهَا , فَعنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَلْعِيدَ , ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ, فَقَالَ (مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ) [رواه وابن ماجه وصححه الألباني]
وَلَكِنْ عَلَى أَئِمَّةِ الْجُمْعَةِ أَنْ يُصَلُّوا , فَيُقِيمُوا الْجُمْعَةَ فِي الْجَوَامِعِ , فَمَنْ حَضَرَهَا مِمَّنْ حَضَرَ الْعِيدَ فَهُوَ أَفْضَلُ , وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ لا يَحْضُرَ فَلا بَأْسَ . وَلَكِنْ هُنَا لابُدَّ أَنْ يُصَلِّيَ الْظُهْرَ !
وَلا يَظُنَّنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الظُّهْرُ , فَهَذَا غَلَط , فَلا بُدَّ أَنْ يُصَلِّي الْجَمْعَةَ أَوِ الظُّهْرَ . فَمَنْ حَصَلَ مِنْهُ هَذَا فَلَمْ يُصَلِّ الْظُّهْرَ وَلا الْجُمْعَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ , فَنَبِّهُوا النَّاسَ عَلَى هَذَا !
وَلَكِنْ أَيْنَ يُصَلِّي الظُّهْرَ ؟ الْجَوَابُ : يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَلا يَجُوزُ أَنْ تُقَامَ صَلاةُ الظُّهْرِ فِي الْمَسَاجِدِ فِي هَذَا الْيَوْمِ , وَقَدْ نَصَّ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , كَالشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللهُ مُفْتِي الدَّيَارِ السُّعُودِيَّةِ سَابِقَاً ,,, وَالشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ حَيْثُ قَالَ : إِنَّهُ لَوْ أُقِيمَتْ صَلاةُ الظُّهْرِ فِي الْمَسَاجِدِ مَعَ وُجُودِ الْجُمْعَةِ فِي الْجَوَامِعِ لَكَانَ ذَلِكَ تَنَاقُضَا .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : افْرَحُوا بِعِيدِكُمْ وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ , هَنِّئُوا بَعْضَكُمْ بِيَوْمِكُمْ , وَقَدْ كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ رَحِمَهُمُ اللهُ يُهَنِّئُ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً بِقَوْلِهِ : تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ , وَلا بَأَسْ بِغَيْرِهَا مِنَ الْعَبَارَاتِ التِي لا مَحْظُورَ فِيهَا , وَإِنَّ الْعِيدَ فُرْصَةٌ لِصِلَةِ الأَرْحَامِ وَزِيَارَةِ الأَهْلِ وَالأَصْدَقَاءِ والْجِيرَانِ , وَإِنَّهُ فُرْصَةٌ لِإِزَالَةِ الشَّحْنَاءِ وَالْبَغضَاءِ , وَفُرْصَةٌ لِإِصْلاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ قَالَ اللهُ تَعَالَى (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
اللَّهُمَّ تَقَبَّل مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِكَ وَعُمَّارِهِ مَنَاسِكَهُمْ وَلا تَحْرِمْنَا مِمَّا أَعْطَيْتَهُمْ , اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَجَنِّبْنَا كُلَّ شَرٍّ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنِا وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا ,وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلام , وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن , اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُّ الرَّحِيم وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا قَابِلِينَ لَهَا وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا .
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ لِوُلاةِ أمُورِنَا بِطَانَتَهَمْ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ , سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ , وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
المرفقات

عيد الأضحى 1433هـ.doc

عيد الأضحى 1433هـ.doc

المشاهدات 3732 | التعليقات 3

شكر اللله لكم هذ العمل وجعله في موازين اعمالكم وهذه خطبتي إن شاءالله لهذ العيد وأسأل الله لنا وللجميع القبول والتسديد محبكم أبوعبدالله التميمي


بارك الله فيك اخي وجزاك الله كل خير


جزاك الله خيرا ونفع بك وتقبل الله منا ومنكم ومن جميع المسلمين